تكنولوجيا التعليم، أم تقنيات التعليم، أو تقنية التعليم؟

الاختلاف في المصطلحات والدلالات هو اختلاف أبدي، ينتج عن الاختلاف في بنية اللغة نفسها وفي اختلافات الآراء في الترجمة بين اللغات المختلفة وخاصة إن كانت تلك المصطلحات مأخوذة من اللغات الأجنبيَّة المختلفة. يتكلم الأستاذ مصطفى القايد عن هذا الموضوع.



تطوَّرت الأبحاث والدراسات في مجال تكنولوجيا التّعليم بشكلٍ كبير، إلى حدٍ جعل منه علماً أو تخصصاً قائماً بذاته بعد أن استقلّ عن مجال المناهج وطرائق التدريس الذي كان تابعاً له. وللتعبير عن هذا العلم نستخدم في عالمنا العربي ثلاثةَ مصطلحات يعدُّها أغلبية المهتمين مترادفة وهي: تقنيات التعليم، تقنية التعليم، تكنولوجيا التعليم.

وهكذا نجد المُؤسَّسات التعليميَّة في بعض الدول العربية قد أخذت بمصطلح تكنولوجيا التعليم اسماً لأقسام علميَّة أو لمُقرَّرات تربويَّة في جامعاتها ومعاهدها، والبعض الآخر قد تبنى مصطلح تقنيات التعليم مصطلحاً للأقسام والمُقرَّرات نفسها، في حين نجد مؤخراً العديد من الأكاديميين العرب المُتخصِّصين يتبنون مصطلح (تقنية التعليم).

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه المصطلحات الثلاثةَ كلها مترادفة ولا فروق فيما بينها؟ أم أنّ هناك فرقاً واضحاً في دلالات ومفاهيم هذه المصطلحات لا يليق بنا أن نخلط فيما بينها؟

هذا ما يدعونا إلى تحديد دقيق لمفاهيم هذه المصطلحات الثلاثةَ، ومن أجل الوصول إلى ذلك لا بُدَّ من إدراك المعنى الحقيقي لكل مصطلح بعد تفكيك عناصره لتوضيح مدى الترادف أو التداخل أو الاختلاف الجوهري بين هذه المصطلحات.

دعونا أولاً نحدد معنى الكلمتين المحوريتين: تقنية وجمعها تقنيات، وتكنولوجيا وجمعها تكنولوجيات.

 

التقنية والتكنولوجيا. أي فرق؟

كلمة "تقنية" نجدها في المعاجم العربية تعني أسلوب إنجاز العمل، والتقنيات هي جملة الوسائل والأساليب والطرائق… لهذا نجدها في استخداماتها اللغوية الجارية ترجمة لكلمة إنجليزيَّة هي (Technique). كما أن معاجم عربية أخرى تُعَدُّ كلمة "تقنية" ترجمة للكلمة الإنجليزيَّة (Technology) التي تعني حصيلة المعرفة العلميَّة المُتعلِّقة بالإنتاج. فهل يُعقل أن تكون كلمة عربية واحدة ترجمة لكلمتين أجنبيتين مختلفتين في المعنى؟ أم أنّ الصحيح هو أن نقابل كلمة (Technique) بالكلمة المترجمة "تقنية" ونقابل كلمة ((Technology بالكلمة المعربة "تكنولوجيا"؟

لذلك نجد الأدبيات التربويَّة العربية تختلف حول استخدام كلمة Technology)) بترجمتها إلى "تقنية" أو تعريبها إلى "تكنولوجيا"، فنتج عن هذا توجهاتٍ ثلاثة: التوجه الأول يؤيد استخدام كلمة تكنولوجيا، والتوجه الثاني يدافع عن استخدام كلمة تقنية أو جمعها (تقنيات) أمّا التوجه الثالث فلا يرى فرقاً بين الكلمتين فيقوم باستخدامهما معاً (تكنولوجيا وتقنية) لكونهما مترادفتين في معناهما الاصطلاحي على الرغم ممّا تحملانه من فروقات في معنيهما اللغويين.

