كيف تصبح أكثر ابداعا؟



ربما حري بكل مدرب ومربٍّ أن يكون مبدعاً وداعياً إلى الإبداع ومشجعاً عليه ومحفزاً إليه... فما هو الإبداع؟ وكيف يمكن أن أكون مبدعاً؟ وكيف يمكن أن أوفر وأجهز البيئة التي تسمح لمتدربي ومتعلمي بالإبداع وتنمية قدراتهم العقلية؟

  • ما المراد بالإبداع؟ إن الناس يخلطون عادة بين الإبداع والتفرد، ثم يشعرون بعدها بالجزع لأن تحقيق التفرد الحقيقي يبدو صعباً، وربما مستحيلاً. ولكن كلنا يملك القدرة على الإبداع، لأن الإبداع يعتمد على إقامة روابط جديدة بين الأفكار أو حتى بالمعنى الحرفي، بين الخلايا العصبية.

   إن الإبداع هو أداة العقل في النمو، وقد ينطوي على قدر من المخاطرة، ولكنه ينطوي دائماً على الاكتشاف، فمن خلال خلق روابط جديدة، تبني قدرتك العقلية، وتنمي مرونتك الذهنية ومرونتك في التعامل مع الآخرين.ففي كل مرة تربط فيها بين شيئين، تخلق كيانا ثالثاً. كما أن الرابطة الجديدة ذاتها يمكن أن ترتبط بأفكار واحتمالات جديدة أخرى، تصور كيف يمكن أن يؤثر ذلك في نظام مثل نظام عقلك ككل!

 إن الإبداع ليس حكراً على العباقرة من الناس. لقد كان "انشتاين" ذا ذكاء لامع، ولكنه ربما لا يمثل أفضل نموذج للإبداع بالنسبة إلى الكثير من الناس. إنك لست في حاجة إلى أن تملك حتى خبرة متخصصة لكي تكون مبدعاً، كما أن ثمار الإبداع يمكن أن تتجلى في المواقف اليومية التي تتكرر بشكل دائم.  

ان النتائج يمكن أن تكون مذهلة. لقد خطا "نيل أرمسترونج" خطواته الشهيرة الأولى على سطح القمر عام 1965 وقد غير هذا الحدث علاقتنا بالكون، وأثبت مهارة وإمكانية الابتكار البشري. لقد أرشدنا ذلك إلى أننا إذا أردنا شيئا بحق، وتوصلنا إلى طرائق لانجاز هذا الشيء، فسوف يكون في وسعنا أن نحل مشكلات كان يستحيل علينا حلها من قبل.

 إننا نعتقد أن هذا الحدث قد منح الكثير من الناس شعوراً بالتحرر وإيماناً راسخاً بالقدرة البشرية، أما اليوم فهناك خطط بعيدة المدى لزيارة كوكب المريخ.

 إن تحليك بروح الإبداع على المستوى الشخصي يمكن أن يمنحك الدفعة النفسية نفسها عندما تربط عقليا بين شيئين، حيث تتخطى بذلك الحدود الخاصة بكليهما، وبذلك تكون لديك فرصة لخلق معتقدات جديدة عن نفسك وإمكاناتك. نذكر بأننا في إحدى المرات تحدثنا مع مراهقة تهوى التعلم، وكانت تنظر إلى التعليم بوصفه شيئاً مشوقاً، إذ تقول: "أحيانا أشعر بأن عقلي ينمو بالمعنى الحرفي".

 إن الطفل يتمتع بقدرة طبيعية على الإبداع، وكل منا كان طفلاً في يوم من الأيام، أي أننا كنا جميعاً مبدعين، حتى إن لم نكن ندرك ذلك الآن بعقلنا الواعي. إن الطفل يظهر إبداعه من خلال الطريقة التي يكتشف بها البيئة التي تحيط به وهو يستخلص منها المعنى. فمثلاً، عندما كانت "شارلوت" ابنة "ويندي" مازالت طفلة صغيرة، كانت تحب اللعب بالأواني المصنوعة من البلاستيك، والتي كانت "ويندي" تحتفظ بها في خزانة تحت حوض المطبخ، وكان كل ما على "ويندي" عمله هو أن تفتح لها هذه الخزانة لكي تبقى "شارلوت" سعيدة و منهمكة على مدى ساعات. هناك الكثير من الأطفال الذين يملكون أصحابا من وحي خيالهم، كما أنهم يخلقون عوالم بوساطة ألعابهم. إنهم ليسوا في حاجة إلى دوافع أو معدات منمقة لفعل ذلك، و إنما يخرج المعنى من داخلهم من تلقاء نفسه.

