علم التربية

تعرّف التربية في العلوم الشاملة، بأنها مجموع عمليات النمو والتكيُّف والتحكُّم بسلوك الآخرين للوصول إلى أعلى فاعليَّة بأقل جهد ووقت ومال. وتستخدم طرائق وأساليب وتقنيات وقنوات مُتعدِّدة لتحقيق أهداف المُنظَّمة التربويَّة. ومازال الجدل قائماً حول فن التربية



 

اشتق مصطلح التربية (Education) لغوياً من الاسم (ربّ) الذي يعني السيد والمالك، ومنه ربّ الأسرة، وربّ القوم، وربّ العالمين. أما الفعل (ربّى) فيستخدم للدلالة على أفعال غذّى، ونمّا، وأدّب، ومتّن وطيّب، وأجاد، ولذلك تشمل عمليَّة التربية مجموع هذه الأفعال، للوصول بالتربية إلى الكمال والإتقان. وتتم التربية بأساليب جذابة وقهريَّة، كالثواب والعقاب والترغيب والترهيب، وما شابه من العمليات الجذابة والنباذة، وفقاً للنظريَّة السلوكيَّة في علم النفس والتربية على التحكُّم والتنمية بالتعزيز الإيجابي والسلبي والعقاب، ووفق النظريَّة المعرفيَّة في علم النفس والتربية أن التغذية الراجعة الإيجابيَّة والسلبيَّة، التي تسهم في تعريف المُتعلِّم أو المتربي بنتائج عمله وتنمية تقدمه نحو الأهداف. وبجمع النظريتين السلوكيَّة والمعرفيَّة تصبح التربية عمليَّة علميَّة شاملة، ويضبط السلوك بها باسم تقنيات التعليم، التي صارت تطبيقاً علمياً لمختلف العلوم الإنسانيَّة والشموليَّة في عمليَّة التربية. وفي ضوء هذا الجهد لتحويل فن التربية إلى علم التربية، يُعرّفها ب.ف سكنر، بأنها التحكُّم الفعَّال بالسلوك بأساليب علميَّة غالباً ما تكون جذابة، أما بياجيه فيرى أنها مجموع عمليات النمو والتكيُّف مع البيئة لحل المشكلات القائمة.

 

وتعرّف التربية في العلوم الشاملة، بأنها مجموع عمليات النمو والتكيُّف والتحكُّم بسلوك الآخرين للوصول إلى أعلى فاعليَّة بأقل جهد ووقت ومال. وتستخدم طرائق وأساليب وتقنيات وقنوات مُتعدِّدة لتحقيق أهداف المُنظَّمة التربويَّة. ومازال الجدل قائماً حول فن التربية، أو علم التربية أو تقنيات التربية، لاختلاف المدارس النفسيَّة والتربويَّة في فلسفتها، وكذلك لتعقد المُتغيِّرات التي تعمل في العلوم التربويَّة، وصعوبة ردّها إلى مفهومات ومبادئ في العلوم الطبيعيَّة والإنسانيَّة.

 

تطور التربية

جرى التحكُّم بسلوك الحيوان والإنسان بأساليب جذابة وأخرى قهريَّة، وبوساطة هذه الأساليب تمكن الإنسان من تدجين حيوانات عديدة، وإنشاء مجتمعات تضبط سلوك أفرادها بالأساليب الجذابة والقهريَّة معاً، كالثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، والجنة والنار، أو الجزرة والعصا، والرحمة والتقوى، والمحبة والغفران، وهي أساليب استخدمت في التربية منذ أقدم العصور. وتسير هذه الأساليب نحو الجاذبة أكثر من النابذة، وهذا ما جعل الديانات والدول الديمقراطيَّة تسعى إلى تحقيقه في المجتمعات الحديثة، إلا أن المُعلِّمين الأوائل دعوا إلى تطبيق هذه الأساليب معاً في الحضارة الإغريقية القديمة ومنهم سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وحكماء الصين والهند ومنهم كونفوشيوس، وبوذا، وغيرهما، وظهر المربون الأوائل عند العرب ومنهم الفارابي، والغزالي، وابن رشد، وابن خلدون، وابن سينا.

