نموذج في ضبط معايير الجودة في التعليم الأكاديمي

تسعى جامعة النّجاح الوطنية بشكلٍ عام وكلية الآداب بشكلٍ خاص إلى ضبط معايير الجودة في التعليم الأكاديمي، ولتحقيق هذا الهدف فقد أسست الجامعة وحدة الجودة والنوعيَّة التي تقوم بمهام متابعة وتنظيم عمل لجان الجودة والنوعيَّة في كليات الجامعة المختلفة، بهدف تمكين الجامعة من تحقيق رسالتها الأكاديميَّة بشكلٍ مُتميِّز محلياً وعربياً ودولياً.

 



ولتحديد منهج العمل في ضبط معايير الجودة في التعليم الأكاديمي، لابُدّ من تحديد المفهوم أولاً، فما المقصود بضبط معايير الجودة، وللإجابة عن هذا السؤال يمكن تقسيم المفهوم إلى ثلاثة أقسام تشكلها الكلمات الثلاث، أولاً الضبط وثانياً المعايير وثالثاً الجودة.

 

  1. الضّبط

ويعني وضع نظام واضح في التعامل مع معايير الجودة، تلتزمه الأقسام والكليات وإدارة الجامعة، وهذا يشمل توضيح الأهداف، وخطوات العمل، وآلية التنفيذ. والأهداف تنقسم إلى أهداف عامة، وأخرى خاصة، أما العامة، فهي أهدافٌ تخص وزارة التعليم العالي والجامعة، بمعنى أنّ وزارة التعليم تُحدِّد أهدافاً عامةً للجامعات الفلسطينية، والجامعات بدورها تُحدِّد أهدافاً تنسجم مع الأهداف التي تُحدِّدها وزارة التعليم العالي، بحيث تلتقي الأهداف جميعاً في رسم سياسةٍ واحدة، وتسعى وزارة التعليم العالي من جانبها إلى إجراء تطبيقها على الجامعات، وتسعى الجامعات بدورها إلى تطبيقها على الكليات والمراكز العلميَّة الموجودة فيها.

والضّبط لا يعني وضع الأهداف فحسب، وإنّما التطبيق، وهذا يحتاج إلى آلية عملٍ مشتركةٍ بين وزارة التعليم العالي والجامعات، بمعنى وجود لجانٍ خاصةٍ بالوزارة تراجع المعايير بين فترة وأخرى، ووجود لجان في الجامعات تطبق هذه المعايير، بهدف التحسين أولاً والتوجيه ثانياً، وضمان النوعيَّة ثالثاً.

 

  1. المعايير

وتعني وجود أسسٍ يتم بموجبها تقويم برامج التعليم، ومدى ملاءمتها للمستجدات العلميَّة والفكريَّة وهذه المعايير تمثل خطة عملٍ تسير عليها الجامعات في متابعة الجودة، وهي معاييرٌ قد تختلف من جامعةٍ إلى أخرى ولكنّها تلتقي في النهاية حول الأهداف التي تُحدِّدها وزارة التعليم العالي والجامعات التابعة لها. وهذه المعايير يجب أن تكون واضحةً ومُحدَّده، بمعنى أن توضع معايير تُحدِّد عمل كلٍّ من:

  • اللجان الرئيسة والفرعية
  • طبيعة العمل والإشراف

وهذه اللجان بدورها تقوم بوضع معايير الجودة والنوعيَّة، وآلية تطبيقها، ابتداءً من المُتعلِّم، وانتهاءً بلجنة الضبط العليا في الجامعة، ولضمان تطبيق هذه المعايير لابدّ من وجود تنسيق في تتابع هذه المعايير وتسلسلها، ومراجعتها من وقت إلى آخر.

 

  1. الجودة

وهنا لابدّ من تعريف ماهيّة الجودة، فالجودة في التعليم تختلف عن الجودة في موضوع الاقتصاد، فجودة التعليم لا تخصُّ منتجاً بعينه، أو سلعةً للتسويق، ولكنها تخص مواصفات المُتعلِّم الخريج وكيفيَّة تقديمه إلى الآخرين. وهنا يبرز عامل المنافسة بين الخريجين، وكيفيَّة تقديم المُتعلِّم الخريج في المُؤسَّسة التعليميَّة إلى جهاتِ العمل ولتحقيق هذا الهدف لابُدّ من وضع مواصفاتٍ للطالب الخريج تسعى الجامعة إلى تحقيقها فيه، وقد وضعت جامعة النجاح عدداً من المواصفات في المُتعلِّم الخريج، من أهمها:

