قوانين البناء المعرفي



  1. قانون تكرار وإعادة قراءة الكتاب الجيد عشرات المرات:

الكتاب الجيد يقرأ عشرات المرات، حتى يهضم ويصبح في تركيبة المنظومة المعرفيَّة.

 

  1. قانون تقليم الأفكار وتقليم الأشجار:

يجب دوما تطوير الأفكار وتنميتها وإعادة النظر فيها وتمريرها بفلترة العقل النقدي فالعلم ينمو بالحذف والإضافة وكذلك تنموا الأفكار.

 

  1. قانون الأثر النفسي مع قراءة الكتاب؟

يعرف الكتاب الجيد بهذه الصفة؟ إذا دخلته خرجت منه بغير النفس التي دخلت به إليه فغيرك؟ هكذا روى يوسف إسلام عن القرآن، وهكذا فعل بي كتاب الفلسفة لسعد رستم، ومحنة ثقافة مزورة للنيهوم، وبنو الإنسان لبيتر فارب، ومقدمة ابن خلدون، والإحياء للغزالي، والمقال على المنهج لديكارت، والخواطر لباسكال، وقصة الفلسفة لديورانت، وكتاب منطق ابن خلدون للوردي، وهي أمثلة من عشرات الكتب التي غيرت تركيب دماغي.

 

  1. قانون التغيُّر والتغيير:

الإنسان يتغير، والتغيير يتم في النفس، والسلوك يتبع تغيير النفوس، وتغيير ما في النفس هو من عالم الفكر، وعالم الفكر يتغير بالكلمة، لذا بدأ القرآن حملة التغيير بكلمة اقرأ؟ وثنى بالقلم وما يسطرون. وثلّث بالرفع بالعلم، وربّع بدمج المعرفة في الإيمان، فبؤس المعرفة بدون إيمان لا يشرح الصدر، ولا بورك لنا في طلوع شمس ذلك اليوم، الذي لا نزداد فيه علما يقربنا إلى الله تعالى. وبالمقابل ما أفقر الإيمان بدون معرفة، ولا يمكن لمؤمن أن يدخل محفلاً دولياً، بدون الانتباه إلى إضافات المعرفة الإنسانيَّة، وإلا كان مصيره السخرية من قبل المحفل العالمي. وهي إحدى مشاكل الشلل العقلي في العالم الإسلامي: فالانقطاع عن المعرفة وإعادة الالتحام بعربة التغيُّر العالمي، وهو عمل عقلي أكثر منه اقتناء منتجات الحضارة؟ فالتكنولوجيا هي نتاجات من نتاج، طبقا عن طبق، الفكر العلم، الأشياء.

 

  1. قانون طبيعة المعرفة:

طبيعة المعرفة شاملة مُؤسَّسة في العمق والسطح، فيجب تلقيح الدماغ كما هو في إدخال المواد الأساسيَّة إلى الجسم (الماء البروتينات النشويات الدسم الأملاح والعناصر المعدنية والفيتامينات)، وكذلك إدخال الأفكار إلى الدماغ، من عشرين حقلاً معرفياً، كما هو في إدخال عشرين حامضاً أمينياً يحتاج إليها البدن لتركيب وبناء نفسه وترميمها، فكما احتاج الجسم إلى الليزين والأرجينين والغوانين، كذلك هو في حاجة إلى فكر التجديد الديني والكوسمولوجيا والتاريخ والأنثروبولوجيا والألسنيات وعلم النفس والاجتماع الإنساني.

 

  1. قانون منافذ الفهم:
  • منافذ المعرفة أربعة السماع والنطق والقراءة والكتابة.
  • إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً.
  • إنها أدوات الإيمان بالتشغيل، والكفر بالإغلاق، والكفر لغة الردم والطمر والإخفاء:

منافذ المعرفة أربعة السماع والنطق فوجب تدريب الحوار العقلي، والقراءة والكتابة ووجب تنشيط الذهن بحوافز الأفكار بالقراءة الصامتة، والقراءة الإيجابيَّة، والمنوعة، والصادمة أحيانا، ووجب الاطلاع على التراث الإنساني كله، وحسب برتراند راسل فهو يقول لو كان الأمر إلي لعرضت على عقول الأطفال أكثر الآراء تبايناً حتى أنمي عندهم ملكة النقد، وما نحتاج إليه اليوم العقل النقدي أكثر من الفعل النقلي، ويجب أن يفهم طرفاً النزاع في المجتمع، كما ذكر أحمد أمين في كتابه التاريخ العقلي عند المسلمين، أنه لو بقي تيار العقل والنقل يعدل بعضهما البعض بين جموح وفرملة، لكتب للعالم الإسلامي مصير مختلف، بل ربما كما ذهب إلى ذلك (غالب هسا) في كتابه العالم فكر ومادة إلى قيادة الجنس البشري، ولكن استيلاء تيار النقل وتحطيم العقل ضرب جناح العالم الإسلامي فهوى طير بجناح واحد يتلوى من هول الوقعة؟

 