 

وكانت التربية عن طريق المؤدب لأبناء فئة مُتميِّزة من الناس في العصور الوسطى إلا أنه جرى تغير جذري في التربية بعد شيوع الطباعة الميكانيكيَّة وبداية النهضة الأوربية، إذ ظهر مربون مجددون كان منهم كومينوس (كمنسكي) التشيكي، ورابليه الفرنسي، وجان جاك روسو الفرنسي، وجون ديوى الأمريكي، وفروبل الألماني، ومنتسوري الإيطالية. الذين ركزوا اهتمامهم على تربية الصغار المسمى بيداغوجيا (Pedagogy)، إلا أن مطالب التغيُّر المهني والهجرة وتطور التكنولوجيا اقتضت التحوُّل مرة ثانية إلى تعليم الكبار أو ما يسمى الأندراغوجيا (Andragogy)، وهي علوم تربط التربية بالتنمية، وتجعل التربية عمليَّة مستمرة مدى الحياة، ولا تقتصر على عمر معين أو على التعليم النظامي في المدارس والجامعات.

 

وصارت التربية فناً يستند إلى مبادئ علم النفس، حين وضع سكنر ورقته «علم التعلُّم وفن التعليم» عام (1954)، وطبقها في (التعليم المبرمج) منهجاً في التعليم والتعلُّم الذاتي الذي أقام جسراً يربط بين علم النفس والتربية، ووضع مفهومات ومبادئ تقنيات التربية والتعليم. واشتد الاهتمام بالتربية في أمريكا بعد إطلاق الاتحاد السوفييتي (سابقاً) عام (1956) سبوتنك الأول وهو القمر الاصطناعي الذي دار حول الأرض، مما حفز الأمريكان إلى محاولة إصلاح التربية أولاً قبل الصعود إلى الفضاء، وظهر اليوم تحدٍّ ثان من اليابانيين في تقدمهم العلمي والصناعي الناشئ عن تقدمهم التربوي وسعيهم نحو الامتياز في التربية والمعلومات. وكتب علماء أمريكيون كتابهم (أمة في خطر) للإشارة إلى أهمية التربية، ثم توالت المؤلفات التي تبنّى مشروعاتها رؤساء الولايات المتحدة، وبريطانيا، وغيرهما من الدول الحديثة التي تعطى الأولوية بين عوامل التقدُّم إلى علم التربية، وإلى المعلوماتيَّة التي بدأت تغير من التربية وتجعلها أكثر شموليَّة، واتساعاً، وتداولاً بين الناس، وخاصة في العقود الأخيرة من القرن العشرين.

وسار التطوُّر نحو العناية بعلم التربية في مختلف أنحاء العالم ومُنظَّماته الدوليَّة، كاليونسكو، واليونيسف، ومُنظَّمة تعليم الكبار، أما في البلاد العربيَّة فقد أنشئت المُنظَّمات العربيَّة والإسلاميَّة والإقليميَّة لتحسين التربية والثقافة والعلوم، مثل: المُنظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم (الكسو)، والمُنظَّمة الإسلاميَّة للتربية والعلوم والثقافة (الأسسكو)، والمُنظَّمة العربيَّة لدول الخليج وغيرها من المُنظَّمات العربيَّة والدوليَّة.

 

وأدت جميع هذه التطوُّرات إلى قبول التحوُّل من التربية بوصفها عمليَّة غير مُنظَّمة إلى عمليَّة علميَّة مُنظَّمة، لها مجالاتها العلميَّة المُتعدِّدة، وتحولت كليات التربية إلى كليات العلوم التربويَّة في بلدان عديدة من العالم.

 

علوم التربية

التربية علم تحكم شامل بالسلوك، إلا أنه ينقسم إلى علوم نفسيَّة وتربويَّة متفرعة عنه، تتفاوت في درجة شموليتها، وفي الموضوعات المتفرعة عنها. فعلم النفس التربوي يجمع بين علمي التعليم والتعلُّم، وبين أهداف التعليم وتقويمه، أما علم نفس النمو فيدرس مراحل النمو وقوانينه في الطفولة والمراهقة، والشباب والشيخوخة، وكيفيَّة الاستفادة منها في تربية الصغار (البيداغوجيا) وتربية الكبار (اندراغوجيا).

 

وظهرت العلوم ذات الأساس النفسي الاجتماعي (التربية الأسريَّة)، و(علم النفس الاجتماعي)، والتربية التحررية، والتربية التعاونيَّة، والتربية التقدُّمية، والعلوم ذات الأساس الاقتصادي والمهني، مثل اقتصاديات التعليم، والتربية المهنيَّة. كما ظهرت العلوم الأكثر شموليَّة مثل علوم أصول التربية، والمناهج، وأصول التدريس وطرائق التدريس العامة والخاصة وتقنيات التعليم والقياس والتقويم التربوي، وتطبق هذه العلوم في كليات العلوم التربويَّة، في مُقرَّر
(التربية العمليَّة) وفي الحياة الواقعيَّة.