 إن الإبداع يعني إقامة روابط وصلات بين الأفكار، ولكي تصبح مبدعاً يجب أن تعطي نفسك الإذن والوقت لكي تقيم صلات بين أفكارك، إن الأمر يتعلق بتفاصيل العملية نفسها وليس بنواتجها. يمكنك أن تكون مبدعاً في العمل أو المنزل، أو في حل المشاكل، أو في أعمال الحديقة، أو في حسم الجدل. ويمكنك أن تكون مبدعاً في التعامل مع الكلمات، أو المواد، أو الأفكار، أو الطعام. كما يمكنك أن تكون مبدعاً في التعامل مع البيئة المحيطة بك أو مع أفكارك.

  هناك جانب هام أيضاً في الإبداع، وهو أنه يثمر شيئاً جديداً حتى إن كان كل مكون من مكونات الإبداع معروفا بالفعل ومألوفاً. فما الأفكار الملهمة إلا شكلٌ من أشكال الإبداع، لأنها نتيجة جديدة توصلت إليها من خلال معلومة كنت تملكها بالفعل. إن الرؤيا الجديدة هي التي تصنع الفارق.

 أما الأهم من كل هذا فهو أن الإبداع يعود بنا إلى حالة لا تختلف عن تلك الحالة التي تشعر بها ابنة "ويندي" وهي أمام خزانة المطبخ، حيث تكون في حالة اندماج، واستمتاع بكل ما تفعل، وتتمتع بحالة تركيز كامل على كل التفاصيل، ولها رؤية واسعة وتسعد بحالة تشويق مرح. إنها تكون في حالة حب إستطلاع وتساؤل عما قد يحدث إن جربت الأشياء المختلفة.

 

  • معوقات الابداع

 إليك أكثر معوقات الإبداع شيوعاً. انظر أيّاً منها ينطبق عليك:

  • الافتقار إلى الوقت، إنه أمر في الواقع لا يتسم بالأهمية التي يبدو عليها.

إن عملية خلق الروابط بين الأفكار، التي نتحدث عنها لا تستغرق أكثر من بضع ثوان، ويمكن أن تحدث في أي وقت وفي أي مكان شريطة أن تكون في الحالة الصحيحة وأن تلتفت إلى تجربتك الخاصة، وهذا يعني أن الإبداع يركز بدرجة أكبر على نوعية الوقت الذي تقضيه، وحرية العقل في التجاوب مع النفس.

  • الخوف من أحكام الآخرين، وهذا الخوف هو قبلة الموت التي تفتك بأي جلسة لاستثارة الأفكار المبدعة. إن الإبداع يولد أفكاراً غير تقليدية وربما مختلفة تماماً في بعض الجوانب. يمكن النظر إلى هذه الاختلافات بوصفها غريبة أو شاذة أو مثيرة للتحدي، والخوف من أن ينعتك الآخرون بالغرابة أو الحماقة أو حتى مجرد الاختلاف من شأنه أن يقتل الإبداع.
  • الافتقار إلى تقدير الذات، إن قمت بشيء إبداعي، فأنت بذلك تتخطى حدود المألوف بالنسبة إليك وربما بالنسبة إلى الآخرين. أحياناً عندما يحدث ذلك، قد يخشى الشخص أن يبدو غريباً أو مخطئاً لمجرد أن فكرته أو تصرفه أو ابتكاره يبدو غريباً أو مختلفاً. عندما تكون غير واثق من نفسك، فإن الاختلاف بأي شكل حتى في الأفكار يمكن أن يشعرك بأنك تخوض مجازفة كبرى. أما وجه الخطورة فهو أنك قد تتنازل عن أي فكرة ملهمة جديدة حتى تتآلف مع الجميع.

 

  • الخوف من الإخفاق، يكون بمنزلة آلية معوقة بالغة السطوة. ولكن من خلال التعريف نستطيع القول إنك تكون بصدد خلق روابط وموصلات عقلية جديدة، فلا يمكن أن يكون هناك ما يطلق عليه "خطأ" و "صواب". وهذا يعني أن الإخفاق يمكن أن يكون له معنيان:

 

  1. أن الأمور لم تمض وفق رغبتك أو آمالك.
  2. أن أفكارك الجديدة لم ترق لشخص آخر.

 ولكن ماذا في ذلك؟ فعلى مدى سنوات، ظل الناس يعربون عن إعجابهم بكم المشروعات الناجحة التي يملك "إيان" القدرة على ابتكارها، وكانوا يسألونه عن سر تلك القدرة، وظل دائماً يجيبهم قائلاً بأن المشروعات التي يشير إليها لا تمثل سوى عشرة بالمائة فقط مما يجوب في خياله. أي أن التسعين بالمائة المتبقية لم توجد، أو أنها لم تتخط حيز أوراق التصميم الى أرض الواقع.