  1. كتب الوحي هي من غيرت التاريخ؟

الكثير يسألني عن القراءة والكتب، وأجدني هنا أركز البحث على خمسة قوانين معرفيَّة أولها أن مغيرات التاريخ هي كتب الوحي، فهي روح العالم، من القرآن والإنجيل والزبور والتوراة، وكلم الله موسى تكليما، فهي وحي الله وكلماته... كما أشار إلى ذلك القرآن. وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور: وأول شيء في القراءة تدبر القرآن، بل لو كتبت العزلة لأحد لاكتفى بكتاب واحد فقط هو الكتاب الحكيم والسبع المثاني من القرآن العظيم. وكذلك فإن الكتب الضخمة في التاريخ الإنساني، تبقى مراجع للهداية والاستئناس، مثل كتاب إقليدس الهندسي، أو لوغاريتم الرياضيات، والستوماشيون لأرخميدس، وقاموس الفلسفة، والفهارس والمعاجم ومفردات القرآن الكريم. وما أريد أن ندفع القارئ إلى الالتهام المعرفي لنمو الدماغ وترشيد الثقافة من ينابيع للمعرفة لا تنتهي، من كل بستان زهرة ومن كل حقل فكرة.

 

  1. عتيق الكتاب قد يكون كنزاً معرفياً لا يقدر بثمن؟

كما بيعت مخطوطة أرخميدس التي ظهرت على السطح بعد ألفي سنة في المزاد العلني بمبلغ 2.2 مليون دولار اشتراها ملياردير الأمازون في الإنترنت جيفري بيزوس. وعفواً من المظاهر العتيقة لبعض الكتب، وأنا شخصياً أنحت في هذه الكتب نحتا واشتغل عليها عشرات الساعات كما لو كنت أستعد فيها للامتحان، وهذا هو طريق من أراد أن يبني نفسه معرفياً فما زلت أعيد النظر فيها والاستفادة طوال عشرات السنين، في قراءة أكثر من عشرين مرة لبعض الكتب مثل تجديد التفكير الديني لمحمد إقبال والعلم في منظوره الجديد لروبرت أوغروس. وهناك كتب تندم على قراءتها، وكتب لا تود الرجوع إليها مطلقاً، وكتب منحولة، وأخرى مسروقة، قد رصع البعض عليها أسماءهم، كما سرقت بعض كتبي والعديد من مقالاتي بماوس وكبسة كي بورد، أو كتب تمل فلا تباع، أو كتاب يخطفك، فلا تعود تسمع طنين البعوضة وفرقعة عجلات القطار، فتغرق وتغرق وتلتهم مئات الصفحات في ساعات قليلة، وهي فضيلة من تمرن على القراءة السريعة، وتبقى الكتابة وحياً وفناً مثل الشعر وأعذب.  

 

  1. قانون القلم وما يسطرون؟

فيجب استخدام القلم مع الكتاب، وحصد أفكار جيدة حاول أن تغرسها مع أرقام صفحاتها في أول صفحات الكتاب الفارغة، وبذلك ترجع إليها دوما فهي أفكارك التي تستفيد منها دوماً.

 

   10. قانون العبقرية وسنوات النضج فهي ثماني حجج كما حصل مع خدمة موسى في بني مدين، فإن أتم عشراً، فمن عنده مع مائة ألف وحدة معرفيَّة؟

يحتاج المرء حتى ينضج إلى ثماني حجج، فإن أتم عشراً فمن عنده، وما أريد أن اشق عليه، ولكن بجهد متتابع بدون انقطاع، وبجمع ما لا يقل عن مائة ألف وحدة معرفيَّة، وفيها يصل إلى النضج المعرفي ويمكن له أن يكتب بعد أن يكون قد قرأ في أقل تقدير حوالي ألف كتاب، أو كما طرحتها أنا في أكاديميَّة العلم والسلم الإلكترونيَّة لتلامذتي حوالي (300) كتاب في عشر سنين بمُعدَّل ثلاثين كتابا كل سنة من ذخائر الفكر الإنساني. وهو من هذا العلم على غرر فليحذر من الأمراض الثلاثة: الغرور والكسل والاجترار.

 

 11. قانون سبينوزا: القراءة حتى لذة الفهم

يجب أن تقرأ كما يقول سبينوزا حتى تصل إلى لذة الفهم وهي عند الصوفية تلك الحالة الروحية من المتعة التي يشعر بها عباده المؤمنون من إبصار الحقيقة والاقتراب من نور الهداية، فينشرح الصدر فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله. وهناك عدة مبادئ لخبراء الكتب في الصيد والاكتشاف هواية وحرفة للاستدلال على أماكن توليد الإنتاج المعرفي والوصول إليه، وهنا قد ينفعنا قانون ابن خلدون في القراءة الثلاثية وقانون ابن سينا في تشبع الدماغ وحل المعضلات في النوم أليس عجيبا؟

 

 12. مُؤسَّسات التفكير الإسلامي (Think -Tanks) لتنشيط مفاصل الفكر في العالم العربي:

لقد حاول المعهد العالم للفكر الإسلامي قفزة من هذا النوع على يد إسماعيل الفاروقي، وكذلك اقترح أبو شقة مجمعة خبراء علم الاجتماع، ومن جملة ما أشجع عليه مشروع الجينوم القرآني، فأقترحه على كل مقتدر، لتطوير هذا المشروع في إخراج تفسير قرآني عصري بالصوت والصورة، واعتماد أدوات العلوم الإنسانيَّة المساعدة، فلا يمكن فتح جمجمة مريض بأدوات فرعونية جراحية، وهذا المشروع بدأ به الألمان فسبقونا،  ورصدوا له ملايين اليورو، وشكلت له لجنتان واحدة للمعلومات، في كل ما يتعلَّق بالقرآن على شكل بنك معلومات، والأخرى في تحليل وفرز المعلومات، بالطبع بدون أي تابو.

