تقنيات التعليم

شهد القرن العشرون ثورة علميَّة ومعرفيَّة هائلة لم يسبق لها نظير، شملت مختلف ميادين العلوم الإنسانيَّة والطبيعيَّة والتطبيقيَّة، وشهد مولد ميادين علميَّة جديدة لم تكن معروفة من قبل، ولم تكن التربية بمنأى عن هذا التطوُّر، بل كانت من أكثر الميادين تأثراً وتأثيراً به، إذ ظهرت العديد من النظريات والاتجاهات التربويَّة التي سعت إلى استيعاب الحجم الهائل من العلوم، والحفاظ على هذا التراث الإنساني من خلال نقله للأجيال المتتالية، لتطويره من ناحية ووضعه موضع التطبيق من ناحية أخرى، وعملت لتحقيق ذلك على الاستفادة من كل ما أنتجه العلم من نظريات وتطبيقات.



وحرص التربويون في فترةٍ مبكرةٍ على توظيف تقنيات الاتصال المختلفة التي بدأت تظهر هنا وهناك في خدمة العمليَّة التعليميَّة. فبدأ الاهتمام بوسائل العرض المرئيَّة، وبعدها المسموعة، وظهرت الوسائل السمعيَّة والبصريَّة كميدانٍ تربويٍّ جديد، ثم بدأ يظهر في الأدب التربوي مصطلح تقنيات التعليم، وتحول الاهتمام من مجرد استخدام الوسائل السمعيَّة البصريَّة إلى دراسة عمليَّة الاتصال بين المرسل والمستقبل في الموقف التعليمي، وإعداد الرسالة التعليميَّة واستخدام قنوات الاتصال المناسبة.

وفي مرحلةٍ حدث تطور آخر في مجال تقنيات التعليم نحو الاهتمام بالبيئة التعليميَّة كاملة، المعنويَّة والماديَّة، وتصميم الموقف التعليمي بجميع مدخلاته وعملياته ومخرجاته، وأصبح مفهوم النظام، والأسلوب النظامي، مضامين جوهريةً في مفهوم تقنيات التعليم، وأصبحت الوسائل التعليميَّة جزءاً من منظومةٍ شاملةٍ تضم الإنسان والأفكار والأساليب والأدوات والإدارة وجميع ما يؤثر في الموقف التعليمي.

لقد تطوَّر مفهوم تقنيات التعليم نتيجةً لدراساتٍ عديدة واعتماداً على نظريات تربويَّة حديثة، خلصت بعمومها إلى قصور المفهوم المرتبط بالأجهزة والأدوات عن تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الميدان المهم، وهذه حقيقة يدركها كل من ينظر إلى الأجهزة التعليميَّة المكدسة في المدارس والمُؤسَّسات التربويَّة.

لقد أحدثت التطوُّرات التقنيَّة الأخيرة، تغييراً في كثير من المفاهيم التربويَّة السائدة، طالت النظم الإداريَّة، وبناء المناهج الدراسيَّة، والبرامج التدريبيَّة، بل ظهر من ينادي بمراجعة الشكل القائم للمدرسة، ومن يجادل بضرورة وجودها، في ظل وجود طرائق المعلومات السريعة، ونظم الاتصال عبر الأقمار الصناعيَّة، والملتيميديا، والهايبرميديا، والصفوف والمعامل الافتراضية، وما إلى ذلك من مفاهيم تقنيَّة جديدة.

 

مفهوم تقنيات التعليم ومراحل تطوُّره

يرتبط المفهوم الشائع لتقنيات التعليم بالأجهزة والآلات، وأول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن تقنيات التعليم، معارضُ الوسائل التعليميَّة في المدارس، وتصوير النشاطات التربويَّة، وتشغيل وحدة الصوت في اللقاءات العامة، وعند الحديث عن الإنجازات في مجال تقنيات التعلُّم، فسرعان ما يبدأ الحديث عن عدد الأجهزة المتوافرة في المدارس، وشبكات الحاسب والملتيميديا والإنترنت.

