العوامل التي تعمل على تنمية القدرة على التفكير

محمود طافش

يبرز الأدب التربوي مجموعة من العوامل التي تعمل متكاتفة على تنمية القدرة على التفكير عند المُتعلِّمين. وهذه العوامل منها ما يتعلَّق بالتكوين النفسي للمُتعلِّم، ومنها ما له علاقة بالبيئة التي يتعلَّم فيها، ومنها ما يتعلَّق بالمُعلِّم وتأهيله واستعداداته وقدراته. وفيما يأتي عرض موجز لهذه العوامل:



  1. العوامل التي تتعلَّق بالمُتعلِّم:
  • الثقة بالنفس وبالقدرة على التعلُّم والتقدُّم والإبداع، فإن الطفل الذي يتسم بهذه الميزة يميل في أغلب الأحيان إلى الاستقلاليَّة برأيه، ويقبل على العمل الموكل إليه دون خوف من الخطأ، أو رهبة من الإخفاق فيتعلَّم ويبتكر ويبدع.
  • قوة العزيمة والإرادة فلا يضعف أمام العقبات ولا يستسلم للإخفاق.
  • القدرة على تحمل المسؤوليَّة، فلا يتعلل بالأعذار، ويعترف بالخطأ، ويتعلَّم منه ويتجاوزه.
  • اجتناب الروتين والتقليد الأعمى للآخرين، فينحو منحى خاصاً به، ولا يهزّه النقد، ويميل إلى المغامرة وإلى تحدّي الصعاب.
  • الصدق في التعبير، والإخلاص في العمل، ولا يرى رقيباً عليه سوى ضميره ورغبته الملحة في الإبداع والتميُّز.
  • القدرة على إدراك العلاقات بين الأشياء، وعلى التفكير في حلول بديلة للمشكلات.
  • المثابرة وممارسة الأعمال برضى وسعادة وحزم وثبات، وإنجاز العمل الذي يوكل إليه بسرعة وإتقان.
  • القدرة على محاورة الآخرين وإقناعهم بالأدلة العلميَّة المنطقية.
  • التفاؤل والإحساس المرهف، والانفتاح الذهني، وسعة الخيال.

 

  1. عوامل البيئة:

 يجب أن تكون بيئة التعلُّم ملائمة لممارسة التفكير، وغنية بالمثيرات والوسائل التعليميَّة، وتتوزع المؤثرات التعليميَّة التي يتعرَّض لها الطفل على مصدرين أساسيين يكمل كل واحدٍ منهما الآخر وهما البيت والمدرسة.

  • البيت
    يُعَدُّ بيت الأسرة المكان الأول الذي يطوّر فيه الطفل ذاته وخبراته وطرائق تكفيره، فهو يتفاعل مع الأشخاص المحيطين به، وكذلك يتفاعل مع الأشياء المتاحة له، بقصد أو بدون قصد، فيكتسب منهم لغة ومعرفة وخبرات. ويكون البيت مساعداً على التعلُّم والتفكير إذا كان أفراد الأسرة فيه:
    • مثقفين، متسامحين متسلحين بالفضائل.
    • يحترمون توجهات وميول الأطفال إذا لم تكن منحرفة أو شاذة فيعملون على تقويمها بوعي.
    • يتقبَّلون أسئلة الأطفال ومبادراتهم ويشجعونها.
    • يسمحون للأطفال بحريَّة التفكير والعمل، واللعب والتواصل مع الأطفال الصالحين.
    • يهيئون للأطفال الألعاب ووسائل التثقيف المناسبة لأعمارهم العقليَّة.
    • ينشئون الأطفال على الأخلاق الفاضلة وعلى احترام الآخرين وتقبل الرأي المعارض.
    • يوفرون الأمن والطمأنينة وحريَّة الحركة والتصرُّف.
    • يدربون الأطفال على الاستقلاليَّة في العمل والاعتماد على النفس.
    • يقللون من ألفاظ اللوم والزجر ولا يتشددون في تصحيح الأخطاء وتقويم السلوك، ولا يميلون إلى إيقاع العقاب وإنما يعتمدون على التوعية والإقناع.
    • يكونون قدوة صالحة لأبنائهم في أحاديثهم وممارساتهم.