 

وأدخلت حديثاً علوم شموليَّة تدرس في التعليم الجامعي مثل التربية البيئيَّة التي تجمع بين علوم حيوية وكيماوية، وفيزيولوجيا وفيزياء، وجغرافيا وعلوم تربويَّة أخرى، والتربية السكانية التي تجمع بين علوم حيوية وأسريَّة ووراثية، وجغرافيا بشريَّة، وصحيَّة، وبيئيَّة وعلوم تربويَّة أخرى. والتربية المعلوماتيَّة التي تجمع بين علوم الرياضيات والمنطق والإلكترونيات والكهرباء، والتربية، والاتصال، وعلوم الضبط والتوجيه (السبرنتيك) الشاملة، وتطبيقاتها في مختلف مجالات الحياة. والتربية الشموليَّة العالميَّة التي ظهرت في عصر المعلومات والتقنيات الراقية وتفاعلت أنظمة التربية مع أنظمة الإعلام، والاتصال، والمعلومات، والثقافة، مما أعطى للتربية العرضية وفق حاجات الإنسان ومكانه وزمانه وقدراته أهمية خاصة في عصر المعلومات والإعلام.

ويمكن أن يفرد لهذه العلوم مُقرَّر خاص في التعليم الجامعي، أو تدمج موضوعاتها في العلوم التقليديَّة، أو تدخل مفاهيمها في مختلف العلوم، حسب مستوى التعليم النظامي.

 

أسس التربية

ترجع أسس علم التربية إلى فلسفة التربية، وإلى العلوم الحيوية (البيولوجيَّة) والنفسيَّة والاجتماعيَّة الاقتصاديَّة، والعلوم الشموليَّة. الأسس الحيوية للتربية: يوفر الأساس الحيوي طائفة من المعارف المُتعلِّقة بجسد الإنسان والكائنات الحيَّة الأخرى، التي تمكن المربي من التعامل معها والتحكُّم بها في مراحل النمو، من طفولة ومراهقة ورشد. ويمكن أن يعتمد في التربية على الخواص التي تقدمها الوراثة، فيستفاد منها، وتطور بالتربية للوصول إلى شخصيَّة متكاملة متوازنة، في جوانبها الجسديَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة، وتتفاعل في هذه الأسس الوراثة والبيئة أو الوراثة والتربية.

 

وجرى في التربية وعلم النفس جدل طويل حول أولوية وأهمية الوراثة والتربية المكتسبة، وتأثر هذا الجدل بفلسفة المجتمع، وكان ينظر إلى الصفات الوراثية على أنّها شبه ثابتة، أما التربويَّة المكتسبة فكان ينظر إليها على أنها متغيرة ومُتقدِّمة، ولذلك رجحت كثير من الفلسفات التقدُّمية أهمية تربية الإنسان في توجيه العوامل الوراثية لتعمل وفق توجيهات التربية وقيم المجتمع، وكان ينظر إلى العوامل الوراثية على أنّها المادة الخام وأن تصنيعها يتم بالتربية، وفقاً لقيم المجتمع وثقافته، إلا أن الهندسة الوراثية الحديثة جعلت بالإمكان تغير التفاعل بين الوراثة والتربية لدى الحيوان والإنسان، ويسهم النمو العصبي والغدّي والعضلي في تغير الصفات النفسيَّة الجسديَّة للإنسان، وتكوين مزاجه، وطبعه الموروث وأمراضه النفسيَّة والجسديَّة، وتغير تكيفه مع التغييرات الحاصلة في جسده والبيئة المحيطة به، إلا أن لتغير هذا النظام مخاطر وعواقب اجتماعيَّة وأخلاقيَّة ومخاطر أخرى يصعب التحكُّم بها وضبطها لتعقد النظام.

وتسهم المعلوماتيَّة الحديثة في التحكُّم بكل من العلوم الحيوية والتربويَّة، مما يتطلَّب مراجعة علوم التربية وفقاً لتطور وسائط الاتصال والمعلومات، والهندسة الوراثية الحديثة. الأساس النفسي الاجتماعي في التربية: يتعامل الإنسان في حياته اليوميَّة مع أشخاص آخرين، متباينين في أساسهم البيولوجي، وفي حاجاتهم الماديَّة والنفسيَّة، وفي قيمهم واتجاهاتهم، وهذا الاختلاف في الحاجات لدى الفرد والآخرين يدفع كلاً منهم إلى تلبية هذه الحاجات بتكوين علاقات اجتماعيَّة تسهم في تكوين شخصيته.