لقد كان هذا الفهم لتقنيات التعليم مقبولاً في بدايات تشكُل هذا المجال، إذ انه جاء انعكاساً لحركةٍ جديدةٍ في العشرينيات اهتمت بإدخال التقنيات السمعيَّة البصريَّة في عمليَّة التعليم، وكان هذا المفهوم مرادفاً لعبارة "التدريس بوساطة المعينات السمعيَّة البصريَّة".

ولكن هذا المجال سرعان ما بدأ يتطوَّر، ويوظف الاتجاهات التربويَّة المتوالية، ونظريات التعلُّم، وعلم نفس التعلُّم، في طرائق التدريس باستخدام الوسائل التعليميَّة، إلى أن وصل مصطلح تقنيات التعليم إلى مفهوم أكثر شمولاً وتعقيداً كما سيتضح.

هذا الخطأ الشائع في النظر لتقنيات التعليم قد يرجع إلى أن التقنيَّة بالنسبة إلى الكثيرين تعني الآلات والأدوات الإلكترونيَّة التي تمثل الجوانب الملموسة من التقنيَّة التي تستخدم في مناحي الحياة اليوميَّة، وتغيب عن الذهن في حمى الانبهار التقني، الجوانبُ غير الملموسة في التقنيَّة، وهي العمليات والنظم والمهام المعقدة التي ينبغي تخطيطها، وإدارتها، وتقويمها، للحصول على المنتجات المرغوب فيها، ومن هنا تأتي أهمية تعريف التقنيَّة بأنها "التطبيق المنظم للمعرفة العلميَّة"، ليُؤكِّد على أن الآلة تعتمد على الأسلوب (النظام أو العمليَّة أو الطريقة) وهي تُعَدُّ جزءاً بسيطاً من هذا الميدان الواسع.

فتقنيات التعليم تشمل إذاً الجانبين النظري والتطبيقي، إذ إنّها تقدم إطاراً معرفياً لدعم التطبيق، وتوفر قاعدة معرفيَّة حول كيفيَّة التعرُّف على المشكلات التعليميَّة وحلها، ويعتمد ميدان تقنيات التعليم على كل ما تنتجه حقول المعرفة المختلفة، التربويَّة بشكلٍ خاص، والعلوم النظريَّة والتطبيقيَّة بشكلٍ عام، في بناء مجال معرفي يُعنى بتصميم العمليَّة التعليميَّة وتطويرها وتنفيذها وتقويمها، ولذلك فقد عُرفت تقنيات التعليم بأنها عمليَّة منهجيَّة مُنظَّمة في تصميم عمليَّة التعليم، والتعلُّم، وتنفيذها وتقويمها، في ضوء أهداف مُحدَّدة تقوم أساساً على نتائج البحوث في مجالات المعرفة المختلفة، وتستخدم جميع الموارد المتاحة البشريَّة، وغير البشريَّة، للوصول إلى تعلم أكثر فاعليَّة وكفاءة.

وفي هذا الإطار يتجاوز المفهوم الحديث التقنيات التعليم "الرقع المحدودة من الوسائل السمعيَّة والبصريَّة التي ندخلها على نظام تربوي تقليدي" ويتجاوز "البعثرة والهدر" في المصادر التعليميَّة، يتجاوز ذلك كله إلى "التطبيق المنهجي المنظم لكل حصاد المعرفة العلميَّة والتقنيَّة على عمليَّة اكتساب المعارف واستخدامها".

ولذلك فإن تقنيات التعليم علمٌ مُتجدِّد لا يقف عند حدود استخدام الأجهزة التعليميَّة وصيانتها، بل إنه يتأثر بالتغيُّرات النظريَّة التي تواجه المجال وتطبيقاته، ولهذا كان التطوُّر في مجال تقنيات التعليم موازياً للتطوُّرات في النظريات ذات العلاقة، والمتتبع للتغيُّرات التي طرأت على تعريفات المجال منذ العشرينيات، وحتى الآن يلحظ كيف تأثر المجال بالتحوُّلات النظريَّة من مدرسة علم النفس السلوكيَّة إلى المدرسة الإدراكيَّة إلى المدرسة البنيوية.