  • أن تكون لدى المُتعلِّم ثقةٌ عاليةٌ بالنفس.
  • أن تكون لديه مهارات الاتصال بالآخرين.
  • أن يتحلى بالتفكير النقدي السليم.
  • أن تكون لديه ثقافةٌ إسلاميَّة، ومعرفةٌ بقضاياه الوطنية.
  • أن يواكب التطوُّرات العلميَّة والتقنيَّة الحديثة.
  • أن يتمتَّع بمهاراتٍ بحثيَّةٍ واسعة.
  • أن تكون لدية معرفةٌ واسعةٌ وشاملة في مجال تخصصه.
  • أن يكون قادراً على العمل ضمن فريق مشترك.
  • أن تكون لديه القدرة على المبادرة واتخاذ القرارات.
  • أن يكون قادراً على الاندماج في المجتمع.
  • أن يكون قادراً على الاعتماد على الذات والثقة بالنفس.
  • تكون لدية القدرة على محاورة الآخرين وإقناعهم.
  • يحترم أخلاقيات المهنة.
  • يحترم البيئة التي يعيش فيها، ويحافظ عليها.
  • أن يكون انتماؤه إلى وطنه وجامعته محلّ احترامٍ وتقديرٍ منه.

 

ويمكن تفعيل منهج خطة العمل لضبط الجودة والنوعيَّة على النحو الآتي:

  1. المرحلة الأولى، المستوى الأكاديمي ويشمل:
  • المُتعلِّم
  • عضو هيئة التدريس

فعلى مستوى المُتعلِّم تضع الجامعة معايير خاصة لقبول الطلبة في مختلف كلياتها، وتعتمد مبدأ المنافسة بين الطلبة حسب مُعدَّلاتهم في الثانويَّة العامة، وفي الكليات التي تحتاج إلى مهاراتٍ خاصة مثل الرياضة والفنون، يتم القبول اعتماداً على نتائج امتحان قدراتٍ يبديها الطلبة، ويتم قبولهم بناءً على ذلك، إذ لا يكفي أن يستوفي المُتعلِّم شروط القبول من حيث مُعدَّله في الثانويَّة العامة، ولكنه يحتاج إلى قدرات خاصة تمكنه من دخول هذه الكليات، وتعتمد الجامعة في نظامها مبدأ انتقال المُتعلِّم في أثناء دراسته من  كليةٍ إلى أخرى، حسب مستواه العلمي وقدراته الدراسيَّة فإذا فُصل المُتعلِّم من كلية بسبب تقصيره الأكاديمي أمكنه الانتقال إلى كلية أدنى وإذا رفع مُعدَّله في كليته، وأراد الانتقال إلى كليةٍ أخرى أمكنه ذلك، بمعنى أنّ المستوى العلمي للطالب بعد قبوله في الجامعة يمكن أن يتغير حسب رغبة المُتعلِّم أولاً وقدراته العلميَّة ثانياً. مما يعني ضبط نوعيَّة المُتعلِّم الجامعي بما يتناسب مع قدراته الأكاديميَّة، وقدرته على التحصيل، ولكي تكون عمليَّة الضبط أوسع وأشمل يفصل المُتعلِّم من الجامعة إذا لم يكن مؤهلاً للاستمرار فيها، فإذا نزل مُعدَّل المُتعلِّم التراكمي عن (65%) ولم يستطع المُتعلِّم خلال فصلين دراسيين رفع هذا المُعدَّل، فإنّه يُفصل من الجامعة، بمعنى أنّ المُتعلِّم غير مؤهل للاستمرار في الدراسة الجامعيَّة، وأنّ معايير الجودة لديه غير متوافرة.

أما على مستوى عضو هيئة التدريس، فعمليَّة الجودة في عضو هيئة التدريس مترابطة ومتكاملة، بمعنى أنّها تبدأ من مرحلة قبوله بوصفه عضو هيئة تدريس في الجامعة، وتنتهي بتقويم عطائه، ومدى قدرته على التطوير. ففي المرحلة الأولى يتم انتقاء أعضاء هيئة التدريس وفق معايير تُحدِّدها الجامعة، حسب حاجة الكليات والأقسام، والتخصُّصات المطلوبة. وتتم مراعاة الجامعة التي تخرج فيها، ومُعدَّلاته في مراحل الدراسة المختلفة، وسنوات الخبرة، والأبحاث المنشورة، إلى غير ذلك من الأمور التي يستحق من خلالها العمل في الجامعة. وبعد عمله في الجامعة، تتم عمليَّة التقويم من حيث:

  • الأداء الأكاديمي.
  • خدمة المُؤسَّسة والانتماء إليها.
  • النشاط العلمي.
  • المشاركة في المؤتمرات والندوات.
  • قدرته على العمل ضمن فريق مشترك.
  • التزام أخلاقيات المهنة.

