ممارسة الشورى بين المُعلِّم والمُتعلِّم

تُعَدُّ إقامة العلاقات الطيبة بين المُعلِّمين والتلاميذ من أهم العوامل التي تقود إلى نجاح المدرسة في أداء رسالتها وتحقيق أهدافها، حيث يمثل المُعلِّم المثل والقدوة لتلاميذه، يأخذون عنه الكثير عن طريق المحاكاة والتقليد بما يؤثر في تكوين شخصياتهم، فليس هناك طريق للمحاكاة والتقليد أمثل من محاكاة التلميذ لمُعلِّمه.



فضلاً عن أنّ استجابة التلميذ لتلقّي الدرس تكون كبيرةً حينما تكون علاقة التلميذ بمُعلِّمه طيبة، بينما يؤدي النّقيض من ذلك إلي تدني الفهم وانخفاض التحصيل لدى المُتعلِّم، لذا يتوقف على طبيعة تلك العلاقة مدى إقبال التلاميذ على دراستهم، ومدى اكتسابهم القيم والاتجاهات والأنماط السلوكيَّة المرغوب فيها، ومن بينها تأصيل قيمة الحرية، والتعود على ممارسة السلوك الشّوري، لذا يعد التفاعل الإيجابي وإقامة العلاقات الطيبة حقاً من حقوق التلميذ ينبغي للمُعلِّم الوفاء به، بعده هذا التفاعل مُتطلَّباً أساسياً من مُتطلَّبات تحقيق الشورى في المدرسة.

وتتعدُّد وتتنوع المجالات داخل المدرسة التي يمكن أن تتجلى فيها العلاقات الطيبة بين المُعلِّم وتلاميذه، ويمكن من خلالها الحكم على مدى توافر المناخ الحر والمفتوح داخل المدرسة، ولعلّ من أبرز هذه المجالات التدريس الفعَّال، حيث يُعدُّ التدريس المجال الأساسي للتفاعل بين المُعلِّم وتلاميذه، ويتوقف على نوعيَّة هذا التفاعل مدى تحقيق أهداف التدريس، وتنحصر الاتجاهات الحديثة في مجال التدريس في التوجه من التدريس التقليدي القائم على الإلقاء والتلقين من جانب المُعلِّم الذى يؤدي إلى سلبية التلاميذ، ومن ثم مصادرة الحرية الفكريَّة لعقولهم والحرية التعبيريَّة لألسنتهم إلى استخدام طرائق تدريس قائمة على التعلُّم النشط (Active Learning) أي على نشاط واستقلال وإيجابيَّة التلميذ في الموقف التعليمي بما يعمل على مراعاة الجوانب الإنسانيَّة للمُتعلِّم. وتتعدّد طرائق التدريس الحديثة القائمة على التعلُّم النشط مثل التعلُّم بالاكتشاف والتعلُّم التعاوني والتعلُّم الذاتي وغيرها، مع توفير البيئة المدرسيَّة المحققة له، وتوفير مصادر التعلُّم بما يحقق الأهداف المنشودة من الدرس، فالتعلُّم النشط أسلوبٌ له فلسفته التربويَّة الخاصة التي تتبناها دول العالم المُتقدِّم نظراً لجدواه وأهميته في تحقيق الأهداف التدريسيَّة إضافةً إلى أهميته في تعويد التلميذ ممارسة مهارات الحوار التي تمثلُ أساساً لممارسة الشورى وإبداء الرأي داخل المدرسة.

ويعدُّ توجيه وإرشاد التلاميذ، من المجالات الهامة كذلك والتي يمكن أن تتجلى فيها العلاقات الطيبة بين المُعلِّم وتلاميذه، علاوةً على أنّها عمليَّة تعد من الأدوار الأساسيَّة للمُعلِّم التي تحقق التفاعل الإيجابي مع التلاميذ وتُؤكِّد الهامش المفتوح من الاستماع إلى الرأي الآخر والشورى الديمقراطيَّة داخل المدرسة في الوقت ذاته.

وتتضحُ فلسفة التوجيه والإرشاد من أهدافه الرامية إلي اكتشاف ميول التلاميذ وقدراتهم، ومساعدتهم على حل مشكلاتهم، حيث يواجه التلاميذ الكثير من المشكلات التي تحتاج إلى خدمات التوجيه والإرشاد التربوي خاصة بين فئات المتفوقين عقلياً، وأصحاب المواهب الخاصة، وأيضاً ذوي مشكلات الضعف العقلي والتأخر الدراسي، ومشكلات سوء التوافق التربوي وتكرار الرسوب وكثرة الغياب والتسرب، وتتضح العلاقات الطيبة بين المُعلِّمين والتلاميذ في السّعي الى مواجهة هذه المشكلات والعمل على حلها، من خلال إتاحة الفرصة للتلاميذ لعرض مشكلاتهم ومناقشتهم فيها، والاستفسار عن الصعوبات والمشكلات التي تعترضهم والعمل على حلها، وترسيخ وتدعيم الاتصال المباشر بالتلاميذ.

كذلك تعدُّ الأنشطة اللاصفيَّة والإشراف عليها من قِبَلِ المُعلِّمين فضاءً رحباً إذا ما أحسن استغلالها لبثِّ قيم الشورى وإعطاء مساحةٍ من الحرية في نفوس المُتعلِّمين، وتدريبهم على ترجمتها إلى سلوكٍ مُمارسٍ داخل وخارج جدران المدرسة وهو ما يقتضي بالضرورة تفاعلاً حراً بين المُعلِّم وتلاميذه قوامه إتاحة الحرية لهم للتعبير عن أفكارهم ورؤاهم، وتعويدهم حسن إصغاء بعضهم إلى بعضهم الآخر، وتقسيم العمل، وتوزيع الأدوار، وتوظيف السلطة لإقصاء الشعور بالعجز عن نفوسهم.

ويقصد بالأنشطة اللاصفيَّة كل ما يقوم به التلاميذ من أعمال ويمرون به من خبرات وبرامج مخطط لها في المجالات الثقافيَّة والاجتماعيَّة والعلميَّة والرياضيَّة والفنيَّة والترفيهية، وذلك خارج نطاق الجداول الدراسيَّة الرسميَّة. ويُطلق عليها البعض الأنشطة الحرة، بكونها أنشطةً يشارك فيها التلميذ عن حرية واختيار، والأنشطة اللاصفيَّة تسهم بدرجة كبيرة في تشكيل شخصيات التلاميذ وتكسبهم القيم التربويَّة والاتجاهات والأنماط السلوكيَّة التي من شأنها تكوين صفة المواطنة الصالحة، حيث تساعدهم على التكيُّف والتفاعل الإيجابي مع الآخرين بما يُعزِّز لديهم ممارسة الشورى.

هذه بعض المجالات التي يمكن أن تتجلى فيها العلاقات الطيبة بين المُعلِّم وتلاميذه والتي من شأنها تأصيل منهج الشورى والممارسة الديمقراطيَّة داخل المدارس، غير أنّ ثمّة مجالاتٍ أخرى تتصل بالمحتوى الدراسي، وأساليب التقويم، والثواب والعقاب، ونمط الإدارة المدرسيَّة السائد، ومستوى العلاقات الإنسانيَّة داخل المدرسة.

 

د. على عبد الرؤوف نصار

 كلية التربية جامعة الأزهر

من موقع المربي