 

مراحل تطوُّر مفهوم تقنيات التعليم (HR)

مرّ تطوُّر مفهوم تقنيات التعليم بعدة مراحل إلى أن وصل إلى تعريفه الحالي، هذه المراحل التطوُّريَّة كان أولها حركة التعليم البصري، ثم حركة التعليم السمعي، ثم جاء بعد ذلك مفهوم الاتصال، ثم مفاهيم النظم، وصولاً إلى المفهوم الحالي الذي أقرته جمعيَّة الاتصالات والتكنولوجيا التربويَّة الأمريكيَّة (AECT).

ويمكن إيجاز مراحل تطور مفهوم تقنيات التعليم على النحو الآتي:

 

أولاً: حركة التعليم البصري:

في هذه المرحلة كان ينظر إلى تقنيات التعليم على أنها أيَّة أداة سواءً كانت صورةً أم نموذجاً أو سواهما تقدم للمُتعلِّم خبرةً مرئيَّة محسوسةً بهدف تحقيق الأهداف التعليميَّة.

 

الثانية: حركة التعليم السمعي البصريَّة:

اعتبرت تقنيات التعليم في هذه المرحلة من مراحل التطوُّر مجموعة من الأدوات والأجهزة التي تستخدم لنقل المعرفة والخبرات والأفكار من خلال حاستي السمع والإبصار، أي أن هذه المرحلة أضافت فقط عنصر الصوت إلى المرحلة السابقة إلا أن المفاهيم الأوليَّة النظريَّة لكل من مفهومي الاتصال ومفهوم النظم كانت قد ظهرت في نهاية هذه المرحلة.

 

الثالثة: مفهوم الاتصال:

ينظر إلى مفهوم الاتصال بوصفه مرحلة من مراحل تطور مفهوم تقنيات التعليم، على أنه عمليَّة ديناميكيَّة يتم التفاعل فيها بين المرسل والمستقبل داخل مجال المعرفة الصفيَّة، وأضيف إلى هذا المفهوم، مفهومُ العمليات، وبذلك أصبح الاهتمام بطرائق التعليم أكثر من الاهتمام بالمواد والأجهزة التي اقتصرت عليها المرحلة السابقة (حركة التعليم السمعي البصري) إذ أضاف مفهوم الاتصال تغييراً في الإطار النظري لمجال تقنيات التعليم، فبدلاً من التركيز على الأشياء الموجودة في المجال، صار التركيز على العمليَّة الكاملة التي يتم عن طريقها توصيل المعلومات من المصدر أي المرسل، سواء كان المُعلِّم، أو بعض المواد والأجهزة، إلى المستقبل (المُتعلِّم).

 

الرابعة: مفهوم النظم:

النظام مجموعة من المُكوَّنات المرتبة والمُنظَّمة التي تعمل معاً لتحقيق هدف مشترك، ينظر هذا إلى المفهوم لمجال تقنيات التعليم على أنه نظامٌ تعليميٌّ متكامل، وأن المواد التعليميَّة هي مُكوَّنات للنظام التعليمي وليست معينات منفصلة أو مواد تعليميَّة مستقلة.

وارتبط مفهوم النظم بمصطلحٍ آخر هو عمليَّة تحليل النظم، وهي عمليَّة تهتم بكيفيَّة تنظيم المعرفة والمهارات، و بتحليل المهارات المعقدة والأفكار إلى أجزائها ومُكوَّناتها بحيث يمكن تدريسها متسلسلة متتابعة.

 

الخامسة: العلوم السلوكيَّة:

قدمت الأهداف السلوكيَّة مفهوماً جديداً لتقنيات التعلُّم، ركَّزَ على سلوك المُتعلِّم والظروف التي يحدث في ظلها التعلُّم، حيث تحول النظر إلى مفهوم تقنيات التعليم في هذه المرحلة من مراحل التطوُّر من المثيرات إلى السلوك المعزز، فهذه المرحلة تُؤكِّد ضرورة استخدام الأدوات لمساعدة المُعلِّم على التعزيز بدلاً من العرض، حيث ينظر إلى المُعلِّم بوضعه الحالي على أنه غير قادر على تحقيق هذا التعزيز بنفسه.

