تقرير عن: السيناريوهات.

يقال إن السيناريوهات قصص أو خطوط عامة لقصص حول مستقبلات ممكنة (Schwartz, pp. 816-7) ، أو أنها قصص حول المستقبل ، عادة ما تتضمن قصصاً حول الماضي والحاضر (Bell, pp. 316-7) . كما يقال إن السيناريو وصف لمستقبل ممن أكثر من كونه عرضاً لتنبؤ محتمل أو لمستقبل فعلي (Kruzic, pp. 34, 2-3) ، ومن زوايا أخرى للنظر إلى السيناريو ، فإنه يعرف أحياناً بأنه عبارة عن تتبع مفترض لأحداث مستقبلية (May, pp. 161-8) أو أنه صورة متسقة داخلياً لمستقبل ممكن (Slaughter 1995, p. 117) ، أو أنه مجرد مجموعة افتراضات متملكة (Godet 1986, p. 136) ، أو أنه وصف لمستقبل محتمل وللطريق (تتابع الأحداث المتماسكة) الموصل إليه (Godet 1994, p.60) .



1- تعريف مقترح للسيناريو:

ويمكن تقديم التعريف التالي إلى يتصف بالاتساع والإجرائية في الوقت نفسه:

السيناريو وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه، مع توضيح لملامح المسار أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضع المستقبلي، وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائي مفترض.

‌أ- وصف وضع مستقبلي:

وقد يعني ذلك وصف خصائص ظاهرة ما كالتطور التكنولوجي في سنة 2020، أو وصف أوضاع شركة كبرى في سنة 2030 من حيث ما تمتع به من مزايا تنافسية ونصيبها في السوق العالمي وحجم عمالتها، ونوعية التكنولوجيا التي تستخدمها ... الخ .. وقد تتمثل الظاهرة في مجتمع ما كالمجتمع المصري أو المجتمع العالمي في سنة 2025 مثلاً، حيث يتم وسف علاقات القوى في هذا المجتمع، والحالة الاقتصادية، وأوضاع توزيع الدخل والثروة، وحالة البيئة وما إلى ذلك.

وقد يمثل الوضع المستقبلي محل الاهتمام وضعاً مستقبلياً ممكناً (possible) محتمل الحدوث (probable, potential). وفى هذه الحالة نتحدث عن سيناريوهات استطلاعية (exploratory). إذا ينطلق كاتب السيناريو من المعطيات والاتجاهات العامة القائمة في محاولة لاستطلاع ما يمكن أن تؤدي إليه الأحداث والتصرفات المحتملة أو الممكنة من تطورات في المستقبل، وذلك دون التزام مسبق بصورة أو أهداف محدده يتم السعي لبلوغها في نهاية فترة الاستشراف. ولهذا يمكن وصف السيناريو بأنه تنبؤ مشروط: وهذا النوع من السيناريوهات يتيح فرصاً واسعة للخيال، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى عدد كبير من الاحتمالات أو البدائل، ويثري النقاش الذي يمكن أن يدور حول السيناريوهات التي يجرى تكوينها، والتي يطلق عليها أحياناً سيناريوهات متوجهة إلى الأمام (forward scenarios).

وقد يمثل الوضع المستقبلي في نهاية الفترة محل الاستشراف وشعاً مرغوباً فيه (desired). وفى هذه الحالة نتحدث عن سيناريوهات استهدافية (normative) أو سيناريوهات مرجوة (anticipatory). وهنا تكون نقطة البداية هي مجموعة أهداف محددة ينبغي تحقيقها في المستقبل، يتم ترجمتها إلى صورة مستقبلية متناسقة ، ثم يرجع كاتب السيناريو من المستقبل إلى الحاضر لكي يكتشف المسار أو المسرات الممكنة لتحقيق الأهداف المرجوة أو الصورة المستقبلية المبتغاة ، محدداً النقاط الحرجة التي تتطلب اتخاذ قرارات أو تصرفات هامة. ويطلق على هذه العملية التحديد العكسي (back easting)، كما يمكن وصف السناريوهات الناتجة عنها بأنها سيناريوهات راجعة (backward scenarios) ، كذلك يمكن الحديث هنا عن عملية تصميم أو تخطيط للسيناريو (design or planning) وليس عن مجرد كتابة سيناريو. وبطبيعة الحال، ليس هناك ما يمنع أن يكون السيناريو الاستهدافي هو سيناريو معين يختر من بين السيناريوهات الاستطلاعية.

ب- وصف مسار أو مسارات مستقبلية:

ويتمثل العنصر الثاني في السيناريو في وصف المسار أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى الوضع المستقبلي. ويقصد بذلك وصف التتابع المفترض للمشاهد أو التداعيات المتصورة للظواهر محل البحث عبر الزمن، وذلك انطلاقاً من الوضع الابتدائي الفعلي أو المفترض (في حالة السيناريوهات الاستطلاعية)، أو انطلاقاً من الصورة المستقبلية المرجوة (في حالة السيناريوهات الاستهدافية).

ويتشكل المسار المستقبلي من خلال عملية تحليل لجملة من الأحداث والتصرفات ومن التفاعلات التي تنشأ بينها أو الآثار التي تنتج عنها عبر الزمن.

ومن المهم التمييز بين الأحداث (events) والتصرفات (actions) التي ينتج عن وقوعها وتفاعلها شكل محدد للمسار المستقبلي:

الأحداث وقائع غير مقصودة، ولا يمكن لمتخذ القرار التحكم فيها خلال الفترة الزمنية التي يغطيها السيناريو. ومن أمثلة هذه الأحداث التغيرات في الظروف الجوية أو المناخية، والكوارث الطبيعية، والاكتشافات التكنولوجية وبخاصة في المجتمعات غير المنتجة للعلم والتكنولوجيا ، وما إلى ذلك مما يمكن السعي للتنبؤ به، وإن لم يكن من سبيل للتحكم فيه. وعموماً، فإن الأحداث من قبيل المتغيرات الخارجية (exogenous) في عملية بناء السناريوهات.

