الشرود الذهني لدى الطلبة وأثره في انخفاض المستوى العلمي

د. زاهدة محمد طه:

 كثيراً ما يتعرض الفرد في محيطه إلى العديد من القضايا والمشاكل التي تؤثر سلبياً في أدبياته وسلوكياته لولا أن ملكة العقل تتصدى لها بما تملكه من قدرات معرفية وذهنية وحسية بحيث لاتؤدي من ثَمَّ إلى خروج الفرد من الأبعاد الكامنة لوجوده بوصفه كائناً حياً في المجتمع، وتتفاقم حدة هذه المشاكل في حالة تعطل قابلية ملكة العقل للتصدي لها حين تقع هذه الملكة تحت وطأة مشكلة الشرود الذهني. وهي تعد في الوقت نفسه مشكلة عامة كثيراً مايشكو الناس منها بسبب تعطل أفضل قوى الإنسان التي ميزها الله من سائر المخلوقات وهي العقل أو الفكر، لأنه كلما زادت هذه المشكلة قلت إنتاجية الفرد وحُدَّت طاقته الإبداعية.

 



وهذه المشكلة وإن كانت أكثر بروزا لدى المتقدمين في العمر بيد أن تأثيراتها الجانبية أشد وطاة لدى الطلبة، لكونها تعد أكثر العوامل إرتباطاً بإعاقة العملية التعليمية في المجتمع وما تخلفه هذه المشكلة من خلق علاقة تضاد بين ما يتلقاه الطالب من ذلك الكم الهائل من المعلومات وقدرة الطالب الذهنية على استيعاب أبعاد تلك المعرفة.

وتزداد حدة التنافر بين القدرة الذهنية للطالب على الاستيعاب وبين ما يتلقاه من معلومات والأحداث بتنامي مشكلة الشرود الذهني لديه حتى أنها تؤدي من ثَمَّ إلى إيقاف الدافعية الكامنة لدى الطلبة إلى التعلم والتي تعد الطاقة التي تدفع الطلبة إلى الانخراط في العملية التعليمية، وإن كان هناك العديد من العوامل التي تتمخض عنه مشكلة الشرود الذهني، فاذا أغفلنا الجانب الوراثي من حيث الصفات الجينية ذات العلاقة بالطبيعة المعرفية للإنسان وما يسببه هذا الجانب من قصور في التشديد من التركيز الذهني لدى الطلبة، فإنّ العامل الاجتماعي يعد أحد المسببات الرئيسة للشرود الذهني حين يقع الطالب تحت تأثير المشاكل الاجتماعية التي تعترض طريقه بغض النظر عن نوعها، ولاسيما إن كانت هذه المشاكل تتعلق بمحيطه العائلي بوصفها أكثر العوامل تأثيراً في الطلبة وأشدها انعكاساً على الإستجابة النفسية والذهنية لدى الطلبة لمعطيات تلك المشاكل التي تسبب في تشتت ذهن الطالب وتفكيره نحوها وتحول دون تمكنه من توجيه مسار تفكيره نحو واقعه العلمي مما يضعف تدريجياً استراتيجيات الانتباه ومن ثَمَّ من معدل التركيز لدى الطالب وهو بصدد تجربته المعرفية التي تستلزم منه انقياد القدرة الذهنية لاستيعابها. أو خارجية وهي التي تتسم بالضغوطات والتوترات المتلاحقة وما تفرزه من عوامل الانشغال بها.

