معلومات إضافيَّة حول دعم المُتعلـِّمين المُستقلـِّين

العمل المعرفي، في الوقت المناسب  

قال أحد المراقبين الخُبَراء مرةً: إنَّه يجب إعطاء كلّ الموظَّفين الفُرَص الكافية ليصبحوا عمَّالاً خُبَراء مُبدعين، وليس عمَّالاً ينفِّذون المهام فقط؛ الأمر الذي يوجِبُ أن تكون بيئة العمل كاملةً مُصمَّمة لأجل التعلُّم (معهد زيروكس Xerox لأبحاث التعليم). قام معهد أبحاث التعليم[1] (IRL) في مينلو بارك (Menlo Park) في كاليفورنيا بالتركيز من خلال عمله على التعليم الذي يَدْمُج المعرفة ضمن الحياة الاجتماعية، ويُمكِّن المُتعلِّمين المُستقلِّين من التعلُّم عن طريق حرية الاختيار من قِبَلِ الراغبين في التعلُّم. تحدثت أبحاث (IRL) عن “التعليم باعتباره فعلاً يستوجب العضوية”، فعلاً يستوجب القبول من قِبَلِ الفرد ويقود إلى الالتزام والتفويض. وجهة نظرهم مبنيَّة على أساس أن “المعرفة تعتمد على التزام المُتَمرِّن”، وأنَّ الفشل في التعلُّم يأتي نتيجة الاستبعاد من المشاركة (وجهة نظر معهد أبحاث التعليم: منشور “أسس التعليم السبعة”)[2].



في العام 2001 وضمن “مؤتَمر أبحاث المستقبل” قامت الجمعية الأميركية للتدريب والتطوير (ASTD) بالتعريف بواحدة من النزعات الحديثة في مجال التدريب والتعليم في مواقع العمل القائلة “بالإقبال المُتزايد على التعلُّم في وقته[3]” (تقرير مكتوب في TD، عدد يونيو حزيران 2002، صفحة 52)[4].


في مقالتهما “الضرورات الواجبة في وقتها[5]“ (TD، عدد يونيو حزيران 2002، صفحة 52) كتب المؤلِّفان جينفر دبليو مارتينو (Jennifer W. Martineau) وروبرت أس وينتروب (Robert S. Weintraub) العاملان في الجمعيَّة الأمريكيَّة للتدريب والتطوير (ASTD) أنَّ التعليم هو قبل شيء نتيجةٌ للتجربة والتعاون، وقد أضافا كلاً من المراقبة والقراءة لهذه الحوافز، حيث تشكِّل هذه الأمور الأربعة مُجتَمِعَةً البيئةَ المناسبة للمُتعلِّمين المُستقلِّين، وهذه الأمور الأربعة تشكِّل الطُرُق الأساسيَّة التي يستطيع المُتعلِّم من خلالها اكتساب المعرفة بشكل مُستقِلّ، وتصف كيف يقوم المُتعلِّمون ببناء شركة من المُتعلِّمين المواظبين.


الاهتمام والانتباه

عندما كنت أقوم بأبحاث خاصَّة بكتاب آخر قمتُ بمقابلة المدير التنفيذي لإحدى الشركات الصناعية الصغرى حول سياساته التدريبيَّة وممارساته في هذا المجال، وكان جوابه أنَّ الأمر كان بسيطاً: إنّ التحدِّي الذي وضعناه أمام كلّ الموظَّفين كان ببساطة “أن يعيروا اهتماماً”، ثم قمنا بجولة في أرجاء صالات العمل حيث كان العمَّال يعملون ويتعلَّمون على رأس عملهم، وعلى امتداد المصنع كانت هناك مجموعات صغيرة من شخصين أوثلاثة أشخاص مجتمعين حول آلة أو كُتيّب أو مُنْخرطين في مناقشة مُفعَمة بالحيويَّة حول مشكلة طارئة في العمل.


