1. في دورة لتعزيز مهارات خدمة العملاء:
يبدأ المدرب بشرح مبادئ خدمة العملاء؛ وفي البداية يكون متحمساً ويسترسل في الشرح كثيراً، وفي ذلك الحين يصغي المتدربون بصمت ويشعرون بأنَّهم يتلقون محاضرة، وبعد مرور خمس عشرة دقيقة تقريباً ما يزال المدرِّبُ مستمتعاً بمشاركة معلوماته دون توقُّف، ويشرحُ بحماسة تقنيات وأساليب مختلفة، وليس أمام المتدربين أي خيار سوى الإصغاء فحسب، وهنا ينعدمُ التفاعُل بين المتدربين والمدرِّب، وبعدها يشعر معظم المتدربين بالملل ولا يستوعبون المعلومات، ويجول نظرهم في الغرفة بحثاً عن أمور أخرى؛ مثل ديكور الغرفة وملابس الآخرين وما إلى ذلك، وتدريجياً ينشغلون جميعاً، وفي هذه الأثناء يكون المدرِّب سعيداً بانتهائه من تقديم هذا الجزء؛ إذ يُمكِنُهُ الانتقال إلى الجزء التالي.
2. في دورة لتعزيز مهارات الرسم التوضيحي:
يصل الناس إلى قاعة التدريب ويلقون التحية على بعضهم بعضاً، لكنْ بعد فترة وجيزة يقاطعهم المدرِّبُ ويبدأ بالدورة، يبدأُ المدرِّبُ بالحديث عن فنانين مختلفين ويعرض بعض الأمثلة على جهاز عرض، وبينما يكون الجميع صامتاً؛ يواصلُ المدرب تقديم المعلومات عن المزيد من الفنانين وأساليب الرسم، وما يزال هناك المزيد من الصمت، لكنْ ما الذي يحدُث؟ هل يشعُرُ هؤلاء الناس بالخجل جداً للتحدُّث؟ ولماذا يكون الجميع صامتاً؟ وهل يركِّزون انتباههم فيما يقدِّمه المدرِّب؟ وهل هم مهتمون؟ وكيفَ يعرفُ المدرب أنَّه يقدِّم محتوى جيداً؟ ليست لديه أيَّة فكرة بما يحدث؛ لذلك يُخمِّنُ أنَّ الوضع جيد ويستمر في الحديث عن موضوع معيَّن.
3. في دورة لتعليم اللغة الإسبانية:
يتحدث المدرب باللُّغة الإنجليزية ويَشرَح ما الذي سيتطرَّقُ إليه في الدورة، وبعد ذلك يشرح البنية القواعدية للُّغة الإسبانية باللُّغة الإنجليزية، ويوافق الناس على ما يقوله المدرِّب، ثم يسألهم فيما إذا كانوا يعرفون مفهوماً قواعدياً معيَّناً، فيصمت الحضور، ليشرح المدرِّب بعد ذلك المفهوم.
في وقتٍ لاحق - حتى يتمكَّن المتدربون من التدرب على المفردات - يطلُبُ المدرب من شخص قراءة مقطعٍ ما، وبمجرد قراءة المقطع يسأل المدرِّب: "هل فَهِمَهُ الجميع؟" ومرةً أخرى يبقى الجميع صامتاً ويومئ بعض المتدربين برؤوسهم، وبعدها يَطلُبُ المدرِّبُ من شخص آخر قراءة فقرة أخرى، وتَظهَرُ كلمةٌ لا يفهمُ معناها أحد الأشخاص، ويَسأَلُ المدرِّبَ عنها، فيبدأ بشرح المعنى ومن ثم يستمر في تقديم الدرس.
في هذه الحالة هل يُعَدُّ التدريب ناجحاً؟ يبدو على الناس الشعور بالضجر والملل، ويبدو أنَّ هناك أشخاصاً لا يفهمون شيئاً من التدريب ولا يَسألون، ويشعرون بالإحراج للغاية ولا يريدون إبطاء وتيرة الدرس، وفي النهاية لا أحد يسأل، ويفضِّلُ الجميع التزام الصمت، ويواصلُ المدرِّب ما يفعله.