 

  13. هواية صيد الكتب؟

فعليك أيها القارئ الدؤوب أن تكون صياداً للكتب ولو بلغة الماندرين وجزيرة سخالين وكمشتما وأرض بيتاغونيا، وأنا وأخي الفيلسوف البليهي نتعاون في هذا، وقد استطعنا أن نظفر بكتاب الطب التجريبي لكلود برنار بعد بحث ربع قرن فأخذناه من مكتبة الإسكندرية بوساطة وصورناه وأخذنا منه فورا أكثر من نسخة، وهذا التبادل الثقافي ميسر الآن وهناك من الكتب ما لا يمكن العثور عليها في أي مكان فوجب أخذ صورة فور وقوع الكتاب في اليد. ويجب أن تعلم أن المعرفة الإنسانيَّة كم هائل اليوم فوجب فرز المعلومات بسرعة وتوظيف الوقت للفكر الإنساني الهادي إلى صراط مستقيم، وهذا يتم كما قلنا بجهد عشر سنين عجاف تنتهي سمانا.

 

  14. الخبير في الكتب

يشبه خبير اللؤلؤ البحريني وصاقل الألماس الهولندي، فيقلب الكتاب بسرعة وفي دقائق، فيقول يبدو أنه دسم فلنتجرأ ونشترِ، ومن كلأ بيته بكتب السحر تحول إلى ساحر، ولذا فبيت الإنسان مؤشر عقله هل فيه مكتبة وكتب؟ وإن كانت فهل هي مذهبة الأعقاب جيدة التصفيف أم أنها منوعة الأحجام والألوان فيها أسماء أجنبية أكثر من العربيَّة؟ لقد عمد البعض إلى وضع ورق جدران على شكل كتب بدون كتب، وفي القرآن الحمار الذي يحمل الكتب على ظهره لا يستفيد منها؟

 

  15. أمكنة الإنتاج المعرفي غربيَّة أو مترجمة شرقية في معظمها؟

فلا تحزن أخي لأن الإنتاج المعرفي في معظمه غربي فوجب التعرُّف ومسح العصر. وأنا أقلب في الكتاب لأعرف المؤلف فإن كان أجنبيا قلت ربما فيه خير وتعب، وليس أكيداً والعكس بالعكس، وكتاب عبد الستار إبراهيم في علم النفس ومحمد عزام في الفلسفة درر بهيجة للمعرفة.

 

  16. قانون ابن خلدون في القراءة الثلاثية:

يفترض ابن خلدون أن تأسيس العلم يحتاج إلى ثلاث دورات من القراءة الأولى مرور الكرام سطحية، والثانية تنقيحيه تعريفة في محاولة لفهم ما بين السطور وتحت الكلام، وفي الثالثة ألّا يدع مغلقاً لا يفتحه، ولا عويصاً لا يفك مغاليقه، ولا مبهما إلا ويعرف سره. وهي كما ذكرنا في الأكاديميَّة (العلم والسلم) عمل عشر سنين، حينها يبدأ الإنسان في تذوق (لذة الفهم) بتعبير الفيلسوف سبينوزا. وهذا الرقم ينزل ويصعد؛ فقد يبقى شخص عشرين عاماً فلا يصل، وهناك من عندهم ذلك الاستعداد الخفي، والهمة والمثابرة والذكاء والتطلع، من يختصرون الزمن ويحرقون المراحل، ولكن عددا من السنين لا مفر منه بسبب طبيعة العقل التخمرية.

 

  17. ويبقى قانون ابن سينا مع النوم دليلاً:

إذا قرأت فلم يفتح الله عليك، فأعط التعليمات إلى دماغك الذي لا يعرف النوم بالاشتغال على البحث، فقد كان عويص المسائل يفتح على ابن سينا ليس في اليقظة بل في النوم ومع الحلم، فيستيقظ وقد انجلت المسألة، ذلك لأنّ الدماغ يبقى في حالة عمل، ولكنه ينقل نشاطه من مجال إلى مجال في أثناء النوم، ولذا كانت المنامات حالة نشاط الدماغ في حقل خفي لا يعرف عنه العلم كثيراً. وحين يغلق عليك فهم كتاب ونص فاصبر صبراً جميلاً، واتركه للدماغ يعمل عليه بهدوء، فقط أعط التعليمات للدماغ، ثم اذهب واسترح، وأدى نشاطاً مختلفاً ولو سباحة ورياضة حمل أثقال، فالدماغ لا يعبأ بذلك بل يسلك طرائق ربه ذللا. كما حدث معي مع أول قراءة في كتاب نديم الجسر في كتابه قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن، فقد كان القسم الفلسفي صعباً لم يفتح لي بسرعة ولأول مرة، وحين استعنت بأستاذ الفلسفة كان يتظاهر بأنه فهم ويشرح وأنا أعرف أنه لم يفهم شيئاً، وحين اجتمعت به بعد ثلاثين سنة كان مكانك راوح؟   

 

  18. قانون ينابيع المعرفة أو قانون ديكارت:

لا تقرأ ما يكتب عن العظماء، ولكن ما خط يراعهم هم بالذات، وإذا أردت البناء المعرفي فامض إلى المصادر الأساسيَّة. وكل من أسلم من الغربيين لم يقرؤوا التفاسير، بل مضوا إلى القرآن مباشرة، فذهلوا من التحليق فوق إحداثيات الزمان والمكان والأشخاص، وهو ما أشار إليه سيد قطب عند قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، أن الكلمات تشي بطبيعة فوق أرضية، فما معنى البر والبحر وورقة الحب والرطب واليابس والظلمات في جملة واحدة؟ وكذلك حصل مع إسلام (جيفري لانج) أستاذ الرياضيات الأمريكي و(يوسف إسلام) المغني البريطاني (كات ستيفنس)، فلفت نظره منذ مدخل الكتاب أنه ليس ثمة مؤلف؟

 

  19. قانون اللغتين:

 فيقول إنه لا يكفي أن يقرأ الإنسان بلغة واحدة، حتى لو كانت ترجمات جيدة، بل لابد من الرجوع إلى الينابيع وبلغتها، هذا لمن أنعم الله عليه فأتقن، وهي مهمة شاقة، خاصة من تعلمها على كبر، فمن فاتته هذه المكرمة فعليه بالنهل من الثقافة الأجنبية لأن المعرفة تنتج هناك ونحن توقفنا منذ عصر المماليك الشراكسة أيام سعيد جقمق، كما أرخ بذلك لهذه النهاية ابن خلدون من الانطفاء الكامل والخسوف الكلي، أو ابن الخطيب في شعره: كنا عظاماً فصرنا عظاماً. ويذهب مالك بن نبي في كتابه (وجهة العالم الإسلامي) إلى تفسير رائع في جدوى معركة أنقرة عام (1402) تلك التي وضعت حداً للاندفاع العثماني لاحتلال أوربا بسيف تيمور لنك وكانت كلتا القوتين إسلاميتين؟

قال لو حدث هذا لانجرف التاريخ مع غروب العالم الإسلامي، الذي لم يكن يحول بينه وبين النهاية أيَّة قوة، ولتأخر سير الحضارة ألف سنة أخرى أو ربما أكثر، كان ذلك في الكتاب مسطورا. وأنا ما زلت أنحت في جبل قاف بالإبرة في جبل اللغة الألمانية، ولكن اعترف أنني استفدت منها جداً، وربطتني بالمعاصرة وفتحت عيني على ينابيع هامة في عشرات الحقول المعرفيَّة. وهذا ينطبق عليه آية الجهاد التي فضلت المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً، ولكن قالت الآية وكلا وعد الله الحسنى، كذلك الحال من يفتح عينيه على ذخائر الفكر الإنساني باللغة الأصلية أو بعكازات من اللغة العربيَّة؟

 

وهناك من شدة الأغلاط المطبعية كما الحال في معظم الكتب التي تصدر باللغة العربيَّة، موازنة بمجلة الشبيجل الألمانية التي يقترب من الاستحالة أن تجد فيها خطأ واحدا، وهو ما راهنت عليه يوماً لاكتشف خطئي أنا بين كلمتي إثارة وتقليد (Stimulation، Simulation). أما الترجمات السيئة فتغلق الكتاب أمام القارئ، ونموذج ذلك ترجمة المشعشع والشيباني لكتاب قصة الحضارة لديورانت، فهي مع المشعشع أشعة تنير القلب، ومع الشيباني رحمة الله عليه شيبة وضعفا. كذلك يسري الحال على كتاب (أفول الغرب) لاشبنجلر الألماني ترجمة الشيباني، الذي يجب أن يترجم كما ترجم البيجرمي كتاب القوة لروبرت غرين، فكان بدعة وروعة من الأعمال؟ وهو كتاب أي شطرنج القوة بـ 48 قاعدة في فن إدارة الحكم والبشر؟ ينصح باقتنائه وقراءته وهي ليست دعاية للعبيكان، فنحن في حفلة فكر ولسنا في سوق معارض.

 

   20. المسح الراداري للعصر

إن درس التاريخ أكثر من رائع وينفعنا فيه قانون الغزالي عن المسح الراداري للعصر، ففي القرن الخامس الهجري الحادي عشر ميلادي كان العالم الإسلامي ينهار واكتمل الانهيار في منتصف القرن الثاني عشر بقرني الخلافة: في الغرب اشبيلية عام (1248) بالمنجل الصليبي، وفي الشرق بغداد تجرف بالحصادة المغولية. وفي هذا الوقت العصيب ولد الغزالي فارتسمت معاناة القرن في مخيلته، وأدرك أن الانهيار الخلقي والعقلي هو أرضية الانهيار السياسي، فصدم واعتزل ثم خرج، وكتب المنقذ من الضلال يمسح أهم أربعة تيارات في عصره: المتكلمة والفلاسفة والباطنية والمتصوفة.