أما التصرفات فهي تتمثل في التغيرات المقصودة أو المتعمدة في الظواهر الداخلة في السيناريوهات. ومن ثم فهي مما يخضع لقرارات متخذ القرار، أو لتصورات كاتب السيناريو. ومن أمثلتها التغيرات في الهيكل الاقتصادي وفى التنظيم الاجتماعي. ويمكن استقراء التصرفات من خلال لفهم مصالح الفاعلين وسلوكياتهم وحدود الأهداف المرجوة في حالة السيناريوهات الاستهدافية.

جـ- الوضع الابتدائي:

لكل سيناريو نقطة انطلاق أو مجموعة شروط أولية أو افتتاحية (initialo conditions). ومن المهم تحديد هذه الشروط بشكل دقيق. ذلك أنها تمثلت خلفيه المشاهد التي ستتابع عبر الزمن، أو خلفية إطار الحركة المؤدي في نهاية المطاف إلى صورة مستقبلية أو أخرى، في حالة السيناريوهات الاستطلاعية. كما أنها تمثل نقطة الأصل التي يتعين الرجوع إليها من الصورة المستقبلية المبتغاة عبر مسار أو مسارات بديلة في حالة السيناريوهات الاستهدافية.

ومن المهم تمييز نوعين من العناصر داخل مجموعة الشروط الأولية للسيناريو، وهما: الوقائع والقوى الفاعلة، ويقصد بالوقائع حقائق الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والسياسية والمؤثرات الخارجية، والاتجاهات العامة السائدة، والاتجاهات المغايرة البازغة . أما القوى الفاعلة (actors) فيقصد بها القوى – الحكومية وغير الحكومية – صاحب الأثر الأكبر في تشكيل الأحداث سواء بالفعل أم برد الفعل. ويعتبر تحديد هذه القوى، وتحليل سلوكها، والوقوف على مشروعاتها وخططها أو استراتيجياتها للمستقبل، وتحديد ما تملكه من إمكانات أو وسائل ولتحويل مشروعاتها إلى واقع، من الأمور بالغة الأهمية في بناء السيناريوهات (Godet 1986, pp. 136-17).

وقد يعبر الوضع الابتدائي عن مجموعة من الظروف الفعلية (أي العوامل والقوى المحركة أو الفاعلة والعلاقات والاتجاهات العامة) السائدة عند فتح الستار (إذ استعرنا لغة المسرح التي ينتمي إليها لفظ السيناريو أصلاً). ومن تحليل هذه الظروف، والبحث في احتمالات تغيرها، ونشوء ظروف جديدة بفعل أحداث أو تصرفات معينة، يمكن رسم المسار أو المسارات الممكنة عبر الزمن الآتي. وهذا هو ما يحدث في حالة السيناريو المرجعي (reference or business – as – usual scenario).

ولكن الوضع الابتدائي قد يمثل مجموعة من الظروف المفترضة أو المتخيلة التي تنطوي على تغييرات معينة في الوضع الابتدائي الفعلي. فإذا كنا بصدد سيناريو إصلاحي أو سيناريو ابتكاري، يلزم البدء بمجموعة شروط ابتدائية متلفة قليلاً وكثيراً عن مجموعة الشروط الابتدائية المعبر عن الوضع الراهن أو السائد فعلاً ، كافتراض نجاح قوة اجتماعية أو سياسية ما في الوصول إلى السلطة، أو افتراض تغيير جوهري في هيكل العلاقات الخارجية للدولة ، وما إلى ذلك. وعموماً فإن عملية بدء السيناريوهات هنا تتمثل في السعي للإجابة عن أسئلة من نوع: ماذا الذي يمكن أن يحدث لو حدث كذا ؟ (What if ?).

 

2- ملاحظات على تعريف السيناريو:

تجدر ملاحظة ثلاثة أمور مهمة فيهما يتعلق بالتعريف الذي قدمته للسيناريو:

أ- إن هذا التعريف أوسع وأكثر مرونة مما قد يصادفه القارئ في بعض الدراسات المستقبلية. فبعض الكاتب قد يجعل السيناريو منصرفاً إلى وصف الوضع المستقيمي في نهاية فترة الاستشراف (أي العنصر الأول فقط من عناصر التعرف الذي اقترحناه)، وقد يطلق عليه في هذه الحالة "سيناريو مستقبلي" . كما أن بعض الكتاب قد يستعمل لفظ السيناريو للدلالة على الوضع الابتدائي (أي على العنصر الثالث فقط من عناصر تعريفنا) ، وقد يطلق عليه "سيناريو" – مجرداً من صفة "مستقبلي" (نصار)

ب- إن التعريف المقترح غير مرتبط بطريقة أو أخرى من طرق الدراسات المستقبلية . فبعض الكاتب قد يربط بين السيناريو وبين الطريقة التي يطلق عليها أحياناً " طريقة السيناريو"(scenario method or technique) والتي تصنف عادة ضمن الطرق الكيفية أو غير الكمية (qatlitative) والكلية (holistic) للدراسات المستقبلية. بينما يميل بعض الكتاب إلى اعتبار السيناريو المنتج النهائي لكل طرق البحث المستقبلي. بمعني أن أية دراسة مستقبلية لابد وأن تنتهي بسيناريوهات وذلك أياً كانت الطرق أو الأساليب الفنية التي اتبعت في إنجازها. وهذا هو الموقف الذي اتخذناه. وسوف نعود إلى هذه النقطة عند الحديث عن طرق بناء السيناريوهات.

