كيف يكسب المعلم محبة تلاميذه ؟

المُعلِّم العربي يعمل بروح ميثاق المُعلِّم العربي الذي يُؤكِّد على أنّ "هدف التربية والتعليم في البلاد العربية هو تنشئة جيل عربي، واعٍ ومستنير، مؤمنٍ بالله، مخلصٍ لوطنه، يثق بنفسه وبأمّته، ويدرك رسالته القوميَّة والإنسانيَّة، ويتمسك بمبادئ الحق والخير والجمال، ويستهدف المثل العليا في السلوك الفردي والسلوك الجماعي".



محمود طافش:

يحتار بعض المُعلِّمين في تعليل الأسباب التي تجعل بعض المُتعلِّمين على مقاعد الدراسة يناصبونهم العداء داخل غرفة الصف، فيصدرون أصواتاً مزعجة لمضايقتهم، أو يقذفونهم بالطباشير للسخرية منهم على الرّغم من أنّهم موظفون لتعليمهم ومد يد العون إليهم. وقد تصدى بعض الباحثين التربويين لدراسة العوامل التي تجعل المُعلِّم قريباً من تلاميذه فيأنسون إليه ويحبونه، وفيما يأتي أشهر هذه الدراسات والنتائج التي توصلت إليها:

  1. توصل كومبز Combs)) بعد عدة دراسات قام بها إلى أن المُعلِّم المحبوب هو: ذلك الشخص الذي يجب أن يتمتع قبل أي شأنٍ بإحساسه كإنسان. وهو يرى أنّ إحساس المُعلِّم بميزاته الشخصيته والإنسانية يجعله أقدر على فهم المُتعلِّمين، وحسن التعامل معهم، وتسخير إمكانياته ومواهبه والظروف من حوله بطريقة تخدم تلاميذه، وتخدمه هو، وتصل بالجميع إلى مرحلة الرضا والإشباع.
  2. كذلك توصل فلاندرز Flanders)) إلى أنّ هناك ميزات شخصيَّة مُحدَّدة يلزم توافرها في الشخص الذي يريد أن يعمل مُعلِّماً بدون إزعاج لنفسه ولتلاميذه. وهذه الصفات هي: الإقبال على الآخرين، وهدوء الطبع، ولطف المعشر، والابتسام، والوثوق به، والصبر، والقدرة على أداء ما يقوم به من أعمال.
  3. أما مورس (Morse) فيرى أن المُعلِّم المحبوب هو الذي يتصف بالدفْء في المعاملة الشخصيَّة، والتفهُّم لغيره، معشري، وتقدير المسؤوليَّة، والتنظيم في سلوكه وعمله، والقدرة على استثارة غيره، والتمتع بقدر طيب من المبادرة والإبداع.

 

كما أظهرت دراسة قام بها الأمريكي هارت (Hart) وأخرى قام بها دامنج Duming)) أنّ هناك ثلاث مجموعات من الأسباب تؤدي إلى إعجاب التلاميذ بمُعلِّمهم، وهي:

  1. المجموعة الأولى ترى أن المُعلِّم المحبوب:
  • متعاونٌ إلى أقصى حد.
  • يشرح درسه جيداً.
  • يستخدم الأمثلة في الشرح.
  1. المجموعة الثانية ترى أنه ينبغي أن يكون:
  • حسن الخُلُق.
  • حاضر البديهة.
  • يشيع جوا من المرح.
  1. المجموعة الثالثة ترى أن المُعلِّم المحبوب:
  • رؤوف، حليم.
  • يشعر بشعور التلاميذ.
  • تشعر بأنه صديقك.

 

وقد أورد الدكتور كمال دسـوقي، في كتابه التعليم والتعلُّم خلاصات لعدة دراسات قام بها باحثون أجانب تحت عنوان: من هو المُعلِّم المحبوب في نظر التلاميذ؟ وفيما يأتي أٌقدّم عرضاً موجزاً لأهم الآراء التي وردت في تلك الدراسات بقليل من التصرُّف اللغوي:

  1. دراسة روبنز Robbins))

المُعلِّم المحبوب:

  • يجعل التدريس شائقاً.
  • نظيف في ملبسه.
  • متزن الاتجاه وعملي.
  • يعرف مادة تخصصه.
  • لديه القدرة على تنظيم المادة العلميَّة تنظيماً جيداً.
  • يبدي قدراً كبيراً من الحماسة.
  • يشجع مشاركة التلاميذ.
  • يستعين بالكثير من التصوُّرات العلميَّة.
  • لديه روح مرح حقيقي.
  • يتمتع بشخصيَّة ودودة.
  • يبدي اهتماماً بالتلاميذ.
  • تبعث نبرات صوته على الارتياح.
  1. دراسة الأخت الفيرا Sister Elvira)) توصلت إلى أن المُعلِّم المحبوب ينبغي له أن:
  • يعرف المادة التي يدرّسها.
  • يجعل التدريس شائقاً.
  • يكون منطقياً في طروحاته.
  • يسمح بالمناقشات والأسئلة.
  • يكلّف طلابه واجبات معقولة.
  • يكون متفهماً لما يصدر عن تلاميذه.
  • لا يحرج الطلاب.
  • يتمتّع بروح مرحة.
  1. دراسة لامسون Lamson)) أظهرت أن من أبرز مواصفات المُعلِّم المحبوب:
  • المعرفة بمادة التخصص.
  • إتقان مهارات التدريس.
  • كون شخصيته مميزة في عرض المُقرَّر.
  • الإنصاف أو النزاهة.
  • القدرة على التعامل مع التلاميذ.
  • الإخلاص والأمانة.
  • لديه روح المرح.
  • المظهر الأنيق.

دراسة هارت (Hart) توصل هارت إلى أن المُعلِّم المحبوب:

  • يثير قابليَّة التلاميذ للتعلُّم.
  • يشرح الدرس بوضوح ويستعين بالأمثلة.
  • يهتم بالتلاميذ ويتفهمهم.
  • حازم يضبط الصّف.
  • يفرض الاحترام.
  • غير متحيّز، ولا يحابي أحداً.
  • فرح، سعيد، لديه روح المرح.
  • إنسان ودود، نشعر كأنه واحد منا.
  • غير عابس أو ساخط أو ساخر.
  • شخصيته تبعث على السرور.
  • صبور حنون متعاطف.
  • عادل في درجاته، ويجري اختبارات متوسطة.

 

وفي لقاء أجرته إحدى الصحف المحليَّة في دولة الإمارات العربية المتحدة مع بعض الطلاب حول المُعلِّم القدوة، قال أحدهم: "يعجبني كثيراً المُعلِّم الذي يوضح لي أخطائي على انفراد دون نشرها، وأبرز صفة تجعله قدوتي أسلوبه المحبب في الكلام، وعدم اقترافه السلوكيات غير المتوازنة، وقدرته على تنظيم الوقت، وإدارة العمل.

 

واستكمالا لجوانب البحث، فقد وزع الباحث استبانة على مائة طالب من طلاب الصف الثاني الثانوي في عدد من المدارس الثانوية سألهم فيها:

 

ما أهم الصفات التي تحبها في مُعلِّمك؟

فكانت أبرز الإجابات ما يأتي:

  • يحافظ على هدوئه دائماً، ولا يثور لأتفه الأسباب.
  • يبتسم لي كلما رآني أنظر إليه.
  • يخاطبني دائما بـ "يا أخي أو يا بني".
  • يوجه إليّ النصح والإرشاد على انفراد.
  • يحدثني عن مستقبلي دائما.
  • لا يحابي عليّ غيري من الطلاب.
  • يشعرني دائما بأني أستحق النجاح.
  • لا يثقل عليّ بالواجبات المدرسيَّة.
  • ينوع في أساليبه في أثناء الحصة.
  • يوظّف الوسائل التعليميَّة المشوقة والمثيرة.
  • لا يكثر من الأسئلة في الاختبارات.
  • يهتم بي ولا يتجاهلني.
  • يحترم رأيي ويقدّر إجاباتي.
  • يثني على أعمالي الكتابية بعبارات تبرز مواضع التميُّز فيها.
  • يشرح الدرس بطريقه تجعلني أفهمه.
  • يربط بين محتوى مادة الدرس وقضايا الحياة.
  • لا يسمح لأحد بالخروج على النظام في أثناء الحصة.
  • يهتم بمظهره.
  • لا يقلل من شأني أمام زملائي.

 

ومن خلال الدراسات السابقة نجد أن المُعلِّم المحبب إلى قلوب تلاميذه هو: ذلك المُعلِّم العطوف الودود، المخلص في تأدية عمله، المتمكن من مادة تخصصه، (حواشين 1988) المُتدرِّب على الأساليب والطرائق الخاصة بتدريسها. والخبير بالوسائل المعينة على فهمها، وبالتقنيات الحديثة المتصلة بها، والمتمكن من أدوات قياسها وتقويمها، وهو محيطٌ بأنماط التفاعل الصفي المختلفة، وله اطلاعٌ واسعٌ على مراحل النمو عند الأطفال وخصائص كل مرحلة، وعلى السمات المميزة لها والقدرات العقليَّة للأطفال فيها، وهو حريص على التعرُّف على حاجات الأطفال المختلفة لتغذيتها وإشباعها، موظفا في سبيل تحقيق ذلك مختلف وسائل التعزيز الماديَّة والمعنويَّة.

