كيف تجعل الحصة التعليمية ممتعة

يجب أن تدرك المُتعلِّمة أن المعلومات التي تدرسها هي وسيلة وليست غاية، والمعلومات تصبح وسيلة إذا كانت وظيفيَّة في حياتها، أي أن تجد فيها معنى يرتبط بحاجاتها الجسميَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة، ولكي تكون المعلومات وظيفيَّة فإنّها يجب أن تتناول مشكلات حيّة وواقعيَّة وليس هناك أكثر واقعيَّة من مشكلات المجتمع بكل أبعاده



مصادر الاستمتاع في مواقف التعليم والتعلُّم...    

                                                                    

1) تلبية المادة العلميَّة لحاجات ومطالب نمو المراهِقة

وهذا يتطلَّب تلبية المادة العلميَّة لخصائص نمو المُتعلِّمة المراهقة في النواحي الجسميَّة والفسيولوجيَّة والحركيَّة ومنها:

  • سرعة النمو الجسمي.
  • البنات أبكر نضجاً من البنين بحوالي سنتين.
  • تصل المراهِقة خلال هذه المرحلة إلى أقصى طاقة لاستخدام جهازها العضلي مع السرعة وإتقان الحركات، وهذا يترتب عليه قدرتها على كسب المهارات الدقيقة وإتقانها.
  • هناك تغيرات فسيولوجيَّة تؤدي إلى البلوغ.
  • تصحب النمو الجسمي السريع للمراهقة آثار نفسيَّة بعيدة المدى، خاصة إذا لم تُعد للتغيُّرات المصاحبة لهذا النمو، إلى درجة أن صوتها يبدو أحياناً غريباً عليها.
  • لكل مراهقة مُعدَّل نمو جسمي خاص بها على الرغم من التساوي في العمر الزمني مما سبَّب بعض الحرج والمشكلات الانفعاليَّة للمتأخرات في النمو أو المتقدمات جداً فيه.

الخصائص السّابقة تلقي بظلالها على النمو النفسي للمراهقة ويظهر ذلك في اهتمامها بنفسها وبصحتها وغذائها وكل ما يتعلَّق بجسدها ونموه، وهذه الآثار النفسيَّة تنعكس على احتياجاتها، والتي أعتقد أنّ مواقف التعليم والتعلُّم الصفيَّة يجب أن توليها كلّ عناية واهتمام وإلّا أصبحت قضية استمتاع المُتعلِّمة بالحصة المدرسيَّة أمراً مشكوكاً فيه.

 

كما ينبغي للمادة العلميَّة أن تُلبّي خصائص نمو المُتعلِّمة المراهقة في النواحي العقليَّة ومنها:

  • لا يوجد في النمو العقلي ما يناظر القفزة السريعة التي تحدث في النمو الجسمي، فالنمو العقلي الذي يكون مُعدَّله سريعاً في مرحلة الطفولة يكون بطيئاً نسبياً في مرحلة المراهقة.
  • يتضح النمو العقلي للمراهقة في زيادة قدرتها على التعلُّم المبني على الفهم وإدراك العلاقات، وعلى ممارسة التفكير الاستدلالي والاستقرائي.
  • تزداد مقدرة المراهقة على الانتباه سواءٌ من حيث مدته، أو من حيث المقدرة على الانتباه إلى موضوعات معقدة ومُجرَّدة.
  • تميل المراهقة إلى تنمية معارفها ومهاراتها العقليَّة إلى درجة لم يسبق لها مثيل قبل هذه المرحلة، كما تزداد مقدرتها على التخيُّل المجرد المبني على الألفاظ والصور اللفظية.
  • تصبح المراهقة أقل ميلاً إلى التذكُّر الآلي إذا ما ووزنت بحالها في مرحلة الطفولة.
  • تظهر وتتميَّز القدرات اللغويَّة والفنيَّة والمكانيَّة والميكانيكيَّة والسرعة وغيرها.
  • تنضج في هذه المرحلة الاستعدادات والميول المهنيَّة، وتظهر الفروق الفرديَّة فيها بشكل واضح وصريح.
  • لا شك في أنّ معرفتنا بالخصائص المُميَّزة للنمو العقلي للمراهقة يساعدنا على جعل أساليب تدريسنا أكثر ملاءمةً لهذه الخصائص وهكذا نتيح للطالبة فرص الاستمتاع بالموضوعات والقدرات وممارسة المهارات العقليَّة التي تتحدى إمكاناتها الذهنيَّة ويصبح تحقيق ذاتها وري ظمئها المعرفي مصدراً من مصادر استمتاعها بالحصة التعليميَّة التعلميَّة.

