التربية ما قبل المدرسيَّة

يقصد بالتربية ما قبل المدرسيَّة (pre-school education)

تلك المرحلة التي تسبق دخول الطفل إلى المدرسة الابتدائيَّة، أي المرحلة التي تمتد من الولادة إلى سن السادسة تقريباً. وهي لا تتم في مُؤسَّسات قائمة بذاتها ومستقلة تمام الاستقلال عن جوانب الحياة الاجتماعيَّة والمدرسيَّة، بل ترتبط بها وتؤهل الطفل لها.

 



 وتقسم مرحلة التربية ما قبل المدرسيَّة إلى مرحلتين:

  1. مرحلة دار الحضانة: وهي مُؤسَّسات تستقبل الأطفال من الأيام الأولى حتى الثالثة من العمر، وتستهدف توفير الرعاية لهم بما يتناسب ومُكوَّناتهم البيولوجيَّة والصحيَّة والغذائية والحركيَّة والعاطفيَّة والكلامية في فترة غياب أمهاتهم، سواءً أكان الغياب بسبب العمل أم بسبب آخر، تقوم دار الحضانة بدور البيت البديل، وتلبي حاجات الطفل الأساسيَّة، وتسهم المربية فيها بتقديم وجبات الطعام، والرضاعة واللباس والنظافة، والنوم، وتعمل على تنظيم جو الدار على نحو يجعله قريباً جداً من جو المحيط الأسري.
  2. مرحلة رياض الأطفال: وهي مُؤسَّسات تربويَّة تستقبل الأطفال من عمر الثالثة حتى السادسة، وتسعى إلى توفير الشروط التربويَّة المناسبة، والجو الملائم لرعاية القوى الكامنة للطفل بغية إيقاظها، وتسهيل سبل نموها من النواحي الجسديَّة والعقليَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة جميعها.

 

تطور التربية ما قبل المدرسيَّة

كانت مصر القديمة من أكثر بلدان الشرق القديم عناية بالتربية، حيث تقدم الأم لطفلها مبادئ الدين وآداب السلوك والقراءة والكتابة والحساب والسباحة والرياضة البدنيَّة. أما اليونان فقد نظروا إلى الطفل وكأنه رجل صغير، يجب أن يعتاد المشقة والخشونة والرياضة، وتحمل الألم، والاتصاف بأخلاق الرجال، وكان تعهد تربيته إلى مربيات معدات لهذا الغرض، وأكد أفلاطون ذلك بقوله: (إنّ الطفل يجب أن يهيأ لحياة الكبار منذ وقت مبكر) أما أرسطو فقد أكد ضرورة البدء بالتربية الجسميَّة، حيث يؤجل التربية الخلقية والفكريَّة حتى سن الخامسة من العمر. ونظر الرومان إلى الطفل على أنه رجل صغير، ودعا كوانتليان (Quintillion) إلى تخير مرضعات فاضلات حكيمات قويمات اللسان، يعهد إليهن بتربية الأطفال. واهتمت التربية المسيحية بتعليم الأطفال مبادئ الدين والقراءة على أيدي الراهبات.

 

ومع انتشار الإسلام ظهرت الكتاتيب، وبدأت تعلم الأطفال القرآن الكريم، حيث بدأت بتعليم الطفل منذ سن الخامسة، وكان للكتّاب نوعان:

  • لتعليم القراءة والكتابة: حيث يتم هذا النوع من التعليم في منازل المُعلِّمين أو في مكان مخصص لذلك.
  • لتعليم القرآن ومبادئ الدين الإسلامي: وكان مكانه في المسجد، وما يزال بعضها، وفيه يتعلَّم الأطفال القرآن الكريم والأحاديث وبعض أحكام الدين، وقد تحمل اسم المدارس القرآنية. هذا وقد قامت الكتاتيب مقام رياض الأطفال في العصرين الأموي والعباسي وفيما تلاه من العصور التي استمرت حتى فترة قريبة من الوقت، وبعضها مخصص لسواد الشعب، والآخر لأبناء الطبقة العليا، ولم تقتصر الكتاتيب على القراءة والكتابة وتعليم القرآن، بل كان يخصص وسط النهار ليقضيه الأطفال في اللعب والرياضة. ومن أشهر المربين العرب الذين اهتموا بتربية الأطفال الصغار الغزالي، وابن خلدون، وابن سينا، وغيرهم.