ج- إن التعريف المقترح لم يتضمن تحديداً للغرض أو الأغراض المتوخاة من بناء السيناريوهات، ويرجع ذلك إلى تعدد الأغراض التي يمكن السعي لتحقيقها من وراء بناء السيناريوهات. وكلك إلى اختلاف هذه الأغراض باختلاف تصور الكتاب لأغراض الدراسات المستقبلية ذاتها. والكتاب في هذا الشأن فريقان فريق يرى في السيناريوهات وسيلة للتنوير والترشيد غير المباشر لعمليات صنع القرارات من خلال الكشف عن الاحتمالات والبدائل والاختيارات الممكنة، وعواقبها المختلفة، وذلك دون الحاجة إلى الإيصاء والاستهداف، وفريق يرى عدم التوقف عند الكشف عن البدائل والاحتمالات والاختيارات الممكنة، ومن ثم الترشيد غير المباشر للقرارات، ويسير قدماً في اتجاه رسم ملامح مستقبل بعينه باعتباره الأفضل والذي ينبغي السعي لوضعه موضع التنفيذ. وسوف نعود إلى دلك عند الحديث عن أغراض السيناريوهات وفوائدها.

 

القسم الثاني:

في أنواع وأهداف السيناريوهات ومقاييس جوتها

1- تعدد السيناريوهات وأنواعها:

من المعتاد أن يتم بناء عدد من السيناريوهات في أي دراسة مستقبلية حادة والأصل في تعدد السيناريوهات هو ما يحيط بالمستقبل من غموض وظنون واحتمالات  ومن ثم غياب لليقين uncertaint، وذلك فضلاً عما يكتنف محاولة استطلاع المستقبل من صعوبات وتعقيدات تحتمل التعامل معها بطرق مختلفة، ومن ثم تغضي معالجتها إلى مسارات مستقبلية متنوعة. ويمكن تصوير التعددية الكامنة في مفهوم السيناريوهات بالإشارة إلى المخروط المبين في شكل (1).

(Reibnitz, pp. 29-30)

 

شكل (1) مخروط المستقبلات

يصور هذا الشكل إلى نطلق عليه مخروط السيناريوهات وإن كان المصدر الذي أخذناه عنه يطلق عليه قمع المستقبلات (scenario funnel) . عدة نقاط مهمة.

أ- من الملاحظ أنه على المدى القريب ثمة تقارب بين الخطوط الممثلة للسيناريوهات الممكنة الخارجة في صورة أسهم من النقطة (أ) التي تمثل الوضع الابتدائي ، حيث إن إسقاط العوامل والاتجاهات السائدة عادة ما لا ينطوي على تغيير كبير خلال الأجل القصير. لكن لاحظ تباعد المسافات بين هذه البدائل أو المسارات البديلة ، ومن ثم تزايد درجة التميز بينها على المدى الأطول، أو عند نقطة النهاية لفترة السيناريو حيث تتجمع بدائل الوضع المستقبلي (النقاط ل ، ج، هـ، و .. الخ) كاشفة تزايد اللايقين وتزايد التعقيد في فهم التداعيات والتطورات مع التحرك إلى المستقبل الأبعد.

ب- لاحظ أيضاً أن السيناريوهات قد تتعرض للاضطراب عبر الزمن، ون ثم قد تتعدل مساراتها. فالسيناريو (أ ج) يتعرض لنقله أو تحول في المسار عند النقطة (ب) نتيجة لوقوع اضطراب ما (disruptive event) كانهيار في سوق المال أو كارثة طبيعية أو تفكك التحالف الاجتماعي إلى كان يستند إليه هذا السيناريو. وإذا ترك الأمر للتداعيات الطبيعية، فقد ينتهي المسار الجديد إلى الوضع المستقبلي (ع). ولكن من حق كاتب السيناريو أن يفترض وقوع تصرفات معينة من جانب الفاعلين في النسف كرد فعل للاضطراب الذي حدث. وقد يحدث التدخل عند النقطة (ق) التي يرمز المعين المرسوم إلى جانبها إلى أنها نقطة اتخاذ قرار (decision point). وعندئذ سوف تتداعي المشاهد في اتجاه مغاير للاتجاه الأصلي المفترض (أ ب ج) وكذلك للاتجاه التلقائي الناتج عن الاضطراب إلى وقع (أ ب ع)، حيث يصبح خط التطور المستقبلي هو (أ ب ق د). وبالطبع ثمة مسارات أخرى كثيرة يمكن تصور تولدها عند النقطة (ق)، وذلك حسب طبيعة القرار الذي سيتخذ عند هذه النقطة. ومن المهم ملاحظة أن المقصود بالقرار هنا ليس بالضرورة قراراً حكومياً، بل إنه قد يعني جملة تصرفات من فاعلين مختلفين في النسق.‌

ج- قد تمثل إحدى النقاط في فضاء الأوضاع المستقبلية الممكنة وضعاً مستقبلياً مرغوباً فيه كالنقطة (هـ). ومن ثم قد يسعى كاتب السيناريو إلى تخطيط مسار ملائم للعودة من النقطة (هـ) إلى نقطة الوضع الابتدائي (أ). وفى هذه الحالة يمثل المسار (أ هـ) السيناريو الاستهدافي.

د- ني عن البيان أن تمثيل السيناريوهات أو مساراتها بخطوط مستقيمة عبر الزمن هو من قبيل التبسيط والتجريد ، ليس إلا. فالمسار من الوضع الابتدائي (أ) إلى أية نقطة في فضاء الأوضاع المستقبلية قد يأخذ شكل منحني أو خط متعدد الالتواءات والانكسارات ، حسب الأحوال. كلك فإن تمثيل الوضع المستقبلي أو حتى الوضع الابتدائي بنقطة ربما يعطي انطباعاً زائفاً، حيث إن تحديد أي من هذين الوضعيين لا تخلو من أخطاء القياس والتقدير – أو حتى التخمين.