 

دعونا نتعرف أكثر على معنى الكلمتين والفرق بينهما

كلمة تكنولوجيا في الأصل كلمة يونانية مشتقة من كلمتين: تكنو (Techno) بمعنى حرفة أو صنعة و (لوجي Logy) بمعنى فن أو علم، ومن هنا يتضح لنا أن معنى هذه الكلمة المركبة هو فن الحرفة أو علم الحرفة أو فن الصّنعة، ويتضح لنا من هذا المعنى أنّ كلمة تكنولوجيا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلم التطبيقي التقني. فكلمة تكنولوجيا إذاً هي الاستفادة من نظريات ونتائج البحوث في مجالات العلوم المختلفة من أجل أغراض عمليَّة لخدمة البشريَّة.

أما كلمة "تقنية (technique)" فتحمل معنى الأسلوب أو الطريقة المُنتهجة لفعل شيءٍ أو القيام بنشاط، فمثلاً نجد أنّ فعل الشيء نفسه بشكلٍ مختلف يسمى تقنية، مثل اللاعبين الذين تختلف تقنيات لعبهم والمُعلِّمين الذين تختلف تقنيات تعليمهم، لذلك تشير كلمة تقنية إلى أساليب التطبيق.

ومن تعاريفها كذلك: تطبيق الأدوات وإدخال الآلات والمواد والعمليات التلقائية والتي تساعد على حل المشاكل البشريَّة الناتجة عن الخطأ البشري، أي أنّها استعمال الأدوات والقدرات المتاحة لزيادة إنتاجيَّة الإنسان وتحسين أدائه ودقته.

لذلك فإنّ استخدام كلمة التقنية مرادفة لكلمة (Technology) هي ترجمة غير دقيقة، لأنّالتقنية معناها أقرب ما يكون إلى إتقان التطبيق عملياً وليس علمياً، في حين أنَّ كلمة تكنولوجيا هي الكلمة التي تستخدم للإشارة إلى المبادئ العلميَّة والعمليات المعقدة التي تهدف إلى تطوير التطبيق بشكلٍ مستمر. إذاً التقنية لا تصلح ترجمة لكلمة (Technology)، اللهم إذا ترجمت بعبارة "علم التقنية" ويا ليت العرب اتفقوا على استخدام كلمة تكنولوجيا فقط للدلالة على هذا العلم، أمّا التقنية وحدها فليست بالضرورة علماً لأنّها يمكن أن تكون معبّرة عن مهارات شخصيَّة أو وسائل ماديَّة.

 

معنى تكنولوجيا التعليم

دعونا نتعرف معنى تكنولوجيا التعليم حسب تعريف اليونسكو: تكنولوجيا التعليم هي منحنى نظامي لتصميم العمليَّة التعليميَّة وتنفيذها وتقويمها كلها تبعاً لأهدافٍ مُحدَّدةٍ نابعةٍ من نتائج الأبحاث في مجال التعليم والاتصال البشري مُستخدَمة الموارد البشريَّة وغير البشريَّة من أجل إكساب التعليم مزيدًا من الفعاليَّة (أو الوصول إلى تعلم أفضل وأكثر فعاليَّة).

إذاً مفهوم تكنولوجيا التعليم لا يقتصر على مجرد استخدام معدّاتٍ وأجهزةٍ وتقنياتٍ ذات إمكانيات تعليميَّة مُتعدِّدة ومُتنوِّعة، وإنّما يتسع المفهوم ليشمل توظيف القدرات العقلية، وتطبيق فكر النظم system thinking)) في عمليات تصميم البرامج التعليميَّة وتطبيقها وتقويمها وتطويرها. من ذلك نخلص إلى أن تكنولوجيا التعليم عمليَّة معقدة ومركبة ومتشابكة، فهي تضم الأفراد والإجراءات والأفكار والوسائل وأساليب العمل والتنظيمات وذلك لحل المشكلات والابتكار وتطبيق وتقويم واقتراح أفضل الحلول للمشكلات التعليميَّة. بهذا لا ينظر إلى تكنولوجيا التعليم على أنّها برامج فقط أو أنّها أجهزة ماديَّة فقط بل هي النظريَّة والتطبيق في ممارسة وتصميم واستخدام وتطوير وإدارة عمليات ومصادر عمليَّة التعليم والتعلم.

 

تقنية التعليم أم تكنولوجيا التعليم؟

انطلاقاً مما ذكرناه سابقاً في اختلاف الأدبيات التربويَّة حول كلمتي تقنية وتكنولوجيا، نجد أنّ التوجه العام يذهب إلى عَدِّ تقنية التعليم وتقنيات التعليم وتكنولوجيا التعليم مصطلحات مترادفة لا فرق بينها في معناها العام، في حين نجد من يفرق بينها ويُحدِّد معنى خاصا لكل واحدةٍ منها.

