التعليم الالكتروني المبني على المشاريع

يتحدَّث الدكتورعبد العزيز طلبة في مقاله الرائع عن استراتيجية ممتازة في التعليم الإلكتروني ألا وهو التعليم الإلكتروني المبني على المشاريع، حيث يعد هذا النمط من أفضل الأنماط في ترسيخ وتقوية المعلومات التي يتلقاها الطالب في مسيرة تعليمه.



تحدثنا في أعداد سابقة عن تصنيفات استراتيجيات التعلُّم الإلكتروني عبر الويب، كما تناولنا بعض هذه الاستراتيجيات ومنها استراتيجية تقصي الويب أو الرحلات المعرفيَّة عبر الويب وفي هذا العدد نتناول استراتيجية التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات عبر الويب، على أمل الحديث إن شاء الله  في العدد القادم عن استراتيجيات التعلُّم الإلكتروني النشط عبر الويب.        

تُعَدُّ استراتيجية التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات (Project Based e- learning) من أنسب الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها في تدريب وإعداد الطلاب، حيث تمتاز هذه الاستراتيجية بإمكانية  توظيف واستخدام أدوات التفاعل الإلكتروني عبر الويب لتحقيق التعاون والمشاركة في تنفيذ هذه المشروعات، والاستفادة من كافة المصادر الإلكترونيَّة المتاحة عبر الويب في الحصول على المعلومات وتبادلها إلكترونياً فيما بين الطلاب، دون اللجوء إلى المُعلِّم المشرف على المشروعات.

وتعد استراتيجية التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات من استراتيجيات التعلُّم المتمركز حول المُتعلِّم، والتي أكدت الدراسات التربويَّة على تأثيرها وفعاليتها في تطوير مهارات مُتعدِّدة لدى المُتعلِّمين من أهمها مهارات العمل التعاوني ومهارات التعلُّم والاتصال، ويعتمد تنفيذ المشروعات العمل في مجموعات صغيرة يتبادل فيها الطلاب المعلومات والآراء وتمكنهم من التواصل مع زملاء وخبراء لهم الاهتمامات نفسها، وتقع على عواتقهم مسؤولية بحثهم عن المعلومات وصياغتها وتمكنهم من معرفة موضوعات تهمهم، وبما ينمي مهارات التفكير لديهم .

ويتم تنفيذ استراتيجية التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات في بيئة التعلُّم عبر الويب حيث تتسم هذه البيئة بتوافر أدوات وتقنيات التفاعل (Interactive tools) التي تمكن الطلاب من المشاركة والتفاعل إلكترونيا سواء عبر مناقشة الأفكار أو تبادل المعلومات، ويطلق على أدوات وتقنيات التفاعل عبر الويب مسميات مُتعدِّدة منها تطبيقات الويب التفاعليَّة (Interactive Web) أو تطبيقات الويب الاجتماعيَّة (Social Web) أو تطبيقات الجيل الثاني للويب أو (الويب 2.0)، إلَّا أنها جميعاً أسماء لتقنيات أو خدمات تتسم بتحقيق مبدأ المشاركة والتفاعل والمرونة في التعلُّم عبر الويب، ومن هذه التقنيات: المدونات (Bloges)، والمنتديات (Forums)، وتقنية الويكي (Wikis)، وتقنية الأجاكس (Ajax)، وتقنية التدوين الصوتي (Podcasting)، وتقنية خلاصات المواقع (RSS)، والمفضلات الاجتماعيَّة، وغيرها. ولقد غيرت تقنيات وأدوات التفاعل عبر الويب من الطريقة التي تُقدَّم بها المادة التعليميَّة عبر الويب، فبعد أن كانت تعتمد على المواقع الإلكترونيَّة الساكنة والبريد الإلكتروني والقوائم البريديَّة والصفحات الشخصيَّة، أصبح هناك تطبيقات حديثة تعتمد على الاجتماعيَّة والمشاركة في إثراء المحتوى، وأصبح المستخدم هو المحور الأساسي في صنع المحتوى والإضافة إليه، بعد أن كان يعتمد على الاطلاع وقراءة المعلومات التي يتيحها له الموقع فقط.

