العلاقات الإنسانيَّة في الإدارات والمُؤسَّسات التربويَّة

إننا في هذا العصر أكثر ما نكون في حاجةٍ إلى هذه العلاقات الإنسانيَّة والتي تعتمد تفهم حاجات الفرد والجماعة وتركز على العنصر البشري أكثر من التركيز على الجوانب الماديَّة، كما تعمل على إثارة الدوافع الفرديَّة بهدف الإنتاج والتنظيم في جوٍ يسوده التفاهم والثقة المتبادلة، فرضا الأفراد وارتياحهم في أعمالهم إنما هو نتيجةٌ للشعور بالتقدير والشعور بالانتماء والمشاركة. فعندما تكون العلاقة بين الرئيس والمرؤوس علاقة ودٍّ واحترامٍ متبادلٍ يؤدي ذلك إلى إنتاجٍ مثمرٍ فى العمل.

 



يتناول هذا البحث بالسرد الوصفي أهمية العلاقات الإنسانيَّة في تطوير الإدارة التربويَّة بإثارة عدة تساؤلاتٍ تحاول هذه الورقة البحثيَّة الإجابة عنها وهي: ما مفهوم العلاقات الإنسانيَّة؟ ما أهمية العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة؟ كيف تساهم العلاقات الإنسانيَّة في تطوير الإدارة التربويَّة؟

إنّ العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة هي التي تقوّم سلوكياتها على تقدير كل فردٍ في التنظيم الإداري، وعلى الدراسة الموضوعيَّة للمشكلات التربويَّة والإداريَّة، وشعور كل فردٍ بالانتماء إلى الجماعة التي يعمل من خلالها. أما التطوير على مستوى الإدارة "فهو عمليَّة تزويد الإداريين بالمهارات والمعلومات التى تساعدهم على تحسين أدائهم في العمل ورفع مستوى كفاءتهم في معالجة المشاكل الإداريَّة، بينما يُعرَّف التطوير الاداري بأنه "إحداث تغييراتٍ في طبيعة النشاطات الفكريَّة والسلوكيَّة داخل الجهاز الإداري".

إنّ تطبيق العلاقات الإنسانيَّة في المُؤسَّسة التربويَّة يعني التركيز على الجانب المعنوي للعاملين بكونه جانباً مكملاً للجانب المادي، وإن اهتمام الإدارة وحرصها على تطبيق جانب الاتصال الاجتماعي، وإيجاد جوٍ وديٍ تعاونيٍ بين الأفراد وتشجيع المبادرات، وتنمية الدوافع، والقبول النفسي، وإيجاد الحوافز الماديَّة والمعنويَّة لدفع الأفراد إلى العطاء وتقدير أعمالهم واحترام إنسانيتهم، وتهيئة البيئة الآمنة الاجتماعيَّة لجميع العاملين سيكون له مردودٌ ايجابيٌ فعَّالٌ لتقديم أفضل ما يمكن تقديمه من عملٍ منتجٍ مثمرٍ، ويُعَدُّ الإنسان محور التغيير في أي مجتمع أو إدارة، وهو الذي يتصدى لعوائق التغيير بطرائق سليمةٍ ومدروسةٍ وفق استراتيجيَّة واضحة، ومفتاح نجاح التغيير في الإدارة هو القائد بمساندة آليات التغيير الفعَّالة، ويشكل العاملون في تقبلهم وتأييدهم وتصرُّفاتهم ومساندتهم جزءاً هاماً للنجاح فكلما كانت العلاقات الإنسانيَّة إيجابيَّة ومتينةً بينهم أدى ذلك إلى نجاح العمل ونجاح الإدارة وتطورها نحو الأفضل.

