تطوير أساليب التعلم المدمج لتلبية احتياجات العمل

لقد غيَّرت جائحة كورونا طرائق عملنا، فسواءَ كنَّا نعمل عن بُعد أم نحافظ على التباعد الاجتماعي في مكان العمل، تتطلَّب الطرائق الجديدة التي نعمل بها تغييراً في نهج التعلُّم والتطوير.



لقد تكيَّفنا مع فكرة الانتقال إلى التعلُّم الرقمي، وحان الوقت لإعادة التفكير في أفضل أنماط التعلُّم؛ لذا ستكتشف في هذا المقال كيف يمكن أن يساعدك التعلُّم المدمج المرن على تلبية احتياجات العمل المتغيرة واستكشاف بعض الأمثلة عن أكثر برامج التعلُّم المدمج فاعلية.

بمَ يتَّسم مكان العمل الحديث؟

لقد اعتمدَ الناس تقنيات جديدة وأساليب مُعدَّلة لمواصلة العمل في أثناء الجائحة، وقد تكون بعض هذه التغييرات ناتجة عن ردة فعل على الجائحة، ولكنَّها ليست مؤقتة بالتأكيد؛ إذ تتغيَّر طرائق عملنا كثيراً بدءاً من أنماط العمل الهجينة الجديدة وأساليب التعاون ووصولاً إلى الأشخاص الذين يتَّخذون مناصب جديدة والفجوات الجديدة في المهارات، وتعني هذه التغييرات السريعة والقلق المتزايد الذي شهدناه خلال السنوات بعد انتشار الجائحة أنَّ العديد من الموظفين يعانون ويواجهون الصعوبات.

على الرغم من أنَّ التشجيع الكبير على اعتماد التعلُّم الذاتي مستمر، لكنْ لا يتوفر الدعم اللازم دائماً للقيام بذلك، كما يُعَدُّ إعداد جلسة تعلُّم في أثناء العمل عند اللزوم أصعب، إلى جانب أنَّ إجهاد زووم (Zoom fatigue) بدأ يفتك بالموظفين، ولم تَعُدْ لديهم الرغبة في المشاركة في ورش عمل طويلة؛ إذ ظلَّ متوسط ​​أوقات جلسات التعلُّم عبر الإنترنت ثابتاً لفترة طويلة عند حوالي 20 دقيقة، وعلى مدار العام الماضي شهدنا انخفاضاً كبيراً في مدة الجلسات إلى ما يزيد عن 4 دقائق بقليل؛ وذلك لأنَّ الناس يرغبون في جلسات تعلُّم قصيرة وأكثر دقة وتهمهم وتساعدهم على أداء وظائفهم بصورة أفضل.

في ظل هذه المتغيرات الجديدة، من الواضح أنَّ نهج تعلُّم واحد لا يناسب الجميع، فبدلاً من الالتزام باستراتيجيات تعلُّم صارمة، حان الوقت لإنشاء تجارب تعلُّم مُدمجة ومرنة تحتاج إليها مؤسستك والموظفون.

كيف يمكن أن يساعد التعلُّم المدمج؟

تصميم التعلُّم المدمج ليس بأمر جديد، فالنماذج الكلاسيكية موجودة منذ سنوات، لكنْ على الرغم من أنَّ نهجاً مثل التعليم المعكوس (flipped classroom) ما زال يحافظ على أهميته، إلَّا أنَّ الجائحة غيَّرت الأمور كثيراً، ومع شبه استحالة التدريب وجهاً لوجه، استحوذَت أساليب تدريس جديدة على مكانه؛ إذ أصبح دمج الندوات عبر الإنترنت مع التعلُّم الإلكتروني هو النهج السائد، ويرى الناس الآن فوائد هذه الاستراتيجيات المُدمجة الجديدة فهي:

1. مرنة:

يتيح التعلُّم المُدمَج القائم على الأسلوب الرقمي للناس التعلُّم عبر الإنترنت بالوتيرة التي تناسبهم، ومتى وأينما أرادوا؛ مما يجعله مثالياً للعمل الهجين؛ حيث تُوجَد أنواع عديدة من أماكن وطرائق العمل.

2. مُبسَّطة:

يتيح لك دمج جلسات تعلُّم قصيرة ومُقسَّمة إلى وحدات إعادة تأهيل الموظفين وإكسابهم مهارات إضافية بصورة أسرع، فتقسيم جلسات التعلُّم وتطبيق ما يتعلمه الموظفون عاجلاً وليس آجلاً يُعزِّز المعرفة واكتساب المهارات الجديدة.

