الكوتشينغ والذكاء العاطفي

بدأت المنظمات - الكبيرة منها والصغيرة - تدرك التأثير العميق الذي تُحدثه ثقافة الكوتشينغ في كل من الكوكب والناس والأرباح؛ لذا تسارع لإرسال مديريها إلى حضور أيَّة دورة كوتشينغ عامة تكون متاحة، ولكن أحياناً، لا يكون هناك سوى عائد ضئيل أو حتى معدوم على الاستثمار؛ ذلك لأنَّ مهارات الكوتشينغ الأساسية التي يتعلمونها لا تُتَرجم إلى نتائج في مكان العمل؛ إذ ظلوا يفتقرون إلى الإلهام والدافع للتغيير.



في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، جمع الرائدان في مجال الكوتشينغ والقيادة، "تيم غالوي" (Tim Gallwey) و"السير جون ويتمور" (Sir John Whitmore)، مفهوم الكوتشينغ الرياضي عالي الأداء مع المكونات الأساسية لعلم النفس ما وراء الشخصي، لتطوير نهج "كوتشينغ الأداء" (performance coaching) ليكون تحولياً وليس تبادلياً.

يوضح "السير جون"، في كتابه الأكثر مبيعاً: "كوتشينغ الأداء" (Coaching for Performance)، أنَّ الكوتشينغ الحقيقي هو ممارسة الذكاء العاطفي؛ فهو سلوك وليس مجموعة مهارات، كما يكشف أنَّ جوهر الكوتشينغ الفعال هو بناء الوعي وحس المسؤولية؛ إذ لا يتطلب الأمر سوى قراءة سريعة لهذا الكتاب لنفهم أنَّ الكوتشينغ هو أكثر من مجرد كوتشينغ؛ فهو أسلوب حياة وطريقة إدارة قائمة على الذكاء العاطفي.

يحتاج القادة إلى معرفة ما يحدث من حولهم، وفهم ما يمرون به في الوقت الحالي، والتفكير فيما قد يكون عليه الحال لو كانوا مكان شخص آخر؛ وذلك للتأثير في الآخرين والعمل معهم بثقة وللمساهمة في نمو المنظمة وأدائها، فما يهم هو تعلُّم كيفية التوافق مع إشاراتهم الداخلية، وفهم كيف تؤثر عواطفهم فيهم وفيمن حولهم، وتأثير ذلك في الأداء.

يقول "السير جون": "أعتقد أنَّ الذكاء العاطفي والكوتشينغ متلازمان، وأنَّ الأشخاص الأذكياء عاطفياً يتصرفون كما لو كانوا يقدمون الكوتشينغ، دون حتى أن يحضروا أيَّة دورة تدريب في المجال هذا".

الوعي أساس الذكاء العاطفي

تعمل المنظمات في ظل عصر المعلوماتية، طوال الخمسين عاماً الماضية؛ إذ يُعَدُّ رأس المال الفكري أساس الربح؛ إلا أنَّ المنظمات الأكثر تقدُّماً تجاوزَت العصر هذا، وبدأت العمل بواقع جديد، ألا وهو عصر الوعي؛ ففي ظل هذه الظروف المثيرة لتعزيز الميزة التنافسية، يُعَدُّ رأس المال الثقافي هاماً للغاية، والذكاء العاطفي والاجتماعي العالي هي العوامل التي ستغير قواعد اللعبة.

يتصرف المديرون والقادة في عصر الوعي بذكاء عاطفي يساعدوننا من خلاله على الشعور بالتميز والتقدير والثقة، وقبل كل شيء، يعززون إيماننا بأنفسنا؛ إذ يعملون بما نسميه "أسلوب الكوتشينغ في القيادة" (coaching style of leadership).

يجب أن يكون الهدف من الكوتشينغ إطلاق العنان لإمكانات الناس؛ وذلك لتعزيز أدائهم؛ إذ يُعَدُّ تدريب القادة على تبنِّي نهج الكوتشينغ التحولي الطريقة الأقوى لتطوير المكونات الأساسية الأربعة للذكاء العاطفي، والتي ثَبتَ أنَّها تؤثر في الأداء العالي وهي: الوعي الذاتي والإدارة الذاتية والوعي الاجتماعي وإدارة العلاقات؛ إذ يبدأ كل شيء بالوعي.