وإذا كانت السيناريوهات المستقبلية متعددة بالضرورة، فإن السؤال كثيراً ما يطرح بشأن العدد المناسب إدراجه في الدراسات المستقبلية من هذه السيناريوهات المتعددة. ويميل معظم المشتغلين بالدراسات المستقبلية من هذه السيناريوهات المتعددة. ويميل معظم المشتغلين بالدراسات المستقبلية إلى استعمال عدد محدود من السيناريوهات، حتى لا يتشتت الفكر وتتعذر المقارنات الجيدة بين السيناريوهات البديلة. فالعمل على عدد قليل من السيناريوهات يساعد على تذكر ملامحها ، ويعين على تبين الفوارق بينها، ويعمل على تركيز الانتباه على علاقات السببية وعلى نقاط اتخاذ القرارات ، كما أنه ييسر المقارنة بين آثارها وتكاليفها ومنافعها. ويطلق البعض (Schwaritz) على هذه السيناريوهات المستقبلات البديلة ذات المصداقية (credible alternative futures)، مع التأكيد على أنها ليست بالضرورة السيناريوهات الممثلة بالثلاثية المشهورة: استمرار الاتجاه الحالي، والانتقال إلى وضع أسوأ، والانتقال إلى وضع أفضل.

ويرتبط العدد المناسب للسيناريوهات بالأنواع المتصورة لها. وكانت سبقت الإشارة يمكن تصنيف السيناريوهات إلى:‌

أ- سيناريوهات استطلاعية.‌

ب- سيناريوهات استهدافية، أو مرغوب فيها (desired or preferable) .

ويمكن أن تتفرع عن السيناريوهات الاستطلاعية عدة سيناريوهات مثل:

أ- سنياريو استمرار الاتجاهات العامة الراهنة r(eference or usiness – as – usual) ، ربما مع إضافة تنويع تفاؤلي وتنويع تشاؤمي حول هذا السيناريو المرجعي.‌

ب- سياريوهات محتملة (probable).

ج- سيناريوهات ممكنة (possible).

وبطبيعة الحال، يمكن أن تتعدد السيناريوهات الاستهدافية تعدداً كبيراً، وذلك وفق الهدف المراد تحقيقه، أو حسب البعد المرغوب في التركيز عليه من أبعاد النسق محل البحث.

ورغم أن السيناريو المرجعي قد يمثل أقل الأوضاع قابلية للاستمرار، حيث إن التاريخ لا يعيد نفسه، وحيث إن التغير هو أهم ما يميز الحياة، وحيث إن التغير السريع قد أصبح من سمات العصر الحديث الحافل بشتى الاضطرابات والمخاطر والفرص، إلا أنه من المفيد اشتمال السيناريوهات على سيناريو من هذا النوع. فعلاوة على ما يوفره ها السيناريو من فائدة مرجعية لأغراض مقارنة السيناريوهات، فإن مثالب هذا السيناريو وعدم قابليته للاستمرار قد لا تظهر بشكل واضح، ومن ثم قد لا تظهر الحاجة إلى تعديل المسار الذي يمثله بقرارات تتخذ في الوقت الحاضر، إلا من خلال رسم هذا السيناريو وتعريضه للتحليل الجاد والفحص الدقيق (Slaughter 1995, pp. 119-121).

ويشير سلوتر (Slaughter 1996, pp. 202) إلى أربعة أنواع من السيناريوهات هي:

أ- السيناريو المرجعي ، أو سيناريو استمرار الوضع القائم (Status quo scenario).

ب- السيناريو الأنهيار (Collapse scenario)، وهو يمثل عجز النسق عن الاستمرار أو فقدانه لقدرته على النمو الذاتي ، أو بلوغ تناقضات النظام حداً بفجره من داخله.

ج- سيناريو العصر الذهبي الغابر أو السيناريو السلفي (Return or steady-state scenario)، وهو مبني على العودة إلى فترة زمنية سابقة ، يفترض أنها تمثل الحياة الآمنة الوديعة والنظيفة.

د- سيناريو التحول الجوهري (Transformation or fundamental change scenario)، وهو ينطوي على حدوث نقلة نوعية في حياة المجتمع، سواء أكانت اقتصادية، أم تكنولوجية، أم سياسية ، أم روحية.

ويقترح جوديه (Godet, 1986, p. 157) بناء السيناريوهات التالية:

أ- سيناريو مرجعي.‌

ب- السيناريو متفائل.

ج- السيناريو متشائم.

وذلك باعتبار (أ) يعتبر عن الوضع الأكبر احتمالاً لتطور الظاهرة محل البحث، وأن (ب) و (ج) يعبران عن الحالتين المتطرفتين أو طرفي النقيض المحتمل أن ينتهي مسار تطور الظاهرة ضد أحداهما.

ومما يسترعي الانتباه أن جودية يميز بين السيناريو المرجعي (reference scenario) والسيناريو الاتجاهي (trend – based scenario). فالسيناريو الاتجاهى عبارة عن إسقاط للاتجاه العام بغض النظر عما إذا كان ذلك يمثل وضعاً محتمل الوقوع أم لا. أما السيناريو المرجعي فإنه السيناريو الأكثر احتمالاً (most probable) وذلك بغض النظر عما إذا كان هذا السيناريو اتجاهياً أم غير اتجاهي. أما السيناريوهات المتفائلة والسيناريوهات المتشائمة فإنها تدخل ضمن مجموعة السيناريوهات التي يطلق عليها جودية السيناريوهات المفارقة (contrasted scenarios) أي التي تنطوي مفارقه واضحة للوضع القائم أو المحتمل والتي تركز عمداً على وصف أوضاع متطرفة(Godet 1994, p. 60).

وقد يكون من المفيد استعراض بعض أنواع السيناريوهات في عدد من الدراسات المستقبلية العربية والدولية، وذلك مع ملاحظة أن تسميه السيناريوهات هي عملية لاحقة لتحليلها في معظم الحالات، وأن بعض السناريوهات المذكور لاحقاً – أو التي سبق كرها – قد لا يتم اختيارها ابتداءً لكونها تحتمل الانهيار أو التراجع مثلاً. فمثل هذه الصفات إنما تعبر عن نتائج يتم التوصل إليها في نهاية عملية استطلاع المسارات المستقبلية وتحليل السيناريوهات.