ويتّضح لنا الفرق أكثر على ضوء ما عرفناه من اختلاف بين معنيي التقنية والتكنولوجيا، فإذا كانت تكنولوجيا التعليم هي التطبيق النظمي لمبادئ ونظريات التعليم عملياً في الواقع الفعلي لميدان التعليم، فإنّ تقنيات التعليم يمكن عدُّها بديلاً للوسائل التعليميَّة وهي ترتبط فقط بالجانب المادي (التطبيقي) لمنظومة تكنولوجيا التعليم.

وفي هذا الإطار يؤكد عبد العظيم الفرجاني على الفرق بين تكنولوجيا التعليم وتقنيات التعليم بقوله: (إنّ مفهوم التكنولوجيا بأطرافها الثلاثة: الإنسان والمادة والأداة، هي عمليَّة التفاعل بين هذه الأطراف للوصول إلى تطبيق فعَّال، هذا المفهوم الذي هدفه تجويد التطبيق لا يتم إلّا بعد التخطيط ثم تقويم التطبيق في عمليَّة كاملة، وهذا المفهوم أوسع مما تدل عليه كلمة تقنيات التي ترمي إلى إتقان التطبيق فقط). وهكذا فإنّاصطلاح تكنولوجيا التعليم هو ما نجده ملائماً في الوقت الحاضر حتى نصل إلى مرحلةٍ أخرى من التطوُّر.

وإذا عدَدنا كلمة "تقنيات" لها المعنى نفسه لكلمة "تقنية" لأنّ الكلمتين لا يفرقهما سوى صيغتا الإفراد والجمع، فإنّ استخدام المصطلحين "تقنيات التعليم" و"تقنية التعليم" لا يطرح أي اختلاف بينهما، غير أنّ الدكتور بدر الصالح يوضح لنا الاختلاف في إحدى تغريداته قائلا: تقنيات التعليم هي مصادر أو وسائل للتعليم بينما تكنولوجيا أو تقنية التعليم هي العمليَّة المُنظَّمة لتصميم خبرات التعلُّم أو التدريب. إذاً فالدكتور الفاضل يفرق بين تقنيات التعليم وتقنية التعليم ولا يرى فرقاً بين تقنية التعليم وتكنولوجيا التعليم.

وكخلاصة عامة لكل ما ذكر في هذا الموضوع، نقول إنّ مفهوم تقنيات التعليم لا يتجاوز الحدود الضيقة التي تقتصر على أساليب التطبيق مثل: تقنية الآلات من أدوات سمعيَّةٍ وبصريةٍ وأجهزةٍ حديثة كالحاسب الآلي والسبورة الذكية وغيرها. في حين أنّ مفهوم تكنولوجيا التعليم يتجاوز هذا المفهوم بل ويسبقه بمراحل عدة فهو عمليَّة متكاملة تقوم على تطبيق هيكل من العلوم والمعرفة عن التعلُّم الإنساني واستخدام مصادر تعلم بشريَّة وغير بشريَّة تُؤكِّد نشاط المُتعلِّم وفرديته بمنهجية أسلوب المنظومات لتحقيق الأهداف التعليميَّة والتوصُّل إلى تعلُّم أكثر فعاليَّة.

فلا تسامح إذاً في الخلط بين تقنيات التعليم وتكنولوجيا التعليم وعدّهما مرادفين للمجال نفسه، في حين يجوز عدُّ تقنية التعليم مرادفاً لتكنولوجيا التعليم إذا وفقط إذا عدَدنا كلمة "تقنية" ترجمة عربية لكلمة ((Technologyعلى الرّغم من أنّ هذه الترجمة ليست دقيقة.

 

المصدر

بدأ السيد مصطفى مقالته بالتعريف الابتدائي للمصطلحات المروجة وبيّن فيها الاختلافات الجوهرية من حيث المعاني والدلالات، وأكّد في مقالته على الاختلاف الكبير بين مفاهيم ومعاني تقنية التعليم وتكنولوجيا التعليم، حيث انتهى إلى خاتمة مفادها ألَّا "تسامح إذاً في الخلط بين تقنيات التعليم وتكنولوجيا التعليم" حيث كانت مقالته موفقة من حيث الكلمات والمبنى وإيصال المعلومة المراد إيصالها.