العوامل المؤثرة في التعلُّم

هناك عوامل عدة تؤثر في التعلُّم، ومن هذه العوامل عامل الاستعداد والنضج، والدافعيَّة، والممارسة والخبرة. ويقصد بالاستعداد الحالة التي يكون فيها المُتعلِّم مستعداً استعداداً عاماً أو استعداداً خاصاً لتلقي الخبرة. وفيما يأتي تبيين ذلك:



أولاً: الاستعداد (Readiness)

ويقصد بالاستعداد العام الذي يحدده جانييه (Gagne, 1985) الحالة التي يكون فيها المُتعلِّم مستعداً استعداداً عضوياً للنجاح في تأدية المهمات التي يتوقع مصادفتها في المدرسة، ويتحدَّد هذا الاستعداد بسن القبول في المدرسة العربيَّة، وهو سن السنة السادسة. حيث إنّه في سن السنة السادسة يكون الطفل قد نما نمواً كافياً يسمح له باستخدام أصابعه للقيام بعمليَّة الإمساك بالقلم، ثم يكون قد توافرت لدية قدرة التآزر الحسي الحركي التي يتم فيها الربط بين ما يراه وما يقوم بكتابته، بالإضافة إلى توافر قدرة الطفل على البقاء في مكانٍ واحدٍ مدةً لا تقل عن أربعين دقيقة للانتظام في الحصة الصفيَّة.

أما الاستعداد الخاص لدى المُتعلِّم فيتحدَّد بتوفير ما سماه جانييه Gagne) 1985) بالمقدرات (Capabilities) التي تتضمَّن فكرتها أن كل خبرة تعلُّمٍ جديدةٍ تتطلَّب خبراتٍ سابقةٍ (مقدرات) أو مفاهيم ضروريَّة لتعلم الخبرة الجديدة. لذلك على المُعلِّم أن يتقصى توافر هذه الخبرات لدى الطلاب قبل تقديم الخبرة الجديدة. وقد حدَّد ثورندايك (Edward Lee Thorndike1949 – 1874) ثلاث حالاتٍ لتوافر الاستعداد عن تبنيه فكرة الاستعداد الفسيولوجي للتعلُّم ويرى أن هذه الحالات هي:

  • عندما يكون المُتعلِّم مستعداً للتعلُّم ويتقدم للتعلُّم فإن تعريضه لخبرة التعلُّم تجعله سعيداً.
  • عندما لا يكون المُتعلِّم مستعداً للتعلُّم ولا تتاح له فرصة التعلُّم فإن ذلك يجعله شقياً.
  • عندما يكون المُتعلِّم غير مستعد للتعلُّم ويجبرعلى تلقي التعلُّم فإن إجباره على التعلُّم يشقيه.

 

وقد حدَّد بياجيه (Jean Piaget  1896 – 1980) الاستعداد بأنه الحالة النمائيَّة المعرفيَّة التي يسمو بها المُتعلِّم والتي تسمح له بتطوير تراكيبه المعرفيَّة (Cognitive Structure) والتي يريد إدماجها في بنائه المعرفي. ويرى بذلك أن الاستعداد للتعلُّم يتحدَّد بالمراحل النمائيَّة الأوليَّة التي يمر بها في أثناء تطوُّره من المرحلة الحس حركيَّة (من سن الولادة) حتى المرحلة المُجرَّدة (سن 15 ، 14) وفي ذلك تظهر أهمية عامل النضج في تحديد عامل الاستعداد.

أما برونر (Bruner) فيرى أن الاستعداد يتحدَّد بتوافر التمثيلات المعرفيَّة (Representations) التي تتوافر لدى الفرد دون الاهتمام بعامل النضج، حيث أثار افتراضه اهتماماً عظيماً في هذا الشأن فافترض "أنه يمكن تعليم أي موضوعٍ بفعاليَّة، وبشكلٍ عقليٍّ أمين، لأي طفلٍ في أي مرحلةٍ من مراحل النمو".

وتشير دراسات هيلجارد (Ernest R. Hilgard) في توضيحه أهمية عامل النضج (Maturation) للكشف عن الاستعداد إلى أن الأطفال الأكثر نضجاً كانوا أسرع تعلماً من الأطفال الأقل نضجاً. وقد أظهرت تجاربه على أن النضج الفسيولوجي العام وما يتعرض له الأطفال من خبرات يسهمان بدرجة كبيرة في سرعة نمو وتعلم المهارات.

