التعلم التعاوني والحاسب الآلي

محمد حسن عمران:

 بدأ الإهتمام بالتعلم التعاوني منذ عام 1900م، إلا أن الدراسات والأبحاث لم تبدأ بالتركيز على تطبيقاته داخل الصف الدراسي حتى بداية السبعينيات، وقد تم تطوير أنماط مختلفة لتطبيق التعلم التعاوني في الصف الدراسي، فمن هذه الطرائق طريقة فريق العمل الطلابي Student Team) (Learning، التي طورها سلفيان معتمداً على نظريات علم النفس (Slavin، 1983م)، (Slavin، 1990م)، كذلك طور ديفيد وروجر طريقة التعلم معا (Learning Together) بناءً على نظريات علم النفس الاجتماعي (D. W. Johnson & R. T. Johnson، 1989م)، كما طور جونسن أسلوب التدريس لمجموعات العمل (Complex Instruction Approach) مستمداً ذلك من نظريات علم الاجتماع (Cohen، 1993، 1994م) وغير ذلك من الطرائق المختلفة التي تعتمد جميعها على مشاركة المجموعة في التعلم بدلاً من التعلم الانفرادي.

 



وقد قامت كثير من الأبحاث بدراسة هذه الطرائق موازنة بعضها بالبعض الآخر أو عبر موازنتها بنظام التعلم التقليدي، وقد أظهرت هذه الأبحاث نتائج متباينة، إذ وجد بعضها أن التعلم التعاوني كان تعلماً فعالاً في زيادة التحصيل الدراسي بينما أظهرت دراسات أخرى أنه لم يكن هناك فرق في التحصيل الدراسي بين درجات الطلاب في التعلم التعاوني وبين درجات الطلاب في التعلم الفردي (Carrier & Sales، 1987م)، (Sherman، 1988م)، إلا أن اغلب الدراسات أكدت أن التعلم التعاوني كان له أثر إيجابي في الاتجاه وبناء الثقة بالنفس، وفي بناء اتجاه جيد نحو الزملاء والمدرسة، بالإضافة إلى أنه ساعد على تطوير العلاقات الاجتماعية المختلفة بين مجموعات الطلبة.

ومن أهم الأشخاص الذين دعموا فكرة التعلم التعاوني بطريقة غير مباشرة كان جين بياجيه، العالم النفسي الشهير، والذي كان له أكبر الأثر في المناهج، وتنظيم سلم التعليم، حيث إن نظرية بياجيه تؤكد أن التعلم والتطور عند الفرد ينتج من خلال التعاون الجماعي بين الأقران، وقد أوضح بياجيه أن الأطفال يكتشفون المعنى ويكونون شخصياتهم بناءً على أوجه التشابه والإختلاف بينهم وبين الآخرين، حيث يعمل الطفل في أثناء التفاعل ضمن مجموعة بوصفه موصلاً ومستلماً للتعليمات والمعلومات، وأن ذلك التفاعل الذي ينتج عنه كثير من التفاوض والمناقشة يؤدي إلى تنمية مهارة الاستماع، وتعلم كيفية الوصول إلى حل وسط وغيرها، وهذا يساعد في غرس وتشجيع المهارات اللازمة لبناء الفرد.

وهذا غير ما رآه العالم فيجوتسكي (Vygotsky)، صاحب نظرية تأثير المجتمع على النمو العقلي، الذي شجع نوعاً آخر من التعلم التعاوني، فقد اختلف عن بياجيه بأنه أصر على دور المجتمع في كسب الطالب للعلم، ورأى أن التعلم يحصل في أفضل صوره تحت إشراف وتعاون الذين لديهم خبرة أكثر، ونادى بأن التدريس لابد له من أن يركز على إتاحة الفرصة للطلبة للتفاعل مع ذوي الخبرة، وركزت نظريته على أن الطلبة لا بد لهم من أن يوضعوا في مواقف تسمح لهم بالتعاون مع الأشخاص الأقدر (مثال: تشجيع الرحلات المدرسية، ودعوة المسؤولين إلى الصف الدراسي) حيث إنه يرى أن التعلم من الشخص الأكثر خبرة ينتج عنه اكتساب الطالب معلومات أكثر، ويمكنه من معالجة المشاكل بصورة أكثر تركيزاً مما يساعد الطالب على النمو والتطور وهذا عكس حال الطلبة الذين يعملون على انفراد ويتلقون التعلم التقليدي.

إلا أن التعلم التعاوني لا ينجح بمجرد تطبيق فكرة التعلم التعاوني، فإن النجاح أو عدمه يعتمد على كيفية تطبيق التعلم، ومدى وعي من يطبقه بأبعاده، وقد ناقشت العديد من الدراسات العوامل المختلفة التي تساعد على نجاح هذا النوع من التعلم، إذ يرى جونسن وزملاؤه (Johnson & Johnson & Holubec، 1993م) أن التعلم التعاوني لا يتحقق بمجرد وضع الطلبة في مجموعات، حيث يجب على المعلمين أن يكونوا على وعي كامل بكيفية تقديم المواقف التعليمية المطلوبة بشكل تعاوني، كما يجب مراعاة عدة عناصر مختلفة يعتمد عليها نجاح التعلم التعاوني، مثل: الإعتماد المتبادل بين أفراد المجموعة، ومسؤولية كل فرد ضمن المجموعة، ومسؤولية المجموعة، وتعزيز التفاعل بين الأفراد، وتعلم مهارات التفاعل مع المجموعة، وأسلوب العمل الجماعي.