 

وتتم مراجعة أداء أعضاء هيئة التدريس في كل عام أكاديمي، وتخضع هذه المراجعة إلى معايير مختلفةٍ منها تطوير الخطط التدريسيَّة، بتطوير أساليب وطرائق التدريس، والمشاركة العلميَّة، ومواكبة التطوُّرات العلميَّة والتكنولوجيَّة، وتعاونه مع مُتطلَّبات العمل والمستجدات فيه. وبناءً على ذلك تكون نتيجة التقويم، التي تُحدِّد صلاحيته للاستمرار في العمل الأكاديمي، أو تفرض عليه خطوات للتطوير تُحدِّدها المُؤسَّسة الأكاديميَّة، حسب نتائج التقويم في التغذية الراجعة.

 

  1. المرحلة الثانية وتشمل مناهج التدريس، وفيها يمكن العمل على النحو الآتي:
  2. الخطط التدريسيَّة
  3. محتوى المساق
  4. خطة المساق
  5. منهجيَّة العمل
  6. آلية التنفيذ

 

  1. الخطط التدريسيَّة

وتعني مراجعة الخطط التدريسيَّة في كل قسم من أقسام الجامعة مرّة على الأقل كل عامين دراسيين، وتطوير هذه الخطط بما يطرأ من مستجداتٍ علميَّة، وبحيث تكون هذه الخطط مرنة، وقابلة للتطوير، وليست جامدة، فما كان يصلح للتدريس قبل خمس سنواتٍ مثلاً، لا يمكن أن يظل صالحاً إلى ما لانهاية، ومن هنا تأتي ضرورة مراجعة الخطط التدريسيَّة، وملاءمتها مع التطوُّرات العلميَّة الحاصلة محلياً وعربياً وعالمياً.

 

  1. محتوى المساق

ويشمل الخطوط العامة للمحتوى العلمي، وتكون خطة المساق شاملة، تعالج الموضوع من كافة جوانبه، وتلائم بين الساعات المعتمدة للمساق ومحتواه، ولابد من أن تكون المادة مُتنوِّعة المصادر والمراجع وتأخذ في الحسبان اختلاف وجهات النظر، وتدفع المُتعلِّم إلى التفكير، وإبداء وجهة النّظر، والقدرة على الحوار، وتنمية الشخصيَّة العلميَّة، بحيث لا يكون المُتعلِّم مجرد حاضنةٍ لمحتوى المساق، وإنّما مشاركاً في تشكيل محتواه العلمي.

 

  1. خطة المساق

ويتم فيها توزيع المساق زمنياً حسب الساعات المعتمدة، وتوضع فيها خطوات التدريس وفق المحتوى والزمن وتشمل تقويم أعمال الطلبة، وتوزيع العلامات ومواعيدها، وتوضع في الخطة قائمةٌ بأحدث المصادر والمراجع التي ينصح الطلبة بالرجوع إليها، والكتب الرئيسة التي يمكن اعتمادها.

 

  1. منهجيَّة العمل

وتعتمد المنهجيَّة هنا خطة عملٍ تشمل طريقة التدريس وكيفيَّة تعلم الطلبة، وترتقي بالتدريس من مجرد عمليَّة تعتمد التلقين إلى مشاركة فاعلة للطالب في المحاضرة، وتحفيزه إلى تكوين وجهة نظر فيما يسمع، وتقويَّة شخصيته علمياً، وهذا يتطلَّب تغيير طرائق التدريس، واستخدام وسائل تكنولوجيَّة حديثة تكون قادرةً على إشراك المُتعلِّم في العمليَّة التعليميَّة، وجعله جزءاً منها.

 

  1. آلية التنفيذ

وتشمل وضع خطواتٍ عمليَّة لتطبيق معايير الجودة والنوعيَّة على مستويات الخطط التدريسيَّة، وآلية العمل، والمُتعلِّم، وهذا يعني وجود فريق عملٍ متكاملٍ يتابع تطبيق هذه المعايير، ويقدم توصياته بشأنها إلى الجهات العليا التي تراجع بدورها ذلك من خلال تقارير فصليَّة تبين مدى التزام الجهات ذات العلاقة بتنفيذ تعليمات الجودة والنوعيَّة، ولتطبيق ذلك يقوم كل عضو هيئة تدريس بتعبئة نموذج خاص بتقويم المساق، يضع فيه ملاحظاته، ونتائج علامات الطلبة، والتوصيات التي يقترحها بشأن تطوير المساق أو تعديل المحتوى العلمي فيه وهذا التقرير يرفعه إلى رئيس القسم الذي يحيله بدوره لجنة الجودة والنوعيَّة في القسم، لتقويم ما ورد فيه من ملاحظات المُدرّس، وهذه اللجنة تقدم توصياتها إلى لجنة الجودة والنوعيَّة في الكلية التي ترفع بدورها تلك التوصية إلى لجنة الجودة والنوعيَّة في الجامعة لدراستها، واتخاذ قرارٍ بشأنها.

