المكتبة المدرسية:أهميتها-أهدافها-استثمارها

د. مسعد محمد زياد

من الأهداف الأساسيَّة للتعليم تحقيق النمو المتكامل للدارس من كافة النواحي الوجدانية، والعقليَّة، والاجتماعيَّة والسلوكيَّة والصحية. وتُؤكِّد الاتجاهات التعليميَّة الحديثة أهمية المكتبة المدرسيَّة وما تؤديه من دور فاعل في تحقيق أهداف التعليم، فهي مرتكز لكثير من العمليات والأنشطة التربويَّة والتعليميَّة داخل المدرسة. وتتميَز المكتبة المدرسيَّة من بقية أنواع المكتبات الأخرى المتوافرة في المجتمع، بكثرة عددها، وسعة انتشارها، فحيثما توجد مدرسة، يكون من المفترض أن توجد مكتبة فيها تقدم خدماتها للمُعلِّمين والطلاب، كما تمتاز بأنها أول نوع من المكتبات يقابل القارئ في حياته، وسوف تتوقف علاقته بأنواع المكتبات الأخرى الموجودة في المجتمع على مدى تأثره بها، وانطباعه عنها، وعلى مدى ما يكتسبه فيها من مهارات مكتبيَّة في القراءة، والبحث، والحصول على المعلومات.



كما أن للمكتبة المدرسيَّة أهمية أيضا في كونها وسيلة من أهم الوسائل التي يستعين بها النظام التعليمي للتغلب على كثير من المشكلات التعليميَّة التي نتجت عن المُتغيِّرات الكثيرة والمتلاحقة التي طرأت على الصعيدين الدولي والمحلي.

 

المكتبة المدرسيَّة والنظام التعليمي:
النظام التعليمي نظام متكامل له مقوماته الخاصة، كما أن له أنظمته الفرعية، غير أنه لا يعمل من فراغ، فهو نظام مفتوح يؤثر ويتأثر بالنظام الاجتماعي كله بما فيه من أنشطة اجتماعيَّة وثقافيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة. وطبقا لأسلوب تحليل النظم يمكن النظر إلى المكتبة المدرسيَّة على أنها نظام فرعي للتعليم، يتفاعل مع النظم الفرعية الأخرى للمدرسة كلها. وكما أن للتعليم مدخلاته ومخرجاته، فللمكتبة المدرسيَّة بكونها إحدى أنظمة التعليم الفرعية مدخلاتها الخاصة، وهي مجموعة من الأهداف التي ينبغي تحقيقها من وجود المكتبة، وكذلك مجموعات المواد، والمكان، والتجهيزات، والأثاث، والقوى البشريَّة. وكل هذه المدخلات ضروريَّة، ولا يمكن الاستغناء عن أي جانب منها، حيث إنّها تكون المقومات الأساسيَّة للخدمة المكتبيَّة.

 

المكتبة المدرسيَّة الشاملة ضرورة تعليميَّة:
كان الاعتماد في إعداد المكتبات المدرسيَّة منذ إنشائها على الأوعية التقليديَّة للذاكرة الخارجية التي تتمثل في المواد المطبوعة من كتب ونشرات ودوريات في تقديم خدمتها إلى المُعلِّمين والطلاب.
بيد أن التقدُّم العلمي، والتطوُّر التكنولوجي الذي تحقَّق في النصف الثاني من القرن العشرين أضاف وسائل اتصال حديثة يسرت نقل المعرفة، والمعلومات وبثها عبر أوعية غير تقليديَّة تعتمد على حاستي السمع والبصر كالأفلام الثابتة والمُتحرِّكة، والشرائح والمسجلات والشفافيات، والتلفاز التعليمي، وأشرطة الفيديو، وما إلى ذلك. ولكون الطفل يتعلَّم، وينمو ثقافيا من خلال اتصاله بالمؤثرات الثقافيَّة والطبيعيَّة والاجتماعيَّة في البيئة التي يعيش فيها، وأن قنوات الاتصال هي الحواس الخمس، وعلى رأسها البصر والسمع، لذلك كان التركيز على الاستفادة من إمكانات وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على تلك الحاستين في العمليات التعليميَّة لزيادة تأثير وفاعليَّة التعليم. هذا وتحقق المكتبة الشاملة الميزات الآتية:

  1. تكامل مواد التعليم، وترتيبها في مكان واحد.
  2. سهولة الوصول إلى المادة التعليميَّة المتصلة بأي موضوع من الموضوعات.
  3. الاقتصاد في تجهيز المدرسة بالوسائل التعليميَّة.
  4. ترشيد استخدام المواد التعليميَّة، وتنسيق تداولها بما يحقق أكبر استفادة ممكنه منها.