لا أحد أعارنا اهتماماً أو انتبه لوجودنا؛ لقد كنَّا بلا أدنى شك خارج حلقاتهم التعليميَّة. كانت رسالة المدير التنفيذي حول الاهتمام بماذا ولماذا وكيف كان يسير العمل بسيطة جداً وفعّالة وصحيحة تماماً. بالإضافة إلى هذه الرسالة الصائبة لهذا المجتمع الصناعي المُميّز، كانت أجهزة الكمبيوتر الشخصيَّة منتشرة في غرفة واحدة كبيرة، وكانت الكتب وكتيِّبات الإرشادات سهلة المنال أمام أي شخص، ممَّا كان يخلق جوّاً مُميَّزاً تُوجد فيه الفُرَص الكافية أمام الأفراد ليبحثوا عن المعلومات التي يحتاجونها ويتعاونوا مع زملائهم في حلِّ المشاكل أو توضيح المسائل الشائكة. كانت مقولة “أعر اهتماماً” تُمثِّل تَحدِّياً ليكون الجميع مُتعلِّمين مُواظِبين. قدَّمت شركة ستيرلينغ إنجينيرينغ أوف وينستد في ولاية كونيكتيكت، ثلاثة أجيال من قادة المجتمع، وخلقت المئات من فرص العمل، وحازت على عقودٍ حكومية كثيرة منذ الحرب العالميَّة الثانية وطوال برامج الفضاء الحاليَّة.


الاهتمام بالعمل بالطبع يفيد بطريقتين اثنتين، أن يقوم الشخص بالاهتمام بنفسه، وأن يخدم نفسه كمُدرِّب وجهاً لوجه مع شخص آخر ممَّا يجعله بحاجة ليكون جيِّداً في مجال التواصل ويفكِّر بمرونة وإبداع لحلِّ المشكلة التي بين يديه. المُدراء التنفيذيون وأخصائيو التطوير المؤسَّساتي وقادة الموارد البشريَّة ومُوظَّفو التعليم ومُدراء التدريب مدعوون جميعاً ويحتاجون للتفكير العميق فيما يتعلَّق بالمهارات والتحدِّيات المطلوب إيجادها ليتحوَّل الشخص إلى متعلِّم مُستقِلٍّ فعّال ومُنتج. يحتاج الموظَّفون إلى وجود ضمانة راسخة بأنهم سيَلقَون الدعم عندما يتركون أجهزة الكمبيوتر الخاصَّة بهم ليبحثوا ويجدوا ما يحتاجون أن يتعلَّموه في أرجاء ورَش العمل والمكاتب، أو في كتاب قد يكون موجوداً على مكتب شخص آخر. إنَّهم يحتاجون للدليل القاطع بأنَّ المدير التنفيذي يهتمُّ فعلاً لرؤيتهم يتعلَّمون، ولا يهتمُّ لرؤيتهم له كمدير تنفيذي.


المجموعات الصغيرة و“الناس الصغار”

يحتاج مُدراء التدريب في الشركات التي تعتمد التعليم المُستمر إلى تعديل المُحاضَرات والعروض التعليميَّة المُستخدمة في قاعات الصفوف الاعتيادية، واتِّباع طُرُق أخرى في التفكير تتعلَّق بوجهات النظر الاجتماعية في التعليم تنطبق على كل من مجموعات المُتعلِّمين سواءَ الكبيرة منها أو الصغيرة. وعلى وجه الخصوص فإنَّ مُدراء التدريب مطالبون بخَلق جوٍّ تعليمي ووسائل خاصَّة يكون الأفراد فيها أمام تحدِّيات مستمرة ومكافآت تحضُّهم على التعليم المُستمرّ.