 

ولتحقيق مُتطلَّبات جودة التعليم الجامعي لابد من:

  1. على مستوى المُتعلِّم الجامعي، ينبغي أن يتنقل المُتعلِّم في المنهاج الجامعي من مجرد وسيلة استقبال إلى عنصرٍ فعَّال في تشكيل المنهاج ومحاورة المادة العلميَّة، وإبداء وجهة النظر، وتشكيل شخصيَّة علميَّة مستقلة، قادرةٍ على إبداء الرأي ومحاورة الآخرين.
  2. مستوى عضو هيئة التدريس، ينبغي له أن يواكب المُتغيِّرات العلميَّة المُتسارِعة ويطوِّر من أدائه على المستويين الأكاديمي والتقني، وفي هذا المجال يأتي دور الجامعة في تقويم أداء أعضاء هيئة التدريس، وتصنيفهم حسب ما يأتي:
    • تطوير عضو هيئة التدريس في أدائه الأكاديمي.
    • استخدامه وسائل حديثة في عمليَّة التدريس.
    • نشر أبحاث علميَّة محكمة.
    • مشاركته في ندوات ومؤتمرات علميَّة.
      وفي حال عدم توافق عضو هيئة التدريس مع هذه المواصفات، تقوم الجامعة بعقد دورات تدريبيَّة لأعضاء هيئة التدريس المعنيين، بهدف توجيههم وتطوير أدائهم العلمي والمعرفي.
  3. على مستوى المنهاج، تتم مراجعته من قِبَلِ لجان مُتخصِّصة بهدف تطويره أو تغيير محتواه العلمي بما يتناسب مع التطوُّرات العلميَّة المُتسارِعة.
  4. على مستوى المُؤسَّسة التعليميَّة، تقوم المُؤسَّسة بمراجعة أنظمتها وقوانينها، والعمل على تطويرها إدارياً ومهنياً بما يحقق تطويراً نوعياً في المستويات الآتية:
    • الأجهزة والمختبرات.
    • المرافق والخدمات.
    • الرضا الوظيفي.
    • وسائل الاتصال.
    • الحقوق والواجبات.

 

سلامة تطبيق معايير الجودة

من أجل تطبيق معايير الجودة بشكل صحيح وسليم، يجب توافر عدة شروط منها:

  1. الرغبة الصادقة في كل الأطراف ابتداءً من المُتعلِّم، وانتهاءً بالمُؤسَّسة للعمل من أجل تطبيق معايير تمثل استراتيجيَّة دائمة، وليست مرحلية، فالجودة ليست وليدة لحظة أو مرحلة، وإنّما سياسةٌ عامه لابد من اعتمادها وتطبيقها.
  2. تعاون الجهات المعنية ذات الشأن في عمليَّة ضبط معايير الجودة والنوعيَّة، وفق أسسٍ ثابتةٍ وواضحة يتم تطبيقها على الجميع.
  3. عدم الاكتفاء بوضع المعايير النظريَّة، وإنّما الانتقال من المعيار النظري إلى التطبيق العملي، حتى تكون عمليَّة الضبط عمليَّة جادة.
  4. مراجعة المعايير من فترة إلى أخرى، حسب مُتغيِّرات العمل، وما يجد من ظروف مستحدثه.
  5. اعتماد مبدأ الثواب والعقاب في عمليَّة التقويم ابتداءً من الفرد، وانتهاءً بالمُؤسَّسة.
  6. مراجعة الأقران، أي المُؤسَّسات الأكاديميَّة المتماثلة، ويقوم بهذه المهمة فريق عملٍ يلتقي كلاً من الطلاب أعضاء هيئة التدريس، ورؤساء الأقسـام وعمـداء الكليـات، وإدارة الجامعة، ويقوم بزيارة المرافق ذات الشأن، ويقدم تقريراً عما إذا كانت الجامعة أو الكلية تلبي التوقعات المطلوبة، من معايير الجودة والنوعيَّة ويحكم الفريق على مدى مصداقيَّة المعلومات التي قدمتها المُؤسَّسة عن نفسها.

 

د. خليل عوده

عميد كلية الآداب

جامعة النجاح الوطنية