 

مقدمة: "إن الإنسان اجتماعيٌّ بطبيعته لذا فإنه لا يستطيع أن يعيش في عزلةٍ عن بني البشر، وفي الواقع فإنه تربطه بغيره علاقاتٍ إنسانيَّة مُتنوِّعةٍ، فبين الأبناء والآباء علاقات، وبين الأزواج علاقات، وكذلك بين المُوظَّفين والمُعلِّمين والتلاميذ علاقات تربط بعضهم ببعض"(1).

العلاقات جمع علاقة بفتح العين، وورد في لسان العرب أن: علق بالشيء علقاً أي تشبث فيه، وعلق الشيء علقاً، وعلق به لزمه.

والإنسانيَّة تعني جميع الصفات التي تميز الإنسان من غيره من الكائنات الحيَّة، وهذا يعني أن العلاقات الإنسانيَّة تعبرعن جملة التفاعلات بين الناس سواءً كانت إيجابيَّة، ومنها الإحترام والعدل والتسامح والرفق، أم كانت سلبيَّة ومنها التكبر والظلم والجور والقسوة، الخ (2).

"إنّ العلاقات الإنسانيَّة في محيط العمل تتفق تماماً مع مبادئ وأسس تنمية المجتمع من حيث تغيير الاتجاهات والمشاركة والتعاون والإشراف الفعَّال، ونجاح العمل الجماعي، وكل هذه الأمور يجب أن تراعى في ميادين العمل وميادين تنمية المجتمع، والأسس المعلنة في العلاقات الإنسانيَّة تتفق معه أسس الإدارة التربويَّة في مشاركة الأفراد في الأعمال المنوطة بهم، وهذه المشاركة تتيح الفرصة لكي ينمو الفرد فكرياً واجتماعياً في عمله ويساعد على تنظيم سير العمل، ومن هنا يبدأ شعوره بالنمو كجزء لا يتجزأ من العمل. فيعمل جاهداً على إنجاحه ولو تطلب منه ذلك بذل جهد أكبر. وقد ذكر مرسي أن العلاقات الإنسانيَّة "يقصد بها عمليَّة تنشيط واقع الأفراد في موقفٍ معينٍ مع تحقيق توازن بين مرضاتهم النفسيَّة وتحقيق الأهداف المرغوب فيها"(3).

وجديرٌ بالذكر أنه من الخطأ الجسيم أن يزعم المؤرخون أن العلاقات الإنسانيَّة والمعاني السامية لم توجد إلا بقيام الثورة الفرنسيَّة في أواخر القرن الثامن عشر فنحن لا نبالغ إذا قلنا إنّ الإسلام هو الذي وضع النواة الأولى لفن العلاقات الإنسانيَّة واهتم بالفرد ومعاملته بوصفه إنساناً. "إنّ الشريعة الإسلاميَّة أقرت مبدأ أصول العلاقات الإنسانيَّة بين المسلمين وبينهم وبين الأمم الأخرى، وترسيخ احترام الحريات، وذلك منذ أربعة عشر قرناً، عن طريق الدعوة إلى الدين بالتي هي أحسن والمجادلة المقنعة والحوارالهادف البناء والتسامح في المعاملة ولم يعرف السيف إلا دفاعاً عن حرماته ومقدساته"(4).

إن إستخدام العلاقات الإنسانيَّة في مجال العمل والإنتاج هو الذي تم تأكيده بعد الثورة الفرنسيَّة حيث أجريت العديد من التجارب حول استخدام أساليب إنسانيَّة في التعامل مع العمال كالاحترام والتقدير وتحديد ساعات العمل... وغيرها، والتخلي عن تلك الأساليب الرأسماليَّة القاسية، وقد توصلت تلك التجارب إلى أن العمال زادت إنتاجيتهم، ومن هنا بدأ تأكيد ضرورة استخدام العلاقات الإنسانيَّة في العمل.

والعلاقات الإنسانيَّة ليست فقط كلمات مجاملةٍ تقال للآخرين وإنما هي بالإضافة إلى ذلك تفهمٌ لقدرات الأفراد وطاقاتهم وظروفهم ودوافعهم وحاجاتهم واستخدام كل هذه العوامل لحفزهم إلى العمل.