وأشار جيزل (Gessell) كذلك إلى أن نمو المُتعلِّم وسلوكه في كل المراحل العمرية محكومٌ بقوى النضج الداخليَّة، وبذلك تظهر أهمية مراعاة استعداد المُتعلِّم ونضجه في تحديد خبرات التعلُّم.

 

ثانياً: الدافعيَّة (Motivation)

وللدافعيَّة أهمية في إثارة التعلُّم لدى المُتعلِّم، وقد حدد ويتيج الدافعيَّة بأنها "أية حالة تساعد على تحريك واستمراريَّة سلوك الكائن الحي"، إذ إنه دون الدافعيَّة يخفق الكائن الحي في أداء السلوك الذي سبق تعلمه.

 

وتؤدي الدافعيَّة وظائف مهمة في التعلُّم حيث أن لها:

  • وظيفة تحريك وتنشيط (Activation) السلوك من أجل تحقيق التعلُّم.
  • توجيه (Orienting) التعلُّم إلى الوجهة المُحدَّدة، وبذلك يكون السلوك التعليمي سلوكاً هادفاً.
  • صيانة (Maintaing) استمراريَّة السلوك من أجل تحقيق التعلُّم المراد تعلمه وتعدُّ هذه أهم الوظائف للتعلُّم.

 

ثالثاً: الخبرة (Experience)

يعدُّ عامل الخبرة والممارسة (Experience) من العوامل المهمة في تغير السلوك. ويقصد بالخبرة (Experience): الموقف الذي يتعرض له المُتعلِّم في مثيرات بيئيَّة يتفاعل معها ويحدث تغير لديه بفعل هذا التفاعل. لذلك تولي الظروف البيئية الأهمية الكبيرة لأنها تُحدِّد إلى درجةٍ كبيرةٍ نمو وتطور المُتعلِّم وزيادة حصيلته التعليميَّة وخبراته. ويرى بعضهم أن البيئة تسهم إلى درجةٍ كبيرةٍ في تشكيل الذخيرة المعرفيَّة لدى المُتعلِّمين، ويمكن تفسير ذلك بأنّ البيئة التي تتضمَّن مميزات غنية تتيح لأطفالها فرص التفاعل والنمو بعكس البيئة الفقيرة في ميزاتها حيث تحد من قدرات واستعدادات أبنائها وهذا يعطي قيمة للاتجاه المعروف بقيمة الخبرات الموجهة (Directed Experience) وهو الاتجاه الذي يبني عليه برونر (Bruner)، وعلماء السلوك الأهمية في التخطيط الخبرات الضروريَّة والملائمة للمُتعلِّمين.

 

رابعاً: النضج (Maturation)

على الرغم من أننا استبعدنا من مواقف التعلُّم، تلك المواقف الناتجة من النضج، إلَّا أنَّ النضج شرطٌّ ضروريٌّ وليس كافياً لحدوث التعلُّم، فلا يمكن أن يتعلَّم الطفل مهارةً حركيَّة أو عقليَّة، إذا لم يصل إلى درجة من النضج تمكنه من التعلُّم. و قد سبق لنا الإشارة إلى العلاقة بين النضج و التعلُّم. وبيَّنا أن النضج يعد شرطاً لازماً للتعلُّم فلا نستطيع مثلاً أن نعلم الطفل في الروضة بعض العمليات الحسابية المعقدة، لأنه لم يصل إلى مستوى من النضج العقلي والمعرفي الذي يمكنه من تعلم تلك العلميات، كما لا نستطيع أن نعلم الطفل الصغير أن يقرأ أو أن يتحدَّث بطلاقة، لأنه لم يصل إلى مستوى مناسب من النضج في قدراته العقليَّة، أو في أعضاء الكلام، تمكنه من التحدُّث بطلاقة، إذ عندما نريد أن نعلّم الطفل مهاراتٍ معينة، لا بد لنا من التأكُّد من مستوى نضج الأعضاء المسؤولة عن القيام بتلك المهارة