كيف تستخدم الشركات التكنولوجيا الحديثة لتحسين عملية التدريب بموقع العمل؟

شهدَت عملية التعلُّم والتنمية نهضة نوعية في الآونة الأخيرة، وباتت الشركات بفضلها قادرة على تعريف الموظفين الجُّدد إلى ثقافة مكان العمل ضمن المؤسسة عبر برامج مُصمَّمة خصيصاً للشركة المعنيَّة وأهدافها المستقبلية وقيمها الأساسية.



لطالما عمدت المؤسسات إلى استحداث طرائق مُخصَّصَة لتدريب الموظفين على تأدية المهمات الجديدة غير المألوفة، وأصبحت لمعظم الشركات أساليبها ومصادرها الخاصة اللازمة لتدريب القوى العاملة لديها، سواءَ عن طريق تنظيم تدريبات نوعية يساعد فيها الموظفون ذوو الكفاءات العالية زملاءَهم، أم عبر إعداد كتيبات إرشادية للمهارات التقنية.

الأسباب التي تدفع الشركات إلى تطوير برامج تدريب مستحدثَة في موقع العمل:

باتَتْ القدرة على التكيُّف مع التغيرات المتسارعة في العصر الحديث بالغة الأهمية ضمن قطاع الأعمال، ويشهد العالَم في الوقت الحالي إطلاق منصات وأسواق وتكنولوجيات جديدة بشكل متسارع أكثر من أي وقت مضى؛ الأمر الذي زاد من خطورة عمليات الاستثمار؛ وذلك لأنَّ البيئة أصبحت عرضة إلى التغيير في كل لحظة.

برزَت الحاجة إلى إجراء هذه التغييرات المتسارعة في مكان العمل والقطاعات نتيجة تزايد عدد العاملين عن بُعد، أو وفق نظام العمل الهجين. حتى لو استطاعَتْ الشركة أن تعدِّلَ أهدافها واستراتيجياتها بغية احتواء هذه التغييرات، فإنَّ ضمان تمتع الموظفين بالمهارات اللازمة للتكيُّف مع هذه النقلة النوعية بسرعة يفرض على المؤسسة تحدياً مستقلاً بحد ذاته.

توظيف التكنولوجيا الحديثة في إعداد برامج تدريب مبتكرة في موقع العمل:

أصبحت الشركات تستثمر التكنولوجيا في برامج التدريب الخاصة بها باستخدام مجموعة من الطرائق. فيما يلي ثلاث من أكثر الطرائق حداثة:

1. إتاحة التعليم الموجَّه نحو المستقبل للجميع:

ساهمَ تقديم التدريبات المجانية عبر الإنترنت في إتاحة المعلومات للجميع بلا استثناء، وتمكين الأفراد من تحديد مستقبلهم، وأدى استخدام الإنترنت إلى إحداث تغييرات جذرية في قطاع التعليم، ولا سيما في مجال التعليم القائم على المهارات، ويشهد على هذه الحقيقة المحتوى التعليمي المتوفِّر على الإنترنت من قِبَل المؤسسات مثل "أكاديمية خان" (Khan Academy) والدروس التعليمية على منصة "يوتيوب" (YouTube).

لاحظَت الشركات هذا التغيير، وبدأت بتقديم برامج تدريب قائمة على المهارات للأفراد الموهوبين خارج إطار المؤسسة.

قامت شركة "ذا سول ببليشينغ" (TheSoul Publishing) على سبيل المثال بنشر برامج التدريب في مواقع العمل الخاصة بها؛ وذلك بهدف إتاحة التجارب التعليمية للجميع.

عمد القائمون على الشركة إلى تحويل الخدمات التعليمية المقدَّمة عبر برامج "بوست أكاديمي" (Boost Academy) الداخلية إلى ثلاثة معسكرات مرتكزة على المستقبل ومُتاحة للعامة؛ الأمر الذي أتاح لمؤسَّسة "ذا سول" إمكانية تقديم أساليب تدريب عملية ساعدَت الكثيرين من الأفراد على تعلُّم مهارات إدارة مواقع التواصل الاجتماعي وإنتاج الرسوم المتحركة ومقاطع الفيديو.

2. استخدام تطبيقات التكنولوجيا الغامرة:

يستفيد التدريب الغامر من تكنولوجيا الجيل القادم في تطوير برامج تدريب في موقع العمل مُصمَّمة بشكل موجَّه إلى المُستخدِم. تم تصميم هذه البرامج بشكل مُخصَّص لاحتياجات كل فرد، على افتراض أنَّ الموظفين لا يتعلمون بنفس الطريقة والسرعة.

تدمج التكنولوجيا الغامرة ما بين الواقع الفيزيائي والواقع الرقمي، وتشمل تطبيقاتها الواقع الافتراضي (VR) والواقع المُعزَّز (AR)، وتساهم هذه التكنولوجيا في تحسين تجارب المتدربين في أثناء القيام بالتدريب في موقع العمل، وتتمثَّل أبرز تطبيقاتها في منصات التعلُّم المبنية على الألعاب عبر الإنترنت ومقاطع الفيديو التطبيقية التي تستهدف تنمية مهارات معيَّنة.

تساهم تجارب كل من الواقع الافتراضي والمعزز في زيادة اندماج الموظفين بالعملية التدريبية؛ حيث يشارك الموظف من خلالها بأسلوب عملي تطبيقي في التعامُل مع مواد تدريبية في الواقع الافتراضي؛ وبهذه الطريقة يتسنَّى له تأدية المهام بشكل افتراضي مع السماح باقتراف الأخطاء حتى يتعلَّم منها وينمِّي مهاراته.

