القدرة على قياس العائد من العملية التدريبية مؤشر لنجاح الشركات والمنظمات الإدارية

 

مع زيادة الاهتمام بالتدريب هل يمكن قياس الاستثمار في التدريب

وتكلفة عوائده بشكل دقيق وكيف يتم ذلك؟

عبد الرزاق أخصائي تدريب

أصبح الاهتمام بالتدريب والتطوير من سمات المنظمات الحديثة الحكومية والأهلية الراغبة في التطور والتقدم وجودة الأداء، وهذا بدوره أسهم في جعل التدريب من أولويات هذه الشركات والأجهزة الحكومية لزيادة فاعلية مواردها البشرية، ولعل أسباب الاهتمام بالتدريب والتطوير تعود لأسباب يقف في طليعتها المنافسة والجودة والإبداع والتغيير المستمر في متطلبات العصر واحتياجات الناس والتقنيات المتغيرة والمطلوبة وتطور تحديات الموارد البشرية. وهذه العوامل زادت من أهمية قيمة التدريب وضرورة قياس تكلفته وعوائده.



 

وتعد عملية قياس الاستثمار في التدريب وتكلفة العائد ROI أصعب جوانب العملية التدريبية بالرغم من الجهود التي تبذل من قبل مؤسسات التدريب الحكومي والأهلي للقيام بهذه المهمة في مختلف دول العالم بشكل عام والعالم العربي على وجه الخصوص. وتكمن صعوبة ذلك في الأساليب المستخدمة وتعدد جوانب عملية التدريب.

وتعاني منظمات الأعمال عدم القدرة والدقة على قياس تكلفة الموارد البشرية بشكل عام والتدريب والتطوير بشكل خاص، وذلك نظرا لطبيعة العوامل المؤثرة في الموارد البشرية، وعلى مدخلات ومخرجات التدريب والتطوير. وقد سعت مؤسسات التدريب الحديثة جاهدة لقياس الاستثمار في التدريب ومعرفة تكلفة عوائده، وتعددت الأساليب والمداخل كما تعددت الإحصاءات والنتائج والأرقام.

التعليم وحده لا يكفي

ولأن التعليم والتدريب عنصران مهمان للموظفين والعاملين إلا أن التدريب جوهري لنجاح منشآت الأعمال، ولا يكفي الاعتماد على التعليم وحده للموظفين والعاملين، لأن التعليم وحده غير كاف لإنجاز المهام المطلوبة، والاعتماد عليه وحده يكلف المنشآت مبالغ طائلة.

إن التدريب عامل نجاح حاسم، فإذا لم يتدرب السكرتير أو رجل المبيعات أو المشرف أو المحاسب على المهارات المطلوبة فإن تعلمهم هذه المهارات سيستغرق وقتا طويلا كي يصبحوا فاعلين كما سيكلف ذلك المنشأة كثيرا.

دراسات الاستثمار وتكلفة التدريب

بريطانيا تعتبر الإنفاق على التدريب استثمارا وليس مصروفا.. والولايات المتحدة تنفق على التدريب 200 مليار دولار سنوياً

أوضحت دراسة في بريطانيا في عام 1985 عن اتجاهات الإدارة في بريطانيا مقارنة بدول أوروبا الأخرى حول الاستثمار في التدريب والتعليم المهني النتائج التالية:

- يعد الصرف على التدريب استثمارا ولا يعامل كذلك في المفاهيم المالية.

- قرارات مصروفات التدريب يتم اتخاذها على مستوى المديرين وليس على مستوى كبار التنفيذيين.

- مصروفات التدريب تعد إضافة في التكلفة يمكن التخلص منها أوقات الشدة وليس استثمارا ينمي روح العمل.

وفي ألمانيا ترى الإدارة أن الركود ليس فرصة فقط للتدريب للمستقبل، بل إن التدريب ضرورة لمواجهة التحديات المستمرة.

