الوسائل التعليمية في دائرة الضوء

 أصبح انتشار "الوسائل التعليميَّة" مصطلحاً استعمالاً شيئاً مألوفاً عند معظم فئات المجتمع المثقف منها وغير المثقف، العاملة في نطاق التعليم أو غير العاملة في هذا النطاق، ولما للوسائل التعليميَّة من دور وأهمية في ميدان التدريس



أصبح انتشار "الوسائل التعليميَّة" مصطلحاً استعمالاً شيئاً مألوفاً عند معظم فئات المجتمع المثقف منها وغير المثقف، العاملة في نطاق التعليم أو غير العاملة في هذا النطاق، ولما للوسائل التعليميَّة من دور وأهمية في ميدان التدريس فإن جميع المُؤسَّسات التعليميَّة وعلى كافة مستوياتها أصبحت توجه جزءاً كبيراً من اهتماماتها إلى توفير الوسائل، والتأكيد على ضرورة استخدامها والاستفادة منها في عمليَّة التدريس.

لكن المتتبع لنوعيَّة ومدى استيعاب مفهوم "الوسائل التعليميَّة" لدى الغالبية العظمى ممن يبدون اهتماماً وحماسةً لها، سيجد أن فهم ماهية الوسيلة يحتاج إلى تصحيح وبلورة في كثير من الأحيان، إلى جانب ضرورة توضيح الرؤية لعمليتي الاختيار والاستخدام في المواقف التعليميَّة.

تحت الضوء

لكل مشكلة أسباب، والطريق الصحيح للوصول إلى حلها يبدأ بمعرفة الأسباب، ومشكلة الوسائل التعليميَّة التي تحدثنا عنها تتركَّز أسبابها في "أخطاء" لابد من إزاحتها عن الطريق حتى نتمكن من تحقيق الأبعاد التربويَّة ونرتقي بتدريسنا بصورة مستمرة، ويمكن تلخيص الأخطاء في الآتي:

  1. فهم المقصود بالوسيلة التعليميَّة.
  2. تصور الأهداف من استخدامها.
  3. كيفيَّة اختيار وإنتاجها واستخدامها وإنتاج واستخدام الوسيلة.

وسوف نناقش هذه النقاط بإيجاز قدر الإمكان، لأن هذه القضايا ميادين لأبحاث علميَّة، ولا تكفي مقالة كهذه للتفصيل الدقيق فيها.

 

1 - المقصود بالوسيلة التعليميَّة؟

شاع بين كثيرين من الناس وخاصة العاملين في مجال التعليم (إداريين، موجهين، معلمين) أن الوسيلة التعليميَّة لوحة من الفلين أو الورق المقوى تكتب عليها عبارات أو قواعد علميَّة، أو ربما قصيدة شعرية، أو ترسم عليها رسومات وتعد بحيث تتوافر لها الصفات الفنيَّة من حيث اللون والتصميم والإخراج، ويختار لها أجمل مكان داخل غرفة الفصل، أو في ممرات المدرسة، وقد يصل التكريم لها بتعليقها في غرفة "المدير".

وتتطور الفكرة أحيانا لدى هؤلاء "المهتمين" ليحولوا الوسيلة إلى قطعة فنيَّة رائعة ومُجسَّمة بهدف وضعها في مكان بارز من المُؤسَّسة التعليميَّة، ويبدو من هذه الصورة أن مفهوم الوسيلة التعليميَّة والهدف منها لا يتعدى حدود "الزينة" لغرفة الدراسة أو الممرات أو غرف كبار المسؤولين في المُؤسَّسة التعليميَّة. صورة أخرى من هذا الاهتمام بالوسيلة التعليميَّة حيث نجد بعض الأساتذة يكلف تلاميذه بعملها، ولو كان هذا التكليف فوق طاقتهم المالية، وهو أي المُعلِّم ينسى سؤال نفسه:

  • هل هذه التي أطلق عليها اسم الوسيلة التعليميَّة سيستفيد هو منها في تدريسه للمادة العلميَّة فعلا، بحيث تساعد طلابه على فهم محتوى الدرس العلمي.
  • أو هي مجرد وسيلة لملء خانات توزيع الدرجات.
  • أو لإرضاء مدير المدرسة، ومن ثم يكون مصير تلك الوسائل وفي نهاية الأمر إلقاؤها في ركن من فناء المدرسة أو بجوار "برميل الزبالة" آخر العام الدراسي؟

ومما يثير الاستغراب أن بعض الأساتذة يتكاسل عن السعي لتوفير ما يحتاج إليه فعلاً من وسائل لمادته التي يقوم بتدريسها، ويعتمد على جيوب أولياء أمور الطلاب الذين أصبحوا زبائن دائمين لمحلات "النيون" والخطاطين، وكان الأجدر به بذل شيء من الجهد والمال أحيانا للحصول على ما يحتاج إليه، وفي كثير من الأحيان قد يجد في مستودعات المدرسة الشيء الكثير الذي يغنيه عن التكلف أو التخلف.