وهناك عدة معانٍ يستخدم لها مفهوم العلاقات الإنسانيَّة، ولكنها بالمعنى السلوكي، "يقصد بها عمليَّة تنشيط واقع الأفراد في مواقف معينة، مع تحقيق توازن بين رضاهم النفسي، وتحقيق الأهداف المرغوب فيها ومن هنا يمكن أن نفهم بسهولةٍ أن الهدف الرئيس للعلاقات الإنسانيَّة في الإدارة تدور حول التوفيق بين رضا المطالب البشريَّة والإنسانيَّة للعاملين وبين تحقيق أهداف المُنظَّمة"(5).

والعلاقات الإنسانيَّة هي وثائق متينة تربط الإنسان بأخيه الإنسان حيث يبادله تعاوناً بتعاونٍ، وتفهماً بتفهمٍ، بعيداً عن قيود اللوائح.

إن العلاقات الإنسانيَّة تساعد في محاولة تفهم الأسباب التي دعت المرؤوس إلى تقاعسه عن القيام بواجبه أو عدم إنجاز العمل المنوط به، هذه المحاولات الإنسانيَّة ترفع قيمة الإنسان واحترامه أمام أخيه الإنسان الذي يتعامل معه (وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وتريحه نفسياً، حيث يشعر بأنّ هناك من يشعر بالصعوبات التى يتعرض لها ويحاول معاونته في حلها، ومن هنا تبدأ الثقة في النمو بين الاثنين وتزداد باستمرار العمل المشترك.

"والعلاقات الإنسانيَّة في إطار هذا المفهوم تهدف الى إشباع الحاجات النفسيَّة الأساسيَّة للعاملين، وفي مقدمة الحاجات الإنسانيَّة للفرد في عمله الشعور بالأمن والاطمئنان والإحساس بالانتماء والتيقن بالهدف، والاعتراف بوجوده، والإشادة بنفسه، والتقدُّم الوظيفي واكتساب الخبرات والتجارب"(6).

"وتتضح العلاقات الإنسانيَّة في المجتمع الذي تحفظ فيه حريات الناس، وكرامتهم وحرمتهم، وأموالهم بحكم التشريع وفي المجتمع الذي يسوده النضج والتعاون، ويقدم على الشورى والتوجيه والمساواة في العمل والتعامل والعدالة في الواجبات والحقوق والذي يشعر كل فردٍ فيه بحكم الله، فالجميع يقفون على قدم المساواة أمام رب العالمين، في طمأنينة وثقة ويقين.(7). قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} ( آل عمران: أيَّة 103).

وعلى ذلك تتحدَّد أهمية العلاقات الإنسانيَّة في أنها تضمن للعاملين في مجال الإدارة التربويَّة الرضا الوظيفي، وتدفعهم إلى العمل والأداء والإنتاج، وتقليل الأساليب الروتينيَّة التي تضفي على العمل الملل والرتابة. وتبعد الاضطرابات النفسيَّة التي تحدث بين الزملاء بالعمل وتعزز الانتماء إلى العمل التربوي من قِبَلِ الجميع. وتمنح فرصاً للإنجاز والتقدُّم. وترفع الروح المعنويَّة للعاملين وبذلك تؤدي إلى تطور وتقدم الإدارة التربويَّة.

 

الإشكاليَّة البحثيَّة

إن تقدم المجتمع يقاس بمدى كفاءة وفاعليَّة المُنظَّمات والأجهزة التربويَّة الموجودة فيه لكونه التربية عمليَّة استثمار للموارد البشريَّة وهي لتحقيق أهداف التنمية الشاملة. إن المجتمعات الإنسانيَّة بشكلٍ عام تعيش اليوم ثورة معرفة وتكنولوجيا هائلة، فالمعارف العلميَّة والإنسانيَّة تتضاعف باستمرار، وهو الأمر الذي يفرض علي التنظيمات والمُؤسَّسات مراجعة أهدافها، وأساليبها، وأليات عملها لتتمكَّن من توظيف ذلك الإنتاج المعرفي الهائل باتجاه تحقيق أهدافها وغاياتها.