ومما يزيد من تفاقم حدة هذه المشكلة لدى الطلبة من ذوي الشرود الذهني حين يقع الطالب أسيراً للأحلام الخيالية التي لاتَمُتُّ بصلة إلى أرض الواقع المادي والملموس الذي ينتمي إليه، فيلجأ إلى الإستغراق في هذه الأحلام حتى في ظل محيطه المعرفي الذي يتوجب عليه طرح هذه الأحلام جانباً، بل إن الاستغراق في هذه الأحلام يقود الطلبة إلى الانقياد السريع وهو في ظل واقعه المعرفي للمؤثرات الخارجية عن الدرس مما يُوَلِّدُ لدى الطلبة شعوراً بفقدان أو بضعف الثقة بالنفس ويشكك في قدراته الذاتية على الاستجابة لواقعية المادية والمعنوية، وينسحب ذلك على ضعف تقبله أو تكيفه مع المواقف التربوية التي تؤدي من ثَمَّ إلى عزوف الطالب عن تجربته التعليمية مما يسهم بشكل أو بآخر في ضعف أو انخفاض المستوى الأكاديمي لديه.

وإن معالجة هذه المشكلة أمر يستوجب تفعيل بعض الأساليب التي تسهم بصورة أو بأخرى في إخراج الطلبة من دائرة الشرود الذهني والتي تقع غالباً على عاتق المدرس بوصفه الوسيط التربوي المهم الذي يتفاعل بشكل مباشر مع الطلبة ويسهم في تحقيق التكيف والتوافق المطلوبين بين الطالب وبيئته المدرسية وينمي الدوافع الدراسية والاتجاهات الإيجابية نحو التعلم، وهو وفق ذلك يكون في إمكانه المساهمة في إحداث بعض التغيرات والتعديلات في سلوك الطلبة حتى على صعيد تفعيل الطاقات الذهنية الكامنة في ملكة العقل لدى الطلبة من ذوي الشرود الذهني، وذلك من خلال الدور الذي يؤديه في أثناء العملية التعليمية من حيث الاستيلاء على ذهن الطالب وتوجيه تركيزه نحو الدرس وتتوقف هذه العملية على الطريقة التي يتبعها في أثناء تنفيذ الدرس والأسلوب الذي يعمد إليه، فكثيراً ما يكون المدرس أحد العوامل الرئيسة التي تعمل على تفعيل قابليات التشتت الذهني لدى الطلبة الذين يعانون مشكلة الشرود الذهني والتي تقاس وفق الطريقة التي يتبعها في أثناء أدائه مهامه التدريسية حين يلجأ إلى الأساليب التقليدية التي تتمثل في طريقة الأداء أو الإلقاء اللفظي للدرس والتي تحول دون إشراك الطلبة عامة وذوي الشرود الذهني خاصة ضمن مسار الفلك التعليمي المتمثل في التجاوب الأكاديمي والتفاعل بين الطالب والدرس داخل إطار الأسئلة والأجوبة التي تنمي قابليات ومهارات الطلبة وتؤدي من ثَمَّ إلى تنمية أفكار الطالب وتزيد في قدرته الذهنية فيجذب إلى الدرس.

فضلاً عن مراعاته الفروق الفردية في أثناء التدريس والعوامل التنافسية التي غالباً ما يبرز معها الطلبة ذوو القدرات المتفوقة واستخدامه للوسائل التعليمية التي تسهم في جذب انتباه الطالب إلى الدرس وتضعف من قابلياته على الاستجابة السريعة للمؤثرات الخاجية التي تشتت تفكيره بحيث تؤدي وفق ذلك إلى شحن التركيز الذهني لدى الطلبة الذين يعانون مشكلة الشرود الذهني. ناهيك بالعامل الإنساني الذي يؤدي دوراً لا يستهان به في معالجة هذه المشكلة من حيث تقديم النصح والمشورة للطلاب ومساعدتهم في تنظيم أوقات الفراغ وتبصيرهم بالخصائص النفسية والعقلية، كل ذلك يسهم بلا شك في تعزيز الثقة بالنفس ومن ثَمَّ تفعيل ظاهرة التركيز الذهني لدى الطلبة.

 

د. زاهدة محمد طه
جمهورية العراق / دهوك / جامعة دهوك / كلية التربية / قسم الاجتماعيات