التوافق المهني ومُتطلَّبات تحقيقه للأستاذ الجامعي

تُعَدُّ الجامعة قمة الهرم في السلم التعليمي إذ في نهاية هذا التعليم يلتحق كثير من خريجيه بسوق العمل مباشرة من خلال التحاقهم بالوظائف العامة والمهن الحرة، فالمرحلة الجامعيَّة تُعَدُّ  المرحلة الأخيرة من التعليم لقسم كبير من الطلبة، إذ يكتفي القسم الأكبر بما حصل من شهادة جامعيَّة ولما كانت هذه المرحلة الفرصة الأخيرة للتعليم لهذه الفئة التي تغادر مقاعد الدراسة فإنّ من يتعامل في إعداد هذه الفئة بشكل مباشر هو الأستاذ الجامعي، لذا تقع مسؤولية كبيرة على من يتعامل مع طلبة الجامعة من خلال تقديم فرص الثقافة المُتنوِّعة لهم والتي تنعكس آثارها على فهم حياتهم الحاليَّة والمستقبليَّة وتنمية الاستعداد لديهم ومواجهة التحديات التي تعترضهم، علاوة على ذلك يُعَدُّ الأستاذ الجامعي مسؤولاً عن تشذيب شخصيات الطلبة من الأفكار الخرافية والقيم البعيدة عن ما يطمح إليه المجتمع من إرسائها لدى شبابه وفي الجانب المعرفي يُعَدُّ الأستاذ الجامعي مصدراً مهماً وحيوياً في تطوير قابليات الطلبة ورفدهم بالمعلومات والخبرات التي يتمتع بها.

 



إن هذه المهمة في جوانبها المعرفيَّة والانفعاليَّة والمهاريَّة تحتاج إلى دافعيَّة مرتفعة ورضا عن العمل لكي يحقق الأهداف التربويَّة التي تسعى الجامعة إليها وتتوقع من أساتذتها القيام بها، فإنّ هذه التوقعات، سرعان ما تكون دون المستوى المطلوب وسبب ذلك يعود إلى عدة عوامل منها ما هو مُتعلِّق بالمشكلات المهنيَّة التي تنشأ في مجال العمل والتي ترتبط بالتوافق المهني والنجاح المهني وتظهر بشكل واضح بظروف العمل وهناك مشكلات خارج بيئة العمل تتعلق بالناحية الصحيَّة للأستاذ الجامعي أو الوضع الأسري وهذه الأخرى تلقي بظلالها على توافقه والمهنة.

إن التوافق المهني معناه التلاؤم بين رغبات الأستاذ الجامعي والمواقف المرتبطة في عمله ويتحقَّق ذلك حينما يتقبل عمله ويبدي رضا عن المكانة الاقتصاديَّة وارتياحا عن العلاقة السائدة بينه وبين الطلبة والأساتذة ومدى تفهم إدارة الكلية والجامعة لمُتطلَّباته وتقديم الدعم الكامل في إنجاز البحوث وإجراءات الترقية العلميَّة وتقديم التسهيلات وتحمل نفقات اشتراكه في المؤتمرات العلميَّة لزيادة خبراته.

 

إن طبيعة عمل الأستاذ الجامعي يختلف عن المهن الأخرى فالمكانة الاجتماعيَّة لمهنة الأستاذ الجامعي متحققة قياساً بالمهن الأخرى التي تعد المكانة الاجتماعيَّة في تلك المهن سبباً مهماً في سوء توافقهم مع مهنهم، أما ما يتقاضاه الأستاذ الجامعي فيظل دون المستوى المطلوب على الرغم من الارتفاع النسبي في سلم الرواتب تظل بعض حاجاته الأساسيَّة غير مشبعة نتيجة لتعقد الحياة وزيادة مُتطلَّباتها اليوميَّة وتظل هواجسه في الإشباع يسيطر عليها الأهم ثم المهم ما يضطره في العمل في جامعات خارج موطنه الأصلي وحتى لو بقي في بلدته نراه في جميع أوقاته ينصرف إلى التدريس بهدف زيادة مدخولاته والتراجع عن أجراء البحث لأنه مكلف من حيث الوقت والجهد والمال ناهيك بأنّ بعض المجلات تطلب إن يدفع الأستاذ الجامعي مبلغاً من المال لكي تنشر أبحاثه، كما أن مصدر إحباطه متأتٍّ من أنّ كثيراً من المؤتمرات التي تعقد لا يمكنه الاشتراك فيها نتيجة للكلفة المطلوبة بدءا من رسوم الاشتراك وانتهاء بمصاريف التنقل.

وهناك عامل أخر يتعلَّق بطبيعة العلاقات الإنسانيَّة برئيس القسم العلمي الذي يعمل الأستاذ الجامعي فالعلاقة الإنسانيَّة بعميد الكلية تؤثر في توافق الأستاذ الجامعي فهذه العلاقة إذا كانت إيجابيَّة بالأستاذ الجامعي فإنّها تنعكس على إحداث توافقه المهني وإذا كانت العلاقة سلبيَّة فإنّها تكون سبباً في سوء توافقه المهني.

 

لقد وضع علماء العلاقات الإنسانيَّة دستوراً يضم ما يجب إتباعه تجاه الفرد في معاملته بوصفه إنساناً ينطوي تحت كلمة اللمسة الإنسانيَّة (Human touch) وتفسيره هو أن كل حرف من الحروف الإنكليزية يرشد الرئيس الأعلى إلى طريق خاص في معاملة من يرأسه وإشباع حاجاته وهي على النحو الآتي:

*

استمع إليه

Hear him

H

*

احترم شعوره

Understand his feeling

U

*

حرّك رغبته

Motivate his desire

M

*

قدّر مجهودا ته

Appreciate his efforts

A

*

مُدَّهُ بالأخبار

News him

N

*

دربه

Train him

T

*

أرشده

Open his eyes

O

*

تَفَهّم تفرُّدَه

Understand his uniqueness

U

*

اتصل به

Contact him

C

*

كرمه

Honor him

H

 

إنّ العلاقة بين الأستاذ الجامعي ومن حوله هي من أهم العناصر فالشعور بالقلق بين العاملين في الجامعة نتيجة للعلاقات المتشنجة تجعل من العمل الجامعي عملاً مملاً وتثير الشعور بالإحباط. ويبقى المحور المهم في التوافق المهني هو مدى إشباع العمل للحاجات إذ ترى رو (Row) أن إشباع الحاجات النفسيَّة هي غاية في الأهمية في تحقيق التوافق المهني ورضا الفرد عن مهنته.

لقد قام بعض علماء جامعة منيسوتا الأمريكيَّة عام (1966) بإصدار كتيب عن التوافق المهني تضمن موضوعات مُتنوِّعة تتلخَّص بتقبل العمل والرضا عنه والروح المعنويَّة واتجاهات الأفراد نحو العمل والقوى الدافعة للإفراد إلى العمل والمحاكات السلوكيَّة والصلاحيَّة المهنيَّة. وتأسيساً على ما تقدم يبقى موضوع التوافق المهني من المواضيع الحيوية التي لها صله قويَّة بالصحة النفسيَّة، إذ إن كون الأستاذ الجامعي متوافقاً مهنياً يعد مؤشراً كافياً إلى صحته النفسيَّة.

 

الدكتور عبد الحسين رزوقي الجبوري

المصدر