تدريب المدرس وسيلة أم غاية؟

تدريب المدرسين أنشطة تتدرج من الحصول على مهارة عمليَّة محدودة، بالإضافة إلى تطوير المعرفة التقنيَّة ومهارات التدريس، فضلاً عن تطوير الاتجاهات المُتعلِّقة بالجوانب الاجتماعيَّة نحو كثير من القضايا الاجتماعيَّة لكون المُدرِّس خاضعاً للتقاليد والأعراف السائدة



يُعَدُّ تدريب المدرسين في أثناء الخدمة أحد الأساليب التربويَّة الحديثة للنهوض بمستوى المُدرِّس علمياً ومهنياً، وزيادة كفايته الإنتاجية. والهدف من التدريب في المجال التربوي هو تحقيق النمو الذاتي المستمر للقائمين بعمليَّة التدريس، لرفع مستوى الأداء والارتقاء بما يحقق طموحهم واستقرارهم النفسي، والرضا عن عملهم وإخلاصهم في أداء رسالتهم.

ولتحقيق ذلك تولي النظم التعليميَّة في الوقت الحاضر اهتماماً ملحوظاً لتدريب المدرس، علاوة على اهتمامها بإعداده لما له من دور في العمليَّة التعليميَّة. ويُقصد بتدريب المُدرِّس في أثناء الخدمة تقديم الأنشطة والفعاليات التي تُمكًن المُدرِّس من الحصول على مجموعة من الخبرات الثقافيَّة والمهنيَّة الجديدة، وكل ما من شأنه أن يرفع مستوى عمليَّة التدريس، ويزيد من طاقاته الإنتاجية. ولا بد قبل الشروع في هذا التدريب من وجود خطة مُسبَقة وأن تتم في إطار جماعي تعاوني وبموجب أهداف واضحة ومُحدَّدة.

ويتضمَّن تدريب المدرسين أنشطة تتدرج من الحصول على مهارة عمليَّة محدودة، بالإضافة إلى تطوير المعرفة التقنيَّة ومهارات التدريس، فضلاً عن تطوير الاتجاهات المُتعلِّقة بالجوانب الاجتماعيَّة نحو كثير من القضايا الاجتماعيَّة لكون المُدرِّس خاضعاً للتقاليد والأعراف السائدة. وعليه يمكن أن نلخص الأهداف التي يسعى تدريب المُدرِّس إلى تحقيقها وهو بشكل مركز في النقاط الآتية:

  • إيصال المعلومات والمعارف إلى المدرسين المُتدرِّبين.
  • إكساب المدرسين المُتدرِّبين مهارات جديدة أو تطوير المهارات التي يمتلكونها.
  • تغيير اتجاهات المدرسين المُتدرِّبين وتغيير سلوكهم لجعلهم أكثر انسجاما مع الأهداف التربويَّة المأمولة من النظام التربوي المعمول به.

هذه الأهداف المتوقعة من التدريب إذا ما تحققت لدى المُتدرِّبين بعد الانتهاء من البرنامج التدريبي للمدرسين فإنه من الممكن ملاحظة النتائج الإيجابيَّة من خلال ما يحصل عليه طلابهم من معارف أو مهارات أو سلوكيات تنعكس بصورة مباشرة على مستويات تحصيلهم ومستوى تعامل الطلاب الأخلاقي فيما بينهم، كما تلاحظ زيادة اتجاهات المدرسين الإيجابيَّة نحو مهنة التدريس. وبخلاف ذلك فإنّ أي برنامج تدريبي لا يحقق القسم الأكبر مما ذكر أعلاه يبقى برنامجاً هو حاجة إلى إعادة النظر فيه من جوانب مُتعدِّدة يمكن صياغتها على شكل تساؤلات على النحو الآتي:

لو صادف أن البرنامج التدريبي للمُدرِّس لم يحقق أهدافه فهل السبب يعود إلى:

  • أن المدرسين الذين تم انتقاؤهم للبرنامج التدريبي هم حاجة إلى تدريب في المجال التدريبي الذي التحقوا به أم تم اختيارهم بشكل عشوائي؟
  • أن المادة العلميَّة والمحاضرات والتدريبات التي تم إعدادها ضمن البرنامج التدريبي لا تمكن المُتدرِّب من زيادة خبراته لعدم وجود المعلومات الحديثة فيه؟
  • أن من يقوم بتدريب المُدرِّس ليس على درجة من الكفاءة في محتوى المعلومات المراد إيصالها إلى المُتدرِّبين؟
  • أن من يقوم بتدريب المُدرِّس يفتقر إلى الطريقة التدريبيَّة المناسبة لإيصال المعلومات إلى المُتدرِّبين؟
  • أن مدة التدريب غير كافية؟
  • أن وقت التدريب غير ملائم للمُتدرِّب؟
  • أن المكان الذي جرى فيه التدريب لا تتوافر فيه المستلزمات التي تساعد على انتباه المُتدرِّب معظم الوقت لما يجري فيه؟
  • انخفاض الدافعيَّة إلى التدريب لدى المُتدرِّب؟
  • عدم استخدام المحفزات الإيجابيَّة في التدريب مثل الثواب المادي أو الثواب المعنوي؟

هذه جملة من التساؤلات التي تدعونا إلى البحث عن إجابة شافية حينما لا يحقق أي برنامج تدريبي أغراضه المنشودة بهدف ألّا يكون الجهد والمال المصروف للبرنامج التدريبي ضائعاً، بل يحقق التدريب ما يسعى إلى تحقيقه من خطط معدّة له.

