القيم في مناهج التعليم وتأثيرات العولمة

في خضم التحولات التي يعرفها العالم المعاصر  أصبح سؤال الهوية يطرح نفسه بحدة، وأصبح الحديث عن الخصوصيات الثقافية زمن العولمة مثار جدل واسع في أوساط المهتمين بالمسار الحضاري لكل بلد وقطر وإقليم.
ويمكننا القول إن محاولات التنميط الثقافي والاجتماعي بعد النجاح القهري في عولمة الاقتصاد  يمر بالضرورة عبر إعادة خلخلة منظومة القيم التي تحفظ لكل بلد خصوصياته، وهكذا أصبحت النظرة إلى قضايا السكان والتنمية وحقوق الإنسان تأخذ بعدها الدولي من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة، وتجد الأصوات المنادية بالخصوصية الحضارية للشعوب ترفع أصوات الاحتجاج.



ويمكننا القول إن محاولات التنميط الثقافي والاجتماعي بعد النجاح القهري في عولمة الاقتصاد يمر بالضرورة عبر إعادة خلخلة منظومة القيم التي تحفظ لكل بلد خصوصياته، وهكذا أصبحت النظرة إلى قضايا السكان والتنمية وحقوق الإنسان تأخذ بعدها الدولي من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة، وتجد الأصوات المنادية بالخصوصية الحضارية للشعوب ترفع أصوات الاحتجاج والاعتراض والتحفظ على كل ما يمس أسسها العقائدية والفكرية وما لا ينسجم وواقعها، وتحاول أن تستصدر من هذه المؤتمرات توصية تمكنها من تكييف التوصيات الدولية مع خصوصياتها.

إلا أن الأمر بالنسبة للقيم الإسلامية يتجاوز الحديث عن الخصوصيات الإقليمية، لكونها قيماً عالمية وكونية على الأقل من الناحية النظرية، وهذا هو الذي يدفعنا في اتجاه الانتقال من الدعوة إلى مراعاة الخصوصيات إلى الدعوة إلى حوار الحضارات لبناء حد أدنى من القيم الإنسانية المشتركة.

وحين ننظر إلى الواقع نجد أن الدعوة إلى ضرورة الاعتراف بالخصوصيات الحضارية للشعوب التي لا تحمل خصوصيات عالمية، أو الحديث عن حوار الحضارات، تصطدم بالاتجاه العالمي الأحادي النظرة، المسنود بالقوة الاقتصادية وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، والذي يدعو الجميع إلى الانخراط في سياق العولمة بقيمها ومبادئها، فانتقل العالم من حوار الحضارات إلى صراع القيم وإعادة تشكيل عقل الإنسان وفق أنماط محددة.

ومن هنا أصبح الحديث عن ضرورة إعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية، خاصة في بعض البلدان الإسلامية التي يُدَّعى أنها ترسخ ثقافة العنف، والمطالبة بضرورة احترام المواثيق الدولية في صياغة قوانين الأسرة والتعليم والصحة وغير ذلك مما له صلة مباشرة بمنظومة القيم.

وفرق بين أن تمارس هذه البلدان نقداً ذاتياً تحاول من خلاله إعادة النظر في منظومة التربية والتعليم بالاستناد إلى منظومة القيم التي تؤمن بها، وبين أن تكون تحت ضغوط سياسية واقتصادية تدفعها إلى إعادة النظر في منظومة القيم ذاتها، وتحاول أن تقنع نفسها ومحيطها بضرورة إعادة صياغة سؤال القيم، فتقول: ما هي القيم التي ينبغي أن تحكم نظامنا التربوي؟ ومن ثَمَّ ما هي القيم التي ينبغي أن تحكم المجتمع؟

والخيار في نهاية المطاف يسير في اتجاهين:

إما خيار تعزيز منظومة القيم الإسلامية، وذلك عن طريق إعادة النظر في كيفية بناء المفهومات لدى المتعلم وأساليب ذلك وطرقه، والوسائل العلمية والمقاربات التربوية والتقنية الكفيلة بإبراز هذه القيم في صورتها الواضحة المشرقة، وبعدها الإبداعي، وعالميتها المرتكزة على الرحمة بالناس، ودورها في حل الأزمات والإشكالات التي يتخبط فيها المجتمع المعاصر.

وإما خيار الانخراط في منظومة القيم المادية التي تسوّقها العولمة بواسطة الإعلام والاقتصاد والقوة العسكرية، ومن ثَمَّ الذوبان في مسلك حضاري تتشكل معالمه بعيداً عن أساليب الإقناع والحجاج والحوار والتثاقف، واحترام الاختلاف والخصوصيات الحضارية للشعوب.

ومعلوم أن كثيراً من المفكرين المسلمين، بل وغير قليل من غير المسلمين، يدعون إلى ضرورة حماية الخصوصيات الحضارية للشعوب، ويعتبرون أن التحول في القيم تحول في الذات الحضارية بالضرورة، وأن أخطر ما يغير في الإنسان قيمه، وأن ما يهدد الكيانات الحضارية لا يكمن في الغزو العسكري ولا في الأمراض المادية الماحقة، فقد أبيدت أمم بكاملها ولكنها انبعثت من جديد لأن جذوة القيم كانت لا تزال حية فيها.

وعليه فإن الخيار الأول يبرز إلى الواجهة وتكون الصياغة الصائبة للسؤال أن تقول:
كيف يمكن أن تكون القيم الإسلامية قيماً للتغيير؟ عوض أن تقول: كيف يمكن تغيير القيم الإسلامية؟