التعليم المبرمج

أسامة أبوردان

بدايات التعليم المبرمج: إن مصطلح التعليم المبرمج قد يكون جديدا ولكن التطبيق لهذا المبدأ وما يقاربه ليس كذلك، ذلك بأن العالم الأمريكي (perssy) كان قد قدم مبحثين تحدث فيهما عن (معلم آلي) يخبر الطالب عن أخطائه حالا دون انتظار عدة أيام. وظهرت أولى الطرائق المبرمجة وأولى الآلات التعليمية على يد هذا العالم النفسي (perssy). وكان الغرض منها آنذاك اختبار التلاميذ وليس تعليمهم، ذلك عام 1924.لكن (بيرسي) ترك العمل على هذه الآلة عام 1932.

 



هذا بوصفه ميداناً علمياً عملي جرب فيه التعليم المبرمج أو ما يشابهه، لكن البدايات النظرية الحقيقية لهذا النوع من التعليم يرجعها بعض الدارسين إلى عهد سقراط اليوناني من خلال حواره الذي عرف باسمه (الحوار السقراطي) والذي كان يقود محدثه فيه خطوة خطوة نحو تحقيق الهدف المرتجى، بل ويرجعه آخرون إلى ما قبل سقراط اليوناني.

ولكن وللحقيقة نقول إنّ التعليم المبرمج مدين بالدرجة الأولى إلى علماء النفس والتجريب في المخابر وإلى العالم الأميركي سكنر(skkiner) خصوصاً والذي نشر رسالته عن التعلم والتعليم مبتدئاً عهدا جديدا في التعليم المبرمج والذي يفيد بالدرجة الأولى من الإشراط الإجرائي في علم النفس حيث يعنى بنشاط المتعلم ويهيئ له الظروف لكي يعمل وبعد أن يعمل يُكافأ وتعزز إجابته، ويستمر بهذه السلسلة من الخطوات حتى يحقق أغراض التعلم المطلوبة، ومن ثَمَّ يعد العالم الأمريكي (سكنر) الأب الروحي (للتعليم المبرمج) لا بسبب آلياته فحسب بل بسبب نظرية التعزيز في التعليم المبرمج التي نقلها من ميدان علم النفس والمخابر إلى ميدان التربية. وأقام الصلة بين علم التعلم وفن التعليم، وأوجد طريقته في البرمجة المعروفة باسم البرمجة الخطية.

 

- أما عن الخلفية الفكرية والنفسية لهذا النوع من التعليم (التعليم المبرمج) فتتوضح أكثر ما تتوضح في نظرة العالم (سكنر) إلى التربية والتعليم كنوع من التكنولوجيا حيث يسوغ ذلك بقوله:

((إن الدراسات التجريبية للتعلم أثبتت أن احتمالات التعزيز التي تكون أحسن أثرا في ضبط المتعلم لا يمكن تنظيمها من خلال المتوسطات الشخصية للمجرب (للمتعلم) وأن المتعلم يتأثر بتفصيلات الإحتمالات التي تكون أصعب وأبعد من أن يستطيع الإنسان تنظيمها، ولذلك يجب الاستعانة بالآلات الميكانيكية والكهربائية.

وأن العضوية البشرية (التلميذ) أكثر حساسية للاحتمالات المضبوطة من العضويات الأخرى، ولذلك فنحن محقون في أن أحسن أنواع ضبط التعلم البشري يحتاج إلى عون وسليا آليا، والحقيقة البسيطة هنا هي أن المعلم ليس كافيا كآلية معززة للتعلم)).

 

ومن ثَمَّ إن التعليم المبرمج يقوم على مبادئ عديدة مستقاة من وجهة نظر (سنكر) أولا ووجهة نظر غيره من المهتمين ثانيا، وأهم تلك المبادئ:

  • تحديد السلوك النهائي وتحليل المهمة التعليمية إلى مكوناتها الفرعية أو الثانوية.
  • تقوية التغذية الراجعة الفورية وتعزيزها.
  • السرعة الذاتية في التعليم والتي تأخذ بالفروق الفردية بين المتعلمين واستثارة دافعيتهم.
  • تجريب المادة المبرمجة وتطويرها(تقنين البرنامج) لتلائم مستوى المتعلمين.
  • التقويم الذاتي للتعلم.
  • تحديد الأهداف السلوكية الخاصة والتي تكون واضحة ويستطيع المتعلم من خلالها توجيه جهوده نحو تعلمها وإتقانها.

 

فالتعليم المبرمج بمبادئه السابقة حسب العالم (سكنر) يتلافى السلبيات والعيوب التي تعاني منها طرائق التدريس التقليدية وهي:

  • انقضاء وقت بين الاستجابة وتعزيزها، وحتى لو كان الوقت قصيراً فإن التعزيز بذلك يفقد فاعليته.
  • التعليم الجيد ينبغي له أن يتقدم خطوة خطوة حتى الوصول إلى السلوك النهائي المرغوب فيه.
  • قلة مرات التعزيز التي يحصل عليها المتعلم.

