الدوافع التي ترتبط بعمليَّة التعلُّم

تتعدَّد تصنيفات الدوافع وتختلف وسنتعرَّف هنا على الدوافع التي تتعلَّق بصورة مباشرة بموضوع التعلُّم، وأهمها:

  1. حبّ الاستطلاع.
  2. دافع المعالجة والاكتشاف.
  3. دافع الاستشارة الحسيَّة.
  4. دافع الإنجاز والتحصيل.
  5. دافع الانتماء.
  6. دافع التنافس والتقدير.
  7. الدافع المعرفي.

 



أولاً: دافع حب الاستطلاع:

الإنسان محب للاستطلاع بطبيعته. وإن عنصر الجدة هام جداً لإثارة حب الاستطلاع لدى الإنسان. وإثارة هذا الدافع يعد عاملاً أساسياً للتعلُّم والإبداع والصحة النفسيَّة. إن الجدة تضيف معلومات جديدة إلى معارفنا السابقة، وتعد هذه المعارف الجديدة مثيرات جديدة لاستثارة فضولنا من جديد لاستطلاع أمور أخرى جديدة، ولهذا الأمر بالذات يتصل هذا الدافع بالتعلُّم اتصالاً وثيقاً إذا ما أوليناه الرعاية المناسبة باستغلاله لتحقيق مستوى راقٍ من التعلُّم.

فإثارة الشك في أمر يعدُّ مسلماً به، وإثارة الحيرة حول ما هو مألوف، ودرجة حماسة المُعلِّم، وتوجيه الأسئلة غير المتوقعة حول موضوع مألوف جداً، وإيجاد نوع من المفاجأة البسيطة، والتنويع في الأسلوب باستمرار، وتوجيه الأسئلة عوضاً عن عرض المعلومات، وإيجاد فرص مناسبة للتداعي الحر لذكر الأفكار التي تتبادر إلى الذهن، وتزويد الطلاب بالخبرات العمليَّة والممتعة باستمرار. كل ذلك يثير في المُتعلِّم حب الاستطلاع، ويزيد من الاهتمام بالمادة الدراسيَّة.

 

إن سلوك حب الاستطلاع يمكن أن يظهر من خلال أنماط السلوك الآتية:

  1. رد الفعل الإيجابي نحو العناصر الجديدة كأن يتحرك نحوها ويعبث بها.
  2. إظهار الحاجة والرغبة في معرفة المزيد عن نفسه وكل ما هو حوله.
  3. المثابرة على عمليَّة الفحص والتطلع إلى الأشياء لاكتشاف السر فيها.

 

ثانياً: دافع المعالجة والاكتشاف:

يظهر هذا الدافع عند كثير من الحيوانات العليا والإنسان. ويمثل الجذور الأولى للرغبة في المعرفة. إن المثيرات في ذاتها تفقد خاصية الجدة خلال فترة تدريب معينة، ويصبح الدافع الأساسي ليس حب الاستطلاع والاستثارة الحسيَّة وإنما إتقان معالجة الأشياء وتناولها. وحين يتعلَّم الطفل المشي فإنه يحاول، ثم يتعثّر مرات ومرات، إنه يكتشف نفسه في المشي ويعالج قدراته الذاتيَّة.

إن التحكُّم بالأشياء هو شكل من أشكال نشاط الاكتشاف والمعالجة. ويبدو أن الثواب الذاتي من الإشباع الناجم عن التحكُّم في هذه الأشياء بدرجة قويَّة كاف للاستمرار بهذا العمل.

 

ثالثاً: دافع الاستثارة الحسيَّة:

تسعى الكائنات الحيَّة إلى تجنب الاستثارة البيئيَّة الزائدة، وكذلك التوتر الزائد، فبعد جهد العمل وضوضاء النهار نبحث عن الراحة والهدوء، ولكننا سرعان ما نمل الراحة ونبدأ في البحث عن المثيرات مرة أخرى. إن الاستثارة الحسيَّة ضروريَّة للفرد الذي يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه ويقدم له عدداً من الاستثمارات مختلفة القوة والضعف. وإنّ الحرمان من المثيرات الحسيَّة يمثل وضعاً من الملل وعدم الراحة والتوتر والاضطراب الانفعالي. إن الناس يحتاجون إلى الإثارة الحسيَّة لضمان حسن تكيفهم مع البيئة التي يعيشون فيها. وإن أفضل درجة من الاستثارة الحسيَّة لدى الإنسان هي الدرجة المتوسطة التي تؤدي إلى أفضل تعلم ممكن.

 

رابعاً: دافع الإنجاز والتحصيل:

