مثلاً، كان لدى أحد روَّاد الأعمال فكرة عبقرية، ولكنَّه كان في حيرة من أمره، ولم يعرف المسار الذي كان عليه أن يسلكه، حتى جاء كوتش غيَّر حياته، وتحولت فكرته تلك إلى خطة قوية أدت به إلى إطلاق مشروع تجاري ناجح، وكأنَّ الكوتش يحمل سر نجاح ريادة الأعمال.
قصة رائد الأعمال هذا شهادة على فاعلية الكوتشينغ، وهي ليست حالة استثنائية؛ بل الكوتشينغ على ريادة الأعمال هو السر الخفي للنجاح؛ لذا دعنا نستكشف فيما يأتي الإحصاءات والأدوات والتوجهات المرتبطة بتأثير الكوتشينغ في نجاح ريادة الأعمال.
إحصاءات وبيانات عن دور الكوتشينغ في نجاح ريادة الأعمال:
وفقاً لـ "مرصد الريادة العالمي" (Global Entrepreneurship Monitor)، يتم إطلاق أكثر من 100 مليون شركة ناشئة كل عام، ففي الوقت الحالي، أعلنت الولايات المتحدة عن وجود أكثر من 30 مليون شركة صغيرة، وما هذا إلا غيض من فيض؛ إذ شهدت المملكة المتحدة انطلاق 407.510 شركة جديدة في عام 2022.
لكن وسط ذلك كله، يواجه روَّاد الأعمال بعض الصعوبات البالغة التي تعرقل مسارهم، وأولها مشكلة التمويل، فقد أظهرت دراسة أجرتها "كلية بابسون" (Babson College) أنَّ أكثر من 65% من روَّاد الأعمال يستخدمون مدخراتهم ليحققوا حلمهم في ريادة الأعمال، وإنَّه لشغف بالغ، ولكنَّه عمل محفوف بالمخاطر أيضاً.
يتعين على نحو 42% من الشركات الناشئة أن تتخلى عن أحلامها بسبب عدم وجود سوق لبيع منتجاتها، فتخيَّل السهر لليالٍ طوال في سبيل العمل على شيء لا يريده العالم، وهذا كمن يقيم حفلة ولا أحد يأتي إليها.
إضافة إلى المنافسة الشرسة التي تشهدها ريادة الأعمال؛ إذ تظهر يومياً موجة جديدة من روَّاد الأعمال الذين تملأ قلبهم الحماسة، والمستعدين للتنافس مع نظرائهم من روَّاد الأعمال القديمين، ويشبه الأمر ساحة معركة يتم الانتصار فيها على 20% من الشركات الجديدة.
إضافة إلى ذلك، يشكِّل الاحتراق الوظيفي مصدر قلق جدي لـ 30% من روَّاد الأعمال بسبب الضغط المترتب عليهم، وذلك وفقاً لمؤسسة "غالوب" (Gallup)، وأمام مثل هذه التحديات، يصبح الكوتشينغ بمنزلة بوصلة موثوقة يهتدي بها روَّاد الأعمال إلى المسار الآمن وسط هذه العقبات الشائكة.
ما هو الكوتشينغ على ريادة الأعمال؟
ريادة الأعمال شبيهة بمغامرة ملحمية عبر محيطات هائجة مليئة بالإثارة والتحديات، ليكون الكوتش فيها بمنزلة الملاح الذي يساعد روَّاد الأعمال على رسم مسارهم؛ إذ يعمل الكوتش على تمكين رائد الأعمال من خلال تحديد أهداف قابلة للتنفيذ، وتقسيم الأفكار الكبيرة إلى خطوات قابلة للتحقيق، كما يساعد روَّاد الأعمال على تطوير عدد من المهارات، في مجالات مثل التسويق والتمويل والموارد البشرية والتفاوض والقيادة والتواصل.
القدرة على التكيف مهارة أساسية؛ لذا يضمن الكوتش أن يتمكن رائد الأعمال من تعديل مشروعه وخطته لتتوافق مع الأسواق والتقنيات المتغيرة، أما لحل مشكلة الاحتراق الوظيفي والتوتر، فيقدِّم الكوتش استراتيجيات للتكيف، ويساعد رائد الأعمال على الحفاظ على توازنه.
يقدِّم الكوتش أفكاراً وتغذية راجعة ثمينة، فيستقي متلقي الكوتشينغ الحكمة من تجارب الكوتش، إلى جانب أنَّ الكوتش يوجه رائد الأعمال إلى شبكات علاقات وموارد حصرية تُثري مساره.
الكوتشينغ على ريادة الأعمال بمنزلة الجمع بين زميل عمل متمرس ومنتور وصندوق من الأدوات في شخص واحد؛ إذ يجمع الكوتشينغ بين تحديد الأهداف وتطوير المهارات والتكيف والنمو، ليتمكن روَّاد الأعمال بعدها من شق طريقهم بثقة وشغف.