4. في دورة لتعلُّم استخدام برنامج مايكروسوفت وورد (Microsoft Word):
يقدِّم المدرب المعلومات من خلال عرض شاشة كمبيوتره على جهاز العرض، ويشرح طريقة العمل على تطبيق مايكروسوفت وورد، ويُراقبُ الناس ما يفعله ويحاولون حفظ تسلسل الخطوات، ثم ينتقل المدرب إلى تقنية أخرى ليشرح طريقة جديدة، وقد يشعرُ بعض الناس بالملل، ويبدو بعضُهم الآخر متوتراً تماماً لأنَّهم لا يستطيعون حفظ التعقيدات والخيارات المختلفة في البرنامج، وخلال ذلك يتوقَّف المتدربون حتى عن تدوين الملاحظات؛ وهذا يعني أنَّهم لن يتمكنوا من تذكُّر أي شيء، وفي هذه الأثناء يواصلُ المدرِّبُ شرح المزيد من الأساليب.
5. في دورة لتعلُّم مهارات الفوتوشوب:
يشرحُ المدرِّبُ طريقة تطبيق تأثير معيَّن، ويراقبُ الناس تعليمات المدرب على جهاز العرض ويعتقدون أنَّه من المنطقي والواضح اتِّباع التسلسل، وعندما يحين دورهم يشعرون بالارتباك، ويكاد لا أحد يتذكَّر التسلسل الكامل ويشعرون بالحيرة والإحراج عند السؤال، ومن ثم يسألُ بعضهم الأشخاص المجاورين لهم، وفي هذه الأثناء يمضي المدرِّب قدماً في شرح التسلسل التالي وينتظر دون صبر أن يكمل المتدربون مهامهم.
يعتقد المدرِّب أنَّه تحدَّثَ عن تقنية بسيطة إلى حدٍّ ما؛ لذلك إذا كان المتدربون يواجهون صعوبةً فيه، فمن المُحتملِ أن يتخطى المدرِّب شرح المحتوى الأكثر تقدُّماً لاحقاً، ففي النهاية تُوجَدُ الكثير من المعلومات التي يتعيَّن على المدرِّب تغطيتها.
ماذا يحدث في كل هذه الدورات التدريبية؟
المواقف المذكورة فيما سبق مألوفة جداً، وعلى الرغم من كل التطورات في أساليب التدريب، ما تزال هذه السيناريوهات شائعة للغاية، ولن يكون لهذه الدورات تأثير طويل الأمد في المشاركين، ويبدو أنَّه يوجد شيء مشترك بينها؛ وهو أنَّ المدربين يفتقدون جميعاً جانباً هاماً من التدريب، ولا يتعلَّق الأمر باستخدام طريقة تعليمية سحرية؛ وإنَّما طريقة بسيطة يُمكِنُك استخدامها مع أيَّة منهجية.
دعنا نحلِّل هذه السيناريوهات بمزيد من التفصيل؛ ففي دورة تعزيز مهارات خدمة العملاء تُلقى المحاضرات على المتدربين ويصغون إليها، ولكنَّهم يبدؤون بالشعور بالملل، فلا يوجد أي شيء يدفعهم إلى الاندماج، فما من حاجة هامة تستدعي الإصغاء، ولا يُوجَدُ أي حافز للتعلُّم؛ فالمتدربون يحضرون الدورة فقط؛ إذ تدخل المعلومات من أذن وتخرج من الثانية دون فهمها.
في الجامعات تُمثِّل الاختبارات التي تلي الانتهاء من إلقاء جميع المحاضرات حافزاً قوياً للطلاب للانتباه والتعلُّم، في حين أنَّ الدورة التدريبية لا تتضمن عادةً اختباراً، ومن ثم يزيد احتمال عدم قدرة المتدربين على تذكُّر شيء بعد أسبوع.