درس إسماعيل عبد الله في سنة 1977 ثلاثة سنياريوهات في دراسته الموسومة " تطور مصر " (Abdalla, Ismail, 1994)، وهي:

  • سيناريو نفي الثورة أو الانقلاب عليها.
  • سيناريو تجميد الثورة.
  • سيناريو استمرار الثورة.

وفى الدراسة المستقبلية لمصر: إيدكاس 2000 (El-Issawy) درست الثلاثة سيناريوهات التالية:

  1. السيناريو المرجعي (الانفتاح الطليق).‌
  2. السيناريو الإصلاحي (الانفتاح المقيد أو المرشد).
  3. سيناريو التنمية الوطنية المستقلة.

وفى مشروع المستقبلات العربية البديلة الذي نفذه منتدي العالم الثالث بالقاهرة بالتعاون مع جامعة الأمم المتحدة في النصف الأول من الثمانينات (Abdallah, Ibrahim)، نوقشت البدائل التالية:‌

  1. السيناريو المرجعي (الامتداد الخطي للاتجاهات القائمة).‌
  2. السيناريو المرفوض (المستند إلى رؤى راديكالية إسلامية وتقدمية عربية).‌
  3. سيناريو التنمية الوطنية المستقلة أو المعتمدة على النفس.

ودرس مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي الذي نفذه مركز دراسات الوحدة العربية (حسيب ، خير الدين وآخرون) ثلاثة سيناريوهات أساسية هي:‌

أ- سيناريو التجزئة العربية.‌

ب- سيناريو التنسيق العربي.‌

ج- سيناريو الوحدة العربية.

وفيما يتعلق بالدراسات الدولية، فإليك بعض الأمثلة المستقاة من استعراض لخمسين دراسة مستقبلية (Dahle). في دراسة لمستقبل بريطانيا في سنة 2010. درس نورث كوت ثلاثة السيناريوهات التالية:

ثانياً: مفهوم أسلوب السيناريو:

إن السيناريو أداة تخطيطية تشمل تصوراً مستقبلياً مبني على فروض منطقية وواقعية ومبرهن بأدوات رياضية تتناسب مع طبيعة السيناريو الاحتمالية، وفى الحقيقة يوجد تعريفات عدة السيناريو تختلف باختلاف المنظور بين المجالات المتداخلة بل وفى المجال الواحد.

فمثلاً يعرف بورتير (Porter 1985) فيعرفه على أنه أداة منظمة لتخيل المستقبل الذي تتخذ فيه قرارات منظمة.

ويعرف ليندرين وباندهولد (Lindgren and Bandhold 2003) بأنه رؤية Vision مستقبلية تحاول الإجابة عن مجموعة أسئلة ماذا يحدث مستقبلاً؟ وما هي الرؤى المرسومة بهدف تجنب المخاطر؟ ويضيف أن العقل البشري يولد مئات السيناريوهات يومياً من خلال التوفيق بين المستقبل المحتمل والمستقبل المرغوب باستخدام مسارات المستقبل الممكن، وما علينا إلا أن نقوم بتغذية طردية feed – forward مع التغذية العكسية feed back بحيث تتكامل الرؤية ويتفق هذا مع كون السيناريو وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب.

يوجد عدد كبير من التعريفات للسيناريو منها ، أنه وصف أو قصة لوضع مستقبلي ممكن الحدث عند توافر شروط معينة في مجال معين، أو هو مجموعة من الافتراضات المتماسكة لأوضاع مستقبلية محتملة الوقوع في ظل معطيات معينة، أو هو حدث مستقبلي ممكن الوقوع مرغوب فيه، أو غير مرغوب فيه، أو مرغوب عنه مع توضيح ملامح المسار أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضع المستقبلي.

ويعرف أيضاً بأنه وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه، مع توضيح ملامح المسار أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضع المستقبلي، وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائي مفترض.

ويمكن تعريف السيناريو هنا على أنه مسار Path يصل بين نقطتين زمنيتين الأولى معلومة وفى مجال الثانية مبرهنة بامتداد الرؤية زمنياً.

وهناك مفهومان للسيناريو:

الأول: يتناول السيناريو على أنه أحد أساليب دراسة المستقبل والذي يندرج أسفل الأساليب الكيفية والكلية للدراسات المستقبلية.

الثانية: يعتبر السيناريو هو المنتج النهائي لكل أساليب البحث المستقبلي بمعني أن أية دراسة مستقبلية لابد وأن تنتهي بسيناريوهات أي كانت الأساليب الفنية التي اتبعت في إنجازها.

وفيما يلي أيضاً استعراض لبعض تعريفات السيناريو:

يعرف البعض أن السيناريو عبارة عن سلسلة من الأحداث التي نتصورها تجرى في المستقبل، كذلك يعرفه البعض على أنه وسيلة لاكتشاف التفاعلات الممكنة لكافة الأحداث كذلك وسيلة نستطيع بها صياغة وتشكيل المستقبل، وهناك من يرى أنه تنبؤ مشروط يركز على حركة المتغيرات الرئيسية ودورها في تشكيل صورة المستقبل، حيث يبدأ التنبؤ بمجموعة من الافتراضات المحددة مسبقاً حول المستقبل.

ويعرف البعض السيناريو هو المشهد ويعرفه على أنه تصور ذهني أو فكري لمجموعة من الاحتمالات المتوقعة أو الممكنة لمسيرة ظاهرة ما (أو متغير ما) حيث يصاغ التصور في مجموعة من التنبؤات المشروطة التي تنطلق من مفهوم ماذا يمكن أن يحدث لو تحققت عدة شروط؟

ويعرف البعض السيناريو على أنه قصص أو خطوط عامة لقصص حول مستقبلات ممكنة.

ويؤكد بيل (Bell) على ذلك حيث يقول أنه قصص حول المستقبل متضمنا عادة قصص حول الماضي والحاضر.

ويقول كروزك (Kruzic) أن السيناريو وصف لمستقبل ممكن من كونه لتنبؤ محتمل لمستقبل فعلى.

أما جودية (Godet) فيرى أنه وصف لمستقبل محتمل وللطريق الموصل إليه.

