تحافظ مهارات الذكاء العاطفي على الثبات الانفعالي حتى في أصعب الظروف، وتساعد على فهم المشاعر التي يتحفَّظ عن ذكرها الآخرين، وإدراك أنماط التواصل والتفاعل بين الأفراد أو المجموعات، وبناء علاقات مثمرة على الصعيدين الشخصي والمهني، وتميِّز هذه الصفات القائد الفاعل، والعضو المنتِج في الفريق، والشريك المتفهِّم.
يعاني الأشخاص الذين يفتقرون لمهارات الذكاء العاطفي في العمل والحياة الشخصية عموماً، ويواجهون صعوبة في تحقيق أهدافهم وقيادة الآخرين بفعالية، فمثلاً يستشيط الافتقار إلى القدرة على ضبط الانفعالات الغضب والسلوكات العدائية تجاه الآخرين عند التعرض للضغط، بالتالي فإنَّ القائد الذي يفتقر لمهارات التعاطف، يواجه صعوبة في التواصل الفعال مع فريقه، وبناء علاقات مثمرة مع الناس عموماً.
نموذج كفاءات القيادة بالذكاء العاطفي والاجتماعي
وضعَ عالما النفس"دانيال جولمان"(Daniel Goleman) و"ريتشارد بوياتزيس" (Richard Boyatzis) نموذج كفاءات القيادة في الذكاء العاطفي والاجتماعي، وهو يتألف من 12 كفاءة مكتسبة موزَّعة على 4 محاور، وتميِّز هذه الكفاءات القادة الاستثنائيين عن غيرهم، وتجدر الإشارة إلى أنَّ تقييم الذكاء العاطفي، أعقد من نظيره العقلي الذي يُختزَل برقم واحد، ويتطلب هذا النموذج تقييم قدرات الفرد في 12 كفاءة، وتُقدَّم النتيجة النهائية في صيغة ملف شامل مخصص بمهارات الذكاء العاطفي.
يقدِّم هذا الملف معلومات وافية عن رؤية الشخص لنفسه، وانطباعات زملائه عنه، وأحياناً آراء أفراد الأسرة والأصدقاء؛ لكي يقدِّم توصيفاً شاملاً لمهارات الذكاء العاطفي.
أهمية التغذية الراجعة والتقييم الذاتي
يدرك الكوتش أنَّ التغذية الراجعة من المقرَّبين، تُبرز الفجوة بين نظرة الفرد لذاته وانطباعات الآخرين عنه، وتساعد هذه الملاحظات على تحديد نقاط القوة والضعف، ووضع أهداف دقيقة وعملية لتنمية مهارات الذكاء العاطفي؛ إذ تجدر الإشارة إلى أنَّ الذكاء العاطفي، مهارة مُكتسَبة يمكن أن ينمِّيها الفرد، وليس بالضرورة أن تكون فطرية.
أهمية مهارات الذكاء العاطفي للكوتش
يجب أن ينمِّي الكوتش هذه الكفاءات قبل أن يلقِّنها للآخرين، فالكوتش المتميز يوظف الذكاء العاطفي في كل خطوة من عمله، ويحافظ على هدوئه واتزانه الانفعالي في المواقف الصعبة، ويستند إلى التعاطف لفهم وجهات نظر عملائه وتقديم تغذية راجعة دقيقة ومخصصة، ويظهِر اهتماماً حقيقياً بمساعدة عملائه على اكتشاف فرص النمو.
توجد ممارسات بسيطة تطوِّر الذكاء العاطفي، ويُذكَر من أبرزها التأمل الذاتي، مثل تدوين اليوميات، الذي يهدف إلى إدراك المشاعر وفهم تأثيرها في الفرد، وهذا ضروري لتنمية مجموعة من الكفاءات، مثل الوعي العاطفي والتوازن الانفعالي، ويعزز تأمل اليقظة الذهنية قدرة الدماغ على التركيز وتجاهل المشتتات، وهي مهارة ضرورية لتعزيز كفاءات الذكاء العاطفي والاجتماعي، بالتالي يطور القائد أداءه وينمِّي قدرته على الإصغاء عندما يحسِّن مهارات التركيز على الحاضر.