كما يُعدُّ التعلُّم القائم على المشروعات أحد أساليب التصميم التعليمي التي يقوم بها المُعلِّم ويناسب كثيراً من الموضوعات والمهارات التي يتم تقديمها إلى المُتعلِّمين، ويعرف التعلُّم القائم على المشروعات بأنه أي عمل ميداني يقوم به الطالب ويتسم بالناحية الإجرائيَّة وتحت إشراف المُعلِّم ويكون هادفاً ويخدم المادة التعليميَّة، كما يعرف بأنه نشاط أو مجموعة من الأنشطة اليدويَّة والذهنيَّة التي يمارسها المُتعلِّمون في جوٍّ تفاعلي اجتماعي وبتوجيه من المُعلِّم من أجل تحقيق الأهداف المُحدَّدة، وترجع تسمية هذا التعلُّم بالمشروعات لأن الطلاب يقومون بتطبيق وتوظيف ما تم اكتسابه من معارف ومهارات سواء كانت معرفيَّة أم أدائيَّة أو وجدانيَّة في مواقف تعليميَّة حقيقيَّة يقومون بتنفيذها، بأنفسهم وبرغبة صادقة منهم بدلا من الاعتماد على المُعلِّم.

والتعلُّم القائم على المشروعات يعتمد على تشجيع الطلاب على التقصي والاستكشاف والمساءلة والبحث عن الحلول، ويُشجِّع المُتعلِّمين على إظهار كفاءات ذهنيَّة تسمح بتوسيع دائرة معارفهم من المجرد إلى التطبيق، كما يقوي روح التعاون بين المُتعلِّمين لتنفيذ مشاريعهم، ويؤدي المُعلِّم دور الموجه والمرشد في عمليَّة تصميم وتنفيذ هذه المشاريع.

ويُعدُّ التعلُّم إلكترونياً وقائماً على المشروعات عندما يتعلَّق الأمر بمحتوى تعليمي أو مهام أو مشروعات يتم تقديمها وتنفيذها في بيئة التعلُّم الإلكتروني، ويعتمد على المشاركة والتفاعل والعمل الجماعي إلكترونياً وعبر الشبكات كما يعد التعلُّم القائم على المشروعات نموذجاً تعليمياً يتمحور حول الطالب، فالطلاب يتعلَّمون عندما يكونون منغمسين في عمل مشروع محبب إليهم وعندما تتاح لهم الفرصة لمواجهة مشكلات معقدة ومثيرة للتحدي فتثير اهتمامهم وتُشجِّعهم على الاستفسار النشط والارتقاء بمستوى التفكير، لذا يستخدم نموذج التعلُّم القائم على المشروعات في تقديم الموضوعات التي لا تعتمد على الحفظ والتذكر، وإنما في تقديم الموضوعات التي تتطلَّب البحث والاستقصاء وتعزيز مهارات العمل التعاوني واتخاذ القرار كحل مشكلة معينة.

ويوفر نموذج التعلُّم القائم على المشروعات العديد من المزايا للطلاب والمُعلِّمين منها زيادة الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية وتحسين الاتجاه نحو التعليم وتوفير استراتيجية لاحتواء مُتعلِّمين بخلفيات ثقافيَّة وتعليميَّة مختلفة، واكتساب المزيد من الخبرات وزيادة التعاون بين الزملاء وتوفير فرص خلق علاقات مع الطلاب ، كما يوفر نموذج التعلُّم القائم على المشروعات بيئة تعلم يتسم مناخها بالمتعة والتشويق والرغبة في مزيد من التعلُّم والتعبير عن الأفكار بحرية، ويحول من أسلوب التعلُّم القائم على إتباع الأوامر إلى القيام بأنشطة التعلُّم الذاتية التوجيه، ومن التلقين والتكرار إلى القدرة على  الاكتشاف والربط والعرض، ومن الإصغاء وعدم التفاعل إلى التواصل وتحمل المسؤولية، ومن معرفة الحقائق والمصطلحات والمحتوى إلى عمليات الفهم، ومن النظريَّة إلى  تطبيقها، ومن الاعتماد على المدرس إلى الاعتماد على الذات.