 

كما ينبغي للمادة العلميَّة أن تلبي خصائص نمو المُتعلِّمة المراهقة في النواحي الاجتماعيَّة ومنها:

  • رغبة المراهقة في الشعور بأنّها عضوة في جماعة.
  • رغبة المراهقة في الشعور بكيانها وذاتيتها داخل حجرة الدراسة وخارجها.
  • تقبّل المراهقة لسلوك الكبار وقيمهم ورغبتها في تقليد من تتخذهم مثلاً أعلى لها.

ولهذه الخصائص الاجتماعيَّة التي تصاحب نمو المُتعلِّمات في مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي مُتطلَّباتها التي لا نستطيع في جميع مواقف التعليم والتعلُّم الصفيَّة إغفالها أو إنكارها.

 

2) وظيفيَّة المعلومات ومناسبتها للمستويات المعرفيَّة المختلفة للطالبات

 يجب أن تدرك المُتعلِّمة أن المعلومات التي تدرسها هي وسيلة وليست غاية، والمعلومات تصبح وسيلة إذا كانت وظيفيَّة في حياتها، أي أن تجد فيها معنى يرتبط بحاجاتها الجسميَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة، ولكي تكون المعلومات وظيفيَّة فإنّها يجب أن تتناول مشكلات حيّة وواقعيَّة وليس هناك أكثر واقعيَّة من مشكلات المجتمع بكل أبعاده، بدلاً من المشكلات المصطنعة المقدمة جاهزة في الكتاب المدرسي، وقد أصبحت مشكلة تكدس المُقرَّرات وانفصالها عن حياة طالباتنا من الجسامة بحيث لا يمكن السكوت عنها.


وأعتقد أنّ المادة العلميَّة ليست مشكلة المُتعلِّمة، ويجب ألّا تكون. إنّها في المكانة الأولى مشكلة المُعلِّمة، فعليها أن تعرف كيف تجعلها وظيفيَّة بالنسبة إلى طالباتها، وينبغي لها أن تجد الوسيلة التي تجعلهن قادرات على رؤية العلاقة بين ما تدرسنه وما تشعرن به من حاجات واهتمامات.

 

وقد تخطئ بعض المُعلِّمات فيعتقدن بأنّ إمتاع المُتعلِّمات في الحصة يعني أن تتحول وظيفة المُعلِّمة إلى إجادة فن "تغليف" المعلومات المُجرَّدة بغلاف يبدو حلواً وجذاباً للطالبات، ثم تقدم لهنّ هذه المعلومات "المغلفة" ليبتلعوها دون أن يشعروا بمرارتها. وهذا الفعل مناقضٌ لأهم المبادئ الأساسيَّة للتعليم الجيد وهو تفاعل المُتعلِّمة مع عناصر موقف التعليم والتعلُّم.

 

3) حداثة الموضوعات ومساعدتها في تكيُّف المُتعلِّمات مع سمات العصر الحديث

 كيف تستمتع المُتعلِّمات بدراسة موضوعات لا تقدم لهن أيُّ مساعدة في فهم سمات العصر الحديث، والتكيُّف مع منجزاته التقنيَّة، والتعامل الذكي مع التجهيزات التكنولوجيَّة في حياتهن اليوميَّة، وفي تعلمهن المستقبلي؟

 

4) الدافعيَّة الداخليَّة لدى المُتعلِّمات

كيف تستمتع المُتعلِّمات بحصة دراسيَّة، في حين أنّ دافعيتهن إلى التعلُّم في أدنى مستوياتها، وربّما ساهمت الدوافع الخارجيَّة في نجاح المُتعلِّمة، وانتقالها من مستوى دراسي ما إلى مستوى أعلى، لكن هل تضمن لنا الدوافع الخارجيَّة الاستمتاع بالحصة الدراسيَّة، إنّ بقاء أثر التعلُّم وانتقاله من موقف إلى آخر يتطلَّب استمتاعاً بالمادة المعروضة على المُتعلِّمة، الأمر الذي لا يضمن الحصول عليه مجرد الرغبة في إرضاء الأهل، أو حتى النجاح في المرحلة الثانويَّة لمزيد من الاستقلالية عن الأهل والالتحاق بالجامعة، وما بالنا بطالبة تفتقر إلى أي دافعيَّة للتعلُّم؟

 