3. مُخصَّصة:

يتوقَّع المتعلمون في وقتنا الحالي تجارب تعلُّم رقمية قابلة للتعديل وفق احتياجاتهم؛ إذ يؤدي توفير مجموعة من التدريبات والطرائق المختلفة من خلال التعلُّم المدمج إلى تجارب تعلُّم مخصصة وأكثر أهمية للموظفين.

4. اجتماعية:

لقد صعَّبت بيئات العمل المنعزلة الحفاظ على الروابط الاجتماعية؛ لذا يضمن اعتماد التعلُّم الاجتماعي المنظم في التعلُّم المدمج مشاركة المعلومات بين الزملاء.

بمَ يجب أن يتَّسم التعلُّم المدمج في عام 2023 وما بعده؟

تحتاج طرائِقنا الجديدة في العمل إلى إنشاء نهج تعلُّم مدمج حديث؛ أي نهج مرن بما يكفي ليلائِم المتطلبات المتنوعة لأساليب التعلُّم الجديدة، وليس بالضرورة أن تلتزم بنموذج تعلُّم مدمج صارم أو استراتيجية تدريس معينة، وبدلاً من التمسُّك بنُهُج الماضي، ركِّز فيما يحتاج إليه عملك والموظفون؛ إذ يجب أن يكون التعلُّم المدمج:

1. قائماً على التعلُّم الرقمي:

انظرْ في التنسيقات المتاحة، وحدِّد أيها سيكون أكثر فاعلية لتلبية احتياجاتك حالياً وفي المستقبل، واعتمد بدائل للتعلُّم عبر الإنترنت مثل التدريب الافتراضي بقيادة مدرب (VILT) والندوات عبر الإنترنت، بالإضافة إلى التعلُّم الإلكتروني.

2. موجَزاً:

استخدِمْ محددات الأدوار "والتي تمكِّنُكَ من عرض قائمة من الأدوار التي حدَّدتَها في موقعك" لتخصيص المحتوى، واجعلْ جلسات التعلُّم الإلكتروني التي تُقدِّمها قصيرة وموجزة وقائمة على التعلُّم المصغر، فاكتساب المعرفة والمهارات بسرعة هو من أولوياتك.

3. ذا وتيرة منظَّمة:

نظِّم وتيرة جلسات التعلُّم الاستثنائية التي تقدِّمها لمن يواجه صعوبات معيَّنة في التعلُّم؛ وذلك لتعزيز تأثيرها، وقدِّم محتوى داعماً قبل التدريب الافتراضي بقيادة مدرِّب والندوات عبر الإنترنت حتى تتمكَّن من التركيز في تلك الجلسات في الممارسة والتطبيق.

4. اجتماعياً:

استخدِم مساحات رقمية لتمكين المتعلمين من مشاركة الأفكار ومناقشتها، وأَنشِئ علاقات دائمة من خلال التعلُّم الاجتماعي باستخدام القنوات المتوفرة في منظمتك.

ما هي العناصر المختلفة التي يُمكِنُكَ استخدامها كجزء من التعلُّم المدمج المرن؟

تُوجَدُ العديد من الخيارات حينما يتعلَّق الأمر بالتعلُّم المدمج؛ لذا إليك فيما يلي بعض التنسيقات التي يُمكِنُكَ دمجها ومطابقتها لتحقيق أهدافك التعليمية:

1. التدريب الافتراضي بقيادة مدرب أو ندوة عبر الإنترنت:

إنَّه بديل رائع للتدريب وجهاً لوجه. استخدِم التدريب الافتراضي بقيادة مدرب أو ندوة عبر الإنترنت إذا كنتَ بحاجة إلى جمع الأشخاص الذين قد يعملون عن بُعد معاً، ولتعزيز تأثير جلسة التدريب تأكَّد من دعمها بجلسات تعلُّم قائمة على الإنترنت، أمَّا إذا كان الأشخاص يعرفون المحتوى هذا مسبقاً، فيُمكِنُكَ حينئذٍ تركيز التدريب الافتراضي بقيادة مدرب في مناقشة التعلُّم وتطبيقه.

2. جلسات الكوتشينغ والمنتورينغ عبر الإنترنت:

بدءاً من الكوتشينغ الافتراضي ووصولاً إلى لعب الأدوار؛ تُركِّز الجلسات الفردية في المجالات التي يحتاج فيها الأشخاص إلى المساعدة. أَنشِئ علاقات اجتماعية وتعلُّماً مستمراً من خلال جلسات التغذية الراجعة التي يقدمها الزملاء.