إنّ العصر الحاضر وما نراه فيه من اهتمام الإداريين بشتى مجالات العمل بالنسبة إلى تنظيم أعمالهم، أو ما يشرفون عليه من إدارات، ما يُؤكِّد أهمية الإدارة لنجاح الأعمال لا سيما ونحن نعيش عصر تغيير لم يسبق له مثيل في مُعدَّل سرعته وشموله، وهذا التغيير الشامل، يقتضي وجود إدارة تتسم بالسرعة والحسم وتيسير حدوث التغيير فضلاً عن توجيهه لكي يكون أكثر فائدة.

والإدارة التربويَّة ذات أهميةٍ بالغةٍ في هذه المرحلة من مراحل التطوُّر الحضاري السريع الذى يعيشه المجتمع البشري حالياً ولسنا نبالغ إذا قلنا إن مستقبل المدنية الحديثة، وقفٌ على قيام الإدارة التربويَّة بدورها في اتجاهين هما مساعدة التغيير على الحدوث، والعمل على توافق هذا التغيير، واستقراره في الاتجاه المرغوب فيه.

"إن أي تطور للتعليم قوامه تطوير في إداراته ومن ثم فإن الاستراتيجيَّة السليمة لتطوير النظم التربويَّة، هي تلك التي تضع في حسبانها تطوير إدارات هذه النظم وتجديدها"(8).

ونظراً لأهمية العلاقات الإنسانيَّة في حياتنا العامة ولأن الإسلام هو دين العلاقات الإنسانيَّة المبنية على أصول التسامح والرأفة والرحمة، قال تعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).

لينطلق بعد ذلك إلى تحديد الأصل في التعامل مع الآخرين؟ أهو منطق الشدة والغلظة والقوة؟ أم هو منطق التسامح واللين والعفو؟

أما العلاقات الإنسانيَّة فقد وصف الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم في سورة ال عمران بقوله {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} 159

ولعلنا نحن الآن في هذا العصر أكثر ما نكون في حاجةٍ إلى هذه العلاقات الإنسانيَّة والتي تعتمد على تفهم حاجات الفرد والجماعة ومن ثم تسعى من خلال ذلك إلى إشباع تلك الحاجات الفرديَّة في ضوء الأهداف العامة فالعلاقات الإنسانيَّة تركز على العنصر البشري أكثر من ارتكازها على الجوانب الماديَّة، كما تعمل على إثارة الدوافع الفرديَّة بهدف الإنتاج والتنظيم في جوٍ يسوده التفاهم والثقة المتبادلة فرضا الأفراد وارتياحهم في أعمالهم إنما هو نتيجة للشعور بالتقدير والشعور بالانتماء والمشاركة، فعندما تكون العلاقة بين الرئيس والمرؤس علاقة ودٍ واحترامٍ متبادل يؤدي ذلك الى إنتاج مثمر فى العمل.

 

ولذا فإن هذا البحث يتناول أهمية العلاقات الإنسانيَّة في تطوير الإدارة التربويَّة بإثارة عدة تساؤلات تحاول هذه الورقة البحثيَّة الاجابة عنها وهي:

  1. ما أهمية العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة؟
  2. كيف تساهم العلاقات الإنسانيَّة في تطوير الإدارة التربويَّة؟

 

ومن خلال ما سبق فإنه يمكن تحديد أهداف هذا البحث في النقاط الاتية:

  • توضيح أهمية العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة.
  • التعرُّف على مدى مساهمة العلاقات الإنسانيَّة في تطوير الإدارة التربويَّة.

