كيف تدعم المُتعلـِّمين المُستقلـِّين

في كلِّ الشركات وعلى اختلاف أنواعها تجد أناساً يتعلَّمون لوحدهم ويقصدون أشخاصاً آخرين ليتعلَّموا معهم. هذا التعلُّم هو نوع من المواثيق التي يبرمُها الشخص من تلقاء نفسه، وبدافع شخصي، مع الطرف الآخر الذي هو التعلُّم. وأحياناً يُطلَق عليه اسم التعلُّم عند الطلب والحاجة، أو التعلُّم في الوقت المناسب، أو تدريب بسيط أثناء العمل، ولكن ومهما تعدَّدت التسميات فإنَّك، وبحكم مسؤوليتك كمدير للتدريب، مُطالَبٌ بأن تشترك مع هؤلاء المُتدرِّبين الذين يتعلَّمون لوحدهم وتدعمهم بكل الطُرُق المُمكنة.



يقترِح البعض أن تتولَّى إدارة التدريب دور المُرشِد في هذا المجال بأن تقوم بمساعدة المُتدرِّبين في وضع قائمة باحتياجاتهم الشخصيَّة للتعلّم في سبيل نجاحهم سواء على الصعيد المِهَني أو الشخصي؛ وأن تقترح الخَيارات فيما يتعلَّق بالوسائل أو السُّبل التي يمكن التعلُّم من خلالها أو بمساعدتها؛ والتعريف بالخُبَراء في مجال موضوع البحث أو أي أشخاص ذوي شأن آخرين مُستقلِّين يمكن أن يكونوا عوناً للمُتعلِّمين؛ ومساعدة الأفراد في تقييم مدى نجاعة التعلُّم المُستقِلّ وتأثيره على مِهَنِهم؛ وكذلك تعيين الشخص الذي يتوجَّب أن تقدّم له التقارير الخاصَّة بسير تعلُّم الأفراد. كل هذه الأشياء هي تطوُّر للنموذج ISD (نموذج تصميم النظام التدريبي التقليدي) مع إدخال أنماط مُحَدَّدة من مهارات التبسيط والتواصل. ماتزال مُخطَّطات التعليم وتوصيات الخبير ومجموعات المُتعلِّمين جزءاً حتى من التعلُّم المُستقِلّ، ولكنها تتطوّر مُتجاوِزة قاعات التدريب التي مايزال يُحتفَظ بها كخَيارات يمكن وضعها موضع التطبيق عند الحاجة. القاعدة الأساسيَّة هنا هي: يجب أن يكون هدف إدارة التدريب دعم المُتعلِّمين المُتخصِّصين.

قضايا إدارية أساسيَّة:

هناك بعض القضايا الإداريّة الأساسيَّة التي يجب أن تكون حاضرة في ذهنك عند قيامك بالتخطيط لدعم المُتعلِّمين لديك.

  • تحمُّل المسؤوليَّة:

يحتاج الذين يتعلَّمون من تلقاء أنفسهم أن يعرفوا كيف يتحمَّلون مسؤوليَّة تعلُّمهم الشخصي المُستقِلّ، ويحتاجون أن يمارسوا استراتيجيّة “المعرفة اللاحقة” والتي من خلالها يقومون بتحديد الصورة الكبيرة لِمَا يحتاجون معرفته، مُبتَدئين بما هو أكبر من لائحة المهمَّات. يمكن لمُدراء التدريب أن يكونوا عَوناً للأفراد في هذا المجال.

هناك طريقة بسيطة للتعاطي مع هذا الأمر، وهي بالتمييز ما بين المفاهيم (الأفكار والتصوُّرات) والمعلومات (البيانات). تأتي الترتيبات المفاهيمية بالمقام الأول، وهي تحدِّد العمل أو المهمَّة ضمن سياق من الأفكار. يمكن للتعامل من خلال البيانات والمهمَّات فقط أن يأخذ شكل الامتحانات ذات الأجوبة القصيرة، أو قوائم التواريخ التي تُحفَظ عن ظهر قلب في صفوف التاريخ في المدارس الإعدادية. دائماً تكون الجدوى أكبر من البيانات عندما تكون ضمن إطار تصوُّري استراتيجي مبنيٍّ على ما يحتاج أن يتعلَّمه الأفراد المُستقِلُّون، ومن الأهميَّة بمكان أن يحدِّد المُتعلِّم موقع التحكُّم الخاصّ به. يحتاج الذين يتعلَّمون من تلقاء أنفسهم أن يكونوا حازمين في بحثهم عن المعارف الجديدة، ويتوجَّب على مُدراء التدريب دعمهم أثناء ذلك.

