التعيينات المدرسية البيتية

حسني عايش: يدور بين المربين في أيامنا جدلٌ واسعٌ حول التعيينات (الواجبات أو الفروض) المدرسية البيتية: أهي مفيدة تربوياً أم ضارة كلياً؟ في محاولة لجلاء الموقف يستعرض الأستاذ هاريس كوبر العلامات الفاصلة في تاريخ هذا الموضوع فيقول: يبدو أن الجدل حول هذا الموضوع يمر في دورات طول الدورة منها نحو ثلاثين سنة، ففي بداية القرن العشرين وعندما كان العلماء ينظرون إلى العقل بوصفه عضلة يمكن تقويتها بالتمرين العقلي، كانت نظرة الناس إلى التعيينات إيجابية بعدّها تمريناً عقلياً يمارس في البيت. وعندما انتقل التركيز التربوي من الحفظ إلى حل المشكلات في الأربعينيات من القرن نفسه، صارت النظرة إليها سلبية وأنها لا تؤدي إلى تحسن في الإنجاز الأكاديمي للتلميذ.

 



غير أنه لما أطلق السوفيات قمرهم الصناعي في الخمسينيات تحول تفكير الناس في أمريكا إلى العكس. كما حدثت ردة معاكسة في الستينيات ترى في التسعيينات المدرسية البيتية (عرض مرضي).

ثم عاد الاهتمام بها في الثمانينات من القرن نفسه، وكان تقرير أمة في خطرA Nation) At Risk,1983) وراء المطالبة القوية بها كأحد السبل لوقف التدهور التربوي في أمريكا. وقد استمرت الحملة من أجل مزيد من التعيينات في التسعينيات، وبخاصة من جانب التربويين الذين يدعون إلى فرض معايير وطنية صارمة.

ولبيان الايجابي والسلبي في التعيينات المدرسية البيتية، قام الأستاذ كوبر باستعراض جميع البحوث الخاصة بها فتكشف له أن البحوث المؤيدة لها ترى فيها تأثيراً قوياً إيجابياً على الحفظ وفهم المادة التي تشملها، وتحسيناً للمهارات الدراسية ومواقف التلاميذ من المدرسة، وتعليمهم أن التعلّم يمكن أن يتم في أي مكان وليس داخل البناء المدرسي فقط، وأن للتعيينات المدرسية فوائد، أخرى، غير أكاديمية من مثل تعزيز الخصائص الشخصية المتعلقة بالاستقلال، وتحمل المسؤولية، ودمج الوالدين في العملية المدرسية، وزيادة تقديرهم للتعليم، والسماح لهم بالتعبير عن اتجاهاتهم الإيجابية نحو تحصيل أطفالهم وإنجازاتهم.

أما النتائج السلبية للتعيينات المدرسية التي كشفت عنها بحوث أخرى فتتمثل في خشية التربويين والوالدين من تخمة تعليمية تصيب التلاميذ نتيجة لها، وفي أن أي نشاط لا يبقى مجزياً إذا استمر طويلاً، وأنه قد يصيب صاحبه بالسأم، وأن التعيينات تحرم التلاميذ من وقت الفراغ والأنشطة الاجتماعية، وأن التلاميذ يتعلمون دروساً مفيدة من كرة القدم والكشافة أيضاً. وأن دمج الوالدين قد يؤدي إلى تدخلهما في عملية التعليم والتعلّم، مما قد يربك التلاميذ إذا ظهرت سلوكيات غير مرغوب فيها كالغش، والنسخ المباشر دون إسهام التلميذ في تأديتها أي دون تعلّم يذكر. وقد تُعزز اللامساواة الاجتماعية القائمة حيث يجد التلاميذ من الأسر ذوات الدخل المتدني صعوبات أكثر ممّا يجدهُ التلاميذ من الأسر ذوات الدخل الأعلى في القيام بها.

 

وفي ختام دراسته اقترح الأستاذ "كوبر" التوجيهات التالية لجعل التعيينات أفضل عند الذين يؤمنون بها ويصرون عليها:

  • تنسيق السياسات المتعلقة بها وبخاصه بين المدرسة والأسرة.
  • تحديد مسوغاتها بوضوح.
  • ربط التعيينات بمستوى نمو الطفل ومدى دعم الأسرة له ولها.
  • استخدام مداخل تعليمية أخرى وبحيث تكون التعيينات إحداها لا مقصورة عليها، وعلى أن يكتشف الأطفال أن التعلّم يمكن أن يحدث في أي مكان: في المدرسة كما في البيت والملعب...

 

وإلى العكس من ذلك، أي إلى التخلص من التعيينات المدرسية البيتية، يدعو تربويون آخرون. فعلى سبيل المثال تدعو "إتا كرالوفيك" نائبة الرئيس للتعليم في مؤسسة التدريب والتطوير في مدينة بوكسبورت في منسوتا، وزميلها "جون بويل" (المؤلف والصحفي) (المصدر نفسه) إلى وقف التعيينات المدرسية البيتية فوراً جملة وتفصيلاً، لأن وقت الأسرة لا يسمح لها  بمتابعتها، وفوائد التعيينات مشكوك فيها. ويضيفان قائلين: عندما نترك جزءاً لا يستهان به من التعلّم للوالدين فإننا لا نستطيع مساءلة المدارس والمعلمين والمعلمات عنه أو اعتبارهم مسؤولين عن تلبية متطلبات التعلم الجيّد. إن التعليم للمعايير المقررة والامتحانات (العامة) ذات المستويات المقررة سلفاً يعني أن عملية التعليم والتعلّم مسيطر عليها فلا يجوز ترك المجال لأي متغير مجهول أو خارجي يؤثر فيها. كيف يتعرف المعلمون والمعلمات مستوى تعلّم تلاميذهم إذا لم يعرفوا كيف نفذت التعيينات في بيوتهم؟ هل نفذوها بأنفسهم؟ هل تبادلوا الأجوبة مع أصدقائهم بالتليفون أو قبل المجيء إلى المدرسة؟ هل أرسلوا التعيينات بالبريد الالكتروني إلى أجدادهم؟ إن التعيينات المدرسية البيتية ثقب أسود في عملية التعلّم لأنها تجعل المعلمين والمعلمات غير مدركين للمستوى التعليمي الحقيقي لكل تلميذ وعاجزين عن تقديم معرفة جديدة للتلاميذ.