 

ومما سبق يمكن تحديد مفهوم العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة على أنها "مجموعةٌ من التفاعلات التي تمثل السلوكيات التربويَّة للإداري التربوي، تبنى على أساسها المعاملة الطيبة والأخلاق الإسلاميَّة الحميدة، مثل الصدق والأمانة والعدل والألفة بينه وبين من يشرف عليهم، أو يتعامل معهم في الحقل التربوي، والتي من خلالها تتحقق الأهداف التربويَّة المخطط لها"(9).

وعرفت العلاقات الإنسانيَّة بأنها "المعاملة الطيبة التي تقوم على الفضائل الأخلاقيَّة والقيم الإنسانيَّة السوية التي تستمد مبادئها من تعاليم الأديان السماوية وترتكز على التبصر والإقناع والتشويق القائم على الحقائق المدعمة بالأسانيد العلميَّة وهي تجافي التضليل والخداع بكافة مظاهره وأساليبه"(10). وعرفت "بأنها سلوك مثالي بين القائد أو المشرف مع من تحت إشرافه"(11).

 

العلاقات الإنسانيَّة في المجال التربوي

إن مفهوم العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة المدرسيَّة، يقصد بها عمليَّة تنشيط واقع الأفراد في موقفٍ معينٍ مع تحقيق لإحداث توازنٍ بين مرضاتهم النفسيَّة وتحقيق الأهداف المرغوب فيها. ومن هنا يمكن أن نفهم أن الهدف الرئيس للعلاقات الإنسانيَّة في الإدارة يدور حول التوفيق بين إرضاء الحاجات الإنسانيَّة للمُعلِّمين وبين تحقيق أهداف المدرسة ولهذا فإن الهدف الرئيس للعلاقات الإنسانيَّة يتضمَّن إرضاء أو إشباع الحاجات الإنسانيَّة وما يرتبط بها من دوافع التنظيم ورفع الروح المعنويَّة وتحسين ظروف العمل والوضع المادي للمُعلِّمين.

إذًاً العلاقات الإنسانيَّة ضروريَّة ليس للإدارة التعليميَّة التربويَّة فحسب وإنما للجميع فهي مهمة في علاقة المُعلِّم مع المُتعلِّم ومهمة في علاقة المُعلِّم مع زملائه ومع مدير المدرسة ومع المشرف التربوي وكذلك مهمة لمدير المدرسة في التعامل مع من حوله من طلاب ومُعلِّمين ومشرفين وكذلك العلاقات مهمةٌ للمشرف التربوي مع الطلبة والمُعلِّمين ومديري المدارس، بمعنى أن العلاقات الإنسانيَّة مهمةٌ لنا جميعاً بغض النظر عن موقعنا على خريطة، التربية والتعليم.

 

أهمية العلاقات الإنسانيَّة فى الإدارة التربويَّة

إن مفهوم تطبيق العلاقات الإنسانيَّة في المُؤسَّسة التربويَّة يعني التركيز على الجانب المعنوي للعاملين بكونه جانبا مكملاً للجانب المادي والترفع عن معاملتهم كألاتٍ صماء دون النظر إلى ظروفهم وقدراتهم ومشكلاتهم، وطاقاتهم، وحاجاتهم.

"إنّ اهتمام الإدارة وحرصها على تطبيق جانب الاتصال الرسمي لا يقل عن اهتمامها بجانب الاتصال الاجتماعي، وخلق جوٍ وديٍ تعاونيٍ بين الأفراد وتشجيع المبادرات، وخلق الحوافز الماديَّة والمعنويَّة الإيجابيَّة منها والسلبيَّة لدفع الأفراد إلى العطاء وتقدير أعمالهم واحترا إنسانيتهم، وتفهم شعورهم بعمق وإدراك، وتهيئة البيئة الاجتماعيَّة الآمنة لجميع العاملين سيكون له مردود ايجابي فعَّال لتقديم افضل ما يمكن تقديمه من عمل منتج مثمر"(12).

