تُظهر الأبحاث العلمية أنَّ الناس ينسون حوالي 70٪ من المعلومات الجديدة خلال 24 ساعة، بالتأكيد، هذا رقم صادم، ولكن ما يثير الدهشة أكثر هو أنَّ الأمريكيين قد أنفقوا ما يقارب 83 مليار دولار على التدريب في الشركات في عام 2019؛ حيث تُظهر مثل هذه الإحصائيات الحاجة الماسة إلى ضمان مراعاة أساليب تدريب الموظفين للعمليات الطبيعية المتعلقة بالذاكرة ومعدلات الاحتفاظ بالمعلومات.
وبصفتك محترفاً في مجال التدريب والتطوير، يتعين عليك زيادة عائد الاستثمار من تدريبك، والتأكد من احتفاظ الموظفين بما تعلَّموه في الوظيفة وتطبيقه على أكمل وجه ممكن.
الخبر السار هو أنَّ هناك العديد من الأمور التي يمكنك القيام بها لتحسين معدل الاحتفاظ بالتعلُّم، ولكن قبل التعمق في الموضوع، لا بُدَّ من دحض بعض الخرافات حول الذاكرة أولاً:
● الخرافة الأولى: النسيان هو فشل الذاكرة
يقول علماء الأعصاب إنَّ النسيان هو عملية تكيفية، فنحن نعيش في عالم مزدحم يسير بخطى سريعة، ويزوِّدنا باستمرار بمعلومات جديدة من خلال التلفزيون والأخبار ووسائل الإعلام والإعلانات على مدار الساعة كل يوم، واستجابة لذلك يَفرز الدماغ المعلومات التي لم تعد مُستخدَمة، والتي لم يعد لها أي أهمية.
النسيان ليس علةً في الذاكرة؛ بل على العكس إنَّه جزء أساسي من نظام الذاكرة بأكمله، وهو مكوِّن نشط وطبيعي ومرغوب يساعدنا على تعلُّم ما يهمُّنا ونسيان ما لا يهمُّنا.
● الخرافة الثانية: إذا كانت المعلومات هامة، سيتذكرها الناس بالتأكيد
يعتقد بعض الناس أنَّنا نحتفظ بالمعلومات الهامة لفترة أطول، لكنَّ الحقيقة ليست كذلك في الأغلب؛ حيث ينسى الناس 70٪ من المعلومات الجديدة خلال 24 ساعة بغض النظر عن ماهية هذه المعلومات، كما أنَّ النسيان يؤثر في الجميع بالطريقة نفسها ويعمل بصورة مستقلة عن عوامل مثل معدل الذكاء والعمر ومدى أهمية المعلومات.
هل تعتقد أنَّ المعلومات التي يقدِّمها تدريبك تندرج ضمن الـ 30٪ من المعلومات التي سيتذكرها موظفوك بعد يومٍ أو أكثر؟
لماذا يُعدُّ الاحتفاظ بالتعلُّم هاماً للمنظمات اليوم؟
يعود البحث حول الاحتفاظ بالتعلُّم إلى بداية القرن التاسع عشر، عندما طوَّر اختصاصي علم النفس الألماني هيرمان إبنغهاوس (Herman Ebbinghaus) منحنى النسيان، وشرح كيف ينسى الناس المعلومات الجديدة بسرعة في غضون ساعات بعد تعلُّمها.
لقد درست الأبحاث عملية فرز المعلومات للاحتفاظ بأهم الأشياء فقط وراقبتها مرات عديدة، وعلى الرغم من أنَّ هذا الموضوع ليس جديداً، إلا أنَّه سرعان ما اكتسب أهمية بالغة في عالم الأعمال اليوم، ويعود ذلك إلى أنَّ المزيد والمزيد من قادة المؤسسات أصبحوا يدركون قيمة توفير فرص التطوير المستمر لموظفيهم، وتزايد حجم الأموال التي تُصرَف على التدريب والتطوير؛ لذا فقد حان الوقت الذي يتعين فيه على محترفي التدريب التفكير وطرح بعض الأسئلة الهامة على أنفسهم:
- "كيف نعرف ما إذا كان هذا البرنامج التدريبي يعمل بنجاح؟".
- "كيف يمكنني أن أثبت للمديرين التنفيذيين أنَّ هذا الاستثمار سيعود بالنفع على الشركة؟".
تحسين عائد الاستثمار من برامج التدريب في الشركات
قد يكون ربط التدريب والتطوير بالأهداف الاستراتيجية وتعزيز أداء المؤسسة أمراً سهلاً بالنسبة إلى بعض المؤسسات، ولكنَّ الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة إلى العديد من المؤسسات الأخرى.
سواء أعجبك ذلك أم لا، إنَّ إكمال الموظفين لبرنامج التدريب لا يكفي، ولا يفي بالغرض في كثير من الأحيان في الواقع.
