كيف تطوِّر تفكيرك بصفتك كوتشاً؟

هل سبق لأحدهم أن قال لك: "يجب عليك أن تطوِّر تفكيرك"؟ حيث أصبحَت تلك العبارة مستخدمةً بانتظامٍ في عالم ريادة الأعمال والكوتشينغ، ويوجد قنوات وكتب وعروض وحتى شركات تتخذ تلك العبارة اسماً لها.


هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "توما موليروف" (TOMA MOLEROV)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في تطوير التفكير.

لذلك أجريتُ بعض الأبحاث، وبعد قراءة بعض المقالات مثل "كيف تطوِّر تفكيرك في العمل والحياة" (How To Think Big، In Work and Life) في مجلة "فوربس" (Forbes)، بدا لي أنَّ الناس بدؤوا يفكرون في تطوير تفكيرهم دون التفكير مرةً أخرى فيما يفعلونه في الواقع.

بالتأكيد، إنَّ لتطوير التفكير العديد من الانطباعات الإيجابية المرتبطة به، مثل النجاح وامتلاك بُعد النظر، ومجرد الحديث عن هذا الأمر قد يجعلك تهتم بتطوير التفكير، ولكن ماذا يعني ذلك حقاً؟ ولماذا هو مناسب؟ يُعرِّف "قاموس كامبريدج" (Cambridge Dictionary) تطوير التفكير كما يأتي: "أن يكون لديك خطط لتكون ناجحاً جداً أو فعَّالاً".

بالنسبة إليَّ، فإنَّ النجاح والفاعلية والجهود المبذولة لتطوير التفكير لا علاقة لها بذلك أبداً، فأنا أعرف العديد من المدربين الذين يساعدون عملاءهم على تطوير التفكير، ويحاولون القيام ذلك بانتظام، دون أدنى رغبة في امتلاك المزيد من الفاعلية أو النجاح بالمعنى التقليدي.

ماذا يعني تطوير التفكير؟

تخيَّل أنَّك تجلس في شرفتك، وتفكر في الفرص المتاحة أمامك، فعندما يتعلق الأمر بعملك، تشعر أنَّك تمتلك خيارين فقط، إما أن تسعى إلى الترقي وظيفياً أو أن تستقيل، وفي الكوتشينغ، أمامك خياران فقط، إما الاستمرار أو التوقف، وفي علاقاتك، قد تفكر بالطريقة نفسها؛ حيث يتطلب تطوير التفكير طرح أسئلة تتعلق بالصورة الأكبر.

لذلك دعونا نحاول تطوير التفكير في سياق عمل شخص ما، والطريقة المستخدمة في ذلك هي من خلال طرح الأسئلة، وقد تبدأ بـ:

  • كيف يمكنني أن أصبح أفضل في عملي؟
  • ما الذي تحاول الشركة تحقيقه؟
  • ما قيمة العميل في هذه الشركة؟
  • ماذا يعني أنَّ الشركة هي جزء من القطاع الذي تعمل فيه؟
  • ما هي الاحتياجات التي يعالجها القطاع؟
  • كيف يمكن أن تكون الأمور التي أُنِجزُها هامةً للآخرين؟
  • إذا كنت سأعمل في مجال معين طوال حياتي وسأترك أثراً يبقى بعد رحيلي، فما الذي سيقدِّره الناس جيلاً بعد جيل؟

عندما نحاول تطوير التفكير، فكل ما نفعله هو تصوُّر بعض الأمور، والهدف من هذه العملية هو إيجاد علاقات تواصل وفرص جديدة لم نشهدها من قبل، والفكرة الأساسية وراء تطوير التفكير هي: كل أمر وكل شخص على علاقة بذلك بطريقة أو بأخرى، ولرؤية المزيد من الفرص، كل ما يجب فعله هو تصوُّر بعض الأمور ثم التقدم.

بصفتك كوتشاً ورائد أعمال، يجب عليك أن تبدأ بالمشهد العام عندما تشرح أمراً ما لعميلك أو لفريقك، وسترغب في مساعدة الأشخاص على توسيع نطاق آرائهم من أجل تحديد وجهتهم.