 

السادسة: المفهوم الحالي لتقنيات التعليم:

إنّ مصطلح تقنيات التعليم هو آخر المراحل التطوُّريَّة السابقة، وقد حددت له العديد من التعريفات من الجمعيات والمُؤسَّسات التربويَّة والندوات والمؤتمرات في المجال، كذلك من المختصين بالميدان، وكان لكل منهم إسهامه، إلَّا أن جمعيَّة الاتصالات والتكنولوجيا التربويَّة الأمريكيَّة (AECT) حددت مفهوم تقنيات التعليم في تعريفها الأخير عام 1994 بأنها "النظريَّة والتطبيق في تصميم العمليات والمصادر وتطويرها واستخدامها وإدارتها وتقويمها من أجل التعلُّم".

 

مفهوم الوسائل:

يغلب على تفكير بعض المشتغلين في حقل التربية والتعليم أن الوسائل التعليميَّة (Instructional Aids) وتقنيات التعليم (Instructional Technology) مصطلحان للشيء ذاته وواقع الأمر أن الوسائل التعليميَّة ليست إلا جزءاً من تقنيات التعليم.

 

فتقنيات التعليم، كما سبق توضيحه هي عمليَّة مُنظَّمة في إطار مفهوم النظم، تقوم على التخطيط وتستخدم أساليب علميَّة لدراسة المشكلات والحاجات التعليميَّة بهدف إيجاد حلولٌ مناسبة، وكذلك تقويم ما تتوصل إليه من حلول أو نتائج،  وفي هذا السياق يجب التأكيد على أنها الطرائق العلميَّة الواضحة التي يستخدمها المُعلِّم للقيام بواجبه المهني على نحو أفضل. ومن خلال اعتماده على أهداف تربويَّة تعليميَّة مُحدَّدة ثم تحليله لمحتويات المادة وتوزيع ذلك في كراسة التحضير. ثم اختياره لأسلوب التدريس واختياره للوسيلة المناسبة وللجهاز المناسب أو المادة المناسبة، واستخدامها الاستخدام الأمثل في الصف، ومناقشة طلبته في الصف وتقويمهم.

 

في حين أنّ الوسائل التعليميَّة "عنصرٌ من عناصر نظامٍ شاملٍ لتحقيق أهداف الدرس وحل المشكلات التعليميَّة في موقفٍ تعليميٍّ معين، ويعرف كيندر (Kinder) الوسائل التعليميَّة بأنّها تلك الأدوات والطرائق التي يستخدمها المُعلِّم خلال المواقف التعليميَّة مع مراعاة أنّها وسائل وليست غاياتٍ أو خبراتٍ للمُتعلِّم في ذاتها، كما أنها تتضمَّن جميع الأدوات والطرائق التي تستخدمها الحواس مجتمعة أو بعضها بما في ذلك حواس الشم واللمس والذوق، والوسائل التعليميَّة هي "تلك المواد التي لا تعتمد القراءة بل تعتمد استخدام الألفاظ والرموز لنقل معانيها وفهمها وهي مواد يمكن بواساطتها الزيادة في جودة التدريس وتزويد التلاميذ بخبرات تعليميَّة طويلة الأمد".

 

اتجاهات حديثة في مجال تقنيات التعليم

شهدت العقود الأخيرة من هذا القرن الميلادي تطورات تقنيَّة عديدة ناتجة عن التقدُّم العلمي الكبير، وكانت محصلتها ظهور بعض الأدوات التقنيَّة المُتطوِّرة في كافة مجالات العلم مثل الحاسوب والأقمار الصناعيَّة، وكان من الطبيعي أن تحاول التربية استثمار تلك المستحدثات التكنولوجيَّة من أجل تطوير التعليم وتحقيق الأهداف التربويَّة المعاصرة، وأن تغير المفاهيم والأدوار الراسخة بما ينسجم وهذه التطوُّرات.