بالإضافة إلى ذلك يحتاج المُتعلِّمون المُستقِلُّون لأن يتم تذكيرهم بأن يفكِّروا مليَّاً بما قاموا به أو بالشيء الجديد الذي قاموا بتعلُّمه. في هذه المسألة أيضاً يمكن لمُدراء التدريب أن يكونوا حافزاً للمُتعلِّمين عبر مَنْحِهم الوقت اللازم لهذا التفكير والتأمل، ويمكن لمُدراء التدريب أن يقوموا بدور العاكس والنظير في مناقشات ردود الأفعال.

يمكن لإدارة التدريب غالباً أن تؤسِّس اتِّجاهاً عاماً على امتداد الشركة، يتمحور حول احترام الاختبار والبحث، اتِّجاه عام يمكنه أن يحثّ المُتعلِّم على تعلُّم المزيد. يستلزم التعليم المنظم بالشكل الأفضل ارتباطاً مقصوداً بين تجارب التعلُّم الحاليَّة مع تلك القديمة؛ وهو يعني أنَّ المُتعلِّمين بحاجة لأن يتم تشجيعهم على التعلُّم المُتَجَدِّد المستمر الذي يتطوّر فوق الخبرات السابقة. يمكن لمُدراء التدريب أن يتدخَّلوا لدعم وتعزيز هذه الارتباطات، ويمكن أن يتمَّ ذلك بمُجرَّد طرحهم للأسئلة ودعوة المُتعلِّم للتفاعل. يمكن لمُدراء التدريب أيضاً أن يقوموا بتنظيم إدارات التدريب بما يُمكِّنها من العمل والتعامل مع المُتعلِّمين المُستقلِّين بطُرُق جديدة وخلاقة.

  • تصميم النظام التدريبي ISD والمُتعلِّمون المُوجَّهون ذاتياً:

لقد تمَّ استخدام تصميم النظام التدريبي ISD في إنشاء الدورات لعقود عديدة، وهو ما يزال مُستخدماً على نطاق واسع في التدريب الذي يعتمد غُرَف الصفوف. تبدَّلت خطواته “تحديد الاحتياجات، التصميم، التطوير، التطبيق، والتقييم” وتطوَّرت بما يواكب المحيط التعليمي في مجتمع الخبرات، والتدريب الخصوصي و“المَشُورة”، والتعليم الإلكتروني والتعليم عبر الإنترنت. قامت المئات من الشركات بالتركيز على الـISD، ومئات غيرها من الشركات بحثت عن اختصاصيين أكثر وأفضل في مجال الـISD.

يملك الـISD أيضاً دوراً هاماً في دعم المُتعلِّمين المُستقلِّين. في الشركات التي تقدّر وتدعم المُتعلِّمين المُستقلِّين سيكون لمدير التدريب وظيفة التركيز على الأسلوب الاستكشافي في التعليم، وليس على أسلوب الإلقاء والنقل. التعليم الموجّه ذاتياً ليس مُعَدَّاً بحدِّ ذاته كدورة تُقدَّم من خلال محاضرة أو حلقة دراسية، لكنَّه من جهة ثانية قابل للتجاوب مع مختلف أنواع الاختبارات القبلية والبعدية بنوعَيها الرسمي وغير الرسمي.

يمكن لمُدراء التدريب أن يساعدوا المُتعلِّمين المُستقلِّين في ابتكار طُرُق بسيطة وفعّالة تساعدهم في تحليل ثغراتهم التعليميَّة قبل الشروع بهذه التجربة التعليميَّة، وفي تقييم طُرُق سدِّ هذه الثغرات عند انتهاء التعليم. من المعروف عن المُتعلِّمين البالغين أنَّهم يحبُّون معرفة موقعهم تماماً؛ وتفيد اختبارات التقييم والتغذية الراجعة كعناصر هامَّة في دعم هؤلاء المُتعلِّمين في هذا المجال.

قيل سابقاً إنّ 70% من جلسات التدريب النموذجية ضمن قاعات الصفوف تتكوَّن من مناهج مُعدّة مُسبَقاً وتتألَّف على الأغلب من معلومات إيضاحية إجرائية. في التعلُّم المُستقِلّ يجب أن تتعدَّل نسبة الـ70% لتصبح 30% فقط بينما تكون النسبة المُتبقيَّة (70%) مُخصَّصة لمهارات التفكير النقدي حول رؤية الصورة الكبيرة، وكيفيَّة تفصيل المعرفة والخبرات، ودمج ما يراه ويختبره الشخص ضمن التجربة، وربط المفاهيم الجديدة مع الخبرات السابقة، وكيفيَّة إنشاء معرفة جديدة، وطُرُق حلّ المشكلات.