علاقة التدريب التطبيقي المنظم والربح

- أحد التحديات التي تواجه الدول هو علاقة التدريب التطبيقي المنظم بالربح، وفي بريطانيا بدأت دائرة التوظيف منذ عام 1987 في تحفيز التدريب وذلك بوضع الجائزة الوطنية السنوية في سبيل إدراك المنظمات ضرورة الاستثمار في التدريب وينص البرنامج على:

- "إن التدريب نشاط تجاري أهدافه جدية ويستدعي إدارة حاسمة، وقد وجد التدريب لدعم الأعمال ولم توجد الأعمال لدعم التدريب، ولذلك فإن التدريب هو مسؤولية رجال الأعمال، وليس إخصائي التوظيف فقط، وعندما يجد التدريب الاهتمام الكافي من الإدارة العليا فإنه يساعد على تطوير الخطط الرئيسية للأعمال المهنية ويحسن أداء العمليات ويسهم في التعامل مع الأمور الطوارئ".

وفي عام 1992 قامت دائرة التوظيف في بريطانيا بمبادرة جديدة تمثلت في تخصيص شهادة تأهيل للمنظمات باسم شهادة دائرة التوظيف للمستثمرين في الموارد البشرية, ولكي تؤهل المنظمة للحصول على هذه الشهادة عليها الالتزام بتطوير مواردها البشرية باستمرار.

 

تكلفة التدريب في العالم

زاد استثمار النظم الحديثة الحكومية والأهلية في مجال التدريب والتطوير, وارتفعت نسبة مخصصات التدريب في ميزانيات وبرامج الدول والمنظمات. وتؤكد الإحصائيات الحديثة ما يلي:

1 ـ ما يتم صرفه على التدريب والتطوير في العالم أكثر من 800 مليار سنويا.

2 ـ الولايات المتحدة وحدها تصرف أكثر من 100 مليار دولار سنويا.

3 ـ العالم العربي ما يقارب 250 مليار دولار سنويا.

4 ـ تنفق الحكومة في المملكة العربية السعودية على التدريب ما يزيد على مليار ريال.

5 ـ ينفق معهد الإدارة العامة في المملكة على التدريب وتأهيل العاملين من أعضاء هيئة تدريب وإداريين وفنيين نحو 18 مليون ريال سنويا, وهو ما يشكل نحو 8 في المائة من الميزانية السنوية للمعهد.

 

أهمية وأهداف الاستثمار في التدريب

تكلفة التدريب والتعلم

أوضحت الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD أن ما تنفقه المنظمات الأمريكية على التدريب والتطوير هو نحو 109.25 مليار دولار أمريكي بشكل سنوي خلال ثلاثة أرباع السنة وهي موزعة على النحو التالي: 79.75 مليار دولار تصرف على فعاليات التدريب الداخلية والباقي 29.50 مليار دولار تصرف على فعاليات التدريب الخارجية.

كما بينت الجمعية أن التراخيص وشهادات ومواصلة التدريب ونمو المهارات الجديدة للاحتياجات التدريبية قد ازدادت ووفقا لتقرير وزارة الصناعة State of Industry عام 2006 والتقرير الدوري للجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير حول تحولات تدريب وتطوير الوظائف يبين زيادة الإقبال على التدريب والتطوير، كما وضحت الجمعية نفسها من خلال المقارنات بالمتميز بين المنظمات الأفضل والمنظمات الكبيرة والمهمة والحاصلة على جوائز في مجال تدريب وتعليم الموظفين مقدار الاستثمارات الكبيرة لهذه الشركات والمنظمات في مجال تدريب وتطوير وتعليم موظفيها.

ووجدت دراسة الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير أن معدل الزيادة على تدريب الموظف للشركات الكبيرة والمهمة التي أجريت عليها الدراسة المقارنة توضح أن نسبة الصرف على الموظف الواحد ازدادت 1.424 دولار لعام 2005 وهي تشكل نسبة 4 في المائة زيادة على عام 2004، أما نسبة الزيادة لموظفي الشركات الأفضل فقد بلغت 1.616 دولار للموظف الواحد وهي تشكل نسبة 3.7 في المائة لعام 2005 عن عام 2004.

كما أن نسبة ساعات التدريب والتعلم قد زادت من 35 ساعة بالنسبة لعينة الدراسة للشركات الكبرى عام 2004 إلى 41 ساعة لعام 2005، كما زادت ساعات التدريب والتعليم للشركات الأفضل من 36 ساعة عام 2004 إلى 43 ساعة لعام 2005.