فقد تغيَّر دور المُعلِّم بصورة واضحة وأصبحت كلمة مُعلِّم / مُدرِّس بمعناها القديم لا تعبر عن مهامه الجديدة وظهرت في الأدبيات الحديثة كلمة مسهل (facilitator) لوصف مهام المُعلِّم على أساس أنه الذي يسهل عمليَّة التعلُّم لطلابه فهو يصمم بيئة التعلُّم ويشخص مستويات طلابه ويصف لهم ما يناسبهم من المواد التعليميَّة ويتابع تقدمهم ويرشدهم ويوجههم حتى تتحقق الأهداف المنشودة.

كما تغيَّر دور المُتعلِّم نتيجة لظهور المستحدثات التكنولوجيا وتوظيفها في مجال التعليم، فلم يعد متلقيا سلبياً حيث ألقيت على عاتقة مسؤولية التعلُّم، مما استلزم أن يكون نشطا في أثناء موقف التعلُّم ويبحث وينقب ويتعامل بنفسه مع المواد التعليميَّة المطبوعة وغير المطبوعة ويتفاعل معها.

ولقد تأثرت المناهج الدراسيَّة أيضاً بظهور المستحدثات التكنولوجيا، وشمل التأثير أهداف هذه المناهج ومحتواها وأنشطتها وطرائق عرضها وتقديمها وأساليب تقويمها، ولقد أصبح إكساب الطلاب مهارات التعلُّم الذاتي وغرس حب المعرفة وتحصيلها في عصر الانفجار المعرفي من الأهداف الرئيسة للمنهج الدراسي، وتمركزت الممارسات التعليميَّة حول فرديَّة المواقف التعليميَّة، وزادت درجة الحرية المعطاة للطلاب في مواقف التعلُّم مع زيادة الخيارات والبدائل التعليميَّة المتاحة أمامهم.

 

ولقد تأثرت أيضاً معايير الجودة التعليميَّة بظهور المستحدثات التكنولوجية، وأصبح الإتقان هو المعيار الأول لنظم التعليم.

وبالإضافة إلى ما تقدم فلقد أدى ظهور المستحدثات التكنولوجية إلى ظهور مفاهيم جديدة في ميدان التعليم ارتبطت بالمستوى الإجرائي التنفيذي للممارسات التعليميَّة بصفة خاصة فبدأنا نسمع عن التعليم المفرد، والتعليم المصغر، والحقائب التعليميَّة، والتعليم بمساعدة الكمبيوتر، وتكنولوجيا الوسائط المُتعدِّدة، والإنترنت، ومركز مصادر التعلُّم، والمكتبة الإلكترونيَّة، كما بدأنا نسمع عن مفاهيم التعلُّم عن بعد، والتدريب عن بعد، والمؤتمرات بالفيديو، والمؤتمرات بالكمبيوتر في مجال التعليم.

 

الحقائب التعليميَّة:

الحقيبة التعليميَّة هي برنامج أو نظامٌ تعليميٌ له القدرة على تطوير أحداثٍ تعليميَّة بالاشتراك مع المُتعلِّم بما يجعل التعلُّم بواساطتها يتم بصورة متسلسلة ومندرجة في خطوات متتابعة وهي حشد لأكبر حجم مُكوَّنات وشروط وتسهيلات، وشروط تعلم وهي بيئة تعلم مصغرة ومحكمة وتتمتَّع بقوة تعلم هائلة نظرا لما تحتويه من مواد وبدائل وصيغ وتقنيات وخيارات مجزية لحفز فاعليَّة المُتعلِّم أو المُتدرِّب إلى الحصول على الخبرات التعليميَّة اللازمة لتحقيق الأهداف المُحدَّدة كما أنها تتمتَّع بكفاءة عالية في التعامل على الرّغم ممّا بين المُتعلِّمين من فروق فرديَّة.