من ناحية أخرى، إنَّ إعداد إحصائيات الاحتفاظ بالتعلُّم أمر بالغ الصعوبة، خاصةً عندما يتضمن دورك قضاء ساعات عديدة في تخطيط وإدارة برنامج تدريبي أو إنشاء محتوى مخصص، لكنَّ الخبر السار هو أنَّ باستطاعتك فعل شيء حيال ذلك؛ فمن خلال تزويد المتعلِّمين بفرص تُمكِّنهم من استرجاع المعلومات بعد الانتهاء من فيديو أو درس تدريبي، تستطيع إعادة ضبط منحنى النسيان وتحسين معدلات الاحتفاظ بالتعلُّم.
إذاً، ما هي بالضبط "فرص استرجاع المعلومات" وكيف يحدث ذلك؟
يعني استرجاع المعلومات الفعَّال ببساطة إعطاء المتعلِّمين فرصة لتذكُّر المعلومات الجديدة؛ ففي علم الأعصاب، يُطلق على التعلُّم اسم "التشفير"، وهي عملية تحدث مرة واحدة حين تُخزن معلومات جديدة في الدماغ، ولتحسين عملية الاحتفاظ بالمعلومات، يحتاج المتعلِّمون إلى استرجاع تلك المعلومات، وذلك من خلال التحدث أو التفكير فيها، مما يساعد الدماغ على إعادة ضبط منحنى النسيان.
على سبيل المثال، يُطلب من لاعبي كرة القدم التدرب كل يوم تقريباً، ولساعات عديدة؛ وذلك لأنَّ الاحتفاظ الحقيقي بالمعلومات يتطلَّب التعلُّم والممارسة والتكرار، وينطبق الأمر نفسه على الموسيقيين، فهم يتدرَّبون لساعات طويلة ليحفظوا الألحان والكلمات عن ظهر قلب.
إذاً، نحن نعلم بالفعل أنَّ الممارسة والتكرار ضروريان لتعلُّم مهارات جديدة؛ لذا ألا ينبغي تطبيقها على تعليم الموظفين أيضاً؟
التغلُّب على منحنى النسيان بمساعدة وسائل الدعم
يوجد العديد من المنصات الإلكترونية المختصة بهذا الأمر، والتي تختلف أساليبها في تعزيز الاحتفاظ بالمعلومات؛ إذ يمكن أن تُدرِج المتعلِّم تلقائياً في فصل لتعزيز ما تعلَّمه بمجرد إكماله لدرس فيديو أو أي مادة تعليمية أخرى.
يمكن تخصيص مثل هذه الفصول بحسب رغبة المتعلِّم، لكنَّ الافتراضي منها يتضمن فرصاً عديدة لاسترجاع المعلومات (أو وسائل دعم) على شكل أسئلة استطلاع، أو أسئلة ملء الفراغ، أو أسئلة متعددة الخيارات، أو أسئلة ذهنية مفتوحة، وتركز وسائل الدعم هذه على نقاط محددة من الدرس المكتمل مؤخراً، والتي تحفِّز الدماغ على عدِّ هذه المعلومات هامة، ويجب الاحتفاظ بها.
يتحسن الاحتفاظ بالمعلومات باستخدام وسائل الدعم هذه، وعندما يحين الوقت لتطبيق التدريب عملياً، تكون هذه المعلومات جاهزة للاسترجاع.
سنورد فيما يلي مثال يوضِّح آلية هذه العملية:
لنفترض أنَّك تعاني من انخفاض نسبة إتمام مندوبي المبيعات للصفقات، وكنت قد قدَّمت لهم درس فيديو عن إبرام الصفقات في الماضي، لكنَّهم نسوا معظم ما تعلَّموه في غضون 24 ساعة من إكمالهم للدورة التدريبية، والآن، لنفترض أنَّك قد قدَّمت الدرس مرة أخرى؛ وعند الانتهاء منه، سوف يُسجل مندوبو المبيعات في برنامج التعزيز. خلال الأسبوعين المقبلَين، سوف يتلقون ثلاث وسائل دعم عبر البريد الإلكتروني لتساعدهم على تعزيز نقاط التعلُّم الرئيسة من درس الفيديو.
أما الوسيلة الرابعة والأخيرة فهي سؤال ذهني يطلب من المتعلِّم أن يُلخِّص بكلماته الخاصة كيف ساعده درس إبرام الصفقات على تحسين مهاراته كمندوب مبيعات، وقد يقول مندوبك الذي يتمتع بأدنى نسبة مبيعات ما يلي: "لقد تمكَّنت من استخدام النصائح الواردة في درس الفيديو وغيَّرت أسلوبي في التواصل في أثناء المكالمات النهائية، وقد أصبحت أفهم الآن أهمية امتلاك عملية البيع، وقد أبرمت صفقتين جديدتين بفضل هذا الدرس".
إذاً، يبدو أنَّ هناك صلة مباشرة بين تدريب الموظفين وتحسين أداء العمل، وهذا مجرد مثال واحد، لكن تخيل ما إذا كان في إمكانك رؤية نتائج مثل هذه لفِرَق وأقسام بأكملها.
عندما يمكنك الإشارة إلى كيفية ارتباط التدريب ارتباطاً مباشراً بنتائج المؤسسة الإيجابية، يمكن لمؤسستك حينئذٍ اتخاذ قرارات أفضل تعتمد على البيانات حول الاستثمار في خيارات تعليم الموظفين.
أضف تعليقاً