الأداة الأولى لتطوير التفكير: الأسئلة السطحية

بصفتنا كوتشز، غالباً ما نتعامل مع نوعين من الأسئلة: أسئلة سطحية وأسئلة عميقة، فإنَّ الأسئلة السطحية توسِّع نطاق الخيارات المتنوعة ضمن مجال معين، على سبيل المثال: إذا كان عميلك سيشارك قصةً عن النشاطات التي استمتع بها تحديداً، فإنَّ الطريقة لتطوير التفكير والاستكشاف هي أن تسأل "ماذا بعد؟".

قد تساعد هاتان الكلمتان على استكشاف مجال النشاطات الممتعة بصورة كاملة، ومن ثمَّ إعطاء صورة كاملة لجميع العناصر المعنية، كما أنَّ لتطوير التفكير هدف واحد وهو مساعدتك أنت وعملاؤك على بناء علاقات جديدة بين الموضوعات التي تبدو غير مترابطة، فلاحظ كيف يمكنك القيام بذلك: بناءً على الطريقة التي تستخدم بها عبارة "ماذا بعد؟"، يمكنك توسيع نطاق الموضوعات وربطها إلى ما لا نهاية.

على سبيل المثال:

العميل: أنا أستمتع بلعب كرة الريشة.

الكوتش: وماذا بعد؟

العميل: أنا أستمتع أيضاً بلعب كرة القدم.

الكوتش: ماذا تفعل أيضاً، حتى لو كنت لا تستمتع به كثيراً؟

العميل: الكتابة.

الكوتش: ما الذي تستمتع به أيضاً بعد الكتابة؟

العميل: الطبخ، ولكنَّ هذا الأمر لا يبدو رائعاً كما أعتقد.

الكوتش: ما هي الأمور الأخرى التي لا تشعر بالرضا تجاهها؟

يبدو الأمر وكأنَّك في غرفة مظلمة مع مصباح يدوي، وتبدأ في الإشارة إلى كل شيء موجود داخل تلك الغرفة، محاولاً اكتشاف كل ما هو موجود؛ لذا تستكشف الأسئلة السطحية جميع أجزاء المجال؛ ممَّا يمنحك المزيد من العناصر والأمور للتعامل معها.

الأداة الثانية لتطوير التفكير: الأسئلة العميقة

لا تساعد عادةً الأسئلة العميقة على رسم صورة أكبر، إلا إذا كان عمق السؤال مفهوماً بالنسبة إلى الجميع.

على سبيل المثال:

العميل: لا أشعر أنَّني على ما يرام اليوم.

الكوتش: مَن أنت؟ مَن الذي لا يشعر بارتياح؟

غالباً ما سيصدم هذا السؤال العملاء؛ وذلك لأنَّه لا يحتاج إلى شرح، كما أنَّه ليس أمراً يفكرون فيه بانتظام، والافتراض الأول هو أنَّ الكوتش في هذه الحالة يسأل عن شخصية العميل أو الطريقة التي يصف بها نفسه، ولكن ليس هذا هو السؤال المناسب، ولهذا السبب سيحتاج الكوتش إلى طرح السؤال من 2-3 مرات حتى يعرف من هو العميل، فكل ما يبحث عنه الكوتش هو فهم العميل لشخصيته فهماً يتجاوز الأفكار والمشاعر.

العميل: أشعر أنَّني بحاجة إلى الشجاعة لفعل أمر ما، لكن لا يمكنني تشجيع نفسي للقيام بذلك.

الكوتش: أفهم أنَّك تواجه أفكاراً إذا صدقتَها ستجعلك تشعر بالسوء، ومن هذه الأفكار أنَّك لا تملك الشجاعة، لكن بصرف النظر عن ذلك، أنت من يفكر في هذه الأفكار.

العميل: لا أعلم، يحدث هذا الشعور تلقائياً.

الكوتش: حسناً، لكن أنت من يراقب أفكاره.

يتوقف العميل للتفكير مؤقتاً.

يوجد أمر غريب يحدث عندما نذكِّر عملاءنا بمن هم حقاً، وبأنَّهم ليسوا أجساداً فقط، وأنَّ أفكارهم ليست مجرد أفكار؛ حيث يمنحهم ذلك قوةً هائلةً؛ لأنَّه فجأة تُحدَّد أيَّة فكرة قد تكون مزعجة على أنَّها مجرد فكرة وليست أكثر من ذلك.