 

الحاسوب في التعليم

عندما يستخدم الحاسوب بوصفه وسيلة مساعدة في التعليم فهو يقوم بدور المُعلِّم في تقديم التمرين وتصحيحه، أو يقدم برنامجاً ريادياً يتنقّل المُتعلِّم خطوة خطوة ليصل به إلى فهم الفكرة أو الموضوع.

ومن أنماط استخدام الحاسوب كأداة مساعدة في التعليم: الشرح والإلقاء (Tutorial) والتدريب والممارسة (Drill And Practice)، والمحاكاة ((Simulation وحل المسائل (Problem Solving) والبرمجة (Programming) والألعاب التعليميَّة من خلال الحاسوب (Games).

وقد أثبتت العديد من الدراسات فاعليَّة الحاسوب بوصفه وسيلة تعليميَّة في المواد الدراسيَّة المختلفة، إضافة إلى فاعليته في تنمية كثير من القدرات العقليَّة وتنمية المهارات، وتقليل الوقوع في الأخطاء وتحسين الاتجاهات العلميَّة لدى الطلاب على المستويات التعليميَّة المختلفة:

بيد أن هناك نواحي سلبيَّة كثيرة لاستخدام الحاسوب في التعليم من أهمها: التكلفة العالية للحواسيب وبرامجها بما لا يتلاءم مع إمكانات مُؤسَّسات تعليميَّة كثيرة حول العالم، وندرة البرامج التعليميَّة الجيدة، وقلة الاختصاصين في البرمجة لأغراض تعليميَّة، وعدم دراية الكثير من المُعلِّمين بتقنيات استخدامه أو كيفيَّة توظيفه بوصفه وسيلة تعليميَّة بطريقة فعَّالة وكذلك يرى الكثير من التربويين أنه قد يلغي دور المُعلِّم في التعليم.

وتتمحور معظم الاتجاهات الحديثة في مجال تقنيات التعليم حول تطبيقات الحاسوب ومنها ما يأتي:

 

التعليم عبر الإنترنت

مع تزايد الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت العالميَّة، ظهرت العديد من المواقع التي تقدم خدمات تعليميَّة مُتنوِّعة في فروع العلم المختلفة مثل الرياضيات والعلوم واللغات والتاريخ والجغرافيا والحاسوب وغيرها.

 

وتتميَّز معظم هذه المواقع بالتفاعليَّة بين البرنامج والمُتعلِّم، إضافة إلى احتوائها على الصوت والرسوم والصور والفيديو مما يجعلها مصادر غنية بالمعلومات. بل وتتيح بعض هذه المواقع إمكانيَّة الاتصال المباشر بين مجموعة من المُتعلِّمين في مواقع مختلفة من العالم ومُعلِّميهم فيما يعرف بالصفوف الافتراضية (Virtual Classrooms) حيث يمكن للمُعلِّم أن يلقي محاضرته على الطلاب بشكل مباشر.

 

الوسائط المُتعدِّدة التفاعليَّةInteractive Multimedia) )

ويقصد بهذا المصطلح استخدام العديد من الوسائل المُتنوِّعة مثل: النصوص المكتوبة (Text) والرسومات (Graphics) والصوت (Sound) والصور المُتحرِّكة (Animation) وصور الفيديو (Video) وذلك بطريقة تكاملية لإبراز موضوع معين يحقق التفاعليَّة بين الحاسوب والمُتعلِّم لتعزيز عمليَّة التعليم.

 

الهيبرميديا:

وهذا المصطلح يعبر عن ظاهرة تقنيَّة جديدة تسمح للمُتعلِّم بالتحكُّم والاقتراب من العديد من الوسائل بوساطة الحاسوب، وتزوِّد المُتعلِّم ببيئة تعليميَّة مشبعة بالوسائط التعليميَّة التي تساعد على توحيد أشكال المعلومات من مصادر مُتنوِّعة في نظام واحد، وهو ذلك النظام الذي يمكن التحكُّم فيه بوساطة الحاسوب ويتضمَّن هذا النظام العديد من الوسائط مثل الصور المُتحرِّكة، ومقاطع من أشرطة الفيديو والتسجيلات الصوتية والبيانات الرقميَّة والأفلام والصور الفوتوغرافية والموسيقى، بالإضافة إلى النص وذلك بغية مساعدة المُتعلِّم على إنجاز الأهداف المتوقعة منه عندما يتوصل إلى المعلومات التي يحتاج إليها من خلال التدرّب الذاتي.