 

وكتب تهافت الفلاسفة، ليأتيه الجواب من الغرب في تهافت التهافت من ابن رشد. كما الحال بين نقد العقل في المغرب على يد الجابري، ليأتيه الرد في نقد النقد من الطرابيشي المشرقي. وكلاهما جهد مزكىّ ومحترم. وفي الوقت الراهن ومن خلال عرض هذا الكم الضخم من العمل الموسوعي فهو يهدف إلى مسح العصر بعد أن لم يبق إلّا أربعة اتجاهات بل لا يقل عن أربعين اتجاهاً تحتاج إلى عشرة مضغوطين في واحد من أمثال الغزالي القديم؟

 

  21. قانون المدارس المعرفيَّة:

ففي القراءة يجب الانتباه إلى التكوين العقلي لكل كاتب هل هو كاتب وكتاب أم منهج ومدرسة، فقد يكون كتاب واحد ولكن مؤسس جداً، وقد يكون عادياً تكفيه القراءة الواحدة، وقد يكون خلفه مدرسة كما في عالم الاجتماع العراقي، ومالك بن نبي صاحب دراسات مشكلات الحضارة، والشحرور الشامي، وجودت سعيد داعية اللاعنف السوري، والفيلسوف المعرفي السعودي البليهي، والنيهوم الليبي، وعلي حرب اللبناني، والجابري المغربي، وفؤاد زكريا المصري. وهي عينات وليست نهاية الأشياء والعلوم، فالعالم العربي فيه عشرات العقول المبدعة، ولكن الاتجاه العام للعلم كنسق معرفي لمّا يتشكل بعد في العالم العربي.

 

  22. قانون العودة إلى الطفولة مع الفلسفة:

الطفل يضع الأسئلة الضخمة كالجبال، لماذا نولد أين نذهب من أين نأتي ويتكلَّم الطفل بعفوية ويراقب بروح الدهشة والفضول فيتعرف في المحطة والقطار على من حوله من الآباء العابسين، حتى يصاب بعدوى المرض فينكمش وينطفئ. والفلسفة هي تلك الروح الطفولية من التعلُّم وعدم الكف عن السؤال وبدون خوف؟

 

  23. قانون الكم التراكمي والتغيُّر النوعي:

أكاد لا أصدق نفسي أحيانا وأنا أستعرض كم الكتب الجيدة التي قرأتها منذ نعومة أظفاري، وبعضها ضاع، فأنا عليه حزين، وبقي في الذاكرة منطبعاً، فهي مكتبتي؟ هكذا أنا أكتشف نفسي مع استعراضي للكتب في هذه المحاضرة، وأقول يا سبحان الله. ولكن من يأتي بعدنا يجب أن يتجاوزنا ويبتسم لسذاجتنا الفكريَّة أو سبقنا في بعض الحقول المعرفيَّة، كما نعترف لابن خلدون بعد مرور ستة قرون على كتابته، بحيث يعدّه توينبي المؤرخ البريطاني أن عمله أعظم عمل أنتجه أي عقل في أي زمان ومكان. وكذلك الحال في الكم المعرفي المتراكم؛ فمن واظب بنى نفسه معرفيا بدون توقف، فوصل عتبات من المعرفة رائعة، وعوالم بهيجة من الفكر، مثل من اعتلى جبلاً ورأى المناظر أمامه من علو. وكذلك الإشراف المعرفي بعد تحليق رحلة أربعين عاماً مع الكتب في مغامرات وادي الأفكار؟

 

  24. حتى تؤلف كتاباً اقرأ خمسة آلاف: قانون خمسة آلاف كتاب؟

يفترض ابن خلدون أن كميَّة من حفظ عشرة آلاف بيت من الشعر تدخل المرء مملكة الشعر فتفيض القوافي من جَنانه على لسانه.

ولم يتحسن بياني ونطقي أنا شخصياً إلا بعد حفظ القرآن، ولهجتي بنطقي الأقرب إلى الفصحى، يحتار فيها من يسمعني من أين بلد أنا؟ ولو تكلمت اللهجة الماردلية، من حيث ولدت وترعرعت ما فهمني أحد قط، ومع حفظ القرآن استقام لساني مع القواعد، وكانت كريهة بغيضة إلى قلبي من ذكريات أستاذ كان يجلدنا ونحن طلاب ابتدائي للنحو والصرف. ولم يكن ديورانت صاحب موسوعة قصة الحضارة يكتب مجلداً من مجلداته الأربعين، إلا بعد قراءة خمسة آلاف كتاب، وزيارة علميَّة لمنطقة الحضارة من هند وصين وطليان وعرب ويابان.

 

وكذلك فعل محمد عنان في موسوعته حول التاريخ الأندلسي وشمال أفريقيا من مرابطين وموحدين وتاشفين وأبو يعقوب. وروى لي جودت سعيد ملازمته للمكتبة الوطنية في القاهرة عشر سنين بعشر ساعات يومياً، في لذة لا تعدلها لذة. وكذلك حبس نفسه كارل ماركس في مكتبة لندن عشر سنين قبل أن يخرج بكتاب رأس المال.

ولم تكن مقدمة ابن خلدون لتظهر على السطح لولا العزلة في قلعة عريف في المغرب. وكذلك فعل عبد الحليم أبو شقة في كتابه موسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة فاكتشف حقولاً مجهولة في قضايا المرأة كنت أنا وزوجتي رحمها الله ممن استفاد منه جداً.

 

  25. دعوة المقتدرين إلى ثلاث:

  • طباعة هذه المحاضرات على شكل كتب توزع مجاناً أو بسعر الكلفة.
  • ترجمة ذخائر الفكر فلا نهضة بدون ترجمة، ومنها مجموعات الكرونيك الرائعة، ورصد جزء خاص عن تاريخ الإسلام كما فعلوا في تاريخ المسيحية.