ولعل مصمم الأزياء العالمي "كافي فاسيت" هو أصدق دليل على ذلك. فعندما كان في الثامنة والعشرين من عمره، لم يكن يملك أي سابق معرفة بالحياكة ومشغولات الصوف بالمرة، ولكنه بدأ يشغف بالألوان وأنواع أقمشة الصوف المختلفة. وبعد شراء ما يقرب من عشرين لوناً من خيوط الصوف، كانت فكرته الأولى هي أن يجد خبيراً بأشغال الصوف لكي ينفذ له الأشكال والنماذج التي تصورها في خياله. ولكنه يقول: "مع الوقت خطر ببالي أنني يجب أن أتعلم أشغال الصوف والتصميم بنفسي... وعلى مدى السنوات القليلة التي تلت ذلك، تجاهلت كل القواعد التي كانت تبدو وكأنها تشل معظم القائمين بأشغال الصوف مما كان يدفعهم إلى التزام الملابس أحادية اللون. بدأت أعبث وأمزج الألوان والأنسجة وأصنع عقداً في منتصف صفوف الخيوط، كما استخدمت ما يقرب من عشرين لوناً في الصف الواحد في بعض أعمالي الجريئة".

لقد أحدث هذا المصمم ثورة في عالم النسيج. فقد كان يستخدم أبسط الغرز(حيث لم يكن "خبيرا") مما كان يسمح للألوان والنسيج والنموذج بإبراز ورسم التصميمات التي كان يتصورها في عقله. وصار يلقي محاضرات ويقيم ورش عمل، وكان أحد أهم أهدافه هو أن يقنع الآخرين بأنه "يمكنهم أن يخلقوا شيئاً بارع الجمال ومثرياً للحياة". ولكن الناس كانوا يرجعون سر نجاحه إلى كونه بدأ حياته كرسام، ومن ثمَّ رأوا أنه كان يملك بعض الخبرة الأساسية التي تنقصهم، وفي ذلك يقول "كافي فاسيت": "أريد أن أقول إن الإحساس بالألوان ليس شيئاً تلقائياً نولد به، وإنما هو حس مكتسب تكتشفه وتعيد اكتشاف أسراره بالخلط واللعب بالألوان، ولكن ما هو أهم من ذلك هو أن تحرص دائماً على المراقبة والنظر".

إن تشككت في أي وقت من الأوقات في قدرتك على الإبداع، ذكر نفسك بأنك تنسج في أثناء نومك حلماً جديداً خمس أو ست مرات في الليلة الواحدة، وهو حلم تكتب أنت قصته وتخرجه وتمثله وتشاهده، ويمكن أن يشمل حواسك كلها مع تغيير الأوقات والأماكن، كما يمكن أن يكون له أثر يدوم فترة طويلة حتى بعد انتهائه. وحيث إن الحلم يعد إبداعاً بلا أدنى جهد، فان معظم الناس لا ينظرون إليه بوصفه كذلك!.