يتعمق هذا السؤال بالتحديد في الموضوع، ومع ذلك فهو يساعد على توسيع نطاق التفكير؛ وذلك لأنَّ الإجابة عنه تتيح لك حتماً توسيع النطاق والنظر إلى الصورة الكبيرة؛ إذ إنَّها طريقة مؤكدة لجعل عملائك يخرجون عن نطاق تفكيرهم ورؤية الصورة الأكبر.

إذا ساعدتَ عملاءك على توسيع نطاق تفكيرهم وتكوين روابط جديدة، فسوف ترى غالباً أنَّهم يتخذون الكثير من الإجراءات التي لا يمكنك متابعتها.

الأداة الثالثة لتطوير التفكير: الخريطة الذهنية

آخر أداة سأتحدث عنها في هذا المقال، هي الخريطة الذهنية، لمساعدة عميلك على توسيع نطاق تفكيره، كل ما يجب عليك القيام به هو كتابة ما يقوله لك في أثناء توجيهه خلال عملية تطوير التفكير.

على سبيل المثال:

العميل: لا يتطور عملي أبداً.

الكوتش: أخبرني ما هي القيمة التي يقدمها عملك حالياً لعملائه.

العميل: وكالة إعلانات، ومن ثمَّ فهي توفر لهم عملاء جدداً لم يتمكنوا من الوصول إليهم سابقاً.

الكوتش: رائع، ماذا بعد؟

العميل: تساعدهم أيضاً على استكشاف المتابعين الذين قد يُعَدُّون عملاء محتملين.

الكوتش: رائع، وكم عدد العملاء الذين تقدم لهم خدماتك حالياً بعرض القيمة هذا؟

العميل: خمسة.

الكوتش: من أجل تطوير عملك، هل تفضِّل خدمة المزيد من العملاء أو خدمة عملائك الحاليين خدمةً أفضل؟

العميل: خدمة المزيد من العملاء.

الكوتش: أمر عظيم، كم عدد العملاء الذين تبحث عنهم؟

العميل: خمسة.

الكوتش: أخبرني بكل استراتيجيات التطور التي جربتَها حتى الآن.

يتوقف العميل للتفكير مؤقتاً.

في أثناء استخلاص أفكار عملائك على لوح أبيض أمامك، يحدث أمران، أولاً يتوقفون عن التفكير دون نتيجة، وثانياً يلاحظون حتماً المساحات البيضاء على السبورة البيضاء، فهذه المساحات البيضاء كلها فرص جديدة واستراتيجيات جديدة وفرص تواصلٍ جديدة وطرائق جديدة، وعند تحديد هذه الوسائل، يمكنك مساعدتهم على وضع خطة لتحقيق هدفهم المحدد.

في الختام

إنَّ تطوير التفكير له الهدف نفسه مثل كل دورة تدريبية، فهو يُستخدَم لتسهيل الرؤية والارتباطات الجديدة والفرص الجديدة، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الطاقة المتجددة والشعور بالإيجابية، وفي أثناء توسيع نطاق تفكيرك الحالي، ستبدأ برؤية كيف أنَّ كل شيء مترابط، وتكتشف الروابط التي قد ترغب في استكشافها بعمق.

ألاحظ أنَّني بحاجة إلى تطوير التفكير عندما:

  • أبدأ بالشعور بالهوس تجاه المشكلات الصغيرة.
  • أشعر بالخمول أو التعب أو الملل.
  • لا أفهم لماذا أفعل ما أفعله.
  • أشعر بعدم الحماسة تجاه أمور محددة في حياتي.
  • أدخل في نقاشات وجدالات ومواجهات بصورة منتظمة.
  • لا أحرز تقدماً في عملي أو مهنتي.

وعندما ألاحظ ذلك، يكون من الجيد توسيع نطاق تفكيري، وإلقاء نظرة على كل أمر آخر ينتظر أن أكتشفه، وأنا شخصياً لا أرى هذه الأدوات مناسبة لتساعدك على أن تصبح أكثر قوةً أو نجاحاً، ولكن مرةً أخرى، من المرجح أن يكون لذلك علاقة بتعريفي للنجاح أكثر من تعريف "كامبريدج".

لذلك، فكِّر في تعريفك للنجاح وما الذي يمكنك تحقيقه إذا طوَّرتَ تفكيرك، وجرِّب بعض هذه الأدوات مع نفسك، وراقِب فيما إذا كان يمكنك الابتعاد عن التفكير الاعتيادي واستعادة طاقتك.