طرائق التعليم والتعلم

يمكن تصنيف طرائق التعليم وفق نظام شمولي يجمع بين نظام التعليم الذي يُركِّز على المُعلِّم، والتعلُّم الذي يُركِّز على المُتعلِّم، أو التفاعل بينهما، وهي الطرائق التي تنتقل بينهما في مسار متواصل تسمى طرائق الاتصال أو التفاعل، وهي أكثر الطرائق استخداماً في عصر المعلومات



يطلق على طرائق التعليم والتعلُّم (teaching and learning methods) أسماء مُتعدِّدة، فأطلقت كلمة التلقين (didactic) اليونانية على الطرائق الإلقائيَّة والإملائية التي يستخدمها المُعلِّم في تعليمه المُتعلِّم، كما أطلقت طرائق الحوار على الطرائق التفاعليَّة التي استخدمها سقراط (المُعلِّم الأول) والتي كان يستخرج بها الأفكار من الشخص الآخر وتسمى ((dialogue، واستخدمها الناس لتعليم الصغار، ويسمى هذا العلم بيداغوجيا ((pedagogy، أو لتعليم الكبار ويسمى علم الكبار أو أندراغوجيا (andragogy). وإذا استخدمت الطريقة لتحقيق أهداف تعليميَّة مُحدَّدة تسمى استراتيجيا التدريس أو التعليم، وتسمى أكثر من طريقة طرائق، وقد يطلق بعضهم اسم طرائق. ويتوسع بعضهم الآخر في مصطلح الطرائق لتشمل جميع الأساليب المُستخدَمة في التعليم والتعلُّم، ومازالت هذه المصطلحات تستخدم في الأدبيات التربويَّة الواحدة تلو الأخرى.

 

ويمكن تصنيف طرائق التعليم وفق نظام شمولي يجمع بين نظام التعليم الذي يُركِّز على المُعلِّم، والتعلُّم الذي يُركِّز على المُتعلِّم، أو التفاعل بينهما، وهي الطرائق التي تنتقل بينهما في مسار متواصل تسمى طرائق الاتصال أو التفاعل، وهي أكثر الطرائق استخداماً في عصر المعلومات، لأنها تواصل التعلُّم بانتقال المعلومات والتغذية الراجعة بين المُعلِّم والمُتعلِّم أو بين قطبي المرسل والمستقبل في عمليَّة الاتصال.

 

وفي ضوء التصنيف التفاعلي للتعليم والتعلُّم يواصل المُتعلِّم التعلُّم من إنسان بالمواجهة، أو من برنامج حاسوبي، أو من وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي انتشرت في حياتنا اليوميَّة. وقد يستخدم المُتعلِّم في التعلُّم حواسَّ مُتعدِّدة، تسمى أحياناً تقنيات، أو لغات، مثل اللغة الإشارية التي استخدمها الإنسان منذ نصف مليون سنة، ومازال يستخدمها في الحاضر للاتصال والتعلُّم كإشارات المرور، وإشارات الأصابع، والأيقونات البصريَّة، والكلمات الشفاهية المسموعة، والرسوم البيانيَّة، والصور البصريَّة الثابتة والمُتحرِّكة وغيرها من الرموز والمعادلات التي تيسر التعليم والتعلُّم.

 

ويندرج تحت قطب الطرائق التي تركز على المُعلِّم، الطرائق الإلقائيَّة والمحاضرات وهي الأكثر شيوعاً في مستوى التعليم العالي لأنها تركز على نقل المعلومة من محاضر إلى مستمع، أو مشاهد. ولكن أكثر الطرائق شيوعاً هي الطرائق التفاعليَّة والحواريَّة ويندرج تحتها طرائق منوعة منها الطرائق الاستنتاجيَّة القياسية التي تعتمد على منطق أرسطو في الفلسفة، والذي يبدأ بذكر القاعدة أو النظريَّة أو الفكرة العامة ثم ينتقل إلى المثل والشرح والإيضاح الذي يبين تطبيقات القاعدة ولذلك يسميها بعضهم طريقة (القاعدة المثل). وقد سادت في العصور الوسطى في تعليم العلوم والقواعد، ومنها ألفية ابن مالك في وضع ألف بيت شعر يمثل قواعد اللغة العربيَّة مع بعض أمثلتها التي تنطبق عليها. وطورت حديثاً إلى طرائق في التعليم تسمى المُنظَّمات المُتقدِّمة، وتسير أيضاً من المنظومة الكلية العامة إلى المنظومات والأمثلة المتفرعة عنها.