 

إن اليابان لم تكن لتنهض بدون فتحها للعلم أيا كان مصدره، فالعلم تراكم وذخيرة إنسانيَّة وليست نتاجاً غربياً، بل عملاً تراكمياً عبر ستة آلاف سنة بعد بناء الحضارة واختراع الكتابة. وهو ما أشارت إليه فواتح السور بالحرف، فالحرف كتابة، والكتابة هي الذاكرة الجديدة للإنسانيَّة التي لا تبلى. وحالياً يوجد مشاريع لإيداع ثمرات الأقلام وإبداع العقول، على شكل مايكرو فيلم في صدوع الجبال الرواسي في فرايبورج في ألمانيا، أو حتى التفكير في إيداعها على ظهر القمر، فيما إذا تعرضت الحضارة الإنسانيَّة لخطر الانمحاق والزوال فتكتشف من كائنات ذكية أخرى.

 

مشروع الجينوم القرآني الذي سبقنا إليه الألمان في مشروع مأموت يستغرق (18) سنة حتى عام (2025) في تبني وإخراج ثلاثة أمور:

  • مشروع الأحاديث الحيوية وإنّ أمكن بطريق الكارتون.
  • مشروع تفسير عصري بالصوت والصورة مع استخدام العلوم الإنسانيَّة المساعدة.
  • إنتاج عصري بالكارتون للسيرة في وجه ما فعل الحاقدون في الدنمرك.

 

مدارس مزعجة أو غير مرحب بها أو هي في عين البعض خطيرة مضللة؟ هناك بعض المدارس التي قد تزعج مثل الشحرور وجمال البنا والنيهوم والجابري والوردي وجودت سعيد وابن نبي والنبهاني وشريعتي وراسل، ولكنها تبقى مدارس يجب الاطلاع عليها كما فعل الغزالي في فكرة المسح الراداري؟ راجع الفكرة 20 عند الغزالي. والأمر الثاني هناك مصادر باللغات الأجنبية لابد من اختراقها، ولكنها من أبدع ما سطره يراع الإنسان.

 

  26. السفسطائيون أو مشاريع تبسيط العلوم وتحبيب المعرفة إلى الأطفال لإنتاج جيل من العباقرة؟

حرصت منذ أربعين سنة في غوص أعماق محيطات المعرفة لوضع اليد على درر المعرفة، ثم محاولة إخراج الإنتاج المعرفي، على شكل موسوعة معرفيَّة تضم حوالي عشرين فرعاً معرفياً، من فيزياء الجزئيات دون الذرية، والفلسفة رحم العلوم، مروراً بعلوم الألسنيات الأنثروبولوجيا على خطا الإنسان، وانتهاء بالتاريخ وعلم النفس وعلوم المجرات ومستقبل الكون والخيال العلمي، بلغة بسيطة تجمع بين جمال الأدب ودسامة المعلومات كل ذلك معطر بروح القرآن. ولقد استفدت من عالم الاجتماع العراقي الوردي في قوله إنّ عمل السفسطائيين قديما في أثينا لم يكن تزويق الحقائق، بل تبسيط المعرفة للناس ونقلها بأدوات مفهومة.

 

والفكرة نفسها يكررها المؤرخ ديورانت من وجوب إيصال الفكرة فيفهمها السامع بوضوح ولو جارته العجوز نصف الأميَّة التي يسلم عليها كل صباح. وكان ماوتسي دونج يكرر أن الأفكار العظيمة يجب أن يستوعبها الفلاح الصيني حتى تؤثر في المجتمع وتغيره. ورأى القرآن أنه ميسر للذكر فهل من مدِّكر، فلولا التيسير ما حصل التذكير. وحين كان مالك بن نبي يشرح فكرته عن الاستفادة من الفكر الغربي، مع المحافظة على روح الشرق، لم يسعف الموقف إلا فلاح؟! قال أنا سأقرب لكم الموضوع؟ إنه مثل النبات الطعم الذي يزرع على نبات آخر، فيعطي ثمراته الخاصة به، ويأخذ العصارة الحيَّة من الشجرة التي غرس عليها؟ فكان الفلاح أبلغ في التوضيح من الفلاسفة.

وحين أقرأ للبعض خاصة من جماعات الحداثة، أشعر كأنني أقرأ باللغة الصينية، بدون ذكر أسماء ومدارس، فلسنا في معرض الإدانة أو التزكية هنا، ولكن باب التناصح، فمن أراد نشر فكرته وجب عليه مراعاة من يسمع، فيرفع مستواه ولا يحط بالأسلوب، وابتغ بين ذلك قواماً.

 

  27. الثقافة الموسوعية:

علينا أن نبني عند أطفالنا ثلاثاً روح البحث بدون ملل، والسؤال بدون خوف، والانفتاح المعرفي بدون حدود. وأن نترك للطفل روح الاستغراق والفضول ونهم التعرُّف والتعلُّم فلا نقتل إمكانياته بالرباعي: ما فيما يصير ممنوعاً وحراماً. وهذه تأتي من خلال المعرفة الموسوعية، في أبعاد المادة والفيزياء الذرية، وتراكيب السدم، وتضاعيف النفس، واختلاف المجتمعات وتباين الثقافات، وتنوع الألسنة.

 

يجب أن نبني المعرفة الموسوعية طبقاً عن طبق، بآلية الحذف والإضافة، بدون خوف من أي علم، فما كان باطلاً رددناه، وما كان تافها أهملناه، وما كان ثرياً استوعبناه، وأضفناه إلى تراكيبنا المعرفيَّة. علم من علم وجهل من جهل. والمعرفة الموضوعيَّة ذهب خالص، تصرف في أي سوق فكريَّة، والقرآن كون قائم بذاته، لا يناله الزمن والبلى، فيجب ألّا نخاف عليه، بل نخاف على أنفسنا، وكل الأمان في التسلح بمفاهيمه.

