مستويات الإصغاء الخمسة

قد تكون مهارة الإصغاء هي أولى مهارات الكوتشينغ التي يتعلَّمها أي كوتش أو مدير، إلا أنَّها غالباً ما تكون أقل المهارات استخداماً، حتى من قِبل الكوتشز الأكفَّاء؛ حيث إنَّها تضيع بين الأدوات والتقنيات الأكثر تطوراً، قد يكون السبب في ذلك هو أنَّ معظمنا يحب التكلم بدلاً من الإصغاء، فمذ كنا أطفالاً صغاراً نلعب معاً، كنا ننتظر دورنا في الحديث بفارغ الصبر.



أحياناً يكون استخدام أساليب الكوتشينغ المتمثلة في طرح الأسئلة أو تكرار كلمات المتحدِّث أو حتى اقتراح الحلول أسهل من التركيز على ما يقوله المتحدِّث دون مقاطعته.

لا يمكن الاستهانة بقوة الإصغاء، ففي الواقع سيُقدِّم الكثير من الناس الكوتشينغ لأنفسهم بفاعلية أكبر عندما يُسمح لهم بالتحدث دون مقاطعة؛ لذلك تكمن أهمية الكوتش في أنَّه يساعد متلقِّي الكوتشينغ على التركيز؛ فمحاولة التفكير في القضايا الهامة بمفردنا أمر صعب للغاية؛ وذلك لأنَّنا بطريقة ما سنجد أنفسنا نفكر في قائمة التسوق، أو مناقشة عائلية، أو بعض القضايا الأخرى؛ وبعد التعمق في التفكير، يطرأ أمر ما يقطع سلسلة أفكارنا ويستحوذ عليها.

تتردد أذهاننا بطبيعة الحال في الاستكشاف وتنجذب نحو أي مصدر تشتيت لتجنُّبه، ولكن بوجود شخص يُصغي إلى كل كلمة نقولها، نشعر أنَّه من غير اللائق الانتقال إلى موضوع آخر بعد أن أعلنَّا عن نيَّتنا في التركيز على موضوع معين.

يبدو أنَّ هناك عادات خفية تميل إلى عرقلة الإصغاء، مثل كثرة الإيماء، أو قول الكلمة نفسها بعد كل عبارة يقولها متلقِّي الكوتشينغ، وأكثرها شيوعاً: "حسناً"، في الكوتشينغ، لا تُعدُّ هذه استجابة جيدة؛ وذلك لأنَّها قد توحي إلى متلقِّي الكوتشينغ بأنَّك تطلب منه أن يُنهي حديثه وكأنَّك تقول له: "حسناً، كفى حديثاً عن هذا الأمر، دعنا نتحدث عن شيء آخر".

والكلمة الأخرى هي "ممتاز"، والتي قد تكون مفيدة لتحفيز متلقِّي الكوتشينغ وتقديم تغذية راجعة جيدة له إن استُخدِمت من حين لآخر، إلا أنَّها غالباً ما تُستخدَم عندما لا يكون هناك أي شيء يستدعي استخدامها؛ وإنَّما تُستخدم بحكم العادة فقط، مما يجعل متلقِّي الكوتشينغ يفقد ثقته بالجلسة بأكملها.

من أشهر أشكال أدوات المقاطعة المُستخدَمة التي تؤدي إلى تشتُّت الانتباه: "أها"، و"صحيح"، و"مممم".

لا بأس باستخدام كل هذه الردود من حين لآخر، فقد تُظهِر أنَّ الكوتش يُصغي إلى ما يقوله متلقِّي الكوتشينغ، ولكنَّ استخدامها في غير محلها هو ما يجب تجنُّبه، والغريب في الأمر أنَّ الكوتش يمارس هذه العادة دون أن يدري بذلك على الإطلاق؛ لذلك يجدر بنا الطلب من متلقِّي الكوتشينغ تقديم تغذية راجعة من وقت لآخر.

في جميع الحالات المذكورة أعلاه، عندما تستدعي الحاجة إلى الرد، فأفضل رد هو إعادة ما يقوله متلقِّي الكوتشينغ أو إعادة صياغته، وغالباً ما يكون هذا هو الخيار الأفضل؛ لذا كن هادئاً، وراقب متلقِّي الكوتشينغ، وانتظر حتى ينتهي من سلسلة أفكاره.

والآن إليك خمسة مستويات للاستماع:

● المستوى الأول: المقاطعة

لا يكتفي المستمِع في هذا المستوى بعدم الإصغاء فقط؛ بل لا يدع المتحدِّث يُنهي كلامه أيضاً، على سبيل المثال قد يقول المتحدِّث:

"أعتقد أنَّه يجب علينا عقد اجتماع مع الموظفين حول ذلك و…".

فيقاطعه المستمِع قائلاً:

" نعم، ولكن هل تعلم أنَّ عمَّال السكك الحديدة سيُضربون عن العمل غداً؟".