 

أهم مداخل قياس التدريب

هناك بعض المداخل أو الأساليب المقترحة لتقييم عملية التدريب والتطوير التي من خلالها يمكن قياس التكلفة والعائد وأهمها:

أولاً: مدخل "باترك" كأساس لتحديد طبيعة المعلومات اللازم جمعها تمهيدا لعملية تقييم التدريب، وقد حدد من خلاله أربعة مستويات رئيسية للتقييم, نورد لكل منها سؤالا يحتاج إلى تقييم وهي على النحو التالي:

1. رد الفعل Reaction: هل سعد المشاركون بالبرنامج؟

2. التعلم Learning: هل تعلم المشاركون من البرنامج؟

3. السلوك Behavior: هل عدل المشاركون سلوكهم وفقا لما تعلموه؟

4. النتائج Result: هل أثر تعديلهم للسلوك إيجابيا على نتائج عملهم؟

ثانيا: مدخل "باركر" 1973, اقترحه تريداوي باركر حيث قسم معلومات التقييم إلى أربعة أنواع رئيسية هي:

1. أداء الوظيفة Job Performance

2. أداء المجموعة Group Performance

3. رضا المشارك (المتدرب) Participant satisfaction

4. المعلومات التي حصل عليها المشارك Participant Information

ثالثا:

1. مخرجات تتعلق بردود الفعل.

2. مخرجات تتعلق بالقدرة.

3. مخرجات تتعلق بالتطبيق.

4. مخرجات تتعلق بالقيمة.

صعوبة تكلفة قياس العائد من التدريب

تكمن صعوبة تقييم تكلفة التدريب والتطوير وعوائده على المنشآت "كما يرى بعض خبراء الإدارة" أن تكلفته لا تشمل فقط المصروفات أو التكلفة المباشرة الخاصة بالتدريب فقط بل تمتد إلى سواها من التكاليف على مستوى المنشأة ككل.

ويؤكد خبراء التدريب من أنه لكي يبدو التدريب ملائما وبالتالي استثمارا يجب توضيح العلاقة بين المشكلات المحددة وأهداف التدريب، وكذلك تبين أن العلاقة بين تكلفة المدخلات والنتائج المحددة هي تحسن في الأداء، وكلما كانت العلاقة بين التدريب وأداء المنشأة قويا كانت جدارة التدريب وطلبك فيه الاستثمار قويين.

إن مشكلات الأداء والاستثمار في التدريب ليست مشكلات في القطاع الخاص والإنتاجي فقط بل هي مشكلات في القطاع العام وقطاع الخدمات، وقد يكون صعبا كشف ضعف وتدني الأداء في القطاعات الخدمية.

 

مقترحات لصعوبات قياس العائد

وفي الورقة التي أعدها كل من الدكتور مساعد الفريان والدكتور عبد المحسن اللحيد وهما خبيران في معهد الإدارة العامة والمقدمة في مؤتمر التنمية الإدارية المنعقد في الإمارات. وقد اقترح الكاتبان بعض التوصيات لتطوير عملية قياس عائد الاستثمار في التدريب وأهمها:

1. على المنظمات أن تؤمن بأن تنمية الموارد البشرية عملية استثمارية مستمرة وأساسية, وجزء لا يتجزأ من مهام وأهداف المنظمة.

2. العمل في كل منظمة على وضع آلية تنفيذية تحدد الكيفية والخطوات التي يتم من خلالها قياس عائد الاستثمار.

3. إيجاد ثقافة جديدة للتدريب تقوم على مبدأ العائد الاستثماري للتدريب.

4. اشتراك الإدارات والأقسام في المنظمة بعملية تقييم البرامج التدريبية.

5. تعويض النقص الذي يعانيه كثير من إدارات تنمية الموارد البشرية في الكفاءات المتخصصة في مجالات تنمية الموارد البشرية المختلفة.

6. أن يكون لدى كل منظمة أسلوبها الخاص في كيفية تقييم خططها وبرامجها التدريبية يقوم على أسس علمية صحيحة.