قيمة الكوتشينغ لروَّاد الأعمال، رؤية إحصائية:
إليك فيما يأتي أهم الإحصاءات التي تدعم قيمة الكوتشينغ لروَّاد الأعمال:
1. صناعة القرار:
في دراسة أجراها "الاتحاد الدولي للكوتشينغ" (ICF) و"معهد رأس المال البشري" (HCI)، أفاد 60% من المشاركين بتحسُّن قدراتهم على اتخاذ القرارات بعد التعامل مع الكوتش، فالكوتشينغ بمنزلة سلاح سري يمكِّن روَّاد الأعمال من تقييم الفرص والمخاطر بدقة أكبر، وهذا يعزز مهارة اتخاذ القرارات الصائبة والاختيارات الاستراتيجية.
يحقق الكوتشز هذا التحسن من خلال مساعدة روَّاد الأعمال على تمحيص المعلومات واختيار ما يناسبهم منها والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات وتنمية القدرة على التخفيف من المشتتات ومعرفة الهدف من الحياة، فيصبح الكوتش بذلك بمنزلة بوصلة تُوجِّه رائد الأعمال لاتخاذ قرارات صائبة والبقاء على المسار الصحيح.
2. الإنتاجية:
كشفت دراسة أجرتها "جمعية إدارة شؤون الموظفين" (Personnel Management Association) عن نتيجة مذهلة مفادها أنَّ التدريب وحده أدى إلى زيادة الإنتاجية بنسبة 22%، ولكنَّ تقديم الكوتشينغ إلى جانب التدريب أدى إلى زيادة الإنتاجية بنسبة بلغت 88%، الأمر الذي يُعَدُّ تغييراً كبيراً.
ما هو السر إذاً؟ يكشف الكوتشينغ عن إمكانات الأفراد، ويساعدهم على تحديد الأوقات التي يكون فيها تركيزهم في ذروته، ويعزز قدراتهم.
3. الذكاء العاطفي ومهارات القيادة:
وجدت دراسة أجرتها شركة "كورن فيري" (Korn Ferry) أنَّ الشركات التي يتمتع موظفوها بمعدلات عالية من الذكاء العاطفي (EQ) تحقق ضعفا ونصف إيرادات الشركات التي يكون فيها معدل الذكاء العاطفي لدى الموظفين أقل.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ 71% من مديري التوظيف يعطون قيمة للذكاء العاطفي أكثر من الذكاء العقلي؛ إذ يزوِّد الكوتشينغ على القيادة روَّاد الأعمال بالمهارات اللازمة لقيادة الفِرق بفاعلية وتنمية المشاريع الناجحة، وذلك عبر تعزيز ذكائهم العاطفي.
4. العائد على الاستثمار (ROI) للكوتشينغ:
وفقاً لدراسة أجراها الاتحاد الدولي للكوتشينغ، شهدت الشركات التي استثمرت في الكوتشينغ متوسط عائد على الاستثمار يصل إلى 7 أضعاف استثماراتها في البداية، كما سجلت بعضها عائداً على الاستثمار يصل إلى 49 ضعف استثماراتها الأولية.
إذاً، من الواضح أنَّ الاستثمار في الكوتشينغ لا يُعَدُّ ضمن التكاليف؛ بل هو استثمار ذو عائد مرتفع، فقد ذكر تقرير صادر عن شركة "ميتريكس غلوبال" (MetrixGlobal) أنَّ الشركات التي استثمرت في الكوتشينغ حققت عائداً على الاستثمار بنسبة 529%.
أظهرت دراسة أجرتها "شركة مانشستر" (Manchester Inc) أنَّ الشركات التي تستثمر في الكوتشينغ التنفيذي تحقق متوسط عائد على الاستثمار يبلغ 5.7 أضعاف استثماراتها فيه، أو ما يعادل عائداً يزيد عن 100 ألف دولار، ولا يتعلق الأمر بالمال فقط؛ بل بالتغيير الإيجابي الدائم في المهارات والقوة التنظيمية وازدياد نسبة الاحتفاظ بالموظفين.
5. التأثير:
تُظهِر الأبحاث أنَّ الشركات التي تستخدم الكوتشينغ أفادت بزيادة بلغت نسبتها 46% في خدمة العملاء و27% في الأرباح، كما وجد الاتحاد الدولي للكوتشينغ أنَّ 80% من الأشخاص الذين تلقوا الكوتشينغ أفادوا بزيادة ثقتهم بنفسهم، وشهد أكثر من 70% منهم تحسُّناً في أداء العمل والعلاقات ومهارات التواصل.
