التعليم والتعليم المبرمج

يعتمد في بناء البرامج التعليمية في الحاسب الآلي على النظريات المختلفة الموجودة في مجال علم النفس والتي تفسر كيف يحدث التعليم، ومن أشهر النظريات المعروفة في هذا المجال، هي نظريات التعلم السلوكي Behavioral Theories وأشهر روادها سكنر، الذي اعتمد على أساس تقسيم المعلومة إلى أجزاء صغيرة توضع في إطارات frames لتدريسها، ويكون الانتقال بين المعلومات بالتسلسل، ويطلق عليه التعليم الخطي Linear Instruction.  أما نظريات البناء العقلي أو الإدراكي Cognitive Constructivist Theories فمن روادها برونر وبياجيه، وتعتمد هذه النظريات على أساس أن الطفل يتعلم بناء على النمو العقلي والمرحلة الذهنية التي وصل إليها. كما تشير إلى أن الطفل يكتسب كثيراً من المعلومات منذ ولادته ويحتاج إلى مساعدة في تنظيمها وتطويرها.



من ذلك نجد أن اختلاف أسلوب التعلم أثر على طريقة كتابة البرامج التعليمية. فنجد أن البرامج التعليمية انقسمت إلى أقسام رئيسة، اعتمد كل منها على فلسفة تعليمية كانت أساساً في إنتاج البرنامج. فمن نظريات التعلم التي كان لها تأثير على كتابة البرامج التعليمية: النظرية الإنشائية – برونر (التعلم بالاستكشاف)، نظرية البنائيين – بياجيه، نظرية السلوكيين – سكنر (التعلم التلقيني).

  • النظرية الإنشائية Constructivism

لقد ركز أصحاب هذه النظرية على تجهيز المواد المساعدة للتعلم مع الاهتمام بطرق التدريس الجيدة لتشجيع الأطفال على التعلم. أهم رواد هذا النـوع من التعلم روبـرت ديفس، حيث كانت هـذه الفلسفة أساساً في تطـور الـبرامج التعليميـة التي قام بإنشائها، وهو يرى أن الحاسب الآلي يقـدم للطالب نوعاً جـديداً من الخـبرات التي تبنى على أساس التجربـة الحسيـة.

  • نظرية السلوكيين Behaviorism

وترجع إلى فلسفتهم كثير من البرامج التعليمية، وتقوم هذه النظرية على أسلوب التعلم بالتلقين، وعلى طريقة الإعادة والتكرار، وتقسم المعلومة تبعاً لهذه الفلسفة إلى أجزاء بسيطة تلقن للطالب، وهو الأسلوب المهيمن على التعليم في كل مكان، ويقوم هذا الأسلوب على أن المعلم هو مصدر المعلومات. ومن أشهر مشجعي هذا الأسلوب من التعلم باتريك سوبي، الذي كان أول من أنشأ برامج التدريب والتمرين، ومن ثم برامج التدريس. حيث ينظر إلى أن الطفل يتعلم من العمل على الحاسب الآلي، والحاسب الآلي يتعلم عن الطفل من طريق عمله.

  • نظرية البنائيين Constructionists

ويخطو أصحاب هذه النظرية مرحلة أبعد من الإنشائيين من حيث إيجاد البيئة اللازمة والأدوات الضرورية ليستمر الأطفال بالتصرف على طبيعتهم، فيما يوفر لهم إمكانية التعلم من دون إلزام أو تعليمات مثلما ذكر بياجيه. ومن مناصري هذه النظرية سيمور بابرت، الذي أنشأ لغة لوجو بغرض تشجيع الأطفال على التفكير البناء. فلغة البرمجة في نظره توفر الوسيلة للطالب لعمل ما يريد، كما أنه يتعلم أثناء عمله (فوده، 111).

ونرى بأن طرق كتابة وتصميم البرامج التعليمية عينة الدراسة قد تأثرت بنظريتي الإنشائيين والسلوكيين،ولكن درجة تطبيقها تختلف من برنامج لآخر، ولعل ذلك يرجع إلى عدم معرفة مصممي تلك البرامج بهذه النظريات والفلسفة التي تقوم عليها، وهذا مما يدعونا إلى التأكيد على ضرورة مشاركة التربويين ضمن الفريق المنتج لتلك البرامج.

وسوف نيستعرض في هذه الجزئية أثر إحدى نظريات التعلم على التعليم المبرمج، وأهم المبادئ التي يقوم عليها، وذلك بهدف التعرف على الأسس التي قامت عليها عملية التعلم بمساعدة الحاسب الآلي.

التعليم المبرمج: Programmed Instruction

يقوم الحاسب الآلي بالتعليم الكلي خلال برامج التعليم الشخصي Tutorials المصممة على أساس التعليم المبرمج.