ثالثاً: أهداف السيناريوهات:

ليس هناك إجماع بين المستغلين بالدراسات المستقبلية على الأهداف التي يتعين السعي لتحقيقها من وراء عمليتي بناء وتحليل السيناريوهات المستقبلية، فهناك فريق يسعى لنزع صفة الاستهدافية عن الدراسات المستقبلية بمعني أن تكون محايدة ومتحررة من الأحكام القيمية حتى لا يتم فرض رؤية مستقبلية معينة على الناس، وبالتالي يريد هذا الفريق إسباغ صفة الموضوعية والعلمية على الدراسات المستقبلية من خلال حصر أهداف الدراسات المستقبلية والتي تمثل السيناريوهات أحد أساليب البحثية، لذلك تتعدد أهداف السيناريوهات كأحد أساليب الدراسة العلمية للمستقبل – طبقاً لأراء هذا الفريق – لتشمل:

  • 1- عرض الاحتمالات والإمكانات والخيارات البديلة التي تنطوي عليها التطورات المستقبلية كما تكشف عنها السيناريوهات المختلفة.
  • 2- عرض النتائج المرتبة على الخيارات أو البدائل المختلفة.
  • 3- تركيز انتباه الناس على: الفاعلين الرئيسيين واستراتيجيتهم والعمليات أو العلاقات السببية ، والنقاط الحرجة لاتخاذ القرارات، والقضايا التي يجب أن تحظي بالأولوية في اهتماماتهم.
  • 4- استشارة الفكر والتأمل حول قضايا وهموم المستقبل من خلال المسارات الاحتمالية، مما يؤدي إلى تنشيط خيال الناس وبالتالي مساعدتهم على اتخاذ قرارات أفضل بشأن مستقبلهم من الآن وطبقاً لآراء هذا الفريق فإن تأثير الدراسات المستقبلية على فكر الناس وتوجيهاتهم نحو المستقبل يمثل تأثيراً عاماً يتمثل في تنمية البعد المستقبلي من تفكير الناس من خلال تقديم تصورات بديلة لمسارات المستقبل، والناس لهم الحق في اختيار أو رفض أي من هذه التصورات.

وهناك فريق ثان ينظر إلى الدراسات المستقبلية على أنها مزيج من العلم والاستهداف كما هو الحال في بناء وتحليل السيناريوهات والمقارنة بينها فهي عملية موضوعية من جهة لأنها تعتمد على العقل والمنطق في التعامل مع الحاضر وتطورات المستقبل ، كذلك لأنها تنطلق من علاقات السببية والتي تمثل صيغة استهدافية من جهة أخرى، لأنها لابد أن تستند إلى أهداف وقيم يتم ترجمتها في صورة معايير أو مؤشرات يتم الاحتكام إليها في تقييم السيناريوهات البديلة وبالتالي المفاضلة بينهما، كلك لأن الاختيار الأول للسيناريوهات يكون محملاً بالضرورة بأحكام قيمية أو أهداف ضمنية ، وبالتالي ينظر هاذ الفريق إلى الدراسات المستقبلية وأساليبها كما هو الحال في السيناريوهات على أنها أداة لفهم وتغيير العالم وليس لفهمه فقط ، ومن ثم تتمثل أهداف الدراسات المستقبلية طبقاً لآراء هذا الفريق في الآتي:

  1. صياغة رؤية مستقبلية معينها من خلال توصيات صريحة بشأن الاختيارات والقرارات التي ينبغي اتخاذها من الآن للوصول إلى الوضع المستقبلي المرغوب .
  2. تحريك الناس وتعديل قراراتهم في اتجاه تحويل هذه الرؤية المستقبلية المرغوبة إلى واقع .

على الرغم من تباين الرؤى بين المشتغلين بالدراسات المستقبلية إلا أنهم يجمعون على أن الأهداف التي تسعى السيناريوهات المستقبلية إلى تحقيقها تتحدد في الآتي:

  1. عرض الاحتمالات والإمكانات والخيارات البديلة التي تنطوي عليها التطورات المستقبلية كما تكشف عنها السيناريوهات المختلفة.
  2. عرض النتائج المترتبة على الخيارات المختلفة في السيناريو وتركيز انتباه متخذي القرار في الفاعلين الرئيسيين واستراتيجياتهم، وفى العمليات أو العلاقات السببية، والنقاط الحرجة.
  3. تمكين الجماهير من التفكير في كل الأمور المتعلقة بالمستقبل واستثارة النقاش فيها واستدعاء وردود الفعل في شأنها.
  4. التوصل إلى توصيات في شأن الخيارات والقرارات، التي ينبغي اتخاذها، من الآن للوصول إلى الوضع المستقبلي المرغوب فيه، بعد فترة زمنية محددة

ترتبط أهداف السيناريوهات والغرض منها بنوع السيناريو، ففي حالة السيناريوهات الاستطلاعية، يستهدف هذه السيناريوهات تقديم صورة للاحتمالات والخيارات البديلة التي تنطوي عليها التطورات المستقبلية كما تكشف عنها هذه السيناريوهات وهي بذلك تقدم لصاحب القرار مجموعة من البدائل في ضوئها، ويمكن لصاحب القرار اتخاذ ما يراه مناسباً لتحسين الأوضاع في المستقبل بالنسبة لمجتمع ما أو مؤسسة معينة كما أن السيناريو مستدعي الناس للتفكير في احتمالات المستقبل واستثارة النقاش حوله، واستدعاء وردود الأفعال حول صورة هذا المستقبل.