3. التعلُّم الإلكتروني:

يمكن استخدام التعلُّم الإلكتروني بطرائق متنوعة، فهو واحد من أكثر التنسيقات مرونة.

  • التشخيص: تقييم مستويات الكفاءة الحالية أو إضافة محدد الدور؛ حيث يكون المحتوى ملائماً ومخصصاً لاحتياجات المتعلِّم.
  • التعلُّم المصغر: يمكن أن تتلاءَم جلسات التعلُّم القصيرة بسهولة مع عبء العمل؛ وذلك لإكساب الموظفين مهارات إضافية بصورة أسرع أو إجراء مراجعات منتظمة للمعلومات.
  • ما قبل العمل: تُوفِّر الجلسات التعليمية القصيرة المعلومات الأساسية قبل إجراء التدريب الافتراضي بقيادة مدرب؛ حيث يكون جميع المتدربين على دراية بتلك المعلومات.
  • الممارسة: تُستَخدَم السيناريوهات في البيئات الافتراضية لتمكين المتدربين من تطبيق معارفهم ومهاراتهم في مساحة آمنة.
  • النشاطات الفكرية: توفر فرصة للمتدربين للتفكير فيما تعلموه حتى الآن والتخطيط لكيفية تطبيق ذلك في العمل.
  • النشاطات التدريبية المحفزة في أثناء العمل: تقديم كُتيبات وأدوات وقوالب سريعة لدعم تطبيق التعلُّم في العمل.
  • الاختبارات أو التقييمات: قيِّم مستويات كفاءة المتدربين بعد إكمال بعض أو كل جلسات التعلُّم المدمج، وقدِّم إرشادات حول كيفية الانتقال إلى المستوى التالي من التدريب.

4. مقاطع الفيديو المسجَّلة مسبقاً:

تُظهِر مقاطع الفيديو التوضيحية أو مقاطع الفيديو التي يشرح فيها الخبراء أمراً ما، كيفية القيام بمَهمَّة ما بالضبط؛ حيث يمكن للمتدربين متابعة العمل بعد مشاهدة مقاطع الفيديو.

5. التعلُّم الاجتماعي غير الرسمي:

حافِظْ على استمرار المحادثات من خلال تشجيع المشاركة بين الزملاء؛ فعلى سبيل المثال:

  • إنشاء مجموعات عبر الإنترنت لمناقشة المهام والتحديات وتَقدُّم المتدربين في جلسات التعلُّم المدمج.
  • إجراء مناقشات في المنتديات على الشبكة الداخلية.
  • دعم الأقران عبر تطبيق "سلاك" (Slack) أو "تيمز" (Teams) أو عبر المكالمات الهاتفية.

6. ورش العمل وجهاً لوجه:

استخدِمْ ورش العمل عندما يستحيل إنشاء موقع واقعي أو تحقيق التواصل البشري افتراضياً، وتتطلَّب ورش العمل وجهاً لوجه غالباً تكلفة عالية واستثماراً في الوقت؛ لذا استخدمْها عند الضرورة فقط، وادعمْها بعناصر رقمية حتى تتمكن من التركيز في النشاطات التي يضيف إجراؤها وجهاً لوجه قيمة فعلية.

إقرأ أيضاً: تطبيق التعلُّم المدمج في العمل: كيف تحسن نهجك في تدريب الموظفين؟

أمثلة عن كيفية التعامل مع التعلُّم المدمج المرن:

فيما يلي تُوجَدُ حالتان مختلفتان يمكن خلالهما للتعلُّم المدمج المرن القائم على التعلُّم الرقمي أن يحقق نتائج تعليمية رائعة.

1. شركة تجزئة تجلب مقاولين وتُعيِّن موظفين جدد في وظائف مبيعات في الخطوط الأمامية:

  • التعلُّم الإلكتروني ومقاطع الفيديو التوضيحية: ابدأ بتوفير مواد تعليمية رقمية لتأهيل الموظفين الجدد، بالإضافة إلى تقديم إرشادات تعليمية سريعة حتى يتمكن الأشخاص من الوصول إلى المستوى المطلوب.
  • التدريب الافتراضي بقيادة مدرب أو إنشاء ندوة عبر الإنترنت: استكشف نهج الشركة في المبيعات من خلال تمثيل أدوار العملاء متبوعاً بمناقشات جماعية.
  • اختبار سيناريو من خلال التعلُّم الإلكتروني: اتبِعْ جلسة التدريب بمساحة آمنة لممارسة سيناريوهات تُجري من خلالها محادثات مع العملاء قبل البدء بالعمل على الخط الأمامي.
  • الكوتشينغ: عندما يبدأ الموظفون بتطبيق ما تعلموه في العمل، قدِّم لهم جلسات كوتشينغ فردية في أثناء عملهم على خطوط الإنتاج عند الحاجة إلى ذلك.
  • إجراء المراجعات من خلال التعلُّم المصغر: توفير الدعم في أثناء العمل عند الحاجة إلى ذلك.