 

إيجابياته وسلبياته:

الإيجابيات:

الصياغة الدقيقة للأهداف السلوكية وذلك بمعايير محددة هي:

  1. ذكر الأغراض بعبارات سلوكية.
  2. وصف أداء قابل للقياس.
  3. تبيان شروط الأداء وتحديد معيار لهذا الأداء.

يوفر نشاط وفعالية للمتعلم.

يوفر التعزيز الفوري.

يتيح للمتعلم أن يسير في البرنامج وفق السرعة التي يستطيعها بدلا من أن يرغم على أن يسير وفق سرعة لا تناسبه.

يقلل من احتمال الوقوع في الخطأ أو مواجهة الإخفاق في الإجابة ليحل محله النجاح والذي لا يقود. إلا إلى النجاح والشعور بالرضا.

تعدد مجالات استخدامه: فبالإضافة إلى مجالها الأساسي وهو التعليم والمؤسسات التعليمية يمكن استخدامه في:

  1. تدريب الموظفين والمعلمين وتأهليهم خصوصاً في أثناء الخدمة.
  2. الإسهام ضمن تخطيط برنامج المعلم الوحيد.
  3. برمجة الموضوعات الصعبة.
  4. التعليم التقني وتحسين طرائق التدريس.
  5. مواجهة العدد المتزايد من الطلاب والنقص الحاد في أعداد المعلمين المؤهلين.
  6. يحرر المعلمين من المهمات الروتينية وتتاح لهم فرص التفرغ لبعض الأعمال التربوية الهامة مثل. توجيه وتنظيم عمليات التعلم ومتابعة الطلاب والتعرف على مشكلاتهم.

 

السلبيات:

  1. يرتكز التعليم المبرمج على نظرية (سكنر) والتي تستند في الأساس إلى تجارب أجريت على الحيوانات الدينا وأن التلميذ بتعامله مع هكذا برنامج يعامل ويماثل بالحيوان.
  2. التعليم المبرمج يعو ق الابتكار، فهو لا يسمح للطالب بحرية التفكير والابتكار.
  3. السهولة الزائدة في البرامج والتي تضعف معها دافعية التلميذ إلى التعلم، والمادة السهلة أكثر عرضة للنسيان.
  4. الاعتياد على الآلة التعليمية ومن ثَمَّ لا يتشجع الطالب على المبادرة.
  5. الخشية من أن تحل الآلات محل المعلم في التعليم.

 

دور المعلم في هذا النوع من التعليم:

يظن البعض أن المعلم في التعليم المبرمج سوف يقلع عن مهنته، ويستجدي مهناً أخرى أو سوف يجلس ويراقب عن بعد طلابه وهم يتعلمون، والحقيقة ليس هذا ولا ذاك فمهمة المعلم في التعليم المبرمج صارت أكبر وأعقد مما كانت عليه بكثير، فالمعلم هنا بالإضافة إلى كونه (معلماً) فهو صار موجهاً ومرشداً ومشرفاً ومقوماً. أي:

موجهاً ومرشداً للتلاميذ خلال تعلمهم. ومشرفاً على أعمالهم ومقوماً لها وذلك من خلال توثيق الملاحظات عن مدى تقدم المتعلم ثم دراسة وتحليل ومقارنة هذه الملاحظات ليخرج بنتائج وتوصيات تفيد العملية التعليمية وتشخص صعوبات ومعوقات التعلم.

أما عن فعالية التعليم المبرمج موازنة بالطرائق الأخرى:

حقيقة يبدو أن التساؤل الحقيقي ليس أي الطرائق هي أكثر فعالية، طرائق التدريس التقليدية أم طرائق التدريس والتعليم الحديثة كالتعليم المبرمج مثلاً.

بل هو: في أي المواقف التعليمية تكون هذه الطريقة ذات فعالية وفي أي المواقف تكون الأخرى هي أكثر فعالية؟؟؟

وحيث إنّ التعليم المبرمج قد يكون فعالاً في مواقف وقليل الفعالية في مواقف آخرى والكلام نفسه ينطبق على طرائق التدريس الأخرى ولذلك فنحن لا نتبنى التعليم المبرمج بعدّه أداة تحل جميع مشاكل التعليم بل ننظر إليه كأولى الأدوات الفعالة والمساعدة والتي تتكامل مع الأدوات الأخرى من طرائق ووسائل لتحقيق أهداف النظام التدريسي. بوجه خاص والعملية التعليمية بوجه عام.

أي أن التعليم المبرمج كنظام تدريسي جزئي يشكل مع الطرائق والوسائل الأخرى نظاماً تدريساً متكاملاً...

 

المراجع:

أصول التدريس – جامعة دمشق - منشورات جامعة دمشق.

مجلة المعلم العربي: عدد 1,2 – وزارة التربية والتعليم – سوريا.

طرائق التدريس والتدريب العامة - منشورات جامعة القدس المفتوحة.

إعداد المدرس: أسامة ابوردان.

ماجستير تحضيري تربية وعلم نفس - طرائق تدريس العلوم للمتفوقين.