إقرأ أيضاً: دور التكنولوجيا الغامرة في زيادة فعالية التدريب

3. تطبيق برامج الالتحاق الوظيفي عن بُعد:

قد تكون كتيبات ومواد التدريب ضمن مكان العمل وافية ولكنَّها لن تحظى على إعجاب وتفاعل الموظفين.

تجدر الإشارة من ناحية أخرى إلى أنَّ معظم عمليات الالتحاق الوظيفي أصبحَت تتم عبر الإنترنت دون الحاجة إلى الحضور إلى مكان العمل، ناهيك عن أنَّ الكثير من الشركات أصبحَت تعمل عبر الإنترنت ولا تملك مكان عمل في الواقع الفيزيائي من الأساس.

بدأت الشركات مؤخراً بتطبيق برامج التحاق جديدة للموظفين القائمين في المؤسسة استجابةً إلى التغير التكنولوجي المتسارع الذي يحدث في كافة القطاعات؛ وذلك لتتأكَّد من قدرة الموظفين القائمين على الاستفادة من تطبيقات التكنولوجيا الحديثة.

يمكن أن تزيد الشركات من مستوى المتعة والتفاعل والقدرة على الاستيعاب خلال عملية التدريب عبر الاستفادة من الطبيعة التفاعلية والحيوية لوسائل التدريب الحديثة. يمكن أن تضمن المؤسسة استيعاب الموظفين لمواد التدريب عبر إدخال "التلعيب" (gamification) ومقاطع الفيديو المسلِّية والغنية بالمعلومات ضمن برامجها التدريبية.

فوائد استخدام التكنولوجيا الحديثة في برامج التدريب في موقع العمل:

1. تزايد مرونة وقابلية تكيُّف القوى العاملة:

تتيح التكنولوجيا الحديثة إمكانية تطبيق برامج تدريب أكثر فعالية على مستوى الشركة، وقد لُوحِظَ أنَّ أساليب تدريب الموظفين عبر الإنترنت خلال جائحة كورونا هي أقل تكلفة من الأساليب التقليدية التي كانت تُستخدَم قبل الجائحة.

يمكن أن تصبح القوى العاملة أكثر تقبُّلاً ومرونة وقابلية للتكيُّف مع متغيرات عالَم الأعمال إذا تمَّت إتاحة عمليات التدريب على مستوى الفرد والمؤسَّسة ككل.

لن تواجه المؤسسة معارضة من قبل العاملين عند إعداد برامج تدريب ممنهجة تُهيِّئُهم إلى التغييرات في القطاع والمهمات الموكلة إليهم.

لا يجب أن يتم إجراء تدريبات شاملة تلزم الموظفين بتأدية عدد كبير من المهام، لكنْ من الهام أن يساهم التدريب في تنمية قدرات الموظف؛ حيث تتجاوز المتطلبات الدنيا التي تم توظيفه على أساسها فيما مضى، وعندما تعترض الموظَّف مَهمَّة غير مألوفة، فإنَّه لن يرفض تأديتها؛ بل سيستعلِم عن مصادر ومواد تدريبية تساعده على تعلُّم آلية إنجازها.

ثم برزت مشكلة جديدة في هذا السياق، وبدأ الموظفون يتساءَلون فيما إذا كان المدير سيستاء من الوقت الذي يُخصِّصونه في تنمية مهاراتهم؛ لهذا السبب يجبُ أن توفِّر الشركة بيئة تشجِّع الموظفين على إجراء تدريبات إضافية في موقع العمل حتى يشعروا بالراحة في أثناء عملهم على اكتساب مهارات جديدة، ويعود هذا النهج بالفائدة على كل من الموظف ورب العمل على حدٍّ سواء على الأمد الطويل.

2. تسهيل إجراءات تقييم التقدم:

يجب على الشركات ألَّا تكتفي بتقديم المواد التدريبية وتفترض أنَّ الموظفين سيحتفظون بالمعلومات، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بضمان فهم الموظفين للعمليات التقنية المعقدة، واستيعابهم للمبادئ التوجيهية الأساسية، وامتثالهم إلى بروتوكولات الصحة والسلامة المهنيَّة.

يجب أن يتم استيعاب المعلومات بالكامل، وأن تتحقَّقَ الشركة من فهم الموظفين لها.

يمكن الاستفادة من تطبيقات التكنولوجيا الحديثة في تقييم التقدم الذي يحرزه الموظف في الوقت الفعلي باستخدام أدوات الوسائط المتعددة؛ مثل الألعاب والاختبارات ومقاطع الفيديو، ويمكن أن تحدِّدَ المؤسسة عندها فيما إذا كانت عملية التدريب في موقع العمل فعَّالة أم أنَّها تحتاج إلى إجراء بعض التعديلات.

يجب أن تعتمد المؤسسة هذه الفلسفة؛ وذلك لأنَّ تعليم وتدريب وتنمية الموظفين بشكل مستمر يؤدي إلى وضع المرشحين ذوي الكفاءات العالية في الشواغر الوظيفية المناسبة، وتُعَدُّ هذه الخطوة مفيدة جداً، ولا سيما إذا كانت الشركة تواجه صعوبة في استقطاب موظفين أكفاء.

تستقطب هذه الفلسفة من ناحية أخرى الموظفين المُحتمَلين الذين لا يقتصر اهتمامهم على الأجر فحسب؛ بل هم يريدون تنمية مهاراتهم عبر فرص التدريب في موقع العمل المقدمة من قبل الشركة. إنَّ تحسين وإتاحة التدريبات القائمة على المهارات ستعود بالفائدة على كل من الموظفين ورب العمل على حدٍّ سواء.




مقالات مرتبطة