أما في حالة السيناريوهات الاستهدافية، فإن السيناريوهات تستهدف استجلاء صورة معينة مرغوبة فيها في المستقبل، وهي بذلك ذات قيمة في تحويل المجتمع إلى صورة أفضل فالدراسات المستقبلية ليست دراسات علمية محايدة، وإنما هي مزيج من العمل والاستهداف فهي من ناحية تعتمد على أعمال العقل والمنطق في التعامل مع الحاضر والمستقبل، وهي استهدافية من حيث أنها لا يمكن أن تكون متحررة تماماً من القيم أو الأحكام القيمية وإنما هي أداة لأحداث تغير مقصود وبالتالي فمن الضروري أن ينتهي السيناريو، إلى توصيات صريحة بشأن الاختيارات والقرارات التي ينبغي اتخاذها للوصول إلى وضع مرغوب فيه.

رابعاً: أهمية أسلوب السيناريو:

تتضح أهمية أسلوب السيناريو فيما يلي:

  1. إن دراسة المستقبل من خلال السيناريوهات تعتبر مناسبة ليس فقط لاستطلاع الآفاق المستقبلية لمجتمع ما، وإنما هي مناسبة أيضاً للتأمل في واقع هذا المجتمع، واستكشاف ما يحمله الواقع الراهن من مضامين يكتنفها الغموض والالتباس.
  2. يساعد في الواقع على مدي إمكانية حركة المجتمع المستقبلية في حالة تغير المعطيات سواء كانت موضوعية أو افتراضية، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
  3. ترد رجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والمسئولين عن اتخاذ القرار إلى ما هو ممكن وما هو محتمل، والي نوع التغير الذي يمكن إحداثه وهل هو تغير جذري أو تطويري.

تتضح أهمية أسلوب السيناريو مما يلي:

  1. أن دراسة المستقبل من خلال السيناريوهات تعتبر مناسبة ليس فقط لاستطلاع الآفاق المستقبلية لمجتمع ما أو لقطاع فيه، وإنما هي مناسبة أيضاً للتأمل في واقع هذا المجتمع أو القطاع الآن، وكيف وصل إلى الحالة التي هي عليها وبعبارة أخرى فإن الدراسة المستقبلية تتيح للمجتمع أن يعرض نفسه، وأن يتعمق في فهم تاريخه وأن يستخلص منه الدروس والعبر من مجمل حركته، وأن يتعرف على القوى والعوامل التي أثرت فيه سواء كانت قوى وعوامل داخلية، أو قوى وعوامل خارجية مفروضة عليه، وعليه أن يتعايش معها، وبالتالي تكون قاعدة يعتمد عليها لتحديد الاختيارات المتاحة له في المستقبل.
    إن استشراف ما سوف تكون عليه مصر سنة 2020 مثلاً قد يكون سبيلاً لزيادة معرفتنا بأوضاع مصر في الحاضر واستكشاف ما يحمله الواقع الراهن من مضامين يكتنفها الغموض والالتباس.
  2. أن دراسة المستقبل من خلال وضع السيناريوهات عمل تنويري في المقام الأول، فمن خلال السيناريوهات يمكن للمجتمع أن يميز بين ما هو موضوعي وحتمي، وما هو ذاتي وإرادي في تحدي ملامح المستقبل ومن خلال ذلك في حالة تغير المعطيات سواء كانت موضوعية أو افتراضية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
  3. أن دراسة المستقبل من خلال السيناريوهات عمل توجيهي أو إرشادي فهي ترشد رجل السياسة أو الاقتصادي أو الاجتماعي المسئول عن اتخاذ القرار إلى ما هو ممكن وما هو محتمل، كما ترشده إلى نوع التغيير الذي يمكن إحداثه، وهل هو تغيير جذري أو تطويري.
  4. أن دراسة المستقبل من خلال صنع السيناريوهات يجعل التنمية وتحديد آفاقها المستقبلية عملاً تشاركياً ديمقراطياً شعبياً حيث لا تكون التصورات المستقبلية حكراً على فئة من التكنوقراط (المخططين) أو من رجال السياسة المحترفين، وأن تكون نتائج جهة وفكر فئات متخصصة وغير متخصصة (شعبية) ومن بين أصحاب التخصصات أفراد ينتمون إلى تخصصات مختلفة وبذلك يمكن اعتبار السيناريوهات أدوات علمية تساعد على استقراء الواقع المجتمعي، والتعرف على التغيرات الجوهرية التي يتعرض لها المجتمع في حركته، واستكشاف الاحتمالات المنتظرة والممكنة في مسارات مستقبلية، مع حساب ما ينطوي عليه كل مسار من منافع وتكاليف، بما يساعد متخذ القرار على اتخاذ قراره المناسب.

خامساً: خصائص السيناريوهات:

توجد عدة خصائص تميز السيناريوهات عن غيرها من أساليب الدراسة العلمية للمستقبل، والتي تتمثل في:

1- الاحتمالية :

يعتبر السيناريو نهجا احتمالياً بطبيعته حيث لا يوجد مسار مستقبلي وحيد بل هناك عدة مسارات مشروطة بظروف وقوى محلية وعالمية، والملاحظ أن لكل سيناريو فرضات تختلف عن فرضات غيره من السيناريوهات، لذلك  فالمجال مفتوح لمناقشة تلك الفرضيات وبالتالي تعتبر السيناريوهات قضايا ترجيح واحتمال أكثر من كونها سلسلة من الحتميات.

2- التعددية:

يقصد بها تعدد السيناريوهات في الدراسة المستقبلية بسبب ما يحيط بالمستقبل من غموض واحتمالات وكذا غياب اليقين، كذلك بسبب الصعوبات والتعقيدات التي تكتنف محاولة استطلاع المستقبل وما يصاحبها من طرق مختلفة في التعامل معها، مما يؤدي إلى تنوع المسارات المستقبلية .

سادساً: تصنيفات السيناريو:

يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع للسيناريوهات هي:

  1. سيناريو مد الاتجاه التاريخي:
    حيث يفترض هذا السيناريو استمرار الاتجاهات العامة التي سادت في الماضي في المستقبل ، ويذكر أن هذا السيناريو له فروضه الاجتماعية والاقتصادية كذلك يتميز بإمكانية التطبيق الفعلي.
  2. سيناريو التعجيل عن الاتجاه التاريخي:
    ويعتبر هذا السيناريو إصلاحي يفترض تحسن الأحوال مما يبكر في تحقيق الهدف وهذا السيناريو كذلك له فروضه الاجتماعية والاقتصادية ويتميز بإمكانية التطبيق الفعلي المشروط.
  3. سيناريو التأخير عن الاتجاه التاريخي:
    ويعتبر هذا السيناريو انتقال لوضع أسوأ يفترض سوء الأحوال، مما يؤخر تحقيق الهدف خاصة في حالات تدهور الاقتصاد.