2. إعادة تأهيل مهارات الموظفين الذين كانوا يعملون في السابق خمسة أيام في الأسبوع في المكتب، لكنْ لديهم الآن مكان عمل هجين:

  • التشخيص من خلال التعلُّم الإلكتروني: ابدأ بتقييم مستويات الكفاءة الحالية ثم قدِّم موضوعات مخصصة عبر التعلُّم الإلكتروني؛ والتي تركز من خلالها في فجوات المهارات الخاصة بكل مُتعلِّم.
  • جلسات الكوتشينغ الافتراضية: اجمعْ المتعلمين مع زملائهم من ذوي الخبرة لبناء المهارات الأساسية.
  • التحديات الاجتماعية: ضع تحديات بانتظام داخل المنتديات على الشبكة الداخلية أو عبر القنوات الاجتماعية لتشجيع التعلُّم المستمر ومشاركة الأفكار مع الأقران.
  • إجراء المراجعات من خلال التعلُّم المصغر: تقديم اختبارات ومراجعات عبر التعلُّم المصغر؛ وذلك كي تعزِّز المهارات مع مرور الوقت.
إقرأ أيضاً: تدريب الموظفين الجدد: الدليل الكامل لتحقيق نجاح طويل الأمد

أهم النصائح لإنشاء برنامج تعلُّم مدمج فعال:

يُقدِّم التعلُّم المدمج المرن تجارب تعليمية متعددة تلبي الاحتياجات المختلفة لعملك وموظفيك، وفيما يلي أهم النصائح التي نقدمها للتأكُّد من فاعلية التعلُّم المدمج الخاص بك.

  • أَعِد استخدام عناصر استخدمتها سابقاً أو ادمجها أو عدِّلها: ليس بالضرورة أن يتطلَّب تصميم التعلُّم المدمج الكثير من التخطيط؛ إذ يُمكِنُكَ أن تُنشِئَهُ من خلال الاستفادة مما لديك مسبقاً. لا تتردَّد في تجربة أساليب معينة، وعيِّن خبراء لإنشاء جلسات التعلُّم، ثم ادمجْ العناصر وعدلها أينما دعت الحاجة.
  • ركز في المتعلمين: اكتشِفْ كيف سيستخدِم المتدربون التعلُّم المدمج الخاص بك؛ فهل سينضمون إليك عن بُعد أم في مكتب أم مصنع أم على خطوط الإنتاج؟ وما هي قنوات العمل الاجتماعية التي يستخدمونها؟ وما هي العناصر التي ستضيف قيمة وتكون مستدامة؟ صمِّم بيئة التعلُّم لموظفيك حتى لا يضطروا هم إلى فعل ذلك.
  • راقِبْ الوقت: فكِّر في المدة التي سيحتاج إليها الأشخاص للعمل على برنامج التعلُّم المدمج؛ إذ ستكون بعض العناصر فيه أكثر مرونة من غيرها، وخصِّص وقت التدريب الافتراضي بقيادة مدرب لما يهم حقاً كالمحادثات والممارسة العملية؛ مما يساهم في تجنُّب التعرُّض إلى إجهاد زووم، ويُعزِّز التعلُّم الذاتي الموجه.
  • أَشرِك مديرك في التدريب: تُحدِثُ مشاركة المدير فارقاً كبيراً في كيفية تفاعل الموظفين مع برنامج التعلُّم المدمج الذي صمَّمتَه؛ وذلك من خلال تأكيده على أنَّه ثمة وقت متاح للتعلُّم وتقديم الكوتشينغ وتوفير الدعم وتشجيع التعلُّم الاجتماعي بين أفراد فريقه.
  • تذكَّر أنَّ تعزيز التعلُّم لا ينتهي ببرنامج التعلُّم المدمج: إنَّ إنشاء برنامج تعلُّم مدمج فعَّال ما هو إلَّا البداية فحسب؛ إذ يُعَدُّ بناء ثقافة التعلُّم أمراً بالغ الأهمية للتنمية المستدامة؛ وذلك خلال مواصلة التكيُّف مع طرائق العمل الجديدة.



مقالات مرتبطة