الطفل والتلفزيون وحملات التشويه الثقافي

محمود طافش

تهتم الأسرة الواعية بتنشئة أطفالها تنشئة متوازنة، فهي تعلمهم التفكير، وتزودهم بالمعارف النافعة، وتسلحهم بالقيم وبالمهارات النافعة، وتدربهم على الاستقلاليَّة في التفكير والعمل، لذلك فإنها تحرص على توفير جميع العوامل التربويَّة المؤثرة في تشكيل شخصيَّة الطفل، وتنسّق مع المدرسة من أجل بناء هذه الشخصيَّة بناءً متكاملاً عبر مناهج مدروسة ومخططٍ لها بعناية لإحداث تغييرات محمودة في سلوكه وفي طرائق تفكيره، وهي تسخّر في سبيل تحقيق ذلك مختلف الوسائل المعينة والتقنيات الحديثة التي تعمل على تحقيق هذه المهمة ومنها جهاز التلفاز.

 



غير أن كثيراً من المربين وأولياء الأمور لا يدركون الأخطار والآثار السلبيَّة للعديد من البرامج التلفازية على تشكيل شخصيَّة الطفل، بل إن بعض هؤلاء المربين وأولياء الأمور يجدون الراحة في انشغال أبنائهم ببرامج التلفاز متجاهلين التحذيرات المتواصلة التي تكشف عن الأضرار التي يمكن أن تترتَّب على توظيف هذه الآلة التي توفر لهم متعة تكون في كثير من الأحيان غير مجدية، بل وتحمل في طياتها بذور حملات التشويه الثقافي عبر حرب إعلاميَّة لا هوادة فيها، تُشن على نفسيات أطفالنا بتخطيط محكم وتقنيات مُتطوِّرة، فتهدم كيانهم الداخلي، ليفقد المجتمع خصوصيته المميزة له وبعده الإنساني. يرى عبد الواحد علوان "أن أكثر جوانب التلفزيون خطورة هي تأثيره وتحكمه بضوابط المجتمعات وخصوصياتها من خلال لعبة لونية صوتية تقتحم كل خلية فيه، صانعة جواً من الإثارة التي لا تقاوم وكذلك تحكّمه وتوجيهه لأذواق أفراد المجتمع وتوجهاتهم بما يفرضه عليهم ويفترضه فيهم".

وتكمن الخطورة في صعوبة التحكُّم في السلوكيات التي يحملها التلفزيون عبر مواده وبرامجه، وعبر المواد الإعلانية التي تبث بين الفقرات، وفي صعوبة تقدير خطورة النتائج التي يمكن أن تترتَّب عليها.

ويُعَدُّ التلفاز وسيلة تربويَّة مؤثرة لأنه ينقل الحوادث ويعرض الموضوعات بطريقة واضحة محسوسة ذات تأثير كبير.

كما أنه يساعد على دوام التذكر للخبرات والمعلومات التي يعرضها، وعلى تقوية المفاهيم وتثبيتها.

 

الأضرار المحتملة:

إن جلوس الأطفال أمام شاشات التلفاز ساعات طويلة يمكن أن تترتَّب عليه أضرار نفسيَّة وجسدية تلحق بهم. لأن الحجر عليهم ومنعهم من مشاهدة البرامج التلفازية يحرمهم من الانتفاع بهذه الوسيلة التربويَّة ذات التأثير الكبير. لذلك فإن الباحث التربوي لا يملك إلا التوعية والتحذير من هذه المخاطر التي أهمها:

  • أنّ جلوس الأطفال أمام التلفزيون وتحديقهم المستمر بالنّظر إليه واقترابهم من شاشته يمكن أن يلحق بعيونهم أضراراً بالغة.
  • أنّ تقديم المادة الإعلاميَّة للأطفال في أشكال مختلفة وغير منسقة وغير مبرمجة يؤدي إلى تشويش عقل الطفل وإلى تشويه نفسه الغضة ثقافياً، فيغدو تائهاً لا يدري من أي معين يستقي، ولا أي قيادة فكريَّة يعتنق.
  • أنّ برامج التلفزيون تحمل في طياتها سلوكيات يصعب التحكُّم بها، وكذلك المواد الإعلانية التي تذاع عبر البرامج قد يكون تأثيرها السلبي عميقاً على الرّغم من قصر مدتها، لأنها تعد بعناية لتحقيق أعلى مردود مادي ممكن.
  • وهي توهم الطفل بمداركه المحدودة أن التلفزيون ينقل إليه الحقيقة فيتشبث بها وتصبح قناعة لديه وهنا تكمن خطورة الانحراف عن الفكر الذي نرجوه له لأن تأثير التلفزيون يطغى على نفس الطفل وفكره ولأنه قد يحمل إليه عبر برامجه قيماً وقناعات غير التي نرجوها له.