  28. ملء الثغرات المعرفيَّة في مدى عشرين سنة من الكدح المعرفي:

بعد رحلة السنوات العشر، وتحقيق مائة ألف وحدة معرفيَّة، يتم الانتقال إلى العقد الثاني من الكدح المعرفي في رحلة الوصول إلى النور الإلهي، فيجب أن يسأل الإنسان نفسه؟ ما الشيء الجديد الذي يجب أن أعرفه؟ أنا شخصياً سألت نفسي كثيراً مثلاً عن ثغرة التاريخ الروماني؟ أو فترة الحكم العثماني والمماليك وعصر نابليون؟ أو نقد العقل الخالص لإيمانويل كانط؟ أو ما الديمقراطيَّة؟ والبرمجة اللغويَّة العصبية؟ وزوال مغناطيسية الأرض؟ وتيارات النينو في المحيط؟ ولماذا يحدث التسونامي؟ ونفسيات الشعوب؟ وأيطعن الثور الإسباني الخرقة أم المصارع؟ ولماذا تدفق الإسلام في القرن السابع الميلادي؟ وليس قبل ذلك أو بعده؟ إلى عشرات الأسئلة المغايرة والمشابهة؟

 

وهكذا أمام كل ثغرة أحاول استحضار الكتب والشغل عليها؟ فكانط فهمني ديورانت جدله، ومجلة الشبيجل الألمانية نقلت لي بأقلام عشرات الباحثين مفاهيم السيطرة والانصياع، والتسونامي وإنسان نياندرتال؟ وتعرفت عن طريق قناة الديسكفري على خطر زوال مغناطيسية الأرض، وموت الكوكب كما مات المريخ قبل خمسة مليارات سنة. أما التاريخ الأندلسي فموسوعة عنان في سبعة مجلدات قرأتها في ستة أشهر. وأما التاريخ اليوناني والروماني فقصة الحضارة لويل ديورانت، والبرمجة العصبية اللغويَّة كتاب التكريتي فهمني أسرارها وحل لي عقدها؟ أما عبد الرحيم بدر فخرقت معه النسبيَّة بنسبيَّة، ومع قرني الفيزياء من الكوانتوم والنسبيَّة كان كتاب ستيفن هوكينج في (قصة قصيرة للزمن) خير صديق ونعم الأنيس.

 

  29. الحجج المعرفيَّة، بمعنى النضج المعرفي والرسوخ العلمي، وبتعبير القرآن والراسخون في العلم يقولون كل من عند الله:

وهذا يأتي في العقد الثالث من الكدح المعرفي، عندها ومع النضج تتوالى المؤلفات والمراجع وترشد الأمة برشد أبنائها، وهو ما فعله المصطفى (ص) بتربية جيل كامل على مدى ثلاثة عقود فكانوا خير أمة أخرجت للناس. وديناميكيَّة هذا الفعل هو أن من نضج واستوى على سوقه بقراءة خمسة آلاف كتاب ومرجع يصبح حجة في العلم ونحن ما ينقصنا هم الخبراء، والخبراء الناضجون بين الاطلاع الواسع والخبرة الميدانيَّة الكثيفة. وكما كان الحال في الطب فحتي يخرج الاستشاري المتمكن يحتاج إلى رحلة ثلاث عقود كذلك كان الحال في النضج الثقافي.

والمُثقَّف هو من غادر حقل التخصُّص وبدأ بقراءة شيء لا يعمل في حقله، فيفاجأ بتدفق الأفكار من الحقول الجديدة نفسها على الغرار نفسه. والمهم في الرسوخ أن يتم إنتاج أدمغة ممتازة في كل حقل معرفي، والعلماء هم الكادر الذي يقي الأمة من الانهيار، لأن عناصر التغيير هي ثلاث أفكار يملح بها المجتمع، وشخصيات ناضجة، ومُؤسَّسات مدنية علميَّة فعَّالة، فكما يقضى على الأمراض بثلاثة من طاقم فني (أطباء وفنيين وممرضات) ومُؤسَّسات (مشافي ومخابر) ووعي صحي، كذلك الحال في كل قطاع من الاقتصاد إلى السياسة.

 

   30. مجموعة الأفلام الراقية

تحدثنا عن الكتب والأفكار وأحد روافد الفكر الهامة هي الإنفوميديا وأهمها التلفزيون وبرامجه بين إباحية ورقص وعلم ووثائق فهو يضم الغث والسمين والعسل والسم. وأنا أقترح بناء مراكز علميَّة تجمع أجمل الأفلام وأهم الوثائق لتموين عقول الشباب بأفضل ما جادت به السينما، وأنا شخصياً عندي الآلاف من الأفلام بلغات شتى ومواضيع منوعة وهي من أجمل مصادر تخصيب العقل وإمتاعه.

 

   31. تطويع الفنون

من كارتون وفوتو شوب وكاريكاتير للقلم والكتاب بل وكتابة أنيميشين لقصص تاريخنا، مثل مونت كريستو وروبنسون كروزو وما شابه. وحرب الدنمرك بأفلام الكاريكاتير يجب أن تكون من أسلحتهم نفسها، كما كان يفعل المصطفى (ص) لحسان بن ثابت فيقول بما معناه اهجهم وروح القدس معك.