يحتاج المُتعلِّمون المُستقِلُّون في المدراس الابتدائية والثانوية والجامعات وأماكن العمل أن يعرفوا كيفيَّة التفكير بطُرُق مُختَلِفة. يمكن لمُدراء التدريب أن يكونوا عنصراً مُفيداً في التركيز على الوظائف الثلاث لتصميم النظام التدريبي ISD: التصميم والتطوير والتطبيق، ليتأكَّدوا من كون البنية التعليميَّة للشركة تدعم هذه الوظائف فيما يتعلَّق بالمُتعلِّمين الذين يديرون تعليمهم بشكل ذاتي مُستقل.

يحتاج المُتعلِّمون المُستقِلُّون أن يطوِّروا بعض المهارات الأساسيَّة حول تعلّم كيفيَّة التعلُّم، وتتضمَّن هذه المهارات: تجميع البيانات والمعلومات حول الشخص بحدِّ ذاته، وتحديد شكل النجاح المرجوّ من التعلُّم، وتحديد أفضل طريقة لتعلُّم ما يحتاج إليه الشخص، وتقرير من هم الأشخاص الآخرون الذين يجب إشراكهم في التعلُّم، والقيام بالتعلُّم، وتوثيق التقدُّم والإنجاز. تشكِّل كل هذه الأمور اختلافات واضحة عن تصميم النظام التدريبي التقليدي، وبالتالي تُقلِّل هذه الاختلافات من أهميَّة التشديد على نموذج “التعقُّل وفق المرحلة” في التعليم في مواقع العمل.

  • وسائل الإنترنت:

لا يوجد شكّ أنَّ الإنترنت فتحت مورداً جديداً هائلاً مُتاحاً أمام المُتعلِّمين المُستقلِّين. الشيء الذي لا لَبْس فيه حول استخدام الإنترنت في التعليم هو أنَّها أفضل مصدر للبيانات والمعلومات، ولكن لم يصبح التعليم عبر الإنترنت بعد النظام التعليمي المُفضَّل من أجل تطوير المهارات وحل المشكلات، فهذه الأمور تُعالَج بشكل أفضل من خلال ما يقدِّمه العالم الواقعي والخبرة والتعاون. يبقى الانتقاد الأهمُّ المُوجَّه لهذه المقاربة هو أنَّ الدورات التي يقوم الفرد بتحديد سرعة تقدُّمها في التعليم عبر الإنترنت هي مُجرَّد “صفحات من النصوص التي يتمُّ إلقاؤها في المواقع الإلكترونية دون عناية” (باتي شانك في “لا مزيد من الفجوات”، التعليم عبر الإنترنت، أيار مايو 2002، صفحة 22[1]). ولكن فيما يتعلَّق بالمعلومات والبيانات، والتي هي أركان أساسيَّة ومهمّة في التعليم، فإنَّ الإنترنت تُعتَبَرُ خَياراً وسطاً. يمكن لأية شركة توفير مقدار هائل من الوقت والمصاريف عن طريق إرسال المعلومات الأساسيَّة عبر الإنترنت عِوَضاً عن استهلاك وقت الصفوف التدريبيَّة، كما كانت تجري الأمور سابقاً مع مُدرِّب تقتصر وظيفته ببساطة على تلاوة هذه المعلومات. كما هو الحال في كل أنواع التدريب فإنَّ التحدي الذي يواجهه المُدراء هو تقدير أهميَّة الخَيارات المُتاحَة أمامك في تقديم وتطبيق التدريب، ومُواءمة التدريب بما يتناسب مع الاحتياجات الواجب تعلُّمها. تتجلَّى براعتك كمدير للتدريب في قدرتك على تجنُّب الخِداع من قِبَلِ الباعة الذين يقدّمون مزايا مساعدة “غير أساسيَّة” لا تفيد قضيَّتك التعليميَّة بشكل جيِّد.

في الحالات التي يتمُّ استخدام الإنترنت فيها كوسيلة تفاعل ومساعدة، هناك بعض الاعتبارات الهامَّة في التصميم لبناء نوع من العلاقات الشخصيَّة في التعليم. تتضمَّن هذه الاعتبارات:

  1. تأمين زر للمساعدة أو مُدرِّب افتراضي.
  2. تزويد البرنامج بتمارين تفاعلية تدريبية.
  3. تأمين التغذية الراجعة والتشجيع عليها من قِبَلِ المُدرِّبين وبين المُتعلِّمين أنفسهم.
  4. تأمين تدريب مُوجَّه يمكِّن الجميع من استعمال كلّ الخَيارات والمَيِّزات.
  5. بناء طُرُق لدعم التعليم من خلال مختلف الوسائط عبر الإنترنت: البريد الإلكتروني، المحادثة، والرسائل العاجِلة.
  6. تشجيع التعليم عبر الإنترنت لاستكشاف كلّ شيء، ولإيجاد شركاء جُدُد مُختلِفين في التعليم، وتشجيع تجريب مصادر أخرى غير اعتيادية.
  7. إنشاء نظام خاص بالمراقبة الذاتية والتقييم الذاتي للتعليم.
  8. إيجاد وقت للتعليم خلال العمل من ضمن وقت الشركة.