 

الوسيلة التعليميَّة كما يراها المختصون

تذكر معظم الكتب المُتخصِّصة في هذا المجال تعريفات عدة للوسـائل التعليميَّة، وهي في الحـقيقة يُكمِّل بعضها بعضاً ولا تناقض كبير بينها، ولكن إن وجد تعريف يجمع بينها بدون إخلال  بحدودها وتفصيلاتها فهو الأولى بالتركيز عليه، وقد ذكر كتاب "الوسائل التعليميَّة والمنهج" لمؤلفيه أحمد كاظم وجابر عبد الحميد، تعريفا يمكن قبوله إلى حد ما، فهو يصف الوسائل التعليميَّة بأنها:

  • "الأدوات والطرائق المختلفة التي تُستخدَم في المواقف التعليميَّة والتي لا تعتمد كلية على فـهم الكلمات والرمـوز والأرقام" (ص28).
  • ويذكر الدكتور عبد المجيد سيد منصور في كتابه "سيكولوجية الوسائل التعليميَّة" (ص38) تعريفا واضحا حيث يقول: "هي ما تندرج تحت مختلف الوسائط التي يستخدمها المُعلِّم في الموقف التعليمي، بغرض إيصال المعارف والحقائق والأفكار والمعاني إلى الدارسين".

 

2 - الهدف من استخدام الوسيلة

لابد من أن يسأل المُدرِّس نفسه عن الهدف من الوسيلة التي يُفكِّر في استخدامها هل هي:

  1. لتزيين غرفة الصّف أو غرف الإداريين وممرات المدرسة؟
  2. استخدامها في:
  • استثارة اهتمام التلاميذ.
  • في توضيح الدرس.
  • تلخيص الدرس.
  • تقويم الدرس.
  • ما المشكلة التي تحلها الوسيلة.
  1. لا هدف لها ولكن من باب تحصيل حاصل.

 

أسس اختيار الوسيلة التعليميَّة

  • العلاقة بين الوسيلة والمادة العلميَّة للدرس أو الوحدة الدراسيَّة.
  • أهمية الوسيلة بالنسبة إلى موضوع الدرس.
  • مناسبتها لموضوع الدرس.
  • مدى توافر عنصري الإثارة والتشويق في الوسيلة نفسها.
  • مدى تحقيقها للهدف من استخدامها.

وقد فصلت الكتب المُتخصِّصة في هذا البحث تلك القضايا بصورة وافية، وأي فرد له علاقة بالعمليَّة التربويَّة سواء أكان مُدرِّساً في رياض الأطفال أم كان أستاذاً في الجامعة لن يكون مخطئا إذا احتوت مكتبته الخاصة كتباً يتحدث عن الوسائل التعليميَّة للرجوع إليها والاستفادة منها عمليا.

 

3 - الاستخدام الأمثل

 استخدام الوســائل التعليميَّة وفـقا للأســس العلميَّة لا يمكن عَدُّه اختياراً مترفاً، بل هو ضرورة تربويَّة تؤكدها الدراسات والأبحاث المُتخصِّصة، ويزيد تأكيدها الاحتياجات الميدانيَّة في عالم التدريس، ولكن هذا الاستخدام يعتمد أســساً ومـعايـير مـن حيـث الكم والكيف، فليس المطلوب من المُعلِّم تـجميع أكبر عـدد مما يســميه البعـض "وســائل" أو استخدامها طيلة وقت الحصة.

فما المطلوب إذاً في استخدام الوسائل؟ الإجابة تتركَّز في الاعتدال والتوازن، وحتى نبسط الصورة نقول: إنَّ عمليَّة اســتخدام الوســيلة التعليميَّة يجب أن تــكون كاستخدام الملح في الطــعام، فلا نبالغ في الاستخدام فيتحوَّل الطعام إلى مادة قاتلة غالباً ولا نغفل الاستخدام فنحرم أنفسنا وطلابنا من فـوائــد عديدة أبســط ما فيها توفير الجـهد والوقت والطاقة. والمُدرِّس الذي لديه بصيص من الوعي التربوي يعرف متى وكيف وأين يستخدم الوسيلة التعليميَّة، وإذا لم يتوافر لديه هذا الحد من الوعي فما تـزال لـديه الفرصـة للـتعرف على الأســس والمبادئ التي لا غنى عنها لكل تربوي يريد التطوير والارتقاء بعمله وتقديم الأفضل دائما لأبنائه الطلاب.