فما هي فكـرة التعليم المبرمـج؟ وما أهم الأنمـاط المستخدمـة بـه؟ وما أهم المبادئ التي يقوم عليها؟

لقد تعددت التعريفات عن التعليم المبرمج، ولكنها تتفق في الأهداف، ومن هذه التعريفات ما يلي:

1 - عرفه خير الله بأنه: " نوع من التعليم الذاتي، الذي يعمل فيه مع المعلم في قيادة التلاميذ وتوجيههم نحو السلوك المنشود، برنامج تعليمي أعدت فيه المادة التعليمية إعداداً خاصاً وعرضت في صورة كتاب مبرمج أو آلة تعليمية ".

2- عرفه عميره بأنه: " نوع من أنـواع التعليم الذاتي، الذي يأخذ فيه المتعلم دوراً إيجابياً وفعالاً، ويقوم فيه البرنامج بدور الموجه نحو أهداف معينة ".

3- عرفه نشوان بأنه: " طريقة من طرق التعليم الذاتي الذي يقوم بتقسيم المادة إلى خطوات صغيرة يدرسها المتعلم دراسة ذاتيـة يحصل على تعزيز بعد كل خطوة لضمان تقدمه بنجاح ". (الرويتع، 9)

4- وقد عرفـه غانية بأنـه: " عمل نمـاذج تدريسية تأخذ بعين الاعتبـار استجابة المتعلم المبدئية والنهائية، وتتـدرج طبقاً لخطـة مفصلة تسمح بتقويـم الاستراتيجيات المطبقة في أثناء السير بها " (عليان، 398).

يلاحظ أن هذه التعريفات اتفقت تقريباً في النقاط التالية:

1- التعليم المبرمج أحد أساليب التعليم.

2- التعليم المبرمج نوع من التعليم الذاتي.

3- تصاغ المادة التعليمية في خطوات لتحقيق الهدف المنشود.

4- يأخذ المتعلم فيه دوراً إيجابياً وفعالاً.

وتقوم فكرة التعليم المبرمج على نظرية الاشتراط الإجرائي Operant Conditioning التي توصل لها سكنر BF. Skinner، بعد تجاربه الشهيرة على الحمام.

وهنا يؤكد أهمية التعزيز الفورية بعد الاستجابات الصحيحة حتى تحدث عملية التعلم. أما الاستجابات غير المرغوب فيها فتختفي لعدم إلحاقها بالتعزيز، ومنها قامت المبادئ الأساسية للتعليم المبرمج والتي يمكن إجمالها في:

1. مبدأ الخطوات الصغيرة: ويتضمن تقسيم المحتوى والمعلومات التي يريد المعلم توصيلها إلى طلبته إلى وحدات صغيرة جداً، يتبع كل منها مكافأة أو تعزيز، وكلما صغرت كمية المحتوى العلمي في كل خطوة، زادت الخطوات، فزاد التعزيز وزادت فعالية التعلم.

2. مبدأ النشاط: يقوم التعليم المبرمج في أساسه على جهد التلميذ، فيجب أن يقوم التلميذ بنشاط (قراءة أو تدريب أو حل مسائل) حتى تتم عملية التعلم.

3. مبدأ النجاح: الهدف وراء تقسيم المحتوى إلى أجزاء صغيرة هو سهولة استيعاب الطالب للجزء الصغير، فيزداد احتمال حدوث التعزيز وشعور الطالب بالنجاح. فالنجاح يؤدي إلى مزيد من النجاح، في حين أن الشعور بالفشل قد يكون عائقاً للتعلم.

4. مبـدأ التغذيـة الراجعـة الفـوريـة: لكي يشعر الطالب بالرضـا والنجاح، لابد من تغـذيـة راجعـة فوريـة لتأكيد الطالب بصحة إجابته أو لتصحيحها قبـل الانتقال إلى الخطوة التالية.

5. مبدأ التدرج المنطقي للتعلم: لابد من تنظيم المادة تنظيماً منطقياً بحيث يتدرج من السهل إلى الصعب، وأن تتركز المعلومات المعروضة على الهدف الخاص بتلك الوحدة، وتلغى أي معلومات إضافية لا علاقة لها بالهدف من أجل عدم تشتيت انتباه المتعلم.

6. مبدأ سرعة الفرد: يترك الطالب ليتقدم حسب قدراته وإمكاناته، ويجب ألا يرغم على إنجاز أكثر مما يستطيع من الأمر (الرويتع،20؛ العبد الكريم، 33).

ونرى أن جميع هذه المبادئ متمثلة في البرامج المطبقة في الدراسة، حيث يقسم المحتوى إلى أجزاء صغيرة، يقوم الطالب بقراءتها، أو مشاهدة الصور المتحركة، فيها أو يسمع صوت القارئ. ثم يعرض له سؤال ليجيب عنه فيتبع ذلك تغذية راجعة فورية بصحة تلك الإجابة مع تعزيزها بكلمة " أحسنت " ومؤثرات صوتية، كما أن المحتوى متدرج منطقياً فلا توجد وحدة صغيرة تعتمد على ما بعدها.