 

كيفية تحديد تكلفة التدريب

إن زيادة تكلفة التدريب والتطوير المستمرة مبرر قوي للسعي إلى إيجاد وسائل حديثة لتقييم هذا العائد وتوضيحه للقيادة العليا في منظمات الأعمال والمنظمات الحكومية، وذلك لتدعيم أنشطة وتطوير الموارد البشرية وتبرير ميزانياتها المخصصة لها.

ويساعد تحديد تكلفة تطوير الموارد البشرية الإدارة على الجوانب التالية:

1- تحديد حصة الفرد الواحد من التكلفة الكلية للتدريب.

2- التنبؤ بالتكلفة المستقبلية للبرنامج.

3- زيادة فاعلية وكفاءة إدارة تطوير الموارد البشرية.

4- تقييم البدائل المختلفة لتنفيذ أنشطة الموارد البشرية.

5- القدرة على تخطيط ميزانية العام التالي.

ويتم إنجاز الجوانب السابقة من خلال وضع نظام للتكاليف يتبع أسلوبا محددا في تصنيف التكاليف، وغالبا ما يستخدم أحد النظم التالية كأساس للتصنيف:

أ- التصنيف حسب العملية / الوظيفة وتقسم إلى عدة فئات.

ب- التصنيف حسب المصروفات (مثل الرواتب، والمواد التدريبية والمصروفات الأخرى.. وغيرها).

ويمكن الجمع بين الطريقتين (أ، ب) عند استخدام أو وضع نظام للتكاليف بحيث تقسم التكاليف وظيفيا إلى أربع مجالات:

1. تكاليف التحليل.

2. تكاليف التطوير.

3. تكاليف التنفيذ.

4. تكاليف التقييم.

ومن خلال هذا الدمج بين الطريقتين يمكن للمنظمة أن تطور المعادلة الخاصة بها في مجال تحديد تكلفة التدريب والتطوير.

 

كيفية حساب تكلفة التدريب

هناك العديد من الأساليب والاتجاهات في قياس تكلفة الإنفاق وعوائد التدريب وسوف نتطرق لأحد هذه الأساليب.

علينا أن نعلم أن جوهر عملية حساب العائد على الاستثمار في التدريب تتمثل في إعطاء قيم للبيانات التي يتم الحصول عليها من خلال أدوات التقييم المختلفة. إن تحويل التغيير في الأداء ( مخرجات – جودة – تكلفة – وقت ) يكون ممكنا كلما كان التغيير قابلا للقياس في حين يصعب قياس العائد المترتب على التعديل في الاتجاه أو اكتساب مهارات إدارية أو سلوكية عامة, كمهارات إدارة ضغوط العمل إدارة الوقت، التفويض، صنع القرارات، الإبداع ... وغيرها.

ونوضح بعض جوانب إعطاء القيم الرقمية للتغيير بسبب التدريب:

* قيمة الزيادة في المخرجات.

* قيمة التوفير في التكاليف.

* قيمة التوفير في الوقت مثل (الرواتب أو الأجور، خدمات أفضل وأسرع، تجنب الجزاءات، توليد فرص للربحية، تقليل وقت التدريب).

* قيمة الجودة المحسنة: (مثل الفاقد والعادم، إعادة العمل، عدم رضا العملاء، المردودات، الروح المعنوية).

ويعد إعطاء القيم هو الخطوة الأولى الذي يعقبها حساب العائد على الاستثمار الذي يتم حسابه عادة باستخدام المعادلة التالية:

العائد على الاستثمار = إجمالي الإيرادات قبل خصم الضريبة

متوسط الاستثمار

 

وعند تطبيق هذه المعادلة في مجال تنمية الموارد البشرية تكون المعادلة على النحو التالي:

العائد من البرنامج = صافي فوائد البرنامج

تكاليف البرنامج ( الاستثمار )

 

ويبقى الاعتماد على الاستثمار دائما رهن الحصول على قيم محددة وموثوق بها ماليا.

نظرة مسؤولي الإدارة العليا للتدريب

- إن السؤال المطروح هو: هل تتطور نظرة كبار مسؤولي الإدارة العليا في القطاعين الحكومي والأهلي لدينا لأهمية التدريب والتطوير ويكون أحد اهتماماتهم لكي تتطور ميزانيات الإنفاق على التدريب وتتطور دراسات وأساليب استثماره وقياس تكلفته؟!

 النجاح نت