ويعتمد نموذج التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات على تحديد المصادر الإلكترونيَّة المُستخدَمة في تنفيذ المشروع، ووصف إستراتيجية استخدام كل مصدر في الحصول على المادة التعليميَّة وتنظيمها، وعرض المصادر الإلكترونيَّة للطلاب باستراتيجية تظهر تنافس المعلومات بينهما، وربط المعلومات المعروضة بالأهداف التعليميَّة للمشروع التعليمي الإلكتروني، واستخدام تسلسل المعلومات في تنفيذ عناصر المشروع، وتدريب الطلاب على تحمل مسؤولية المعلومات التي توصلوا إليها وتطبيقاتها العمليَّة بالمشروع، ومساعدة الطلاب على التحكُّم في سلوكياتهم والعمل على  تنميَّة قدراتهم المهنيَّة والربط بين المعلومات التي يتوصلون إليها وتكاملها مع زملائهم وتدريبهم على المشاركة في القرارات الخاصة بالمشروع الإلكتروني.

والتعلم الإلكتروني القائم على المشروعات يعطي الفرصة للمُتعلِّمين لتحقيق ذاتهم سواء كانت مشروعات فرديَّة أم جزءاً من نشاط مجموعة العمل، وترجع أهمية هذا النوع من التعلُّم إلى أنه يدفع المُتعلِّمين إلى اكتساب خبرات مهمة، كما أن استخدام تقنيات التفاعل الإلكتروني وسرعة التواصل مع المجموعة أو مع المُعلِّم وسرعة تحليل الأفكار والآراء ونقاشها يشكل تغذية مهمة وسريعة تزيد من معرفة وخبرة المُتعلِّمين القائمين على المشروع.

ويتمثل دور المُعلِّم في التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات في كونه المراقب والمشرف دون تدخل في التفاعل بين الطلاب وتستخدم في هذه الحالة نظم الحوار المباشر ومنتديات النقاش والبريد الإلكتروني وتقنيات الويب التفاعليَّة كأدوات أساسيَّة للتواصل.

وفي نموذج التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات يتم تشكيل مجموعات العمل وفقاً لمستويات الطلاب بحيث يتم تكليف كل مجموعة بمشروع معين يتم تنفيذه، ويتم تقسيم العمل داخل المجموعة الواحدة بحيث يقوم كل فرد فيها بدور مُحدَّد، ومن ثم يتفاعل كل أعضاء المجموعة معاً بعد فترة مُحدَّدة لتجميع العمل وتداول الآراء حوله، ولابد من وجود قائد لكل مجموعة يتم انتخابه من قِبَلِ أفرادها ويكون مسؤولاً عن الوصول إلى القرارات الجماعيَّة ومسؤولاً عن تنظيم النقاش وتنظيم التفاعل والتواصل إلكترونيا بين الأعضاء.