 

أهداف المكتبة المدرسيَّة الشاملة:
تكون المكتبة في المدرسة العصريَّة النموذجيَّة عنصراً أساساً من عناصر التنظيم المدرسي، ولا تختلف أهدافها الأساس عن أهداف المدرسة التي تقدم إليها خدماتها، فالأهداف الرئيسة للمكتبة يجب أن تكون هي أهداف المدرسة بالذات، ومع هذا فإن المهنة المكتبيَّة تحاول دائما صياغة أهداف أكثر ارتباطاً بالمكتبة، وبمعنى آخر تحاول تحديد أهداف أوثق اتصالاً بأنشطة المكتبة، ويمكن حصر أهداف المكتبة المدرسيَّة في الآتي:

  1. تيسير الخدمات المكتبيَّة المتنوعة، وغيرها من مجالات الأنشطة التربويَّة والثقافيَّة التي يتطلَّبها البرنامج التعليمي.
  2. التدريب على استخدام المكتبة، وبرامج اكتساب المهارات المكتبيَّة بعناصرها وخطواتها وتدريباتها في حصة المكتبة.
  3. اكتساب التلاميذ المعارف بجهدهم الذاتي.
  4. الحصول على المعارف من مصادرها في أثناء تدريس بعض أجزاء المنهج.
  5. احتواء المكتبة المدرسيَّة الشاملة على مراجع وكتب ومجلات، ووسائل الاتصال التعليميَّة التي تتصل بالمنهج المدرسي ومُقرَّراته للمواد الدراسيَّة، وأنواع المناشط التربويَّة داخل المدرسة وخارجها.
  6. فتح قنوات الاتصال الطبيعيَّة من مواد المنهج وممارسات الأنشطة المختلفة.
  7. مواجهة ظاهرة تكاثر المعارف الإنسانيَّة.
  8. تحليل المُقرَّرات الدراسيَّة، ومساندتها بالوسائل التي تحقق أهدافها.
  9. تعدد مصادر المعرفة، وتنوع وسائلها.
  10. تكافؤ الفرص التعليميَّة في الفصول المزدحمة.
  11. تلبية احتياجات الفروق الفرديَّة.
  12. اكتساب التلاميذ مهارات الاتصال بأوعية الفكر المتنوع.
  13. تهيئه خبرات حقيقيَّة، أو بديلة تقرب الواقع من التلاميذ.
  14. اكتساب التلاميذ اهتمامات جديدة.
  15. القدرة على التثقيف الذاتي.
  16. كشف الميول الحقيقيَّة، والاستعدادات الكامنة، والقدرات الفاعلة.
  17. ممارسة الحياة الاجتماعيَّة، وغرس القيم الجماليَّة.
  18. التدريب على استخدام المصادر المتنوعة والمُتعدِّدة التي تتناسب مع البحوث والدراسات المختلفة.

 

المكتبة المدرسيَّة وطرائق التدريس:
مما لا شك فيه أن طابع البرنامج التعليمي، وطرائق التدريس المتبعة يؤثر تأثيرا بالغاً في نوعيَّة وطبيعة الأنشطة المكتبيَّة المدرسيَّة، ومجالات خدماتها. ومن هنا يمكن القول إنّ فرص استخدام مصادر المكتبة استخداما وظيفيا تكاد تكون معدومة في المدارس التي تستخدم الطرائق والأساليب التقليديَّة في تدريس المواد والمُقرَّرات الدراسيَّة. حيث يعتمد المُدرِّسون في الغالب على الكتاب المدرسي، وعلى طرائق التلقين والحفظ، مما يجعل المُتعلِّم يقف موقفا سلبيا من المكتبة. في حين نجد المدارس التي تتبع الاتجاهات التعليميَّة الحديثة في طرائق التدريس، والتي تركز على جهود المُتعلِّم ذاته في عملية التعليم والتعلُّم، قد أوجد اتصالا وثيقا بين المكتبة والمنهج الدراسي. والحقيقة التي لا جدال فيها أن المكتبة المدرسيَّة تستطيع أن تسهم إسهاماً جدياً ومثمرا في خدمة المناهج الدراسيَّة وتدعيمها، وفي إكساب الطلاب خبرات مُتعدِّدة تتصل بالاستخدام الواعي والمفيد لجميع أوعية المعلومات لاستخراج الحقائق والأفكار منها، والحصول على المعلومات لمختلف أغراض الدراسة والبحث.

إن طرائق التدريس وأساليبه الحديثة تدعو إلى توفير الفرص الكافية والملائمة لكل طالب ليتعلَّم كيف يعلم نفسه بنفسه، بمعنى أن يتخذ موقفا إيجابياً من عملية التعلُّم.

 

المكتبة المدرسيَّة والمنهج:
من أهم أهداف المكتبة المدرسيَّة كما أوضحنا آنفا تدعيم المنهج الدراسي، وإثراؤه ومساندته بتوفير المصادر التعليميَّة على اختلاف أنواعها، وتيسير استخدامها للمُعلِّمين والطلاب للاستزادة من المعلومات التي تتعلَّق بموضوعات الدراسة المُقرَّرة. فالغرض الأساس للمكتبة غرض تعليمي تربوي في المقام الأول، ومن ثم فإن المنهج الدراسي الذي يعد محور العملية التعليمة والتربويَّة يأتي في مُقدِّمة اهتماماتها، ومجالا حيويا من مجالات عملها وأنشطتها.