 

المسؤوليَّة المشتركة

عبر مناقشات عديدة مع مجموعات من معلمي المرحلة الابتدائية، والذين سـبق لهم دراســة أربعة مُقرَّرات في الوســائل التعليميَّة بكليات المُعلِّمين، ظهر أن استـخدام الوسائل التعليميَّة في ميدان الواقـع يــواجه مشــكلات مُتنوِّعة ومن أطــراف مختلفة، والتهمة موجهة من قِبَلِ المُعلِّمـين إلى بـعض مديري المدارس الذين يرفضون استخدام المُعلِّم للوسيلة بحجج وأعذار مُتعدِّدة. بعض المديرين يشك في معرفة المُعلِّم بكيفيَّة تشــغيل أجهزة العروض الضوئيَّة مثلا ومن ثمَّ يخشـى من أعطال متوقعة لها، ويعتذر المدير بعدم توافر ميزانيَّة خاصة للصيانة وشراء قطع الغيار، وبعضهم يعتز باحتفاظه بالأجهزة سنوات طويلة وهي مخزنة "بعلبها" في المستودعات.

وفي الوقت نفسه يتهم بعض مديرين المدارس بعض المُعلِّمين بأنهم كسالى لا يحبون العمل ويعتذرون بعدم المعرفة كيلا يستخدموا الوسائل والأجهزة التعليميَّة، وبعض المديرين يلاحظ على المُعلِّمين حديثي التخرج وربما بعض القدماء عدم الإلمام فعلا باستخدام الوسيلة أو تشغيل الأجهزة الضوئيَّة وفي إحدى تلك المناقشات صرح أحد المُعلِّمين بقوله: إنَّ السبب هو تكاسل بعضنا وعدم اهتمامهم، كما يتحمُّل بعض المديرين مسؤوليَّة عدم الاستخدام للوسائل والأجهزة التعليميَّة.

والحقيقة أن المسؤوليَّة مشتركة بين جميع الأطراف في قضية استخدام أو عدم استخدام الوسيلة التعليميَّة، فالمُعلِّم والمدير وربما آخرون لابد لهم من أن يقفوا صفا واحدا لمحاولة تقديم الأفضل دائماً إلى أبنائنا الطلاب من خلال المواد التعليميَّة وطريقة عرضها بوساطة الوسائل التعليميَّة التي لا يمكن لمعلم يريد رفع مستوى أدائه أن يستغني عنها.

الحل بأيدينا جميعا: في أي ظرف وأمام أية مشكلة لا يمكن للإنسان التصرُّف بنضج وحكمة وإصدار القرار المناسب ما لم يتوافر لديه عناصر أساسيَّة تمكنه من ذلك وهي:

  • الرغبة الصادقة في مواجهة الموقف.
  • المعرفة الدقيقة والشاملة للموقف.
  • الإرادة القوية للعمل على الوصول إلى الأهداف.
  • التحرُّك بطريقة صحيحة وفي اتجاه صحيح نحو الهدف.

وفي موقف مثل القضية التي هي مثار حديثنا "استخدام الوسيلة التعليميَّة" فإن الحل الصحيح والحقيقي هو بيد كل واحد منا، فإن توافرت لدينا الرغبة الصادقة في استخدام الوسيلة فيتحتم علينا أن يكون لدينا إلمام كاف بمدى الاحتياج إليها وكيفيَّة اختيارها وتشغيلها، ثم لتكن في أعماقنا إرادة العمل فعلاً لتحقيق أهدافنا التربويَّة من خلال الوسيلة إلى جانب الأساليب الأخرى التي نتخذها في تحقيق الأهداف التربويَّة، مع الاهتمام بتتبع الخطوات الصحيحة في أثناء العمل ومنذ البدء به.

 

إضاءة: عزيزي المربي هل لديك رغبة في الارتقاء بعملك التربوي وتحسين أدائك؟

  • لا يكفي أن تقرأ أو تسمع محاضرة مختصرة عن الوسائل التعليميَّة من الضروري أن تمتلك في مكتبتك الخاصة في البيت بعض الكتب التي ستساعدك كثيراً على تطوير نفسك.
  • لابد من الممارسة والمران حتى تتكون لديك خبرة جيدة.
  • إن احتجت إلى من يساعدك في تنفيذ طموحاتك فهم كثيرون، لكن تذكر أن أهم شخص في إمكانه مساعدتك هو: أنت.

سراج حسين فتحي

مراجع ومصادر

  • أحمد خيري كاظم، جابر عبد الحميد، الوسائل التعليميَّة والمنهج، (القاهرة، دار النهضة، 1980م).
  • حسين حمدي الطوبجي، وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم (الكويت دار العلم 1400هـ).
  • عبد المجيد سيد منصور، سيكولوجية الوسائل التعليميَّة، (القاهرة، دار المعارف، 1982م).
  • محمد زياد حمدان، الوسائل التعليميَّة مبادئها وتطبيقاتها (بيروت، مُؤسَّسة الرسالة، 1401هـ).
  • مصطفى حسن عبد الرحمن، مفهوم الوسائل التعليميَّة والتكنولوجيا (مكتبة الحلبي، المدينة المنورة).
  • مصطفى حسن عبد الرحمن، دليل استخدام الأجهزة التعليميَّة (مكتبة الحلبي، المدينة المنورة).