 

وعلى الرّغم من أوجه التشابه الكبيرة بين مفهوم كل من مصطلح الوسائط المُتعدِّدة و(الهيبرميديا) إلا أن المختصين جعلوا لكل منهما مصطلحاً منفرداً بناء على طريقة البرمجة، فبرامج (الهيبرميديا) تعتمد على البرمجة المتشعبة للبرنامج بحيث تحدث دائماً عمليَّة إثراء لمعلومات المُتعلِّم وإعطاءه معلومات إضافية عن المصادر المختلفة المرتبطة عبر الحاسوب يرجع إليها كلما احتاج إلى ذلك. أما الوسائط المُتعدِّدة فليس بالضرورة أن تقوم على البرمجة المتشعبة بل تستخدم البرمجة الخطية.

 

البريد الإلكتروني (Electronic Mail)

يتيح البريد الإلكتروني الفرصة لكل من المُتعلِّم والمُعلِّم إمكانيَّة إرسال رسائل مكتوبة أحدهما إلى الآخر باستخدام أجهزة الحاسوب المتصلة بعضها بخطوط هاتفية.

 

نظام البث عبر الأقمار الصناعيَّة

إن الاتصال عبر الأقمار الصناعيَّة يحمل الآن معظم المكالمات الهاتفية الدوليَّة بالإضافة إلي البث التلفازي، والبث لشبكة الإنترنت ولحسن الحظ فإن الأقمار الصناعيَّة موضوعة في مدار حول الأرض، وتسير بسرعة دوران الأرض، وبالاتجاه نفسه، وبمحافظتها على سرعة دوران الأرض نفسها فإنها تبدو وكأنها محطة بث ثابتة فوق نقطة معنية على الأرض وتتواجد على بعد حوالي (23) ألف ميل من سطح الأرض ويتكشف لها حوالي نصف سطح الكرة الأرضية في أن واحد ونظرياً يمكن القول بأن وجود ثلاثة أقمار صناعيَّة من هذا النوع يمكن أن يغطي الكرة الأرضية كافة وحيث أن كميَّة الاتصالات في تزايد وتضخم مستمرين، فإنه يوجد عادة عشرات الأقمار الصناعيَّة العاملة باستمرار، وفي أي وقت ولأغراض مختلفة.

 

إنّ الاتجاه في السنوات الأخيرة يتمثل في تصميم أقمار صناعيَّة أكبر حجماً وأكبر تعقيداً للزيادة في القوة الإرسالية لهذه الأقمار، وقد نجم من ذلك أن معدات الاستقبال على الأرض اللواقط (الستالايت) أصبحت أصغر وأقل تعقيداً يوماً بعد يوم. ولآن فإنه يمكن استقبال، موجات القمر الصناعي من خلال صحنٍ في بيوتنا لا يزيد قطرهُ عن ثلاثة أقدام. ويمكننا عن طريق الأقمار الصناعيَّة توجيه برامج تعليميَّة جيدة وبتكاليف ضئيلة نحو المدارس الريفية الكثيرة، والمبعثرة في أماكن عدة شائعة وتعد الأقمار الصناعيَّة أحد أهم الاتجاهات الحديثة في التعليم عن بعد، حيث أدى انخفاض تكاليف الإطلاق والتشغيل إلى زيادة في انتشارها ولتوسيع في استخدامها فظهرت بقنوات الفضائية التعليميَّة المُتخصِّصة، بعضها يقدم منهجا متكاملاَ ويحصل المُتعلِّم في نهاية البرنامج على شهادة دراسيَّة والبعض الآخر يقدم دروساَ داعيةً الأخذ بالمنهج الذي يقدم في المدارس التقليديَّة إلا أنه يعاب على هذه القنوات ضعف عنصر التفاعل مع المُتعلِّم.