 

ويمكن النظر إلى القيم التي تكونها الثقافة والتربية والإعلام على أنها من الحوافز التي تدفع الإنسان إلى التضحية بكثير من حاجاته النفسيَّة والجسديَّة والقيام بسلوك يؤدي على المدى البعيد إلى تحقيق القيم والمثل الاجتماعيَّة التي يؤمن بها الفرد.

 

والأساس النفسي الاجتماعي معقد، ويتفاعل ويتكامل مع الأسس البيولوجيَّة في سلوك الإنسان اليومي، ويفضل عدم الفصل بينهما، وربما يعد بعضهم التربية مُكوَّناً من مُكوَّنات الأساس الاجتماعي أي البيئة الاجتماعيَّة التي تعمل فيها التربية، وتحقق فلسفة المجتمع وسياسته واستراتيجياته وأهدافه. وكذلك تتدخل الدول لجعل التربية أكثر سداداً وسلامة وملاءمة لقيمها السائدة، حتى تضمن سلامة المجتمع وتوازنه لتحقيق الرفاه للأفراد والمجتمع، والرقي بالحياة الاجتماعيَّة إلى مستوى حضاري أرقى من المستوى الراهن والمستوى السابق.

 

ويسهم الأساس النفسي الاجتماعي في دراسة دوافع وحاجاته وحوافزه الفرد وفي التحكُّم بسلوكه لتلبية تلك الحاجات، وكذلك في وضع الأسس العلميَّة لتعديل سلوكه وفكره وقيمه والوصول إلى الأهداف بفاعليَّة عالية.

 

الأساس البيئي

إنّ شخصيَّة الإنسان في تفاعلها مع البيئة الطبيعيَّة والاجتماعيَّة تبين دور البيئة في التحكُّم بسلوك الإنسان، إذ تكسبه البيئة خصائص وصفات تربويَّة مختلفة من بيئة إلى أخرى.

فالبيئة الجغرافية تسهم في تكوين الشخصيَّة، والبيئة الاجتماعيَّة في الأسرة والمدرسة والمجتمع تطبع شخصيَّة الإنسان بسمات خاصة يعرف بها، وتسهم التربية البيئيَّة في الطفولة المُبكِّرة وخاصة في السنوات الست الأولى من العمر لتكوين الهيكل الأساسي لشخصيَّة الإنسان وتبقى آثارها في المسار المقبل من حياة الإنسان.

 

وكان تأثير بيئة المدرسة كبيراً قبل ظهور وسائل الإعلام والمعلومات إلا أنّ دورها يتضاءل اليوم بعد دخول وسائل الإعلام إلى البيوت، فعاد للبيت دوره في التربية والتعليم.

 

ولا يكفي أن نبين أثر البيئة في التربية بل أثر التربية في البيئة، لأنّ التربية تحكم بالسلوك، واصطفاء السلوك المناسب للتطوُّر الحضاري، ولذلك فإن التفاعل بينهما يسهم في اكتساب الفرد والمجتمع للمعلومات والمهارات، ورفاهيتها وتكوين الحضارة المعاصرة، ولذلك أسهمت التربية البيئيَّة في إعادة تربية الإحساس بالجمال لجعل البيئة مناسبة له في الحاضر والمستقبل وحسنت من غذائه وكسائه ومسكنه، وموطنه الأوسع في المدينة والريف وفي الكون الشامل. وظهرت أهمية التربية الجماليَّة والصحيَّة، والتربية السكانية والتربية البيئيَّة لزيادة وعي الإنسان بما يحيط به والتكيُّف معها للوصول إلى أفضل حياة مع زيادة التنمية للفرد والمجتمع على المدى الطويل للأجيال المقبلة.

 

الأساس الشمولي المتكامل

تتداخل أنظمة التعليم والتربية فيما بينها، كما تتداخل الألوان الأساسيَّة فينتج منها ألوان جديدة، فالتربية النظاميَّة تشرف عليها وزارتا التربية والتعليم العالي، تتداخل هي والتربية غير النظاميَّة التي تتم في مُؤسَّسات تعليم  وتدريب الكبار، ويتفاعل النظامان معاً مع التربية والتعليم العرضي أو العارض أو الطارئ فيحدث دون قصد، ودون مناهج مُحدَّدة، ويتم غالباً في الحياة، وبمساهمة وسائل الإعلام المختلفة، ووفقاً لحاجات الأفراد، ومُتطلَّبات المجتمع وخاصة في عصر المعلومات والتقنيات المُتقدِّمة سريعة التغيُّر، مما يغير المهن والأعمال وفقاً لتغير المعلومات والتقنيات، وهذا يتطلَّب إعادة التربية وجعلها مستمرة مدى الحياة، وخاصة في تعليم الكبار.