الوعي الذاتي: فهم سبب قيامك بما تفعله

  • تعلُّم كيفية تعرُّف ميولك وتحيزاتك الشخصية؛ وذلك لإدارة مشاعرك وأحكامك وردود أفعالك.
  • تحسين أدائك من خلال الإدارة الذاتية، والتغلب على العقبات الداخلية لتتمكن من إطلاق العنان لإمكاناتك.

الوعي بالآخرين: مراقبة الشخص الذي يقدِّم الأداء

  • تعلُّم كيفية تحديد نقاط قوة وتحيزات ودوافع الأشخاص؛ وذلك لإدارة العلاقات وتحفيز الإلهام والتعاون بنجاح مع الأفراد والفِرق.
  • تحسين المهارات الاجتماعية؛ من خلال إثارة فضول الأشخاص الذين تعمل معهم والإصغاء إليهم والشراكة معهم.

الوعي بالمنظمة: خلق تأثير إيجابي في الثقافة التنظيمية

  • تعلُّم كيفية المواءمة بين الأهداف الفردية والجماعية والتنظيمية.
  • تطوير نهج كوتشينغ يؤدي إلى تحقيق الأداء العالي والتعلم والاستمتاع.

يقول "تيم غالوي": "هناك دائماً لعبة داخلية تجري في ذهنك بصرف النظر عما يجري في الخارج، ومقدار إدراكك لهذه اللعبة يمكن أن يكون الفارق بين النجاح والفشل".

أهمية الذكاء العاطفي في القيادة

في عام 1998، طرح "دانييل جولمان" (Daniel Goleman)، مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً: "الذكاء العاطفي" (Emotional Intelligence)، السؤال الآتي في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review): "ما الذي يجعل من المرء قائداً؟".

حدَّد "جولمان" أنَّ صفات القائد التقليدية، مثل: الذكاء والصلابة والتصميم والرؤية لم تكن كل ما يخص القيادة الناجحة؛ إذ كشف في بحثه أنَّ القادة ذوي الأداء العالي يتمتعون أيضاً بدرجة عالية من الذكاء العاطفي، وأظهر روابط مباشرة بين الذكاء العاطفي ونتائج الأعمال القابلة للقياس.

جذب مقال "جولمان" اهتمام أكبر شركة رعاية صحية في العالم، والتي تُدعى "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson)؛ إذ قررت إجراء استطلاع على 1415 من موظفيها، في 37 دولة؛ فقد استندوا في تقييم مديريهم إلى أنموذج الكفاءة القيادية المُعتمَدة في الشركة، ومعايير القيادة والكفاءة العاطفية، المُستندة إلى عمل كل من "ريتشارد بوياتزيس" (Richard Boyatzis) و"دانيال جولمان".

أكدت دراسة "جونسون آند جونسون" أنَّ المديرين ذوي الأداء العالي، أحرزوا نتائج أعلى في كفاءات القيادة الاجتماعية والعاطفية والعلائقية المرتبطة بالذكاء العاطفي، كما كان لدى القادة الأعلى أداءً "كفاءة عاطفية" أكثر بكثير من أقرانهم.

الكفاءات العاطفية ليست مهارات تحليلية أو "صعبة"، ولا يمكن تدريسها من خلال طرائق التدريس التقليدية؛ بل يتقنها المتدربون إتقاناً أفضل عبر طرائق التيسير التجريبية الصارمة؛ إذ تُصقَل هذه المهارات في أثناء التدريب من خلال ممارسة الكوتشينغ لحل مشكلات حقيقية، وليس عبر تقمُّص الأدوار فقط.

يقول "جولمان": "ما يميز الذكاء العاطفي هو أنَّه أمر مُكتسَب وقابل للتعلم، وشخصياً أعتقد أنَّ الكوتشينغ هو أفضل طريقة لاكتسابه".

يمكن للقادة تعلُّم الذكاء العاطفي

إنَّ برنامج كوتشينغ الأداء للقادة مبني على ركيزتي الوعي والمسؤولية؛ إذ يتيح التدريب للقادة تطوير الكفاءات العاطفية والاجتماعية التي تمنحهم مرونة أكبر، وتكسبهم ثقة موظفيهم، وتنشئ رؤية تربط مؤسستهم وتلهمهم؛ إذ يكتسب المشاركون الثقة لتحقيق إمكاناتهم، ويتحفزون لإحداث التغيير وتحقيق الإنجازات في مؤسساتهم.