 

ولكن شيوع الطرائق الاستنتاجيَّة والقياس خلال أكثر من ألفي سنة لم يبدع علوماً وكشوفات جديدة، إلى أن عرض فرانسيس بيكون ((F.Bacon في كتابه (العضو الجديد)
(New Organon) طريقة التفكير والتدريس الاستقرائية التي تبدأ بالتجربة والأمثلة، وبعدها تنتقل إلى القاعدة، وبعد أن بدأت الكشوفات العلميَّة والجغرافية عندها قام الإنسان بمغامرات التجريب والبحث ليتوصل بعدها إلى النتيجة، وهذا ما يقوم به العالم في الحياة والمخابر العلميَّة، وما يقترحه المربون في وضع المُتعلِّمين في موقع المكتشف الأول، ولذلك فهي طريق كشفية وإبداعيَّة، ومشوقة أسهمت في تضخم المعلومات في عصر النهضة الأوربية وفي العالم، واستخدمها مدرسو العلوم والقواعد لتدريس المفهومات والمبادئ والنظريات والمعادلات، والأفكار العامة. إلا أنه من الصعب أحياناً وضع المُتعلِّم موضع المكتشف الأول، إما لأن معارفه ومهاراته أقل من المكتشف الأول، وإما لصعوبة إجراء التجربة لنقص الأدوات والتقنيات المُستخدَمة، ولذلك يقترح بعضهم الجمع بين الاستنتاج والاستقراء معاً في طرائق يتنقّل فيها التفكير بين التحليل والتركيب، أو يتنقّل فيها المُتعلِّم بين الكل والجزء ثم العودة إلى الكل، وبعدها تطبق على أمثلة جديدة.  وتسمى هذه بالطرائق العلميَّة الجامعة بين الاستقراء والاستنتاج، وهي الأكثر شيوعاً في طرائق التعليم والتعلُّم. وتبدو مهارة المُتعلِّم في استخدام الطرائق المناسبة لكل موقف تعليمي دون تفضيل لإحداها على الأخرى في جميع المواقف والموضوعات.

 

ويلاحظ أن التنوُّع في الطرائق مفيد في كل من التعليم والتعلُّم كما هو مفيد التنوُّع في تقنيات التعليم، على أن ينظر إلى تقنيات التعليم والأجهزة والبرامج والطرائق كمنظومة واحدة، وقد يضاف إليها طريقة استخدام الإنسان لها، وتسمى هذه أنظمة التدريس.

 

وعندما يستخدم المُعلِّم أو المُتعلِّم الطرائق العلميَّة، الاستنتاجيَّة والاستقرائية، تجنح الطرائق العلميَّة نحو قطب التعليم أو التعلُّم. وفي هذا العصر يُركِّز على الطرائق التفاعليَّة، الحواريَّة في معظم وسائل الإعلام الحديثة وتقنياته، فالإذاعة التي كانت ترسل المعلومات جاهزة إلى المستمعين، صارت تستخدم الحوار والاتصال معهم، بالإذاعة والهاتف، أو بالفاكس، أو المراسلة بالبريد العادي أو الإلكتروني أو تسجيل بالمسجلة. وكذلك ترسل البرامج التلفزيونية باتجاه المشاهدين، وتعلم أيضاً بالتفاعل بين العارض والمشاهد. وتحسّن بالسؤال الذي يطرحه العارض أو السؤال الذي يطرحه المشاهد على العارض. وزاد انتشار هذا النمط من الاتصال المتزامن، إلا أنه شاع أيضاً الاتصال غير المتزامن بتسجيل المعلومات في شريط الفيديو أو قرص الحاسوب، أو بالبريد الإلكتروني أو بخدمة الإنترنت. وتتم هذه الاتصالات بالاتجاهين لتأكيد التعلُّم، وزيادة التفاعل الذي يُعلّم بفاعليَّة أعلى، ويؤدي إلى جودة أرقى.