"إن القائد الإداري الذي يؤمن بمبدأ العلاقات الإنسانيَّة ويجعل منه أرضية صلبة وقاعدة ثابتة في إدارته، إنما هو ذلك الإنسان الذي يتنزه عن التعالي على المرؤسين وينظر إلى جميع العاملين نظرةً إنسانيَّة صادقة، دون النظر إلى مراكزهم وطبيعة شخصياتهم. وقد أشارت دراسات جمعيَّة الجامعة الأمريكيَّة إلى أن أهم سمات القادة الناجحين هي كفاءة القائد في بناء علاقاتٍ إنسانيَّة طيبةٍ مع مرؤوسيه وسلوكه الجيد في التعامل معهم"(13).

 

العوامل التي تسهم في بناء العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة أهمها ما يأتي:

الإيمان بالعمل التعاوني، وإتاحة الفرص للإداريين للتعبير عن آرائهم، وتشجيعهم على الارتقاء بالعلاقات الشخصيَّة والمهنيَّة، وعرض مشكلاتهم ومناقشتها، وإيجاد الحلول لها متى احتاجوا إلى ذلك، والتشجيع على ممارسة أوجه النشاط التي تبني علاقاتٍ طيبةٍ بين العاملين في الإدارة الواحدة، واحترام شخصيات ووجهات نظر الآخرين وآرائهم المختلفة، وإشعارهم بقيمتهم، وبالحاجة الماسة إليهم، وبأنهم عاملٌ أساسيٌ في العمل، وتقدير طموحاتهم وقدراتهم ووضعها موضع التقدير والاهتمام، والإيمان بالمسؤولية التربويَّة في بناء الروح المعنويَّة العالية لدى الآخرين، وإشراكهم في اتخاذ القرار، وملاحظة مدى تأثيره فيهم، والقدوة الحسنة في التعامل والعمل على تحسين بيئة العمل وظروفه، وحفزهم مادياً ومعنوياً.

وهناك عوامل أخرى تسهم في بناء العلاقات الإنسانيَّة في المجال التربوي منها:

"المساواة والصدق والأمانة والمحبة والألفة والتدريب وتحديد المسؤولية واستشعار الأخوة وحسن الظن بالعاملين والصلح والعدل بينهم والشورى وحسن التعامل والعفو والتسامح والتقدير والمكافأة واجتناب الجدل والمزاح المؤثر على العمل سلباً والنصيحة والوفاء بالعهد والرحمة وبشاشة الوجه والحلم وتجنب الغيبة أو النميمة وحفظ السر والتواضع والإستقامة والعفة وعدم التكبر"(14).

 

مدى مساهمة العلاقات الإنسانيَّة في تطوير الإدارة التربويَّة

التطوير الإداري بوجهٍ عامٍ هو تلك العمليات التي نعني بها الارتقاء والتحسُّن المستمر المنطلق من معايير علميَّة. "ويُعرَّف التطوير بأنه" استراتيجيَّة تتضمَّن استخداماً محدوداً للقوى الداخليَّة والخارجيَّة لتحقيق التغيير، ويتيح إمكانات كبيرة لتنمية الأفراد والجماعات، وترسيخ الانتماء والعمل الجماعي وتماسكه"(15) 

"ويُعرَّف التطوير على مستوى الإدارة" بأنه عمليَّة تزويد الإداريين بالمهارات والمعلومات التى تساعدهم على تحسين أدائهم في العمل ورفع مستوى كفاءتهم في مواجهة المشاكل الإداريَّة"(16).

أما التطوير الإداري فهو "إحداث تغييرات في طبيعة النشاطات الفكريَّة والسلوكيَّة داخل الجهاز الإداري"(17).

ويعني التطوير الإداري أيضاً الزيادة في كيفيَّة قدرة المُنظَّمة على تحقيق أهدافها بصورة أفضل.