ومن خصائص نموذج التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات ما يأتي:

  1. تحفيز الطلاب إلى المشاركة في المهام الواقعيَّة ذات النهايات اللا محدودة، ويكون دور المُعلِّم هو المرشد والمسؤول عن تذليل العقبات ويعمل الطلاب عادة في مجموعات متعاونة يتم فيها تقاسم الأدوار بالشكل الذي يضمن الاستفادة من قدراتهم الفرديَّة على أفضل شكل ممكن.
  2. التركيز على الأهداف التعليميَّة الهامة والمتوافقة مع المعايير المحليَّة والعالميَّة.
  3. يعتمد التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات على تقديم أسئلة تتطلَّب التعمق في المحتوى وإدراك العلاقات وطرح الأفكار.
  4. يعتمد التعلُّم القائم على المشروعات على تقديم مهام حقيقيَّة وواقعيَّة ترتبط بحياة الطلاب العمليَّة وتترك لهم حرية اختيار المشروعات والمهام بحسب رغبتهم واهتماماتهم.
  5. يعتمد تنفيذ المشروعات على توظيف الوسائل التكنولوجيَّة التي تستهدف تنميَّة مهارات التعاون والمشاركة والتفكير مثل استخدام تقنيات وتطبيقات الويب أو البريد الإلكتروني.
  6. يدعم التعلُّم القائم على المشروعات مهارات التفكير العليا مثل التفكير النقدي والتعاون وتقويم العلاقات.
  7. يتضمَّن التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات أنواعاً مُتعدِّدة لقياس مدى فهم الطلاب للهدف المطلوب، ولتساعدهم على إتمام العمل بجودة عالية، ويقوم الطلاب باستعراض ما تعلموه وتوصلوا إليه باستخدام العروض التقديمية أو مستندات مكتوبة.

ومن مزايا التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات:

تنميَّة روح العمل الجماعي والتعاون في المشروعات الجماعيَّة، وتنميَّة روح التنافس الحر الموجه في المشروعات الفرديَّة. ومراعاة الفروق الفرديَّة فيما بين الطلاب من حيث اختيارهم لمشروعات تتفق وحاجاتهم وميولهم ورغباتهم والسماح بتكوين علاقات اجتماعيَّة فيما بينهم. كما يتيح فرصة تشجيع الطلاب على العمل والإنتاج وربط النواحي النظريَّة بالنواحي العمليَّة وتهيئة الطالب للحياة العمليَّة خارج أماكن التعليم الرسمي، وتطبيق المحتوى الذي تعلمه الطلاب مقترنا بالمهارات التي لديهم في مرحلة القيام بالمشروع.

وعلى الرغم من تعدد مزايا التعلُّم الإلكتروني القائم على المشروعات إلَّا أن هناك بعض المشكلات التي تواجه توظيف هذا التعلُّم منها: صعوبة تنفيذه في ظل السياسة التعليميَّة الحاليَّة التي تعتمد على الحصص التقليديَّة والمناهج المنفصلة وكثرة المواد المُقرَّرة، كما أنها تحتاج إلى إمكانات ضخمة ماليَّة وماديَّة، كذلك المبالغة في إعطاء الحرية للطلاب المُتعلِّمين والافتقار إلى التنظيم والتسلسل في إعداد المشروعات. وتتنوع المشروعات التي يقوم بها الطلاب بحسب الهدف منها، فهناك مشروعات خدمة المجتمع ومشروعات المحاكاة وأداء الأدوار بهدف اكتساب المهارات، ومشروعات الإنشاء والتصميم والإنتاج، ومشروعات حل المشكلات، ومشروعات التعاون من خلال وسائل الاتصال عن بعد  كما يمكن تصنيف المشروعات بحسب المشاركين فيها، فهناك المشروعات الجماعيَّة وهي المشروعات التي يطلب فيها من جميع طلاب الصف الاشتراك في القيام بعمل واحد، أو تنفيذ مهمة واحدة بشكل تعاوني جماعي، وهناك المشروعات الفرديَّة وفيها قد يطلب من كل طالب في المجموعة تنفيذ المشروع نفسه والمُقدَّم إلى بقية زملائه، أي تنفيذ المشروع نفسه ولكن بشكل منفرد، وقد يطلب من الطالب اختيار وتنفيذ مشروع مختلف عن بقية المشاريع التي يقوم زملاؤه بإنجازها.