 

وهو إضافة إلى كل ذلك يتسم بسَعَة الصدر، ويمتاز بروح الفكاهة والدعابة، ويستجيب للمواقف والعلاقات الإنسانيَّة بطبيعته، ويتمتع بصفات وكفاءات شخصيَّة مميزة يسـتطيع بوساطتها تفهم مشاعر تلاميذه، وإقناعهم بالعمل الجاد معه متعاونين بروح الفريق لتحقيق أهداف التربية الصالحة، وإحداث تغييرات إيجابيَّة خيّرة في سلوكهم وفي طرائق تفكيرهم ضمن بيئة مدرسيَّة صحية يسودها جو من الهدوء والوئام.

 

وفيما يأتي مجموعة من النصائح التربويَّة التي يجدر بالزميل المستجد أن يضعها دائما أمام عينيه، فلعله يجد فيها ما ينير له دربه، ويقيل عثرته، ومن ثمَّ ينجح في عمله، ويظل محبوباً من تلاميذه:

  1. احرص على تجديد معلوماتك باستمرار، وإياك أن تدخل على تلاميذك دون إعداد دقيق مهما كان مستواك العلمي رفيعاً، ومهما كانت خبراتك متكاملة، ومهما كانت ثقتك بنفسك عالية. إذ يجب أن تعرف مُسبَقاً ماذا ستفعل في غرفة الدرس.
  2. اطرح قضايا تنشّط التفكير وتثير التساؤلات وتزود المُتعلِّمين بالقيم.
  3. وظف أنشطة تتسم بالإثارة والحيويَّة.
  4. استخدم أسلوب الحوار في التعليم.
  5. تنبه للفروق الفرديَّة بين المُتعلِّمين.
  6. احرص على توظيف التقنيات الحديثة في حصتك قدر المستطاع، وعلى تنويع أساليبك التعليميَّة وأدواتك التقويمية، فإنّ من شأن ذلك أن يجعل حصتك ممتعة وشائقة.
  7. تقبّل أفكار التلاميذ، ولا تسفهها أبداً، بل عزز ما تراه صالحا منها.
  8. وظّف ألفاظ التعزيز الإيجابيَّة في أثناء التفاعل الصفي باعتدال.
  9. اجتنب الألفاظ الساخرة والمهينة، فإنها تجلب الكراهية من أوسع أبوابها.
  10. اجتنب اللوم بقدر الإمكان، وإن كنت لا بد فاعلاً، فليكن ذلك بينك وبين تلميذك على انفراد.
  11. احفظ أسماء تلاميذك في أسرع وقت ممكن، ونادهم بأحب أسمائهم إليهم.
  12. احذر الغضب دائماً، وتسلح بالرفق واللين.
  13. اجعل تلميذك يشعر بأهميته دائماً، وسـاعده على تحقيق ذاته، بتقدير مبادراته السليمة مهما كانت محدودة.
  14. ابتسم دائماً، لأن الابتسامة هي مفتاح القلوب المقفلة، فاحرص عليها.
  15. أحسن الإصغاء إلى تلميذك إذا تحدث إليك، وشجّعه على مواصلة الحديث، واتركه يتحدَّث عن نفسه بحريَّة، فإنّ ذلك يساعدك على فهمه وعلى حسن التصرُّف معه.
  16. ذكّر تلميذك دائما بالمستقبل الباهر الذي ينتظر المجتهدين، وحدثه عن النجاح، فإنّه يطيب له سماع ذلك، ويسعى إليه.

 

وأخيراً، فإنّ المُعلِّم العربي يعمل بروح ميثاق المُعلِّم العربي الذي يُؤكِّد على أنّ "هدف التربية والتعليم في البلاد العربية هو تنشئة جيل عربي، واعٍ ومستنير، مؤمنٍ بالله، مخلصٍ لوطنه، يثق بنفسه وبأمّته، ويدرك رسالته القوميَّة والإنسانيَّة، ويتمسك بمبادئ الحق والخير والجمال، ويستهدف المثل العليا في السلوك الفردي والسلوك الجماعي".

 

فإذا استطاع الزميل المُعلِّم أن يقنع نفسه بهذه النصائح وأن يعمل بها فإنه بلا شك سيقترب كثيراً من تلاميذه، وسيفوز بحبهم وقبولهم، ومن ثمَّ فإنه سيجد مهنة التعليم شائقة وممتعة.

 

كيف يكسب المُعلِّم محبة تلاميذه؟

 

محمود طافش