دور المكتبة المدرسيَّة في خدمة المنهج:
المكتبة المدرسيَّة مرفق من أهم مرافق المدرسة النموذجيَّة التي تتبع الأساليب والطرائق التربويَّة الحديثة، وتطبق المنهج الدراسي بمعناه الواسع، وليس في استطاعة المدرسة أن تحقق المفهوم الحديث للمنهج من دون مكتبة تكون مُعدَّة إعداداً جيداً، ومزودة بقدر كاف من أوعية المعلومات على اختلاف أنواعها. والمدرسة التي تعتمد المفهوم الحديث للمنهج، لا تكون مكاناً تقتصر مهمته على حشو أذهان الطلاب بالمعلومات، وإنجاحهم في الامتحانات، بل تكون مكاناً يساعد الطلاب على النمو المتكامل، ويحتاج معظم هذا النشاط إلى القراءة والاطلاع. لذلك نرى أنّ للمكتبة المدرسيَّة أهمية كبرى في المدرسة العصريَّة النموذجيَّة، إذ إنها ترتبط ارتباطا وثيقا بمناشط الطلاب التي تهدف إلى إتاحة الفرص الكافية لتعليمهم وفق أسس تربويَّة سليمة، فضلا عن نموهم نمواً متوازناً من كافة النواحي.

أما من ناحية المواد المقروءة التي يجب توافرها في المكتبة لتلبية احتياجات القراءة المختلفة، فإنه ينبغي أن تكون متفقة ومناسبة مع استعدادات الطلاب وميولهم على مختلف أعمارهم، وتشبع حاجاتهم، وتلبي رغباتهم، حتى لا ينصرفوا عن المكتبة بحجة عدم وجود المواد القرائيَّة التي تلبي احتياجاتهم، سواء أكان ذلك لقلتها، أم لعلو مستواها، أم انخفاضه.

ويتضح مما سبق أن المكتبة المدرسيَّة إذا أرادت أن تُلبّي حاجات المنهج الدراسي، وتعمق أهدافه وجوانبه المُتعدِّدة، يتحتَّم عليها أن تكون غنية بمجموعات منتقاة بعناية من الكتب، وبالوسائل التعليميَّة الأخرى التي تتعلَّق بمختلف مناحي حياة الطلاب التي تشرف عليها المدرسة. ولكي تنجح المكتبة في تحقيق أهدافها، وخاصة فيما يتعلَّق بخدمة المنهج لا بد من أن يكون هناك تعاون دائم ومثمر وفاعل بين أمين المكتبة، وبقية أعضاء هيئة التدريس، وإن إيمان المُدرِّسين برسالة المكتبة، وتعاونهم وحماستهم هو الذي يبعث النشاط والحيويَّة في جوانب الخدمة المكتبيَّة المختلفة.


ويمكننا حصر مجالات التعاون بين المُعلِّمين وأمين المكتبة في الآتي:

  1. يقتضي تسهيل الخدمات المكتبيَّة لجميع الطلاب بالمدرسة تخطيطا تعاونيا من جانب كل من المُعلِّمين، وأمين المكتبة، فيما يتصل باختيار مجموعات المواد التي تزود بها المكتبة.
  2. المُعلِّمون هم أصحاب الدور الأول في تحديد شكل ومضمون مجموعة الكتب الموجودة في المكتبة.
  3. من المهم بصفة خاصة أن يراجع المُعلِّمون المؤلفات الموجودة في المكتبة قبل البدء في مادة دراسيَّة جديدة، ومثل هذه الزيارات التي يقوم بها المُعلِّمون للمكتبة، تساعد أمين المكتبة على أن يعد نفسه، ولكنها أهم بالنسبة إلى المُعلِّم إذ يتأكَّد من توافر مادة كافية عن الموضوع حتى يجنب الصف تجربة فاشلة بالنسبة إلى الكتب.
  4. مشاركة المُدرِّس في عمل المكتبة خلال زيارة الطلاب لها مهمة جداً، فهو يعمل مع أمين المكتبة خلال حصة المكتبة لوضع أسس العادات والاتجاهات المرغوب فيها، وأن يتأكَّد من أن كل طالب يجد المادة المناسبة لاهتماماته، وقدراته واستعداداته.

تلك نبذة سريعة عن أهمية المكتبة المدرسيَّة، وأهدافها، وكيفيَّة استثمارها والاستفادة منها، نأمل من الله تعالى أن يقدّرَ إخواننا المُعلِّمون، وأبناؤنا الطلاب أن يُقدِّروا قيمة هذه الوسيلة الهامة من وسائل تنمية الفكر وبنائه وتثقيفه، وإعداد الأجيال المقبلة الإعداد العلمي والثقافي والتربوي اللازم. والله ولي التوفيق.

 

المكتبة المدرسيَّة: أهميتها وأهدافها واستثمارها