صعوبات التعلُّم -العلاج

كل طفل له الحق فى التعليم الذى يتناسب مع سنه وقدراته واستعداده الطبيعي، ولذلك فإن البرامج المدرسيَّة يجب أن تعطى القالب الذى يتلاءم مع كل طفل، وأن تهدف إلى مساعدة الأطفال الذين يعانون أسباب إعاقة عامة أو خاصة على التغلُّب عليها بقدر الإمكان، ولكن ذلك غير ممكن عمليا، فضمن العائلة الواحدة من الصعب تلبية احتياجات طفلين أو ثلاثة يكون فارق السن بينهم صغيراً، كما أنه ليس في إمكان المدرسة أن تقدم برامج دراسيَّة معينة لكل تلميذ، فمعظم البرامج التربويَّة توضع وتدار نظرياً حسب المستوى العادي للأطفال في سن معينة، مما يجعل نسبة كبيرة من الأطفال تعانى من الملل والتخبط والتعثر، على الأقل في بعض المجالات في مراحل معينة من حياتهم، فالصعوبات المُتعلِّقة بعمليَّة التعليم في المدرسة لا تعزى بأية حال إلى عدم القدرة على التعلُّم فالعديد منها كان سببه (طيلة فترة مؤقتة) عدم التكافؤ بين توقعات المدرسة أو الصف، وسن الطفل واهتماماته، وعدد كبير من صعوبات التعلُّم لا يعكس مشاكل عقلانيَّة ولا علاقة لها بالمقدرة على المعرفة بل مشاكل عاطفيَّة أو اجتماعيَّة تعيق عمليَّة التعلُّم، فالطفل غير السعيد أو القلق أو المهموم لا يمكنه التعلُّم بسهولة وبلذة سواء كان شعوره بالتعاسة سببه المدرسة أو البيت، وفى بعض الأحيان يكون لبعض المشاكل الاجتماعيَّة التي تبدو صغيرة أثر كبير جداً في استيعاب الطفل دروسه.



البرنامج التعليمي الخاص

إن عمل برنامج تعليمي خاص هو الاختيار العلاجي المفيد للأطفال الذين يعانون إعاقات التعلُّم، ويجب عمل برنامج تعليمي خاص مناسب لكل طفل حسب نوع الإعاقة التعليميَّة التي يعانيها، ويكون ذلك بالتعاون بين الأخصائي النفسي والمُدرِّس والأسرة، ويجب مراجعة هذا البرنامج كل عام لكن نضع في الحسبان القدرات المناسبة الحاليَّة للطفل وصعوبات التعلُّم التي يعانيها.

  • تفهم الوالدين للمشكلة:
    يجب على الآباء إن يتفهموا طبيعة مشاكل أبنائهم وأن يساعدوا المدرسة على بناء برنامج علاجي لهؤلاء الأبناء بعيداً عن التوترات النفسيَّة. فمن الممكن لطفل يعاني صعوبات التعلُّم أن يجد صعوبة في التقاط أو إلقاء الكرة، بينما لا يجد أي صعوبة في السباحة ولذلك يجب على الآباء أن يفهموا هذه النقاط والمواضيع حتى يستطيعوا أن يُقلِّلوا معاناة وقلق الأبناء ويزيدوا في فرص النجاح لديهم وعمل الصداقات وتنمية احترام الذات.

 

  • التعاون بين المدرسة والعائلة:
    إنّ العلاج الذي يؤثر في زيادة التحصيل الدراسي في المدرسة فقط لن يكتب له النجاح، لأن إعاقات التعلُّم هي إعاقة تؤثر في الحياة ككل، ولذلك يجب أن يكون البرنامج شاملاً لكل نواحي التعلُّم.

 

  • التشخيص والتدخُّل المُبكِّر:
    يجب توخى الحذر بين التسرع في تشخيص عسر القراءة الذي يعرقل عمليَّة التعلُّم، وبين التأخر في تشخيصه، فالطفل الذي يرى أقرانه يتعلَّمون القراءة والكتابة بسهولة في حين يعجز هو عن ذلك، فإن مركزه يتقهقر في الصف، وإذا تمت مضايقته أو تعنيفه أو عومل بغطرسة بسبب غبائه أو عوقب بحجة رفضه محاولة تحسين نفسه، فإنه سيشعر بقدر كبير من الارتياح عندما يفهم هو والأشخاص المقربون له أن هناك سبباً مرضياً للصعوبات التي يتعرض لها. ومن ناحية أخرى فإن الطفل الذي تغلب بمفرده على صعوبات التعلُّم البسيطة أو الذي ترجع صعوبات التعلُّم عنده إلى وجود مشاكل اجتماعيَّة فإنه يفقد الحافز إلى التحسُّن وتهتز صورته أمام نفسه إذا تم إظهاره على أنه مصاب بعسر القراءة أمام الناس، وعلى لرغم من أن مساعدة الطفل المصاب في هذه الحالة تقع على عاتق الأخصائيين النفسيين، فإن على الآباء تحديد إلى أي مدى وصلت درجة الإعاقة، وفي أي فترة من فترات نمو الطفل بدأت تلك الإعاقة.

 

ما الهدف من البرنامج التعليمي؟

إن هدف أي برنامج تعليمي للطفل المصاب بعسر القراءة، كما هو الحال بالنسبة إلى أي طفل مصاب بعاهة، هو مساعدته لكي يواصل بقدر الإمكان التعليم الذي يتلقاه أقرانه، ومساعدته على تنمية أيَّة مواهب أو مهارات خاصة به حتى تكون هناك جوانب في حياته اليوميَّة يمكن أن يسعد لنبوغه فيها.