 5) الاتجاهات الإيجابيَّة لدى المُتعلِّمة نحو المادة والمُعلِّمة

 كيف تستمتع طالبة بحصة تكره مُعلِّمتها، وهذه الكراهية تنعكس كرهاً على المادة نفسها، وكيف تحب المُتعلِّمة مُعلِّمة تكره كل ما حولها، حتى بدت تصرُّفاتها وكأنّها تكره نفسها، هذا فضلاً عن كراهيتها للمادة التي تدرسها، وكراهيتها للمهنة وللظروف التي تعمل فيها، وكيف تحب المُتعلِّمة حصة لا تجد فيها سوى سخرية من تصرُّفاتها، وتحقيراً لشأنها، ولا تجد فيها نشاطاً يلبي مواهبها ويتحدى قدراتها، وكيف تحب المُتعلِّمة مُعلِّمة تجهل قدراتها وسمات نموها، وكيف تميل المُتعلِّمة إلى مُعلِّمة تراها متذبذبة الشخصيَّة مُتردِّدة في اتخاذ قرارتها لا تلائم تصرُّفاتها أو ملبسها البيئة التي تعلّم فيها.

 

6) أساليب تدريسيَّة تدفع إلى الاستقصاء والاكتشاف

 إنّ أوسع الأبواب التربويَّة التي تقود المُتعلِّمة إلى الاستمتاع بمواقف التعليم والتعلُّم هو باب الأسلوب التدريسي المُتَّبَع في الدراسة، وكيف تستمتع المُتعلِّمة بحصة يقتصر فيها دورها على الاستماع لمُعلِّمة تصب تياراً جارفاً من المعلومات وعليها الاستقبال في هدوء والحفظ مع الإتقان فيه، والتفريغ في "الامتحان". إنّه لأمرٌ مملٌ ومثيرٌ للسأم لا للاستمتاع، ومفتاحٌ للشغب الصفي لا للاهتمام والتفكير.

 

وفي المقابل تساهم الأساليب التدريسيَّة بالاستقصاء في التركيز على المُتعلِّمة أكثر من المُعلِّمة، وتحرير المُتعلِّمات من سلبيتهن عن طريق الممارسات العمليَّة والتطبيقيَّة وكسب مهارات التفكير العلمي والمنطقي، كما تعطي هذه الاستراتيجيات المُتعلِّمات شعوراً بالإنجاز ويطور احترامهن لذواتهن، وهذا بدوره يضفي عليهن شعوراً بالاستمتاع وحب الاستطلاع من أجل المزيد من التعلُّم.

كما أنّ هذه الأساليب تنقل عمليَّة التعزيز الخارجي إلى التعزيز الداخلي، ونقل مركز الدافعيَّة للتعلُّم وجعلها داخليَّة بديلاً للدوافع الخارجيَّة المؤقتة، وتشير البحوث إلى أنّ هذه الطرائق تزيد في مستوى الطموح لدى المُتعلِّمات وهو أمرٌ هام لكسب المُتعلِّمة الثقة بنفسها لتحقيق أهدافها.

 

 7) توظيف التقنيات التعليميَّة الحديثة في مواقف التعليم والتعلُّم

بدايةً أود التأكيد على عدة نقاط حول العلاقة بين التقنيات التعليميَّة وبين استمتاع المُتعلِّمة بالحصة المدرسيَّة:

  • إنّ مجرد استخدام الوسيط التقني في مواقف التعليم والتعلُّم لا يؤدي تلقائياً إلى جعل الحصة ممتعة.
  • إنّ زيادة عدد الوسائط التقنيَّة المُستخدَمة في الحصة لا يؤدي حتماً إلى جعل الموقف التعليمي التعلُّمي موقفاً ممتعاً ومشوقاً.
  • إنّ توظيف التقنيات التعليميَّة المُتقدِّمة في العمليَّة التعليميَّة لا يعني تراجع أهمية أدوار المُعلِّمة، بل تغيِّرها وتطوِّرها.
  • إنّ الوسيط التقني هام في بعض مواقف التعلُّم، لكنّ المواقف الحيَّة المباشرة ربما تكون أكثر فعاليَّة وإمتاعاً في مواقف تعليميَّة أخرى.
  • إنّ مدى تفاعل المُتعلِّمة مع التجهيزات التقنيَّة في مواقف التعليم والتعلُّم هو المعيار الحقيقي لمدى نجاح المُعلِّمة في جعل الحصة الدراسيَّة ممتعة

 

الموسوعة العربيَّة لتنمية الذات