وإذا نظرنا فيما حولنا فإننا نلاحظ أنّ التغيير يطال جميع نواحي الحياة الطبيعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، حتى بات موضوعاً لكل علمٍ وفنٍ، ومن التغييرات التى طالت الجانب التربوي على سبيل المثال التغييرات في الهيكلية الإداريَّة والتغييرات في قوانين الضمان الاجتماعي ولوائح التقاعد… وغيرها، ولهذا كله كان لزاماً علينا العمل على إدارة تلك التغييرات لتحقيق الأهداف المنشودة.

ويُعَدُّ الإنسان هو محور التغيير في أي مجتمع أو إدارة، وهو الذي يواجه عوائق التغيير بطرائق سليمة ومدروسة وفق استراتيجيَّة واضحة، ومفتاح نجاح التغيير في الإدارة هو القائد بمساندة آليات التغيير الفعَّالة، ويشكل العاملون في تقبلهم وتأييدهم وتصرُّفاتهم ومساندتهم جزءاً هاماً للنجاح فكلما كانت العلاقات الإنسانيَّة إيجابيَّة ومتينةً بينهم أدى ذلك إلى نجاح العمل ونجاح الإدارة تطورها نحو الأفضل.

 

أسس العلاقات الإنسانيَّة في التنظيمات الإداريَّة

إن من أسس العلاقات الإنسانيَّة في التنظيمات الإداريَّة ما يأتي:

  • الإيمان بقيمة الفرد:

وهذا يعني أن يؤمن الرئيس أو المدير بأن لكل فرد شخصيَّة فريدة يجب احترامها، وأن الفرد العادي قادرٌ إذا أتيحت له الفرصة، على أن يفكر تفكيراً موضوعياً منزهاً عن المعايير الشخصيَّة إلى حدٍ كبير، وأنه قادر على أن يصل إلى قراراتٍ رشيدةٍ قائمةً على أسس علميَّة سليمة فيما يعترضه من مواقف أو يبرز أمامه من مشكلات.

 

  • المشاركة والتعاون:

وينبع هذا من الإيمان بأن العمل الجماعي أجدى وأكثر قيمةً من العمل الفردي، وحين يتاح الجو المناسب لجماعةٍ ما لمناقشة أمرٍ من الأمور أو تبادل الرأي فيه فإن قدرة هذه الجماعة على فهم الموضوع وتحديد أبعاده وملابساته واتخاذ قرارٍ بشأنه تكون أفضل مما لو ترك الأمر للاجتهادات الفرديَّة مهما بلغ هذا الفرد من تفوقٍ، ومهما اكتسب من خبرات.

 

  • العدل في المعاملة:

ويعني هذا أن يعامل المدير أو المسؤول أفراد التنظيم الإداري معاملةً تتسم بالمساواة والعدل بعيداً عن التحيز والمحاباة، وذلك في إطار قدرات الأفراد وإمكاناتهم ومواهبهم، وإيماناً بمبدأ الفروق الفرديَّة بين الأفراد، وتفاوتهم فيما وهبهم الله من قدرات.

 

  • التحديث والتطوير:

إنّ التنظيم الإداري يجب ألا يقف نموه بدعوى أنه أصبح صالحاً، إذ إنّ توقفه يعني الجمود، وهذا يعني العودة به إلى الخبرات السابقة وتطبيقها على المواقف الجديدة، وإن التنظيم الإداري في حاجةٍ مستمرةٍ إلى النمو. أي إلى التعديل والتطوير، والجهاز الإداري هو الذي يحقق ذلك عن طريق نموه، وتفاعله واكتساب عادات سلوكيَّة في مجال العلاقات الإنسانيَّة، والتي تنمو بالخبرة والممارسة.  وإن من أبرز سمات النظام الإداري الناجح النمو والتقدُّم على الرّغم من العقبات بل إن علاج العقبات والتغلُّب على الصعوبات هو في ذاته عاملٌ من عوامل التقدُّم والنمو.