تقنيات الكوتشينغ التي تعزز النجاح في ريادة الأعمال:
1. تحديد الأهداف والمساءلة:
أولاً يجب تحديد "أهداف ذكية" (SMART)؛ التي تعني أهدافاً محددة وقابلة للقياس وقابلة للتحقيق وذات صلة ومؤطرة بإطار زمني يوجه إطار الأهداف الذكية روَّاد الأعمال إلى تحديد أهداف دقيقة قابلة للتحقيق؛ إذ يؤدي الكوتش دوراً محورياً في ذلك من خلال مساءلة رائد الأعمال، فهذا الهدف المحدد بدقة والوقت المقرَّر لتحقيقه سيجعل تركيز رائد الأعمال منصبَّاً على العمل.
2. حل المشكلات واتخاذ القرارات:
يأتي هنا دور نموذج "غرو" (GROW) الذي يرمز إلى الهدف (goal) والواقع (reality) والخيارات (options) والمضي قدماً (the way forward)، فإنَّه بمنزلة بوصلة توجه عملية صنع القرار وحل المشكلات؛ إذ يتعاون الكوتش الذي يستخدم نموذج "غرو" مع رائد الأعمال لتوضيح الأهداف وتحليل الواقع الحالي واستكشاف الخيارات والمضي قدماً إلى الأمام.
3. تنمية المهارات القيادية:
لا تخص المشاريع التجارية فرداً واحداً بعينه؛ بل هي بمنزلة فرقة موسيقية يقودها المايسترو؛ إذ يعمل الكوتش على تنمية قدرة رائد الأعمال على الإلهام والتحفيز الفكري ومراعاة احتياجات أفراد الفريق، ويتعلق الأمر بترسيخ ثقافة تنظيمية قائمة على الإبداع؛ إذ ينصبُّ تركيز الجميع على رؤية مشتركة.
التغلب على الصعوبات التي تواجه ريادة الأعمال من خلال الكوتشينغ:
1. إدارة التوتر ومنع الاحتراق الوظيفي:
يصاحب التوتر روَّاد الأعمال خلال رحلتهم، وهنا يأتي دور الكوتشينغ في تزويد روَّاد الأعمال بمجموعة من الاستراتيجيات للتغلب على التوتر وتحقيق التوازن في حياتهم، مثل اليقظة الذهنية وإدارة الوقت، إلى جانب تشجيعهم على وضع أهداف واقعية وأخذ فترات للراحة.
لكن أهم ما في الأمر هو تعليمهم التمييز بين ما يمكن وما لا يمكن السيطرة عليه، وتشجيعهم على التخلي عما لا يستطيعون تغييره والتركيز على ما يمكنهم التحكم به.
2. المساعدة على تنمية الأعمال التجارية وتوسيع نطاقها:
توسيع نطاق الأعمال التجارية طريق مجهول، ودور الكوتش هو توجيه رائد الأعمال ليبلغ هدفه.
وفقاً لدراسة أجراها "الاتحاد الدولي للكوتشز"، أفادت الشركات التي تقدِّم الكوتشينغ أنَّ 86% منهم استردت استثماراتها الأولية، كما حققت إحدى الشركات المصنَّفة ضمن قائمة "فورتشن 500" (Fortune 500) عائداً ملحوظاً على الاستثمار بنسبة 78% من خلال الكوتشينغ التنفيذي.
تشير أدلة إضافية من الأبحاث التي أُجرِيت على الشركات المصنَّفة ضمن قائمة "فورتشن 500" إلى أنَّ متوسط العائد على الاستثمار للكوتشينغ التنفيذي يبلغ نحو ستة أضعاف تكلفة الكوتشينغ.
يساعد الكوتش روَّاد الأعمال على إنشاء أساس راسخ، وذلك من خلال التخطيط الاستراتيجي وبناء الفريق وتحليل سوق العمل، ويوضح بذلك المسار المناسب نحو تحقيق التوسع.
3. معالجة القيود المالية وقيود الموارد:
يساعد الكوتشينغ في هذه الحالة من خلال تنمية عقلية الوفرة وسعة الحيلة، فمهمة الكوتشز هي مساعدة روَّاد الأعمال على رؤية الإمكانات والفرص في العوائق.
في الختام:
سيتداخل مجال الكوتشينغ مع التوجُّهات الناشئة في ريادة الأعمال، مثل ممارسات الأعمال المستدامة وريادة الأعمال الاجتماعية، وسيتطوَّر ليشمل هذه النماذج، وهذا يؤدي إلى ظهور مجالات كوتشينغ متخصصة، وسيكون الكوتشز مسؤولين عن الابتكار في مجال ريادة الأعمال والنمو.
لكن تذكَّر أنَّ رحلة النمو لا تنتهي هنا، فتقديم الكوتشينغ لروَّاد الأعمال ليس حدثاً لمرة واحدة؛ بل عملية مستمرة من التعلم والتكيف، فيجب عليك تعزيز رحلتك الريادية من خلال الكوتشينغ حتى تحصد النجاح، فكل ما تحتاجه هو الأدوات المناسبة لتسخير قوة كوتشينغ الأعمال وإحداث التأثير المطلوب.
أضف تعليقاً