مفهوما المثير والإستجابة

إن مصطلحي المثير والاستجابة من المفاهيم الأساسية المستخدمة في سيكولوجية التعلم، ويصعب تعريفهما بمصطلحات محددة وبسيطة، لأن السلوك يحدث في سياقات تتعدد فيها المثيرات والاستجابات، بحيث يصعب ضبطها في بعض الأحيان.



ويمكن تعريف المثير بشكل عام بأنه " الحادث الذي يستطيع الملاحظ الخارجي تعينه، مفترضاً بأن له تأثيراً في سلوك الفرد موضوع الملاحظة".

ينطوي هذا التعريف على عنصرين هامين، الأول، هو إمكانية تعيين المثير أو تحديده بالملاحظة الخارجية، وهذا يقصر الحوادث التي يمكن اعتبارها مثيرات، على الأشياء الفيزيائية الموجودة في البيئة، كالصوت، والضوء، والكلام المنطوق والمكتوب... الخ، والثاني، وهو الافتراض بأن للمثير تأثيراً في سلوك الفرد موضوع الملاحظة، بحيث يستجيب هذا الفرد بطريقة ما، لدى تعرضه لهذا المثير.

وبما أن الحوادث التي يمكن تعيينها، والمرافقة لاستجابة ما، عديدة جداً، لذا يجب اعتماد محك ما، يتم بواسطته اختيار الحوادث التي يمكن اعتبارها مثيرات. ولعل قدرة الحادث على إحداث استجابة ما، هو من أفضل المحكات التي يمكن اللجوء إليها في هذا الصدد. ويكون الحادث المثير بهذا المعنى. هو الحادث الذي يفترض الملاحظ الخارجي بأن له القدرة على إحداث استجابة ما، أي الحادث الذي يؤدي إلى تغير في سلوك الفرد موضع الملاحظة. وعلى الرغم من قدوة المثير على إحداث استجابة ما، هي افتراضيّة، إلا أنه يمكن التحقق من ذلك على نحو تجريبي. فإذا حدثت الاستجابة بوجود مثير ما، ولم تحدث في غيابه، أمكننا التحقق من صدق هذا المثير. ويمكن القول باختصار، بأن المثيرات هي حوادث قابلة للتعيين ولها تأثير ظاهري أو مفترض في الاستجابة.

يتضح ما تقدم، أن المثيرات تضبط السلوك، بسبب تأثيرها في الاستجابات. وقد حاول واطسون قصر هذه المثيرات، على المثيرات الخارجية فقط، كالمثيرات الفيزيائية المختلفة القابلة للملاحظة على نحو مباشر، بيد أن العديد من علماء النفس المعاصرين يعترفون بوجود مثيرات داخلية قد لا تقل في أهميتها من حيث ضبط السلوك عن المثيرات الخارجية، لذلك قالوا بنوعين من المثيرات، مثيرات خارجية أو ظاهرية، ومثيرات داخلية أو مضمرة.

تشير المثيرات الظاهرية إلى الحوادث التي يمكن تعيينها على نحو مباشر، كسماع كلمات أغنية يبثها المذياع، أو الاستماع إلى محاضرة يلقيها المعلم، أما المثيرات المضمرة، فتشير إلى الحوادث التي لا يمكن الدلالة عليها على نحو مباشر، كاستدعاء كلمات الأغنية أو المعلومات التي وردت في المحاضرة. ويلاحظ هنا أن المثيرات، سواء كانت ظاهرية أو مضمرة، تؤدي إلى حدوث استجابات معينة، فالاستماع إلى المحاضرة، قد يحدث استجابات انتباهيه موجهة، واستدعاء بعض المعلومات التي جاءت في المحاضرة، قد يؤدي إلى تناول القاموس والبحث عن معنى كلمة معينة جاءت فيها.

وإن تحديد مفهوم الاستجابة، لا يقل صعوبة عن تحديد مفهوم المثير. فالاستجابات التي يؤديها الفرد متنوعة إلى حد كبير، وتتراوح بين المنعكسات الفصلية اللاإرادية البسيطة. والسلوك المعقّد جداً كالتفكير والاستبصار وحل المشكلات. ويتفق علماء النفس عموماً، على أن الاستجابة " فعل أو رجع أو جزء محدد من سلوك الفرد موضوع الملاحظة". والاستجابة كالمثير، يجب أن تكون قابلة للتعيين على نحو مباشر أو غير مباشر، ولكنها تختلف عن المثير من حيث يمكن تعيينها دون الرجوع أو الإشارة إلى الحادث الذي استثارها أو أحداثها، في حين لا يغدو الحادث مثيراً إلا إذا استثار أو أحدث استجابة ما. فتناول القاموس والبحث عن كلمة فيه، استجابة يمكن أن يلاحظها الملاحظ الخارجي دون معرفة الحادث الذي استثارها. 

والاستجابات كالمثيرات، يمكن تصنيفها إلى استجابات خارجية أو ظاهرية، وهي الاستجابات التي يمكن تعيينها بالملاحظة المباشرة، كالابتسامة أو تناول القاموس أو الضغط على زر أو رافعة، وإلى استجابات داخلية أو مضمرة، وهي الاستجابات التي لا يمكن تعيينها على نحو مباشر بالملاحظة، كاستدعاء بعض الأفكار أو المعلومات التي وردت في المحاضرة. ويلجأ العلماء إلى هذا التصنيف لأن الحادث الاستجوابي، قد لا يقوم بوظيفة الاستجابة فقط، بل يقوم بوظيفة المثير أيضاً. فاستدعاء بعض المعلومات التي جاءت في المحاضرة، قد يكون استجابة لسماع كلمة ما تذكر الفرد بهذه المعلومات، بيد أن استدعاء هذه المعلومات ذاتها، يمكن أن يلعب دور المثير بالنسبة لاستجابة تناول القاموس والبحث عن معنى كلمة معينة. لهذا يمكن القول بأن الحادث الداخلي أو المضمر، يمكن أن يلعب دور المثير والاستجابة على حد سواء.

يصعب في معظم الأحيان تعيين استجابة بسيطة محددة من خلال التأكيد على تفصيلاتها ودقائقها، لذا يؤكد علماء النفس على المظاهر العامة للاستجابة أكثر من التأكيد على جوانبها التفصيلية الدقيقة، فاستدعاء قائمة كلمات أو قيادة سيارة، أو تنظيف الأسنان بالفرشاة، أو كتابة رسالة ما، هي استجابات كلية عامة، يصعب النظر إليها من خلال دقائقها، لذا ينزع الباحثون إلى النظر إليها من خلال وظائفها، لا من خلال الحركات الجزئية البسيطة التي تكونها.

ويرى الباحثون أن تناول الاستجابة من خلال مظاهرها العامة ووظيفتها غير كاف لتعيينها، بل لا بد من الأخذ في الحسبان سرعتها وقوتها وديمومتها، لأن هذه المظاهر الكمية للاستجابة هي نتيجة التعلم أيضاً، فالطفل لا يتعلم الكلام فقط، بل يتعلم الكلام بسرعة معينة، وبصوت مرتفع أو منخفض، وذلك حسب السياق المثير الذي يوجد فيه.