 

مقترحات وقائية:

  • حجب محطات البث التي يرى المربون أنها يمكن أن تترك آثاراً سلبيَّة على شخصيات الأطفال.
  • ضبط علاقة الطفل بالتلفزيون، لكي لا يكون الطفل متلقياً سلبياً وتزويده بالقدرة على اختيار المادة المفيدة له ونبذ المادة الضارة. وذلك من خلال توجيه غير مباشر، ومن ثم الاهتمام بالإجابة عن جميع أسئلته التي قد يطرحها في أثناء فترة التوعية.
  • التنبه إلى مدى خطورة شغف الأطفال بالبرامج التلفازية، واستغلال هذا الشغف لتوجيه الأطفال نحو البرامج المفيدة. يرى الدكتور جان جبران: "أن تأثير التلفزيون في الأطفال تأثير شامل يشمل مختلف جوانب المعرفة والسلوك والتنشئة، لأنّ المعرفة الآتية إلى الطفل عبر الشاشة قد تحوي من المشاهد والحوارات والقيم والقواعد الحياتيَّة ما يخالف تماماً ما ينطق به وهذا يُولِّد لدى الطفل نوعاً من الالتباس والتناقض يلحق الأذى به نفسياً وعقلياً وتربوياً ويجعله في حالة من الاضطراب والبلبلة".
  • الحرص على انتقاء المواد والبرامج النافعة التي تخدم خصوصيته والقيم التي تربى عليها، على أن تكون هذه البرامج مشوقة لتستقطب اهتمام الطفل، وتبعده عن المحطات الضارة.
  • ومن المقترحات المفيدة التي يراها عبد الله علواني:
  • أن تكون البرامج التي توجه إلى الأطفال مدروسة بحيث تكون قادرة على نفض القيم الرديئة والوافدة عن عقله باستمرار لأن تراكمها يترتَّب عليه تثبيتها.
  • توعية المربين والأطفال بالأضرار الإعلاميَّة والصحية التي قد تلحق بهم بسبب متابعة البرامج التلفازية بصورة عشوائيَّة.
  • تقويم البرامج التي تقدم إلى الأطفال في مرحلة الطفولة المُبكِّرة ومراقبتها لتنقيتها من كل ما يشوبها من محاولات تشويه ثقافي.
  • تنبيه أولياء الأمور إلى ضرورة منع الأطفال من مشاهدة برامج وأشرطة مُحدَّد كالتي تحمل طابع العنف والإجرام قبل إذاعتها.
  • عدم إذاعة الإعلانات التي تمس براءة الأطفال عبر البرامج الموجهة إليهم.
  • عدم إدمان الأهل على مشاهدة التلفاز لساعات طويلة، وتحديد المحطات المفيدة والداعمة لتوجهات الأسرة ولخصوصياتها.
  • عدم اللجوء إلى العنف لمنع الأطفال من مشاهدة التلفاز لأن ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسيَّة، وإنما الوسيلة الأجدى هي الحوار القائم على الإقناع بالأدلة المنطقية والوجدانية.

 

إن هذه المقترحات من شأنها أن تحمي الطفل من الأضرار المحتملة نتيجةً لمشاهدة برامج التلفاز، وأن تساعد على تصحيح علاقة الطفل بالتلفاز ليحصل من برامجه على ما يُفيده ويجتنب ما يضرّه.

ومع ذلك كله يبقى التلفاز من الوسائل التربويَّة الهامة إذا أُحسن استخدامه، وتم الإشراف الفني الدقيق على برامجه، ثم تدريب الناشئة على أن يحسنوا اختيار ما يشاهدونه من برامج، ولكنه قد يصبح أداة هدم إذا استخدم بطريقة عشوائيَّة دون ضوابط أو مراقبة، قد تحقن النفوس الغضة بقيم خاطئة تقودهم إلى ميادين الجريمة، وتزين لهم الانحراف الجنسي، فلنكن جميعاً على حذر.

 

الطفل والتلفزيون وحملات التشويه الثقافي