استكشاف الذكاء العاطفي في الكوتشينغ
توجد أدوات متنوعة لتقدير مستوى الذكاء العاطفي في الكوتشينغ، ومنها "تقييم 360 درجة" (360-degree assessment)، ويُوصَى باستخدام مقياس "لائحة الكفاءات العاطفية والاجتماعية-360" (ESCI-360) الذي وضعه "دانيال جولمان" بالتعاون مع "ريتشارد بوياتزيس" وشركة "كورن فيري هاي" Korn Ferry Hay)) لتقييم النطاق الكامل لكفاءات القيادة القائمة على الذكاء العاطفي.
ويُفضَّل أن توضِّح للعميل الفارق بين تقييمه لنفسه ورأي الآخرين بكفاءاته، وتساعده على تحديد المهارات التي يجب أن يسعى لتحسينها، وفي أفضل الأحوال، تمكِّن النتائج العملاء وتساعدهم على تنمية الكفاءات التي تخدم أهدافهم المهنية والشخصية.
توجد أشخاص يُظهِرون مستويات عالية من الوعي والانضباط الذاتي، لكنَّهم يحتاجون إلى تحسين وعيهم الاجتماعي وقدرتهم على إدارة العلاقات عندما يتسلمون مناصب قيادية، وهذه الحالة شائعة في الأوساط المهنية، وتُلاحَظ عندما يتفوَّق الموظف في العمل الفردي، لكنَّه يفشل بعد أن يترقى إلى منصب قيادي نتيجة افتقاره لمهارات الذكاء الاجتماعي، مثل التأثير، وتسوية النزاعات.
تعزيز الوعي الذاتي بدلاً من تقديم النصائح
مكِّن العميل من تنمية وعيه الذاتي بدلاً من الاكتفاء بتقديم التوجيهات؛ ليدرك مشاعره، وعاداته، ومحفزاته، وعندما تلاحظ نمطاً معيَّناً في تصورات العميل وسلوكه، نبِّهه إليه بلطف لتساعده على تحديد أسباب مشكلاته، وعندما يمرُّ بظروف صعبة تجبره على العودة إلى عاداته القديمة، ادعمه وبيِّنْ له كيفية الاستفادة من هذه الانتكاسة وغيِّر موقفه منها.
يُعَد الوعي الذاتي العاطفي أساس الذكاء العاطفي، وهو يمكِّن العميل من إدراك مشاعره والعوامل التي آلت إليها، وهو ما يساعده على تحديد قِيَمه وأهدافه الشخصية، ويحافظ على الدافع للنمو والتطور.
إذ يستخدم الكوتش المتمكِّن نهجاً مختلفاً مع كل عميل بخلاف نظيره العادي الذي يطبِّق أسلوباً واحداً مع عملائه دون أن يراعي اختلافاتهمن فالكوتش المتميز يركز على الثقة في علاقة الكوتشينغ، ويساعد عملاءه على وضع أهداف لتطوير كفاءاتهم، ما يزيد احتمال التزامهم ببذل الوقت والجهد المطلوبين لتنمية مهارات الذكاء العاطفي والاجتماعي.
في الختام
يُنصَح بالتعاون مع كوتش متخصص في تطوير مهارات الذكاء العاطفي؛ لتحصل على تغذية راجعة موضوعية ومخصصة، وتتلقى الدعم اللازم لترسيخ المهارات على الأمد الطويل، وبهذه الطريقة يكتسب العميل القدرة على مراقبة انفعالاته وتحليلها، واتخاذ قرارات مبنية على الذكاء العاطفي بعد انتهاء علاقة الكوتشينغ.
أضف تعليقاً