إن التعليم العلاجي للقراءة والكتابة والحساب هو ملزم بالتأكيد، لكن برامج المدرسة قد لا تكون مفيدة لبطيئي التعلُّم، فالطفل المصاب بعسر القراءة لا يستطيع تعلم القراءة والكتابة باستخدام الصوتيات مهما تم ذلك ببطء،  ولكل طفل على حدة وبدلاً من ذلك ، يكون عليه حفظ دروسه عن ظهر قلب، وإنهاك ذاكرته، ويجب عليه أن يتعلَّم الحروف الأبجدية، كلاً منها على حدة وبالتكرار، ويجب عليه أن يحفظ الكلمات عن ظهر قلب، مع تلقينه مجموعات من الحروف التي تكون الكلمات وتكون بسيطة جداً في تكوينها، ويجب تكرار ذلك مرات عديدة إلى أن يعرف عن ظهر قلب أن هذه الكلمة تعني (قطة)، وأنّ تلك الكلمة تعني (رجل)، بدلاً من استخدام مزيج من الذاكرة والصوتيات كما هي الحال عند معظم الأطفال الباقين.

 

إن هذا النوع من التعلُّم يجب أن يتخذ شكل التمرين، مع اختيار ما تعلمه الطفل حديثاً باستمرار، والتمرن على ما يعرفه من قبل ذلك، لأن الطفل المصاب بعسر القراءة يجد صعوبة فائقة في تذكر هذه الأشياء وهنا فإن كلمة (عمى الكلمات) التي كانت تستعمل قديما تصف هذه الحالة بدقة فمجرد حفظ كلمة، قطة، لن يجعلها تثبت في ذاكرته إلى الأبد، إلا إذا تكررت على مسامعه باستمرار.

 

 يجب ابتكار حيل لتعليمه الفرق بين الجهتين اليمنى واليسرى، لأنّ وجود شيء يذكره بالفرق بين اليمين واليسار سيساعده على استعمال الحروف التي تعلمها بالترتيب الصحيح، ومعرفة الفرق بين الأعلى والأسفل، وسيساعده كذلك على فهم الأحاديث التي تذكر فيها الاتجاهات، وفي بعض الأحيان تكون عند الطفل علامة على إحدى الجهتين من جسمه (قد تكون ندبة أو شامة) فيمكن إفهامه بأن هذه العلامة هي على الجهة اليمنى مثلاً فتكون الجهة الأخرى بذلك هي اليسرى أو العكس بالعكس، وكثيراً ما يكون وجود علامة ظاهرة مفيدة فبعض المدرسين يرسمون نجمة على اليد اليمنى لا يمكن محوها بسهولة أو يطلبون من الآباء تثبيت خيط على كل جيب أيمن وهكذا.

 

لا تقعي في الفخ وتستعملي الأحذية التي على إحدى فردتيها أيمن والأخرى أيسر، فالطفل المصاب بعسر القراءة سيخلط بينهما من حين إلى آخر، مما سيزيد في ارتباكه، فالعلامات التي يستعملها يجب أن تكون جزءاً من جسمه لكي يعرف عن طريقها مكان يده أو قدمه اليمنى، وهو ما يعرفه بقية الأطفال تلقائياً.

على الطفل أن يتعلَّم الكتابة والتهجئة، وقد يجد هنا صعوبة أكبر من تعلم القراءة فتشكيل كلماتها لن يكون مفهوماً، وقد لا يكون لديه خط مميز سهل القراءة إطلاقاً، كما ستكون تهجئته غريبة، وستنقصه دائماً (معرفة الحروف) التي نستخدمها كي نتهجى ما هو جديد أو ما نسيناه من الكلمات، فيجب على الطفل هنا أن يتعلَّم المفردات بحفظها عن ظهر قلب أو بالتدرّب عليها.

 

إذا توافرت المساعدة المناسبة للأطفال المصابين بعسر القراءة مبكراً، فإن معظمهم يصبح في إمكانه القراءة، أما الكتابة فهي ليست فقط صعبة من الناحية التقنيَّة بل تبقى وسيلة ضعيفة للاتصال، فالطفل المصاب بعسر القراءة لن يستطيع أبداً، حتى عندما يكبر، أن يعبر عن أفكاره على الورق بثقة، مهما كانت مفرداته كثيرة ومهما كان واسع الخيال ومتوقد الذكاء، لذلك فإنه في الوقت الذي يجب عليه فيه تعلم الكتابة بقدر الإمكان، يجب أيضاً فتح الباب أمامه كي يتمكَّن من الاتصال بالناس عن طريق الكلام، ففي النهاية يجب اختباره وفحصه بطرائق تتيح له الفرصة للتعبير عن نفسه بجدارة.

في إمكان الطفل تعلم استعمال الآلة الكاتبة حتى وهو في سن السادسة أو السابعة، مما سيريحه في النهاية من متاعب الكتابة، ففي بعض المدارس يمكن عمل ترتيبات للأطفال المصابين بعسر القراءة لكي يؤدوا الامتحان باستعمال الآلة الكاتبة، ويمكننا أن نتوقع قريباً استعمال معالجات الكلمات في المدارس (الكومبيوتر)، والتي في حالة برمجتها جيداً يمكن أن تصحح تهجئة الطفل المصاب بعسر القراءة.

 

اضطرابات التعلُّم -د. محمود جمال أبو العزائم

 

المصدر: الموسوعة العربيَّة لتنمية الذات