كيف تصبح أكثر إبداعاً

  • ابحث عن الإطار الصحيح لعقلك، اكتشف الحالة التي ترتبط فيها بالإبداع. ابحث عما يثير فيك هذه الحالة ويحافظ عليها. ما أفضل أوقاتك على مدى اليوم؟ وما أفضل مكان ووضع يناسبك؟ هل أنت في حاجة إلى أن تكون وحيداً أو إلى أن تبقى منعزلاً وسط الناس؟ أأنت في حاجة إلى الصمت في أثناء حدوث التفكير العميق؟ أم أنك تحب وجود خلفية موسيقية؟ ارسم صورة لحالة الإبداع. لا تعتمد على حدوث مصادفة، وامنح نفسك مساحة ووقتاً على أساس منتظم للتفكير الإبداعي.
  • نمّ أحلامك وأحلام يقظتك، انتبه إلى إبداعك المشوق بدلاً من أن تفقد ثماره بوصفه "مجرد حلم"، أو "هلاوس".لا تفقد ما اكتشفته بالفعل بتجاهله.
  • ضع دائماً فرضيات إبداعية من خلال أسئلة: "ماذا يحدث لو؟" و "ماذا بعد ذلك"، و "ما الطرائق الأخرى لفعل الشيء؟" لا تقف عند الفكرة الأولى أو الإجابة التي طرأت على بالك. تخط دائماً هذا الحد، وابحث عن المزيد من الأفكار المختلفة.
  • عندما تقابلك مشكلة، تظاهر بأن الحل التقليدي للمشكلة ليس متاحاً، يمكن أن يجدي ذلك على كل المستويات فمثلاً، إن توقف الحاسب، ما الطريقة الأخرى التي يمكن أن تنجز بها ما خططت له من عمل اليوم؟ هل يمكن أن تستخدم المسجل؟ أم ترسم خرائط عقلية؟ أم تستخدم الهاتف؟ إن كان من عادتك أن تتحدث وجهاً لوجه، ما الذي سيحدث إن عبرت عن مشاعرك كتابياً بدلاً من ذلك؟ قد لا تكون بعض الحلول أفضل مما اعتدت استخدامه بالفعل، ولكن البعض الآخر قد يقدم لك بعض الفرص الجديدة المبهرة. ومن الأقوال المأثورة للبرمجة اللغوية العصبية: أنك إن قمت ما اعتدت أن تقوم به، فسوف تحصل دائماً على النتيجة نفسها التي اعتدت الحصول عليها.
  • راقب كم النتائج المختلفة التي يمكن أن تحصل عليها باستخدام الخطوات نفسها، كثير من كتب الطهي تحوي وصفات وقد تتألف كل وصفة منها من ثلاث مكونات فقط مثلا. وهناك بعض الوصفات التي تستخدم المكوَّنات نفسها، ولكن بطريقة إعداد مختلفة أو بكميات تِؤدي إلى نتائج مختلفة. أعرف أحدهم كان يطبق المبدأ نفسه في ورش الإبداع، إذ كان يأخذ بعض الأدوات المكتبية المألوفة (الأوراق اللاصقة، والدبابيس الورقية، والأربطة المطاطية، وغيرها) ويطرح كم الاستخدامات المختلفة التي يمكن أن نطبقها بالتوفيق بينها. فالتوفيق هو المفتاح الأساسي للأمر.
  • إعرف القاعدة واستخدمها بمرونة، في العديد من المجالات، يكون التغيير الذي يجري على موضوعات قائمة بالفعل أو قواعد ثابتة هو سر النجاح، سواء كان ذلك في مجال الارتجال في موسيقى ما، أم عند تصميم سرير مرتفع مزود بمكتب ومكان للتخزين في الأسفل.
  • فكر في طرائق مختلفة لإنجاز الأعمال المألوفة، غير الترتيب الذي تقوم من خلاله بأداء الأشياء المألوفة. وغير التطبيق التقليدي للأمور بشكل غير متوقع. وجرب استخدام يدك اليسرى إن كنت تعتاد اليمنى، والعكس إن كنت أعسر. وبمجرد أن تنجح في اختراق الروتين، فإنك ستتحول من حالة التلقائية في الأداء أو التكرار إلى حالة من اليقظة والتأهب. إن لعبت باستخدام يدك الأقل استخداماً، سوف تشعر بأنك تخوض تجربة ذات اتصالات عقلية غير مألوفة، وسوف تسهم في بناء وصلات عصبية جديدة بالمخ. حاول أن تستخدم اليد الأقل استخداماً في تنظيف أسنانك أو تصفيف شعرك. قد يبدو لك الأمر غريباً، أليس كذلك؟ اكتسب مزيداً من المهارة والبراعة، وسوف تبني بذلك وصلات جديدة داخل عقلك.
  • ابحث عن الفارق الذي يصنع الفارق، عندما يصادفك شيء يبدو مختلفاً أو غريباً أو جديداً، سل نفسك عن أوجه الاختلاف الأساسية التي تميزه. بالنسبة إلى حالة "كافي فاسيت" في مجال الأزياء، فإن وجه الاختلاف كان يتمثل في استخدام الألوان غير المتوقعة. فقد كان يستخدم على سبيل المثال صفاً من اللون الفيروزي مع اللون الوردي الصاخب مع اللون الأرجواني، مما كان يضفي بريقاً أخاذاً على باقي الألوان لتصبح أكثر إشراقاً. إن جزءاً من إبداعه يرجع إلى قدرته على النظر إلى كرات الصوف الكاملة التي تحمل هذه الألوان، والتي لا تبدو في العادة متفقة ومنسجمة فيما بينها، ومن ثم يدرك أن مجرد إضفاء لمسة من لون غير متوقع يمكن أن تصنع الفارق.

ايان ماكديرموت -  ويندي جاجو     

كتاب مدرب البرمجة اللغوية العصبية، الدليل الشامل لتحقيق السعادة الشخصية والنجاح المهني

IAN McDERMOTT & WENDY JAGO

The NLP COAH A COMPREHENSIVE GUIDE TO PERSONAL WELL- BEING & PROFESSIONQL SUCCESS

الفصل الرابع عشر دعم القدرة العقلية إلى أقصى حدودها