ومثلما استعرض كوبر البحوث المؤيدة للتعيينات والمعارضة لها، ركّز الأستاذان على أدلة بحثية تدحض جميع "الخرافات" المدافعة عن التعيينات.

"إتا كرالوفيك" نائبة الرئيس للتعليم في مؤسسة التدريب والتطوير في مدينة بوكسبورت في منسوتا.

ومن أجل عدم قصر النشاط ما، بعد، المدرسي على التعيينات تنشط دوائر التربية وإدارتها في طول أمريكا وعرضها اليوم على وضع برامج وأنشطه (ما – بعد – مدرسية) متعددة ومتنوعة هدفها تعزيز التعلّم وبناء مهارات واتجاهات ذات أبعاد اجتماعية ومستقبلية، لأنه لم يعد لدى الأسرة الأمريكية الوقت البيتي الكافي لمساعدة أطفالها على تنفيذ التعيينات نتيجة زيادة ساعات العمل، أو لنقص الساعات التي تقضيها الأسرة العادية في البيت والتي تراجعت بمقدار 22 ساعة في الأسبوع عما كان عليه الأمر قبل ثلاثين سنة.

 وكما ترون فإن نتائج البحوث الاجتماعية، وما في حكمها، تأتي منسجة مع اتجاهات الباحث وفرضياته المستمدة منها، مما يجعل المسؤولية النهائية تقع على إدارة المدرسة والمعلمين والمعلمات، ومن ثَمَّ على ما يتمتع به كل منهم من حكمة، لأن التعيينات المدرسية، كأي سلاح  ذي حدين يمكن أن تفيد أو تضر. إن التحدي يكمن في كيفية جعلها مفيدة إذا اعتمدناها، وفي جعل التعلّم يتم بنجاح مضطرد إذا ألغيناها.

ويقيني أنه يجب على المدرسة التي تصر عليها، أو التخفيف منها إلى أدنى حد فلا تتجاوز عشرين دقيقة يومياً للصفوف الابتدائية الأولى، ونصف ساعة يومياً للصفوف الابتدائية الثلاثة التالية لها، ونحو ساعة لبقية الصفوف (بشرط التنسيق مع الأسرة) كما يجدر بالمدرسة الديموقراطية إشراك التلاميذ في القرار الخاص بها "وجوداً وعدماً" وإذا كانت المدرسة ربحية (متعهد أو مقاول تعليمي) تتقاضى رسوماً وأقساطاً بمئات أو آلاف الدنانير في العام عن التلميذ الواحد، فلا يحق للمدرسة عندئذ أن تعيد الكرة إلى ملعب الأسرة، وقد التزمت تعلّم وتعليم التلميذ جيداً. مقابل هذه الرسوم والأقساط، كما لا يجوز أن يذكر في شهادة الطفل المدرسية، الفصلية أو السنوية، أن الطفل ضعيف في كذا من المواد: وماذا كانت المدرسة تعمل؟ ولماذا ظلت تتفرج على هذا الطفل فلم تساعده لتجاوز ضعفه؟ وما المطلوب من الأسرة أن تفعل وقد عهدت إلى المدرسة بتعليم الطفل؟ لماذا تخفق المدرسة في تعليم طفل سوي، عادي ؟ هل المطلوب مني كأسرة تعليمه؟ إنني لا أستطيع ذلك فنياً وإلا لأبقيته في البيت كما يفعل كثير من الأسر الأمريكية وما أرسلته الى المدرسة. كما أنني وفي جميع الأحوال لا أستطيع توفير المال الإضافي لتعليمه بالدروس الخصوصيه. لقد أخذت المدرسة من الأسرة كل ما طلبته منها من رسوم وأقساط ولم تعطها كل ما تتوقعه منها مقابل ذلك؟

لا يعني ذلك طبعاً غياب التعاون والاتصال والتواصل بين المدرسة والأسرة ولكنه يعني أن مسؤولية التعلّم تقع  على المدرسة؟

صدق من قال: إن أطفالنا في بلادنا كانوا، في الماضي، يتعلمون في المدرسة ويلعبون في البيت وأنهم اليوم يلعبون في المدرسة ويتعلمون في البيت، لأن الأسرة العربية التي لا تعلم في البيت، بنفسها أو بمعلم أو أكثر، قد تجعل أطفالنا يتراجعون أو يفشلون مدرسياً ومستقبلياً. وأن المرء ليصعق من كثرة التعيينات البيتيه التي تفرضها بعض المدارس على التلميذ . لقد آن أوان وضع الأمور في نصابها المتمثل بتحميل المدرسة عامة كانت أو خاصة أعباء التعليم ومسؤوليته نيابة أو وكالة عن الأسرة.

 

 الحقائب العلمية التربوية