خلال سنوات عملي الأولى كمستشارٍ إداري خُضتُ في العديدِ من المشاريع التي بدت سهلةً للغاية وشعرتُ في بعض الأحيان بأنّ مهامي يمكن إنجازُها دونَ أدنى صعوبة على يدِ جامعيٍ مبتدئ يملكُ الفكرَ اللائق وفهمَ الأساسيات في مجالِ الأعمال. في الحقيقة، ومع مرور الزمن خضتُ في مشاريع أكثرَ صعوبةً، تتطلبُ دراية الخبراء وفهمٍ أفضلَ بكثيرٍ لاحتياجات زبائننا الخاصة.
ولكن، ما يزالُ السؤالُ قائماً: ماذا عن تلك المشاريع السهلة، ولماذا، حتى في المشاريع الأكثرَ تحدياً، لا يوجد في الشركات التي عملنا لصالحها أية موارد داخلية متمرسة بشكلٍ سليم؟
إن موضوع الاستشارات كان وربما سيبقى دائماً مثيراً للجدل. فقد تُعد هذهِ المسألةَ من المحرمات في بعض الشركات، فهم لا يرونَ أدنى سبب يدفعهم لإنفاق، دعونا نواجه الأمر، قدر كبير من المال على المشاريع والمبادرات التي يعتقدون بإمكانية تنفيذها عن طريق جموع العاملين المتوافرين داخلياً فقط، في حين تعتمد بعض الشركات الأُخرى في غالبية مبادراتها على جهود الاستشاريين بل وتذهب إلى أبعد من ذلك في إحالة الكثير من الأنشطة الإدارية والتنفيذية إلى الشركات الاستشارية أو إلى الخبراء المستقلين.
وكما جرت العادة، تكمن الحقيقة في مكانٍ بينهما: ليس من المستحسن لأية شركة القيام بإحالة الكثير من أعمالها إلى دعمٍ خارجي، مما يؤدي إلى إبعاد موظفيها عن الخوض في تحديات وتفّصيلات العمل. في معظم الأحيان يتم طلب الاستشاريين من أجل النشاطات التنفيذية والتي أياً من موظفيهم الداخليين ليسوا على استعدادٍ للقيام بها (على الرغم من اعتقاد غالبيتهم بقدرتهم على ذلك).
إذاً، لماذا الأخذُ بالاستشارة؟
في المقام الأول، وخصوصاً في ما يتعلق بالمشاريع "السهلة" يمكن لمسألة المرؤوسية والتسلسل الهرمي الوظيفي أن يكونا حاسمين في نجاح المشروع:
بصرف النظر عن أسلوب مقاربة المشروع، سواء كان ذلك بأسلوبٍ تصاعُدي أو تنازُلي، لطالما كانت السلطة والتدرج الهرمي الوظيفي العائق وراء نجاح المشروع.
لدى الاستشاريون وظيفة واضحة للقيام بها وهم مركزون دوماً على ضمان تحقيق النتائج المرجوة. فهم لا يمانعون بالضغط على المدراء أو مضايقتهم، حتى كبار المدراء منهم، إلى أن يتم الوفاء بالمهام المسندة إليهم وإنجاح المشروع.
في سياق الموضوع نفسهِ أيضاً، يقبع الموظفون الدّاخليّون تحت ضغوط مؤشرات الأداء الخاصة بهم، ويبذلون قصارى جهدهم للحصول على تقييم سنوي أو شهري جيد. في حين ينساق الاستشاريون فقط خلف تحقيق النتائج المرجوة لمشاريعهم. بعبارةٍ أُخرى، سيضحي جموع العاملين الداخليين تقريباً بنجاح أي مشروع في حال ستؤثر نتائجهُ سلباً على مؤشرات الأداء الخاصة بهم، بينما سيتخذ الاستشاريون دوماً القرارات الأشملَوالأفضلَ لصالح الشركة التي يعملون لها.
تدقيق: مالك اللحام
أضف تعليقاً