 

  • المدرسة
    تحرص الإدارة المدرسيَّة الواعية على إيجاد بيئة مدرسيَّة جاذبة يشعر فيها جميع المُتعلِّمين بالأمن والسعادة وذلك من خلال:
    توفير جو اجتماعي يشعر فيه التلاميذ بالطمأنينة والود والمساواة.
    • توفير غرف المصادر التي تحتوي على التقنيات الحديثة التي تشجع على التعلُّم وتحفز إلى التفكير.
    • توفير مكتبة تخدم جميع المُقرَّرات الدراسيَّة.
    • توفير الألعاب التعليميَّة الملائمة لجميع الأعمار.
    • توفير الملاعب الرياضيَّة وبرك السباحة.
    • تأهيل المُعلِّمين ليحسنوا التفاعل مع التلاميذ بتوظيف مختلف أساليب تعليم التفكير.
    • تنظيم محاضرات ولقاءات يتحاور فيها الطلاب مع بعض المُفكِّرين.
    • توفير مسرح مدرسي مجهّز بمختلف الاحتياجات الفنيَّة.
    • إقامة معارض يعرض فيها الطلاب المُتفوِّقون إبداعاتهم.
    • تكريم الطلاب المُتفوِّقين والمبدعين بتقديم الجوائز والحوافز إليهم.

 

  1. العوامل المُتعلِّقة بالمُعلِّم:

يعد المُعلِّم من أبرز العوامل التي تهيئ للأطفال فرص تعلُّم التفكير، حيث يتوقف نجاح المُتعلِّمين في عملية التفكير على نمط التعليم والتفاعل الصفي الذي يقوده المُعلِّم داخل غرفة الصف. ويشير علماء النفس إلى مجموعة من الممارسات التي ينبغي للمعلمين أن يحرصوا عليها ليوفروا لتلاميذهم بيئة صفيَّة تساعد على إنجاح عملية تعليمهم التفكير. وهذه الممارسات هي:

  • يستطيع المُعلِّم أن ينمي ثقة الطالب بنفسه، وذلك بتمكينه من تحقيق نجاحات بإنجاز مهمات تكون في مستوى قدراته، ثم تثمين تلك النجاحات بعبارات تعزيز مدروسة، ويدربه على تحمل المسؤوليَّة دون مساعدة أو مراقبة أو تهديد، وهذه الثقة تمكنه من تجاوز العقبات التي قد تعترضه.
  • يحسن الظن بالمُتعلِّم ويتوقع منه أن يتفوق مما يشكل حافزاً له إلى العمل.
  • يمنح المُتعلِّم الحريَّة الكاملة لاختيار النشاط الصفي الذي يميل إليه.
  • يحترم مبادرات المُتعلِّم، ويقدر أفكاره ويعززها بما يلائمها مهما كانت محدودة. ووسائل التعزيز يمكن أن تكون معنويَّة بالألفاظ أو ماديَّة بالدرجات وشهادات التقدير والهدايا الرمزية مع مراعاة ألا تصرف ألفاظ التعزيز اعتباطاً وإنما بقدر وبما يتناسب مع طبيعة العمل المنجز، وهذا مما يشجع المُتعلِّم على المشاركة الإيجابيَّة في الأنشطة الصفيَّة.

 كما يجدر بالمُعلِّم عدم السخرية من أفكار التلميذ ولا يحق له التقليل من شأنها أو رفضها مما يترتَّب عليه انطواء التلميذ على نفسه والإحجام عن المشاركة أو الإفصاح عن أفكاره.