 

وتركز المُنظَّمات الدوليَّة كاليونسكو، واليونيسف، والبنك الدولي ومُنظَّمة تعليم الكبار اهتماماتهم على التربية الشموليَّة أو العالميَّة، وجعل التربية للجميع، وفي جميع التنظيمات للوصول إلى حياة أفضل للإنسان في الحاضر والمستقبل. ويقصد بالتربية الشموليَّة لدى الإنسان الواحد تكامل تربيته الجسديَّة والعقليَّة والانفعاليَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي يحتاج إليها الإنسان في حياته الحاضرة والمقبلة.

 

ويلاحظ أن التربية المدرسيَّة النظاميَّة تركز على تعليم الأسس بينما تعطي التربية غير النظاميَّة للكبار المعلومات والمهارات اللازمة للتنمية، أما التربية العَرضية (فهي الطريق الثالث للتربية) التي تعمل لتلبية حاجات الفرد والمجتمع المتغيرة. ويزداد دور التربية العارضة هذه في عصر المعلومات الشاملة المتفجرة، والتي تحدث فيها ابتكارات جديدة كل يوم، فيضطرُّ الإنسان إلى مواكبتها، والتكيُّف معها في معرفته وتقنياته وتعديل مهنته.

 

مستقبل التربية:

إنّ تضاعف المعلومات في أواخر القرن العشرين كل سنتين يجعل التربية غير قادرة على حمل عبء نقل المعلومات وحدها إلى الأجيال القادمة، ولذلك يقوم تعليم الكبار المستمر في التعليم غير النظامي والتعليم العرضي بحمل هذا العبء من أجل التنسيق والتكامل بين أنظمة التربية. وتسهم المعلوماتيَّة وأدوات الاتصال في تيسير التفاعل والتكامل بين أنظمة التربية وجعلها مفتوحة، يقوم بها الفرد وفق سرعته وزمانه ومكانه وحاجاته الخاصة. ولذلك بدأت تشيع الشبكات الإلكترونيَّة لتسهيل التعلُّم وجعله في متناول الأفراد عبر شبكة الإنترنت وطريق المعلومات السريع.

 

والتربية إجمالاً بطيئة التغيُّر، بينما تسير المعلومات بسرعة مما لا يمكن التربية من ملاحقتها إلا بالتجديد المستمر والتعلُّم المستمر مدى الحياة بتقنيات مُتعدِّدة، وهذا ما يستدعي نقل التعلُّم إلى البيت والمكتب والمقهى إذا كان كل منها مزوداً بالتقنيات الإلكترونيَّة.

 

وفي ضوء التغيُّرات في المعلومات والتقنيات سيحدث تغير في المهن، بما فيها مهنة التربية والتعليم، التي تعد أم المهن. وسيتغير دور المُعلِّم، إذ قد يزداد دوره الإرشادي والتخطيطي والتنظيمي ويقل دوره التعليمي، ويصبح تفاعل المُتعلِّم في الدول المُتقدِّمة مع الكتب والآلات الإلكترونيَّة، وخاصة الحاسوب الذي يستخدم قنوات ووسائل مُتعدِّدة في عرض المعلومات والتفاعل معها.

 

وفي هذه البيئة الجديدة للمعلومات والتقنيات والمهن، لم تعد مهمة التربية تركز على الحفظ، بل صار الاهتمام بالإبداع والابتكار أكثر من السابق، كما ازداد الاهتمام بالمتفوقين الذين يسهمون في التجديد والابتكار، وكذلك بالمعوقين الذين لم تتح لهم التربية القديمة فرصة للتقدُّم حسب حاجاتهم، وتجمع التربية الخاصة بين تربية الموهوبين والمعوقين، مما يجعل أدوارهم أكثر إيجابيَّة في تقدم أنفسهم ومجتمعهم.

 

والخلاصة أن مستقبل التربية يسير في اتجاه الشموليَّة في الموضوعات والتقنيات والقنوات، مما ييسر التعلُّم وفق حاجات الأفراد والمجتمع.