هل شعرت يوماً أنَّ شخصاً ما ينتظر أن تُغلق شفتيك برهة، حتى يتمكن من قول ما يريد قوله؟ هذا هو المستوى الأول من الإصغاء.

● المستوى الثاني: سرقة الحوار

سرقة الحوار من خلال إخبار المتحدِّث عما حدث معك عندما مررت بتجربة مماثلة، على سبيل المثال يقول المتحدِّث:

"لا أحد يهتم برأيي في الاجتماعات".

فيقاطعه المستمِع قائلاً:

"وأنا أيضاً، ففي الشهر الماضي...".

هنا على الأقل سمع المستمِع ما قاله المتحدِّث، ولكن تماماً كما يحدث في المستوى الأول، يسرق المستمِع الحديث ويُسهب فيه.

● المستوى الثالث: تقديم النصح

قد يكون تقديم النصح مفيداً، ولكن ليس قبل أن تستكشف المشكلة وتشجع المتحدِّث على التوصل إلى حلول لها بنفسه أولاً، على سبيل المثال، يقول المتحدِّث:

"أريد أن أكسب عميلاً جديداً".

فيقاطعه المستمِع قائلاً:

"ما عليك فعله هو...".

أحد الأسباب التي لا تجعل تقديم النصيحة في وقت مبكر فكرةً سديدة هو أنَّك قد لا تفهم الخلفية الكاملة للعبارة، فقد يكون هناك جملة من الأسباب التي تمنع المتحدِّث من الفوز بعميل جديد، وقد يكون الحل الذي تقدِّمه غير هام، والسبب الآخر هو أنَّ الناس إجمالاً لا يحبون اتباع النصائح؛ وذلك لأنَّ ما قد يكون حلاً مثالياً بالنسبة إليك، قد لا يناسب قيم شخص آخر، أو مستوى معرفته، أو أداءه.

المستوى الرابع: الإصغاء الفعال

في هذا المستوى يُصغي المستمِع إلى ما يقوله المتحدِّث ويطلب سماع المزيد، ويمنحه وقتاً للتفكير، ويُشعره باهتمامه من خلال النظر إليه، على سبيل المثال، قد يقول المتحدِّث:

"لست متأكداً من كيفية إعادة هيكلة إدارتي".

فيجيب المستمِع:

"هل ترغب في إخباري بالمزيد عن ذلك؟".

يا له من أمر رائع أن يطلب منك شخص ما سماع المزيد، ولكنَّه قلَّما يحدث، سواء في المنزل أم في العمل؟

المستوى الخامس: الإصغاء الفعَّال

الإصغاء لكل كلمة يقولها متلقِّي الكوتشينغ؛ ظاهرها وباطنها، والإصغاء إلى الصمت باستخدام حدسك، وتشجيع متلقِّي الكوتشينغ على الاستكشاف، وتسهيل ممارسته للتعلُّم الذاتي والوعي الذاتي، وتقديم الاقتراحات له؛ فهذا هو الكوتشينغ، على سبيل المثال قد يقول متلقِّي الكوتشينغ: "يجب أن أكتب التقرير، ولكن لا يوجد لدي وقت مطلقاً، أنا أعمل بجد، وفي نهاية اليوم، لا يبدو أنَّني قد أنجزت أي شيء".

في هذه الحالة، سيستخدم الكوتش الماهر مجموعة متنوعة من المهارات للرد على مثل هذه العبارة مثل: الإصغاء والرد على ما قيل، بالإضافة إلى إعادة الكلمات وتلخيصها، وطرح أسئلة الكوتشينغ.

في الختام

المستويان الثاني والثالث أعلاه لهما وقتهما ومكانهما في الإدارة الجيدة، لا سيَّما في جلسات المنتورينغ، ولكن لا يمكن وصفهما بـ "الإصغاء"، فقد يكون هذان المستويان مناسبين أيضاً في المحادثات العادية، والتي غالباً ما تكون على شكل عملية تبادل معلومات وأفكار.

من المفيد أن نكون على دراية بمكاننا في المستويات الخمسة في أثناء أي عملية تبادُل للأفكار، حتى نتمكَّن من تحديد أي منها سنستخدم، أما في جلسة الكوتشينغ، يجب أن نكون دائماً في المستويين الرابع والخامس، وعلى أي حال، قد يكون المستوى الثاني مصدر راحة لجميع الأطراف في المواقف الاجتماعية، ويكون المستوى الثالث مفيداً في بعض الأحيان، خاصة عندما يطلب منا شخص ما النصح.

يشعر معظم الكوتشز بالسعادة عند تقديم النصائح المفيدة في جلسات الكوتشينغ، ومع ذلك عادةً ما يصوغون النصائح على شكل اقتراحات، ويطلبون الإذن بتقديمها أولاً، بعد أن يستنفد متلقِّي الكوتشينغ جميع أفكاره.