 

 ومن التعليقات المحبطة التي يوظفها بعض المُعلِّمين، (جروان 2002، ص127):

  • خطأ.
  • فكرة سقيمة.
  • أين كنت عندما شرحنا الدرس؟
  • ليس معقولاً ما تقوله.
  • يبدو أنك لم تحضر الدرس.
  • إذا لم تكن متأكداً من الإجابة الصحيحة فلا ترفع إصبعك.
  • من أين أتيت بهذه الفكرة؟

 

  1. يهتم المُعلِّم بكل نجاح يحققه الطالب، ويشيد به، ويشجعه على مواصلة العمل لتحقيق المزيد من النجاحات.
  2. يراعي الفروق الفرديَّة بين تلاميذه، ويولي كل طالب حقه من العناية.
  3. يحنو على تلاميذه ويشعرهم بالمحبة والعطف ويقدّر مشاعرهم فلا يسخر منهم أو من أفكارهم.
  4. يظهر الاهتمام بجميع التلاميذ دون إهمال واحد منهم.
  5. يصغي إلى أفكارهم وإجاباتهم وتعليقاتهم باهتمام ويعززها بالألفاظ الملائمة، ولا يسمح بمقاطعة المتحدث وإنما يعطي كل مُتعلِّم حقه في التعبير عن رأيه بحريَّة.
  6. يحدد الأهداف بوضوح ويشارك المُتعلِّمين في البحث والتفكير والعمل الجاد على تحقيقها.
  7. يشجع المُتعلِّم على ممارسة التعلُّم الذاتي.
  8. يشجع المُتعلِّمين على توظيف الألعاب في إنتاج أشياء جديدة ومفيدة.
  9. يشجع الأطفال على الاستقلاليَّة في الرأي وعلى توليد الأفكار.
  10. يشجع التواصل مُتعدِّد الاتجاهات ويفسح المجال للمُتعلِّمين للتعبير عن آرائهم وأفكارهم.
  11. يطرح الأسئلة التي تنمي التفكير وتثير القابليَّة للإبداع، ويوظف الأسئلة المفتوحة لاستثارة تفكير المُتعلِّمين.
  12. يُتيح المُتعلِّم فترة زمنيَّة للتفكير قبل مطالبته بالإجابة عن سؤال بهدف إيجاد بيئة ملائمة للتفكير التأملي، وإذا كان السؤال موجهاً من قِبَلِ التلميذ فإن المُعلِّم بدوره ينصت إليه بضع ثوان قبل أن يجيب ليكون قدوة لتلاميذه في إبراز أهمية التأمل والتفكير قبل الإجابة.

 

إضافة إلى ذلك فإن مُعلِّم التفكير ينبغي له:

  1. أن يكون قادراً على تعديل سلوك تلاميذه.
  2. أن يكون متفهماً لطبيعة الطفل، وخصوصاً الطفل المبدع الذي يتسم بميله إلى العُزلة أحياناً.
  3. أن يكون قادراً على إعداد برامج لتنمية قدرة المُتعلِّمين على التفكير.
  4. أن يكون قادراً على توظيف أساليب تنمية التفكير المتنوعة مثل: حل المشكلات.

ويؤدّي المنهج الدراسي الحديث دوراً مهماً في تمكين المُعلِّم من تعليم تلاميذه التفكير عبر أربع عمليات تفكيرية مركبة هي: حل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتفكير النقدي والتفكير الإبداعي. وقد برز في الآونة الأخيرة اتجاه لدمج تعليم مهارات التفكير عبر المواد الدراسيَّة
(طافش 2004، ص51)، "بحيث يكون التعليم في المنهج المدمج مبنياً على التفكير، وحينما يتعلَّم الطلبة استراتيجيات التفكير من قدراتهم التعلميَّة والتفكيرية تسمو بصورة ملموسة فيصبحوا أكثر استمتاعاً بالتّعليم وأكثر رغبة فيه، وهذا مما يحفزهم إلى التعلُّم الذاتي سعياً نحو الإبداع".

 

العوامل التي تعمل على تنمية القدرة على التفكير
محمود طافش