 

نتائج البحث

من خلال المعلومات التي تم طرحها خلصت الباحثة إلى الإجابة عن تساؤلات البحث:

السؤال الاول: ما أهمية العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة؟

بما أنّ محور الإدارة الرئيس هو الإنسان وهو أفضل استثمار وهو محور وأداة التطوُّر والارتقاء بالمجتمع، وهو عامل التغيير، لذلك فإنّ استخدام العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة التربويَّة يعني التركيز على الجانب المعنوي للعاملين بكونه جانبا مكملا للجانب المادي، حيث إنّ القائد الإداري الناجح هو الذي يؤمن بمبدأ العلاقات الإنسانيَّة ويجعل منها قاعدة ثابتة في إدارته وهو الذي يتنزه عن التعالي على المرؤسين وينظر إلى الجميع نظرة إنسانيَّة، وهو بذلك يبني جواً ودياً تعاونياً بين العاملين ويشجع على إطلاق المبادرات الإيجابيَّة ويهيئ البيئة الاجتماعيَّة الآمنة لمن يعملون معه، ومن ثم يقدم العاملين معه افضل ما يمكن تقديمه من عمل منتج ومثمر، أي أنّ استخدام العلاقات الإنسانيَّة يؤدي تحقيق أهداف الإدارة بجهد أقل، ووقت أسرع.

 

أما عن التساؤل الثاني: وما هو مدى مساهمة العلاقات الإنسانيَّة في تطوير الإدارة التربويَّة؟

بما أن التطويرهو استراتيجيَّة تتضمَّن استخداماً محدوداً للقوى الداخليَّة والخارجيَّة لتحقيق التغيير، وهو يتيح إمكانات كبيرة لتنمية الأفراد والجماعات، وترسيخ الانتماء والعمل الجماعي وتماسكه وهوأيضاً عمليَّة تزويد الإداريين بالمهارات والمعلومات التى تساعدهم على تحسين أدائهم في العمل ورفع مستوى كفاءتهم في مواجهة المشاكل. وبما  أن الإنسان هو محور التغيير في أي مجتمعٍ أو إدارة، وهو الذي يتصدى لعوائق التغيير بطرائق سليمةٍ ومدروسةٍ وفق استراتيجيَّة واضحةٍ، ولأن مفتاح نجاح التغيير في الإدارة هو القائد بمساندة آليات التغيير الفعَّالة، فإن العاملين في تقبلهم وتأييدهم وتصرُّفاتهم ومساندتهم للإدارة يشكلون جزءاً هاماً من النجاح. إذاً فاستخدام العلاقات الإنسانيَّة وسيلةً إيجابيَّة ومتينةً تؤدي إلى نجاح العمل ونجاح الإدارة وتغيرها نحو الأفضل، فإذا عامل المدير أو المسؤول أفراد التنظيم الإداري معاملةً تتسم بالمساواة والعدل بعيدة عن التحيز والمحاباة، وقدر قدراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم، وتغاضى عن الفروق الفرديَّة بينهم، وتفاوتهم فيما وهبهم الله من قدرات، فإنه بذلك يحقق نجاح الإدارة وتقدمها وتطوُّرها إلى الأفضل أي أنه تمكن من إحداث التغيير في الإدارة.

 

التوصيات

نظراً لأن الإنسان هو محور الإدارة وعامل التغيير والتطوير فيها فإنّ الباحثة:

  1. توصي بضرورة الاهتمام بالعلاقات الإنسانيَّة الإيجابيَّة في جميع المجالات الإداريَّة، وخاصةً في أثناء التعامل بين الإداري والمعلمين.
  2. توصي الباحثة بتدريس العلاقات الإنسانيَّة ضمن مناهج الإدارة ليتمكَّن الإداريون من معرفتها وتطبيقها في المجال العملي.

اعتماد الإداريين على نظريَّة العلاقات الإنسانيَّة في ممارسة العمليات الإداريَّة (التخطيط والتنسيق والتنظيم والتوجيه والإشراف والتقويم).