 

  32. قانون الحفظ والفهم:

لا توجد آية واحدة في الإلزام بحفظ القرآن، وعكسها موجود، أن الله أنزل الذكر وإنا له حافظون. وعشرات الآيات تنوَّعت حول التدبر والفهم، أحصيت منها أكثر من (42) آية، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها. هل في ذلك قسم لذي حجر، إن في ذلك لآيات لأولي النهى. كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب.

 

مع هذا فالحفظ ورطة لأنه يبني تحدي المحافظة، أما الفهم والتدبر فهي آلية ناميَّة غير روتينيَّة، ومنه أشار القرآن للعلماء أن يرفعهم بالإيمان والذكر الحكيم والعلم المثمر. وتبقى ملكة الحفظ أحد ملكات الدماغ الأساسيَّة فوجب صقلها، وأنا شخصياً اشتغلت على حفظ القرآن ثماني سنين عددا في أثناء دراستي للطب والشريعة معاً.

 

وصقل ملكة الحفظ تحتاج في المتوسط عشر عادات جيدة، من الفهم للمعنى، وتعاون السمع مع البصر، والبكور فهي موعد تفتح الروح لاستقبال إرسالات الكون، والتكرار في أثنائها، ودوماً على فترات متقطعة، والأفضل مع الحالة الانفعاليَّة فهي تغرسها جداً، وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً، وتهجد الليل فناشئة الليل أشد وطئا وأقوم قيلا ويعرف هذا من جرب؟ والتغذية الجيدة باعتدال، والتقوى وهي الشعور بمصدر الخطاب والخشوع معه، وربطها بمعاني وأماكن، وموسيقى الألفاظ، وتدريسها، وهكذا فقد صقلت أنا ذاكرتي بنصب وعذاب، ودأب واستمرار، وهي قوانين نفسيَّة، فحفظت أنا شخصياً غير القرآن مئات الأحاديث، بل الكتب المدرسيَّة عن ظهر قلب، وقليلاً من الشعر الجاهلي، ونصوصاً كاملة من كتب مالك بن نبي ونهج البلاغة ومقدمة بن خلدون وخطب الخوارج ومواعظ الصالحين وشعر أبي العتاهية وأقوال المتصوفة في ذكر الموت وقوانين السياسة وأقوال العظماء من الرجال في خلطة عجيبة، ولكنها زاد جيد إن استخدمت ووظفت في بناء معرفي، وهي مادة قاتلة إن توقف المرء عندها فاجتر وكرر، فطبيعة العقل حركيَّة ناميَّة والموت صيرورة نهائية وجمود. والقرآن روح، وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا. والقرآن حياة ونور... أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.

 

   33. قانون طوفان المعلومات مقابل شح المعلومات؟

ما نعاينه اليوم ليس قلة المعلومات بل انهمارها بأشد من تسونامي، وأنا شخصياً يأتيني على الإنترنت يومياً أكثر من (300) رسالة، وأول شيء أفعله ليس القراءة بل المسح، وكنا سابقاً نفرح بقدوم رسالة لأحدنا، وهذا يعني سرعة الفرز واستقبال الجيد، والاستفاضة من الدسم.

 

  34. قانون لو كررت فكرتك عشرين مرة وظننت أنهم فهموا عليك فأنت متفائل:

حين نتكلم فإن المستمع يفهم بآلات فهمه، وهذا يعني أن الصيني لن يفهم شيئا من الصربي إلا بحركات اليدين والسيمياء الوجهية وحركات اليدين وهي لغة عالميَّة ولكن محدودة جداً. أما لغة الخطاب فيجب أن تمشي حواجز فوق الحواجز من اللغة واللغة الثقافيَّة، وهكذا فمن يسمع يُؤكِّد ما عنده أكثر مما يتلقى من الآخر. وأذكر يوماً أنني خطبت الجمعة ولما سألت أحد السامعين عما كنت أتحدث؟ قال طبعاً كنت تتحدَّث عن الإسلام؟ وبالطبع لم أكن أتحدث عن الكفر؟ وينقل عن حسن البنا قوله ألّا يتفاءل المرء كثيراً حين يتحدَّث مع الآخرين أن فكرته تنتشر، فقال لو كررتها عشرين مرة وظننت أن الآخر (فهم عليك) فأنت جد متفائل. ومع أن النبي كان يتحدَّث لغة قومه نفسها ولكنهم كانوا يقولون ما نفقه كثيراً مما تقول ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز.

 

  35. قانون المستقبل لشباب الإنترنت وجيل الكي بورد؟

من لا يستخدم الإنترنت نصف أمي، ومن لا يقرقع أصابعه على الكي بورد انتسب إلى عصر الديناصورات البائد. ولذا فالأمل هو في الشباب الذي تواصل على مساحة قرية الكرة الأرضية إلكترونياً، فالعالم اليوم ديجتال يتحرك بسرعة النور ناراً. وسوق الزواج أصبح بالنت، فلم يعد مكان للخاطبات، بل الفتاة ترى الآلاف من الشباب في الشاشة، وهو يرى آلاف الفتيات من خلال الشاشة، وتأتي الفتاة من تايوان لتتزوج شابا في كردستان في رحلة عشرة آلاف كيلو متر؟

 

المرجع: الدكتور خالص الجلبي