يُعرف ماكيلاند الإنجاز بأنه الرغبة في النجاح وتجنب الإخفاق. إن السعي والاجتهاد من أجل تحقيق مستوى من الدرجات المُتقدِّمة في سلم النجاح الذي تدعمه اتجاهات المجتمع وقيمه. وهو يشير إلى حاجة يشعر بها الفرد من داخله وتستحثه إلى الوصول إلى مستوى يلبي هذه الحاجة. فقد أشارت الدراسات حول من تميزوا بدافعيَّة مرتفعة للإنجاز أن أمهاتهم كن يُؤكِّدن على أهمية استقلالية الطفل في البيت مثل وجوب ذهاب الطفل إلى فراشه وحده، وأن يلهو ويسلي نفسه بدلاً من مساعدة الآخرين، وكن يثبن هذا السلوك. وتُؤكِّد بعض الدراسات التي أجريت أن الأفراد من ذوي الإنجاز العالي يتعلَّمون ويؤدون الاستجابات أسرع وأدق من ذوي الإنجاز المنخفض. ومن التجارب الهامة حول هذا الدافع تجربة (اليزابيت فرنش) حيث طلبت من مجموعة من طلاب الطيران أداء عمل بسيط من أعمال الشيفرة تحت ثلاثة ظروف مختلفة أولها، ظرف الاسترخاء: حيث أعطيت تعليمات عرضية بأن الباحثة تقوم بتجريب بعض الاختبارات وثانيها ظرف دافعيَّة العمل: حيث أعطيت تعليمات بأن الاختبارات تقيس الذكاء ونتائجها تؤثر في مستقبلهم، وثالثها ظرف دافعيَّة خارجيَّة الباعث (مكافأة) للخمسة الأوائل. ثم قسمت كل مجموعة إلى فئتين: فئة الإنجاز المرتفع، وفئة الإنجاز المنخفض. وكانت النتائج على الشكل الآتي:

 

ظرف الاسترخاء: لا توجد فروق دالة بين أداء الفئتين

في ظرف دافعيَّة العمل: كان أداء فئة الإنجاز العالي أفضل من الفئة الأخرى. في ظرف الدافعيَّة الخارجيَّة (الباعث = المكافأة) فكانت النتائج غاية في الطرافة، فقد وجدت الباحثة أن فئة الإنجاز المنخفض أدت أفضل من فئة الإنجاز العالي. وتُؤكِّد نتائج بحوث أخرى أن ذوي الإنجاز العالي يصعب استثارة دوافعهم بالجوائز والمكافآت الخارجيَّة وهم يؤدون أفضل حين يحصلون على الرضا نتيجة إنجاز جيد في ضوء محك معين من محكات التفوُّق والامتياز.

 

خامساً: دافع الانتماء:

يعرف موري دافع الانتماء بأنه: "الاقتراب والاستمتاع بالتعاون مع آخر حليف". إن الحاجة في هذا الدافع هي الرغبة في الاحتفاظ بعلاقات قائمة على الصداقة والمحبة. وتشترك بعض الحيوانات مع الإنسان في هذا الميل للانضمام والانتماء إلى مجموعات وهو ينمو ويشتد مع تطور نمو الفرد من الطفولة المُبكِّرة. إن دائرة اجتماعه بغيره تتسع لأنه يرى أنه يستطيع عن طريق تكوين هذه العلاقات الاجتماعيَّة أن يصل إلى تحقيق مطالبه بسهولة ويسر.

إنّ الفرد الذي يسيطر عليه الطابع الفردي لدافع الإنجاز يعمل بجد حين يواجه مشكلة. أما الشخص الذي يسيطر عليه دافع الانتماء فلا يكون بالحماسة نفسها فالناس عنده أكثر أهمية من العمل. كما لا يحب العمل في عزلة بعيداً عنهم. فما المواقف التي يمكن لهذا الدافع أن يسهل التعلُّم والأداء فيها؟ لقد قامت "اليزابيت فرنش" بدراسة موازنة بين أداء الأفراد من ذوي دافع الإنجاز وغيرهم من ذوي دافع الانتماء في ظرفين مختلفين.

وقد أوضحت النتائج أن جماعات دافعيَّة الإنجاز أدت أفضل في شروط التغذية الراجعة المرتبطة بالعمل بينما أدت جماعات دافعيَّة الانتماء أداء أفضل في شرط التغذية الراجعة المرتبطة بالمشاعر. كما لوحظ أن جماعات الإنجاز كانت أكثر حرصاً على إكمال العمل وكان أفرادها يتجادلون بعنف بينما كانت جماعات الانتماء أكثر هدوءاً، وأقل توتراً وأظهر أفرادها اهتماماً حميماً وصداقة فيما بينهم وفيما بين الفاحصين.

 

سادساً: الدافع المعرفي:

إننا كباراً وصغاراً كثيراً ما نشعر بالسرور البالغ من ممارسة الأنشطة العقليَّة حين نقرأ الأشعار أو نحل الألغاز أو نقرأ القصص. إن النشاط العقلي يتضمَّن في ذاته مكافأته.  وقد يكون هذا الدافع مشتقاً بطريقة عامة من دوافع الاستطلاع والاستكشاف والمعالجة.

 

سابعاً: دافع التنافس والحاجة إلى التقدير:

ومن المألوف في المجتمع أن الإنسان يزيد من مقدار الجهد المبذول حينما يتنافس مع غيره وحينما يعرف أنه سيحصل على التقدير والاحترام الاجتماعي. فالرغبة في إشباع هذا النوع من التقدير يوجه سلوك الفرد نحو تلبية مُتطلَّبات الغير فيبذل ما يمكنه من جهد في القيام بما يتوقع أنه عمل له قيمته الاجتماعيَّة الإيجابيَّة. إلا أنه يجب أن تُؤكِّد أن المنافسة الشديدة والتقدير العشوائي قد تكون لهما آثار ضارة في الأداء، وقد تعطل التعلُّم، وتؤدي إلى الإحباط والإخفاق، لذلك فإن الحالات المتوسطة أكثر فائدة وجدوى لأداء تعليمي جيد.

 

منصور علي: التعلُّم ونظرياته. مديرية الكتب والمطبوعات الجامعيَّة، منشورات جامعة تشرين، اللاذقية، (1421هـ - 2001 م).