هناك أيضاً  قضايا تتعلَّق بمضمون التعليم عبر الإنترنت يتوجَّب على مُدراء التدريب أن يتعاملوا معها جيِّداً. يحتاج المُتعلِّمون عبر الإنترنت لتعلّم كيفيَّة التصفُّح والبحث في تفرُّعات محتوى المواقع، وكيف يقومون بإعادة عَرْض الدروس أو أجزاء من الدروس، وكيف يستخدمون أو يتجاهلون الوسائط المرئيَّة أو المسموعة، وكيف يتواصلون مع المُتعلِّمين الآخرين، وكيف يقومون بطباعة المواد لدراستها لاحقاً.

من جهة ثانية يحتاج مُدراء التدريب أيضاً أن يقدِّموا للمُتعلِّمين عبر الإنترنت تدريباً حول استخدام أنظمة إدارة التعليم، وأنظمة إدارة محتوى التعليم، ومقاصد التعليم. إذا كنت ممَّن يلجؤون إلى المُدرِّبين عبر الإنترنت عليك أن تكون واثقاً من أنهم متوافِقون بشكل جيِّد مع هؤلاء الذين يقومون بتدريبهم، ومن أنَّهم قادرون على إقامة علاقات تعليم إلكتروني خاصَّة واحترافية موثوقة ومنتجة. كل هذه الأمور تشكِّل قضايا إجرائية كفيلة بالأخذ بيد المُتعلِّمين عبر محتوى التعليم بطريقة تتلاءم مع خصوصية كلِّ متعلِّم على حِدَة، وهي تختلف جوهرياً عن الإجراءات المُتَّبَعَة في الأنظمة التعليميَّة الشائعة التي تتَّبع طريقة قاعات الصفوف، والأفضل من هذا كلِّه أنَّها يمكن أن تشكِّل عاملاً مُحفِّزاً للتعُّلم المُتواصِل.

  • التنوُّع في طُرُق التعلُّم:

المُتعلِّمون الذين يتعلَّمون بأنفسهم يقومون بهذا الأمر لأسباب مُتنوِّعة، وتقع على عاتق مُدراء التدريب مسؤوليَّة إيضاح الخَيارات التعليميَّة التي تتناسب مع مهمَّة الشركة وخطط العمل والاحتياجات الخاصَّة بالمُتعلِّمين.

فيما يلي بعض الأسباب التي تدفع المُتعلِّمين المُستقلِّين لهذا النوع من التعلُّم:

  1. التعيين في عمل بعيد كلَّ البعد عن الاهتمام الشخصي.
  2. تغيير المِهْنَة.
  3. التغييرات في العمل والحاجة إلى مهارات جديدة فوريّة.
  4. العمل بساعات حرَّة والعمل من المنزل.
  5. الحصول على الشهادات.
  6. CEUs
  7. الحصول على العمل بعد الجامعة.
  8. المِنَح التعليميَّة المُقدَّمة أثناء العمل.

في كلِّ حالة من هذه الحالات هناك بعض الخَيارات المناسبة للتعليم الموجّه ذاتياً، والمطلوب من مُدراء التدريب تقديم المساعدة للمُتعلِّمين في خَلق بيئة تعليميَّة مناسبة مليئة بالتحدِّيات والدوافع التي تحقِّق التعلُّم المرجو، ويتوجَّب عليهم أن يضعوا نصب أعينهم المصادر الكبيرة لأدوات وأنظمة التعليم المُتوفِّرة والتي تدعم المُتعلِّمين بتنوُّع أطيافهم وأهدافهم وتنوُّع حالات التعليم المُستقِلّ: التدريب، “المَشُورة”، مجتمعات الخبرات، الفِرَق، الفيديو، الـDVD، الأشرطة المسموعة، أقراص الـCD، الكتب، قواعد البيانات، أنظمة شبكات الكمبيوتر واسعة الانتشار، برامج التعليم الإلكتروني وعبر الإنترنت، بالإضافة إلى قاعات الصفوف.

يمكن أن يكون العمل مع المُتعلِّمين المُستقلِّين، مع كلِّ الاختلافات التي تتعلَّق بهم، أكثرَ أنواع العمل إثارة ومتعة، ويُعْتَبَر إيجاد منهاج التعليم نقطة البدء في هذا العمل بدلاً من منهاج التدريب: ويجب أن يكون منهاجاً تعليمياً يُتوَقّعُ من خلاله تحقيق الإنجاز والمشاركة وتقديرها.

للاطلاع على بقية البحث تستطيع تحميل الملف المرفق

   1Patti Shank in “No More Yawns،” OnlineLearning، May 2002، p. 22