ومن ناحية أخرى يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع أخرى من السيناريوهات هي:

  1. السيناريو ألاتجاهي (الخطي): ويتعلق باستمرار الأوضاع الراهنة من حيث ما تحمله من تفاؤل أو تشاؤم، مع العجز على التغيير.
  2. السيناريو الإصلاحي: ويتعلق بتكييف وإدخال بعض الإصلاحات بقصد الوصول بالاتجاهات الحالية نحو انسجام أكثر من أجل إنجاز حد أدني من الأهداف المتفائلة.
  3. السيناريو التحويل السيناريو: ويرى أن الملائمة التدريجية غير كافةي ومن ثم يجب الأخذ بتحولات جذرية عميقة، والملاحظ على هذا النوع من السيناريوهات أنه يسترشد بخبرة الماضي وتجربة الحاضر والقدرات الظاهرة والكامنة في المجتمع، كلك بآمال الشعوب وما يتصوره المثقفون من بدائل مختلفة.

كذلك يصنف العيسوي السسيناريوهات إلى نوعين هما:

1-سيناريوهات استطلاعية:

‌أ- سيناريو استمرار الاتجاهات العامة الراهنة (السيناريو المرجعي).

‌ب- سيناريوهات محتملة (probable).

‌ج- سيناريوهات ممكنة (possible) .

ففي حالة هذه السيناريوهات الاستطلاعية ينطلق كاتب السيناريو من المعطيات والاتجاهات العامة القائمة لاستطلاع المحتمل أو الممكن من التطورات، وذلك دون التزام مسبق بأهداف محددة يراد تحقيقها في نهاية فترة الاستشراف، لذلك يعتبر السيناريو بمثابة تنبؤ مشروط ويسمي سيناريو متوجه ×××××××× ××××××× ×××××××××××××××

عدد من الاحتمالات والبدائل وفى هذه الحالة أيضاً يمكن استقراء التصرفات من خلال فهم مصالح الفاعلين وسلوكياتهم وحدود حركتهم.

2- سيناريوهات إستهدافية:

أما في حالة هذه السيناريوهات الاستهدافية تكون نقطة البدء مجموعة أهداف محددة يرجى تحقيقها في المستقبل يتم ترجمتها إلى صورة مستقبلية متناسقة، ثم يرجع كاتب السيناريو من المستقبل إلى الحاضر لكي يكشف المسار أو المسارات الممكنة لتحقيق تلك الصورة محدداً النقاط الحرجة التي تتطلب اتخاذ قرارات هامة، ولذلك يسمي السيناريو هنا سيناريو راجع للخلق، وتصبح كتابة السيناريو عملية تصميم أو تخطيط للمستقبل، وفى هذه الحالة أيضاً يمكن اشتقاق التصرفات من نوعية الأهداف المرجوة.

ومن ناحية أخرى يشير سلاتر (Slaughter) إلى أربعة أنواع من السيناريوهات هي:

  • السيناريو المرجعي: وقد يسمي سيناريو استمرار الوضع القائم.
  • سيناريو الانهيار: ويمثل عجز النظام عن الاستمرار أو فقدانه لقدرته على النمو الذاتي أو بلوغ التناقضات حداً يفجر النظام من داخله.
  • سيناريو العصر الذهبي: وقد يسمي السيناريو السلفي، حيث يبني على العودة إلى فترة زمنية سابقة يفترض أنها تمثل الحياة الآمنة الوديعة.
  • سيناريو التحول الجوهري: وينطوي على حدوث نقله نوعية في حياة المجتمع سواء كانت اقتصادية أو تكنولوجية أو سياسية أو روحية.

سابعاً: أنواع السيناريو:

توجد السيناريوهات في أشكال مختلفة ذات استخدامات متنوعة، فمن المعتاد أن يتم بناء عدد من السيناريوهات في أي دراسة مستقبلية جادة، والأصل في تعدد السيناريوهات هو ما يحيط بالمستقبل من غموض واحتمالات، وإذا كان الأمر كذلك ، فما هو العدد المناسب إدراكه في الدراسات المستقبلية من هذه السيناريوهات المتعددة ويميل معظم المشتغلين بالدراسات المستقبلية إلى استعمال عدد محدود من السيناريوهات الأمر الذي يساعد على تذكر ملامحها ويعين على تبين الفوارق بينها، كما أنه ييسر المقارنة بين آثارها ومنافعها.

إن السيناريو الواحد للموقف مرفوض لأنه يصبح قراراً مسبقاً في شأنه لا يراعي تطور أحداثه فيفتقد السيناريو مبرره إذ هو يعد ليغطي مدى زمنياً طويلاً لا يقل عن عشرة سنوات ، كما أنه يقضي في الحالة هذه الفكرة البديلة وليدة علم المستقبل.

ويوضح جودت إلى أنه يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من السيناريوهات:

  • السيناريو المحتمل: Possible scenario ويشمل كل شيء يمكن تصوره.
  • السيناريو المعقول: Realizable Scenario ويشمل كل ما هو محتمل ولكن بعد الأخذ في الاعتبار القيود التي تحول دون تحقق الاحتمال.
  • السيناريو المرغوب فيه: Desirable scenarioويشمل ما يقع في حيز المحتمل ولكن ليس في حيز المعقول .

وجملة ومن واقع الدراسات التطبيقية، فإن أسلوب السيناريوهات عبارة عن بناء توقعات (صور أو مشاهد) محتملة لمستقبل الظاهرة موضوع البحث.