يحتاج مُدراء التدريب أن يدركوا أنَّ “الأشخاص الصغار” يجب أن يُؤخَذوا بالاعتبار. يخبرنا ميلاني ويلز (Mel­anie Wells) قصَّة عن شركة إي-باي (E-Bay) للمزادات العلنية عبر الإنترنت التي أقامت حفلاً كبيراً في مركز المُؤتمَرات في مدينة أنا هيم (Anaheim) في صيف عام 2002[6]، حيث حضر هناك خمسة آلاف شخص ممَّن قاموا ببيع سِلَعهم عبر موقع إي-باي ليتعلَّموا ما هو جديد، ويتعرَّفوا، ويأخذوا توقيع المدير التنفيذي للموقع. يقول ويلز:”لم يرغب موقع إي ـ باي بأن يخسر “إحساس سوق السلع المستعملة الشعبي” وذلك بالرغم من كونه أصبح مسوِّقاً هائلاً؛ كان على موقع إي-باي أن يتعلّم كيف يقفز فوق مستوى العُمَلاء الصغار وذلك دون أن يتخلَّى عنهم. لم يكن هذا الأمر بالمهمَّة البسيطة أمام شركة تضم 46 مليون مُستخدِم في سبع وعشرين دولة وأكثر من 325 مليون صفحة يتمُّ استعراضها يومياً. إن المرونة والتواصل والتفكير المُرهَف كانت بالتأكيد المُتطلَّبات التي حقَّقت الجمهور الواسع من الباعة المُستقلِّين في موقع إي ـ باي والتي كانت سبب نجاح إدارة إي ـ باي في التعليم والتحوُّل والنموّ. إن القضيَّة التعليميَّة لموقع إي ـ باي تعكس أهميَّة هذا الأمر أمام العديد من الشركات الأخرى.


إذا كانت لديك ميزانيَّة وكادر محدودين . . .

قُمْ بخطوات صغيرة. اعمل مع حِفنَة من المُتعلِّمين المُحفَّزين لتأسيس الهيكليَّات الرسميَّة وغير الرسميَّة التي ستحتاج أن تدعمها. أَعرْ اهتماماً خاصَّاً لوثائق تقييم الاحتياجات، حتى ولو كانت مُجرَّد قوائم بسيطة تتضمَّن المهارات المحتاجة. ابدأ صغيراً، حقِّق بعض النجاحات، ارفعْ هذه النجاحات، وبالتدريج ابدأ بزيادة أعداد المُتعلِّمين.


إذا كانت لديك ميزانيَّة وكادر وافيين . . .

قُمْ باستئجار مُصمِّمي مناهج مهمَّتهم تقييم التجارب التعليميَّة الحاليَّة لديك: الدورات المُعَدَّة لقاعات التدريب، جهود التعليم الإلكتروني وعبر الإنترنت، والتعليم الموجَّه ذاتياً الذي يتمُّ لديك حالياً. تعرَّفْ إلى ما هو ناجح من وجهة نظر التعليم؛ وتأكَّدْ من أنَّ معايير التقييم الخاصَّة بعمليّة التدريب ترتكز على التعليم فعلاً وليس على أعداد الذين يملؤون المقاعد الشاغرة. يمكن لمُصمِّمي المناهج أن يكونوا ذوي فائدة كبيرة في العمل مع المُتعلِّمين المُستقلِّين لتحقيق الاستفادة القصوى من الحوافز المُتوفِّرة لديهم ومن التوجيه الذاتي.


ركِّزْ على التغذية الراجعة والمرونة في التعامل. ساهم في خَلق بيئة عمل يتمُّ فيها إعلاء الإبداعيَّة والتجريب وتثمينها؛ وأعطِ مجالاً واضحاً للأفراد الذين يُفَنِّدون المشاكل ويقومون بحلِّها، والذين يقومون بتحليل التضاربات، والذين يبتكرون طُرُقاً جديدة أفضل للعمل. اعمل جاهداً على تحسين مهارات التواصل وتيسير إمكانيات الوصول إلى المعلومات أمام كلِّ العمَّال. فكِّر بالوقت بطريقة مُختَلِفة؛ يمكن للتعليم المُستقِلّ أن يكون بمقادير صغيرة أو بحجم كبير. من الصعوبة بمكان أن تحسب حساب كل شيء؛ قُمْ بتطوير أنظمة خاصَّة بالمراقبة والتقييم بمساعدة مُستشار في مجال التقييم؛ وأنشئ برنامجاً يشمل كلَّ الشركة ويختصُّ ببناء المهارات والكفاءات ليدعم المُتعلِّمين المُستقلِّين في أرجاء الشركة.


   1Institute for Research on Learning

   2(IRL Perspective: Seven Principles of Learning brochure، 1990)

   3“increasing demand for just-in-time learning”

   4(TD، June 2002، p. 52)

   5The Just-in-Time Imperative

   1(“D-Day for E-Bay,” Forbes, July 22, 2002, pp. 68–70).