 

وهكذا قامت التقنيات الإلكترونيَّة الحديثة بحفظ المعلومات وخزنها، واسترجاعها مما اضطر الإنسان الحديث إلى عدم التركيز على حفظ المعلومات، بل إنتاجها وابتكارها، أو إبداعها، ولذلك صار الاهتمام أكثر بطرائق التفكير وحل المشكلات بطرائق إبداعيَّة، مستفيدة من عمليَّة الإبداع في زيادة المعلومات وتضخمها في عصر سمي بالتفجر المعلوماتي أو المعرفي.

 

ويضطر المُعلِّم في هذا العصر إلى أن يشارك المُتعلِّم في عمليَّة التعليم والتعلُّم والتفكير. ويستخدم في التعليم في الصف طريقة عصف الدماغ brain storming)) أو شحذ الذهن لتحريض المُتعلِّم على التفكير والمشاركة في إبداع الحلول في التعليم. واستخدمت طريقة عصف الدماغ في المصانع أولاً لإيجاد حلول ومقترحات جديدة لحل مشكلة ما، ولكنها تستخدم أيضاً في التعليم الجمعي في الصف عندما يسأل المُعلِّم الطلاب أسئلة من نوع (ماذا يحدث إذا) ويقترح موقفاً فرضياً أو (لماذا كانت مواقف فئة من الناس مؤيدة أو معارضة) أو (كيف ترى أن يكون الحل لمشكلة معقدة) أو (خمِّن ماذا يكون مصيرنا لو نضبت المياه، أو اشتدت الحرارة). وهذه الأسئلة تستفز العقل وتحرضه على التفكير مُتعدِّد الجوانب، ويحاول الحاضرون اقتراح حلول مناسبة، يقبلها المُعلِّم بلا سخرية، وهذا ما يُشجع المشاركين على الاستجابة الفعَّالة لاقتراح الحلول، ولو كانت غير مألوفة، فقد تكون هي المناسبة والأكثر واقعيَّة لحل المشكلة مستفيداً من أفكار الآخرين.

 

واستخدم طرائق التفكير الإبداعيَّة كثير من المربين والمُفكِّرين ومنهم: ألكس أوزبورن (A.Osborn) ودو بونو (De Bono) في طرائق التفكير الجانبية التي تقلب الأمور في أكثر من جانب ويستخدمها في الجامعات والمدارس والتعليم بالإنترنت. في عصر المعلوماتيَّة، الذي صار فيه المُتعلِّم مشاركاً في عمليَّة التعلُّم، وصار الإنسان في هذا العصر مضطراً إلى أن يتعلَّم كيف يتعلَّم، وأن يتعلَّم كيف يبحث عن المعلومات. وهذا التركيز على طريقة البحث والتعليم والتعلُّم يضطر الإنسان المعاصر إلى استخدام الطرائق جميعها والتقنيات المُتعدِّدة في التعليم والتعلُّم والبحث عن المعلومة.

 

ولما كان الإنسان يواصل التعليم، كان لابد من أن يكون تعلمه مستمراً مدى حياته للوصول إلى الأهداف بفاعليَّة عالية، وكلفة قليلة. واستناداً إلى معياري الفاعليَّة والكلفة يمكن تقويم طرائق التعليم والتعلُّم، وفق فاعليتها وكلفتها لتحقيق حاجات المُتعلِّم المتغيرة مع الزمن، وينبثق من هذه الحاجات المُتعدِّدة طرائق أخرى لا توضع في تصنيف تقليدي كما في السابق، بل في تصنيفات جديدة خاضعة للبحث والتقويم.

 

 المصدر: الموسوعة العربيَّة لتنمية الذات

 

فخر الدين القلا