وقد رأى ويب (Webb، 1989م) أن نجاح التعلم التعاوني يعتمد على مدى قناعة الطلبة بهذا الأسلوب من التعلم (34)، كما ذكر سلفيان (Slavian، 1994م) أنه من الضروري أن تتوافر الحوافز لدى الطلبة لتشجيعهم على العمل معاً حتى يبذلوا أقصى جهودهم في هذا العمل، كذلك أكد لازوريتزو كارسنتي (Lazorwoitz & Karsenty، 1990م) أن من شروط نجاح تعلم الأفراد ضمن المجموعة التأكد من أن المعلومات والإجابات لا تقدم لهم من دون شرح وتوضيح، كذلك اشترط الكثيرون لضمان نجاح تعلم المجموعة ضرورة أن يتعلم كل فرد من المجموعة المادة أو الموضوع ككل، حتى وإن كان العمل مقسماً فيما بينهم، ووجد آخرون أن نجاح المجموعة يتطلب أن يشارك جميع أعضائها في التعلم، وليس البعض منهم فقط، وفي هذا السياق أكد سلفيان (Salvian، 1995م) على ضرورة توضيح الأهداف المراد الوصول إليها للمجموعة كاملة.

كما ذكر سكون (Schon، 1986م) أن التعلم ضمن مجموعة يغير في المعلومة فيحولها من حالة الجمود إلى الحركة، ومن ثمّ يمكن أن نسمي التعلم التعاوني تعلماً نشطاً (Learning inaction).

من جانب آخر أكدت دراسات مختلفة على أن من أسباب نجاح التعلم التعاوني أنه يشجع الأفراد ويدفعهم إلى المناقشة في الآراء والأفكار والمعتقدات، مما يؤدى إلى تولد صراع أو تعارض، الأمر الذي يضع الفرد في موضع تساؤل يراجع أفكاره ومعلوماته، وهذا يؤدي إلى تولد استنتاجات أخرى تعيد بناء الفهم. وقد رأى البعض أن الصراع يدفع بالطالب إلى الشرح، الذي ينتج عنه فهم أعمق، خاصة وأن المقدرة على الشرح والتسويغ، كما ظهر من بعض الدراسات، كانت من العوامل المساعدة على التطور الأكاديمي وفي زيادة التحصيل الدراسي. وقد شرح روشيل (Roschelle، 1996م) أنه من خلال الصراعات والشروحات يطور الطالب خبرات أعمق، ويصقل ويبني المبادئ والمفاهيم التي لم تكن واضحة سابقاً.

ويشجع الحاسب الآلي على التعلم التعاوني بطبيعته، حيث إن الحاسب الآلي يقدم بيئة تعليمية مختلفة في ذاتها يتوافر فيها الصورة والصوت والفيديو إلى جانب توافر التغذية الراجعة المباشرة، الأمر الذي يجعلها أداة تعليمية مميزة، ووجود أكثر من طالب للعمل على الحاسب يساعد على تشجيع المناقشات الفكرية، ويسمح بتفهم أعمق للمبادئ والمفاهيم، كما أنه يقلل من القلق والتوتر الذي يصاحب العمل على الحاسب وتعلمه. 

وذكر كل من سكاكتر وفجنانو (Schacter & Fagnano، 1999م) أن تعلم الطلبة ضمن بيئة غنية بالحاسبات له أثر إيجابي في زيادة التحصيل الأكاديمي وبناء اتجاه جيد نحو العلم والتعلم.

كان لأسلوب التعلم التعاوني الأثر الجيد في تعزيز الاتجاه الإيجابي نحو الحاسب الآلي في جميع المحاور الفرعية، التي شملت (الرأي والوعي والقلق) حيث ظهر تغير كبير بالنسبة إلى المجموعتين التجريبية والضابطة، فقد كان هناك زيادة في المتوسطات موازنة بمتوسط الدرجة عند بداية الفصل الدراسي لكلتاَ المجموعتين، إلا أن مجموعة التعلم التعاوني تمتعت برأي إيجابي أفضل بالنسبة إلى الحاسب الآلي موازنة بمجموعة التعلم التقليدي. كذلك كان هناك تغيير ملحوظ بالنسبة إلى القلق من الحاسب والذي لوحظ تدنيه لدى كلتا المجموعتين من بداية الفصل الدراسي إلى نهايته، إلا أن التغيير كان أكبر لصالح مجموعة التعلم التعاوني. أما بالنسبة إلى الوعي لأهمية الحاسب الآلي فعلى الرغم من أن المتوسطات في بداية الفصل الدراسي كانت جيدة وهو ما يدل على أن هناك وعياً كافياً بين الطالبات بأهمية الحاسب الآلي، فإنّ الزيادة أيضا، في الوعي تجاهه، تأثرت بأسلوب التدريس الأمر الذي نتج منه زيادة متوسط المجموعتين في نهاية الفصل الدراسي، وكان الفرق في الزيادة ملحوظاً أكثر لصالح مجموعة التعلم التعاوني.

 

المراجع:

فودة، ألفت (1999م). قياس أثر كل من الأسلوب التعاوني والتقليدي في تعلم مبادئ الحاسب الآلي والبرمجة على طالبات كلية التربية (دراسة ميدانية)، مجلة جامعة الملك سعود، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية (2)، المجلد الحادي عشر، ص ص 101-122.

فودة، ألفت (1999م). أسباب الصعوبات التي تعترض بعض طالبات كلية التربية في "مقرر حاسب آلي"، رسالة الخليج العربي، العدد السبعون، السنة التاسعة عشرة، ص ص 113-145.

 

من إعداد / محمد حسن عمران

مساعد باحث _كلية التربية_ أسيوط

جمهورية مصر العربية