نظرية تطور الإدراك لجان بياجيه

يعتبر جان بياجي أحد أهم علماء النفس بالقرن العشرين و رائداً من رواد المدرسة البنائية في علم النفس (ولد سنة 1896وتوفي سنة 1980) ويشتهر بصياغته لنظرية تطور الإدراك أو نظرية النمو المعرفي.



انطلقت أبحاث جان بياجي بعدما لاحظ أن الأطفال يتشابهون في نموهم الفكري وقد بين فيما بعد أن جميع الأطفال تقريباً يصلون إلى الاكتشافات المعرفية نفسها عن موضوعات العالم كما أنهم يرتكبون نفس الأخطاء ويصلون إلى الحلول ذاتها.


كمثال كل أطفال سن الثالثة يدركون أن كمية معينة من الماء إذا صببناها في إناء طويل تكون أكثر من الكمية الأولى مبدأ الاحتفاظ في حين أن معظم الأطفال سن السادسة يدركون أن الكميتين من الماء معاً متساويتين معاً مهما غيرنا شكل الإناء.


إن هذه التغيرات التي تتم على مستوى التجريد وعلى مستوى تعقد فكر الطفل أدهشت بياجي وأقنعته بان النمو يوظف قوى تدفع بالطفل إلى فهم عالمه واستيعاب محتوياته و لما كان التكوين العلمي لبياجي ينتمي إلى مجال البيولوجيا فان مفاهيمه في النمو استخدمت مصطلحات البيولوجيا ولم لا وهو الذي يرى أن القوى التي تتدخل في النمو ذات طبيعة بيولوجية.


يرى بياجي أن عضوية الإنسان هي قابلة بطبعها للتلاؤم مع محيطها وذلك بشكل فعال وأن الوسط لا يشكل الطفل وأنما الطفل هو الذي يبذل مجهوداً لفهم محيطه إذ انه خلال اكتشافاته يقوم باختيار الأشياء وتجريب الموضوعات المحيطة به.


وتتم عملية التكيف مع المحيط عبر ثلاثة عمليات وظيفية وهي: عملية الاستيعاب وعملية المواءمة وعملية التوازن. أننا كلما وجدنا أنفسنا أمام شيء أو شخص أو موقف معين فإننا نستوعبه بشكل من الأشكال فنلاحظه ونميزه و نعرفه و نفهمه و نقوم بربطه بما نعرفه من قبل أو نقوم بتصنيفه وتخزينه فإذا شاهدت سيارة غريبة مثلاً فأنت تعتبرها سيارة في جميع الأحوال رغم غرابتها وحسب مصطلحات بياجي فانك قمت بإستيعابها انطلاقاً من الصورة التي كونت من قبل عن السيارة كما إنك إذا أردت أن تتعلم صنع الحلوى وشاهدت شخصاً يعجن العجينة فإنك تستوعب ما يقوم به من حركات بعد ملاحظته وفهم سلوكه وبعد عملية الإستيعاب فإننا ننتقل إلى مرحلة المواءمة أي أننا نغير مفاهيمنا وإستراتيجيتنا بحسب المعلومات الجديدة التي قمنا بإستيعابها فالفكرة التي كوناها عن السيارة الغريبة أو الجديدة قمنا بربطها بمفهومنا السابق عن السيارات فإذا ما قابلتنا من جديد سيارة من ذلك النوع سهل علينا التعرف عليها كما أننا قمنا بتعديل حركاتنا لصنع الحلوى أن هذه الاستراتجيات وهذه التصنيفات أو الفئات الذهنية هي ما يطلق عليه الشيمات أو الخطاطات الذهنية.


أما مفهوم التوازن فهو مفهوم واسع يدل على عملية أساسية للضبط الذاتي تنبعث من قوة تدفعنا إلى البقاء في حالة التوازن أن الطفل يسعى بإستمرار للوصول إلى بنية ذهنية عامة تتلاءم مع كل التجارب الماضية من استيعاب ومواءمة أن مفهوم التوازن بحسب بياجي يشتمل على العملية التي يقوم الفرد بموجبها بتعديل فروضه الأساسية أي نظريته الأولى وبمعنى أخر الأساس المعرفي لديه أن الطفل في نظر بياجي يكون سلسلة من النظريات أو الرؤى حول العالم وتبدو كل نظرية في البداية مناسبة وكلما عاش الطفل خبرات جديدة و جمع معلومات جديدة فإنه يبدأ بالتدرج في التخلي عن كل نظرياته السابقة فهو في مرحلة المراهقة يتبنى بشكل نهائي نظرية تحكم كل التجارب.


ولما كان كل الأطفال يبدؤون من نقطة واحدة فانه إذا تشابه الوسط الذي يعيشون فيه وينمون فإن عمليات الإستيعاب والمواءمة والتوازن تتخذ الإيقاع نفسه بحيث تتشابه أفكارهم ونظراتهم حول الواقع المحيط بهم و تبعاً لذلك فإن بياجي يعرض مجمل المراحل التي يقطعها الطفل في نموه وتطويره المعرفي كما يلي:

  • المرحلة الحسية الحركية من الولادة إلى سنتين:

أن الرضيع يتواصل مع العالم بشكل خاص عن طريق حواسه وعن طريق الأفعال التي ينجزها على أشياء فهو غير قادر بعد على تمثل الأشياء وأشخاص بشكل ذهني.

  • مرحلة ما قبل العمليات من سنتين إلى 6 سنوات :

يستطيع الطفل خلال هذه المرحلة أن يتمثل الموضوعات إلا أن انتباهه يبقى مركزاً على المظاهر الخارجية للأشياء أو الأشخاص مثل الطول والشكل واللون أو اللباس فهو ما يزال يستخدم هذه المظاهر لتصنيف الأشياء.

  • مرحلة العمليات المشخصة من 6سنوات إلى 12 سنة:

يتقدم الطفل خلال هذه المرحلة تقدماً كبيراً على مستوى التجريد الذهني فهو يكتشف سلسلة من القواعد الأساسية المتعلقة بالأشخاص والموضوعات بحيث يمكنه تصنيفهم وفق عدة معايير مثل الحجم أو الطول ولكن يمكن أن تحتفظ الأشياء بشكلها رغم ما يطرأ على أوضاعها مبدأ الاحتفاظ.

كما يصبح للطفل في هذه المرحلة قدرة على إجراء عمليات ذهنية معقدة كالجمع والطرح وتصنيف شيء ما في فئتين أو عدة فئات في نفس الوقت الكرسي الخشبي ومتاع البيت.

  • مرحلة العمليات الشكلية من 12 سنة فما فوق:

في المرحلة الأخيرة يستطيع المراهق التفكير بشكل أكثر تجريداً فهو قادر على اتخاذ القرارات بطريقة الاستقراء والاستنباط ومعالجة المشكلات بشكل منظم وهو قادر على التفكير في الأشياء أو الأفكار والصور الذهنية عن طريق تصور الأشياء أو الحوادث التي لم يسبق أن واجهها.

للمزيد أنصح بالكتاب التالي:

اسم الكتاب: التطور المعرفي عند جان بياجيه

اسم المؤلف: موريس شربل