ولما كان التدريب في المجال التربوي يُركِّز في الدرجة الأولى على المُدرِّس بوصفه أحد أفراد القوى العاملة في المجتمع فان تأهيل المدرسين يُعَدُّ من أهم المقومات التي يرتكز عليها المجتمع في تقدمه وتحقيق التنمية الشاملة في المجالات المختلفة. كما أن التدريب في أثناء الخدمة يعد مصدراً أساسياً من مصادر التنمية البشريَّة وعاملاً رئيساً من عوامل الإنتاج كما وكيفاً لو توافرت كافة مستلزماته التي هي كفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة.

لذا كانت ولا تزال غاية فكرة التدريب في أثناء الخدمة متابعة النمو المطرد للمعرفة ومواكبة التطوُّر الحاصل في العلم لاسيما ونحن نرى ونسمع كل يوم عن تطور وابتكار جديد، فمن المخجل أن يبقى المُدرِّس يكرر ما تعلمه منذ سنوات في الوقت الذي تغيرت فيه كثير من الرؤى والمفاهيم. بل من المخجل أن يكون لدى الطلاب معلومات ومعارف ومهارات أكثر من المُدرِّس نتيجة لكون المُتعلِّم يتلقى المعرفة من مصادر أخرى مُتنوِّعة.

إن تكرار المُدرِّس لدروسه على منوال واحد قد يضعف مقدرته الفكريَّة ويعطل طاقاته الابتكاريَّة، فان لم يزود بين مدة وأخرى بأفكار جديدة في فن التدريس وأصوله ويرتاد أفاقاً معرفيَّة واسعة فسوف ينخفض مستواه العلمي دون أدنى شك.

وتأسيساً على ما تقدم، نما الاهتمام بتدريب المدرس، لما يحتله من دور فاعل في توجيه العمليَّة التربويَّة وإسهامه الفعَّال فيها لتحقيق أهدافها المرسومة.

لقد جعلت التطوُّرات العلميَّة والتغيُّرات الحضاريَّة والثقافيَّة مُدرِّس اليوم يختلف عن مُدرِّس الأمس، فبعد أن كانت مهمته في الماضي إيصال المعرفة والتوجيه لطلابه، أصبح المُدرِّس اليوم مكلفاً بمهمة شاقة ومعقدة إذ في كثير من الأحيان يكون الذي درسه منذ سنوات غير ذي الاضطلاع قيمة كبيرة كما كان من قبل. وعليه، لابد للمُدرِّس من أن يعيد النظر في ثقافته وتحصيله العلمي وبذل أقصى الجهد في متابعة ما يستجد من معلومات حديثة توسيعاً لمعارفه وخبراته ومهاراته.

ويبدو أن المختصين لم يغب عن تفكيرهم خطورة إبقاء المُدرِّس دون تدريب في أثناء الخدمة، ويبدو واضحاً في نتائج المؤتمرات والحلقات الدراسيَّة التي أكَّدت على زيادة الاهتمام بإعداد المُدرِّس وتدريبه وعدت ذلك ضرورة ملحة وأشارت إلى أن تنمية كفاية المُدرِّس في أثناء الخدمة أهم بكثير من إعداده للعمل فيما قبلها، غدا أن إعداده المُسبَق، ما قبل الخدمة، ما هو إلا مقدمة لسلسلة متلاحقة من فعاليات النمو والأنشطة التي لابد أن تستمر مع المُدرِّس طيلة مدة عمله في مهنة التدريس.

إن التدريب في أثناء الخدمة من أهم ما يحتاج إليه المُدرِّس في هذا الوقت وذلك لمواكبة ما ينتج من ابتكارات أجهزة حديثة ونظريات جديدة، وقد حدثت تغيٌيرات كبيرة في طرائق التدريس بعدما كانت الوسائل التعليميَّة لا تتعدى بعض الأجهزة والملصقات والخرائط والسبورة هي التي يعتمد عليها المُدرِّس في التدريس بينما نجد اليوم هناك تقنيات مُتطوِّرة تستخدم في التدريس تتطلَّب من المُدرِّس الإلمام بها لاستخدامها في التدريس ومنها الحاسوب على سبيل المثال لا الحصر.

ومما تقدم، يمكن القول إنّ تدريب المُدرِّس هو في ذاته غاية لأن التربية تسعى إلى بناء الإنسان بناءً متكاملاً، والمُدرِّس هو من يقوم بهذا البناء. فلابد إذاً من أن يمتلك كل مقومات النجاح لهذه المهمة. وفي الوقت نفسه يعد تدريب المُدرِّس وسيلة لجعل المُدرِّس يتواصل مع ما هو جديد من خلال ما يتضمَّنه التدريب من فرص لا يمكن الحصول عليها دون أن نجعل المُدرِّس في موقف تعليمي يتعرض له من خلال البرنامج التدريبي الذي يتواجد فيه والحصول على ما هو جديد.

الدكتور عبد الحسين رزوقي الجبوري

المصدر