السبب الذي يجعل الناس لا يتحدثون في دورة مهارات الرسم التوضيحي ليس لأنَّهم خجولون؛ وإنَّما لأنَّه ليس لديهم سبب لقول أي شيء؛ إذ يتعامل المدرِّب مع الأمر على أنَّه درس يلقي فيه محاضرة ويجب على المتدربين الإصغاء، وبمجرَّد أن يقتصر دور المتدربين على الإصغاء فقط، يترددون في الاستجابة عندما توجِّه لهم أي سؤال؛ إذ يخجل الناس من التحدُّث، وفي الوقت نفسه لا يفعل المدرِّب أي شيء لمساعدتهم على ذلك أو تشجيعهم على التحدُّث.
في دورة اللغة الإسبانية يحاول المدرِّب التفاعُل مع الجمهور، ولكنَّه يفعل ذلك بطريقة خاطئة؛ فهو يسألهم أسئلة مغلقة، فعندما تسأل المتدربين: "هل تعرف الكلمة الفلانية؟" يكون الرد الأكثر احتمالاً هو الصمت التام، فلا يحبُّ الناس الاعتراف بعدم معرفتهم بأمر ما؛ لذا لا يفضِّلون قول أي شيء.
أولئك الذين يعرفون الإجابة قد يهزُّون رؤوسهم ببساطة أو يترددون في الإجابة خشية الظهور بمظهر سيِّئ أمام الآخرين بسبب عدم معرفتهم، والسؤال المغلق مثل هذا السؤال لا يوصلك إلى أي مكان، ومن ثم يجب على المدرِّب طرح أسئلة مفتوحة مثل: "ما معنى الكلمة الفلانية؟"
بالمثل عندما يَسأل شخص ما سؤالاً حول معنى كلمة ما، لا يتعيَّن عليه الإجابة عن السؤال مباشرةً، وبدلاً من ذلك يجب أن تفكِّرَ دائماً في زيادة الاندماج في الفصل، ويمكن أن تقول: "مَن يُمكِنُه أن يخبرني ماذا تعني الكلمة الفلانية؟" في هذه الحالة يُجبِر المدرِّب الآخرين على الاهتمام باستمرار ومساعدة بعضهم بعضاً مع تقدُّم الدورة.
في الدورات التدريبية لتعلُّم العمل على برنامج مايكروسوفت وورد وفوتوشوب يركِّزُ المدربون ببساطة في إلقاء محاضرة يشرحون فيها سلسلة من الخطوات دون دفع المتدربين إلى تجربتها، ويمكن للمدرِّب الاستفادة من بعض الطرائق مثل المحاولة والممارسة والشرح لتعزيز التعلُّم من خلال جعل المتدربين يطبقون الخطوات وفق تسلسلها، ويمكن أيضاً اختبار ذلك باستخدام نشاطات بسيطة لتعزيز تذكُّرها.
ما هو الشيء الوحيد الذي تحتاج إلى التفكير فيه؟
المشكلة في كل هذه الدورات هي أنَّ المدرِّب لا يطرح الأسئلة ولا يعرف ما هي نقاط قوة وضعف المشاركين، وإذا كان عليك القيام بأمر ما بصورة صحيحة تماماً، فهو أنَّه يجب عليك طرح أسئلة مفتوحة طوال الوقت.
عليك معرفة ما يعرفه المتدربون حتى تتمكَّن من تقديم المستوى المناسب، ويجب عليك أن تسألهم عن ذلك لمعرفة ما الذي يرغبون في معرفة المزيد عنه وما الذي يريدون تخطيه، ويجب أن تطلب منهم الاندماج وتسألهم حتى لا ينشغلوا، وعليك أن تكسر حاجز الصمت وتشجِّع المتدربين على التحدُّث، كما يجب عليك أن تسأل المتدربين حتى يتفاعلوا معك في أثناء الدورة ممَّا يساعدهم على التذكُّر.
أضف تعليقاً