 

وظلت الكتاتيب مدة طويلة قبل الخمسينيات تمثل المُؤسَّسة التربويَّة الأساسيَّة لتعليم الأطفال في المراحل المُبكِّرة من حياتهم في معظم البلدان العربيَّة، وقد تطوَّرت بعض تلك الكتاتيب باتجاه التحوُّل إلى روضات فقيرة بالأثاث والمواد التربويَّة. وبرز في عصر النهضة مُفكِّرون تربويون درسوا طبيعة الطفل، وأوجدوا طرائق مشوقة في تعليم الأطفال وتربيتهم، وحاربوا الأنظمة القاسية في تربية الأطفال، ومهدوا لظهور رياض الأطفال، ومن هؤلاء المربين:

 

كومينوس (Comenius) إذ كان لآرائه أثر كبير في البدء بافتتاح مدارس الأطفال في القرن السابع عشر، فهو يرى أن مرحلة الطفولة مرحلة مهمة من أجل تربية الأطفال، ولذلك دعا إلى ضرورة وجود مدارس تعنى بهذه المرحلة، وقد قسم التعليم إلى أربع مراحل:

  • مدارس الأمهات، فالأم هي المُعلِّمة الأولى للطفل حتى السادسة ويتعلَّم الأطفال في الرياض معاني (الماء والهواء والتراب والنار والمطر والشتاء والربيع). أما الطرائق المُستخدَمة فهي اللعب لأنه يناسب طبيعة الطفل ويكسبه النشاط والحيوية.
  • المدارس الابتدائيَّة.
  • المدارس الثانويَّة.
  • المدارس العالية.

 

أما جان جاك روسو (Rousseau) فقد جعل مرحلة الطفولة مرحلة سعيدة بالنسبة إليهم، وهو يرى أن الأطفال في الأصل أبرياء، ولكن المجتمع هو الذي يفسدهم فيما بعد، ودعا إلى أن نهيئ للأطفال بيئة مناسبة يتعلَّمون من خلالها الأمور التي تجعلهم مسرورين وسعداء، ولهذا لا يجوز أن نرهقهم بتعلُّم القراءة والكتابة قبل سن العاشرة، ومن المهم أن يعاملوا على أنهم أطفال وليسوا رجالاً صغاراً، وأكد ضرورة الاهتمام بتربية حواس الطفل من خلال إحاطته بالوسائل التي تسهم في تنمية حواسه.

 

وركز بستالوزي (Pestalozzi) الاهتمام على تأسيس مدرسة للأطفال، تهتم بتربيتهم منذ وقت مبكر وتفسح لهم المجال واسعاً للقيام بالتجارب، والتعرُّف إلى طبيعة الأشياء، وعهد بتربيتهم إلى مربين ذوي صفات شخصيَّة طيبة ولطيفة. وأول ما افتتحت هذه المدارس في سويسرا، والتربية في نظره نمو قوى الإنسان وملكاته نمواً طبيعياً في اتساق وانسجام. والطفل هو محور العمليَّة التربويَّة، لذلك ركز الاهتمام على ضرورة تنمية قدراته الحسيَّة، والخلقية، والعقليَّة، من خلال النشاط التلقائي والتأمل.

 

ويعد فروبل (Frobel) أباً لرياض الأطفال، حيث أنشأ روضة للأطفال في ألمانيا عام (1837).

ويرجع الفضل إلى فروبل في تسميته الروضة حديقة الأطفال. وطور مجموعة من المواد التعليميَّة، سماها الهدايا، اشتملت على الكرات والمخروطات، والكتل الخشبية، والغزل الملون.

 

وأنشأت المربية الإيطالية والطبيبة مونتسوري (M.Montessori) مدرستها للأطفال في العام (1907)، وكانت تضم أطفالاً ما بين سن 3 و7سنوات، وأسمتها (بيت الأطفال)، إذ وضعت نظاماً تربوياً لمساعدة الأطفال على تطوير الذكاء والاستقلالية. ويشجع المربون في مدرسة مونتسوري على استخدام الحواس المُتعدِّدة كاللمس، والنظر، والشم، والسمع، والتذوُّق، لتنمية القدرة على الاستكشاف والتعامل اليدوي مع المواد في محيطهم المباشر.

 

واقع التربية ما قبل المدرسيَّة

تهتم دول العالم بالتربية ما قبل المدرسيَّة اهتماماً خاصاً، مما جعل بعضها يدخلها ضمن السلم التعليمي المدرسي (وخاصة المرحلة الأخيرة منها) أي ما بين سن (5) و(6) سنوات. وقد تشرف عليها وزارات التربية كما في فرنسا أو السلطات المحلية كما في إنكلترا، أو مجالس الولايات في الولايات المتحدة الأمريكيَّة. ومن الملاحظ أن أهداف الرياض تتشابه في معظم دول العالم، حيث تهدف إلى تأمين الرعاية الصحيَّة والتدريب على العادات والسلوك الحسن، ويتم ذلك من خلال مناهج خاصة بالأطفال، حيث تركز بعض البلدان على تعليم الأطفال مبادئ الكتابة والقراءة والحساب في المرحلة الأخيرة.

 

 إلا أنّ معظم المناهج هي مناهج أنشطة مُتنوِّعة لتعويد الأطفال النشاط والعمل، وتقدم المناهج من خلال طرائق مستمدة من أساليب ومبادئ وضعها فروبل ومونتسوري وروسو وغيرهم من رواد التربية. وتعهد التربية في رياض الأطفال إلى مُعلِّمات جرى إعدادهن بتأهيل تربوي عال في معاهد خاصة بتربية الأطفال، وفي إنكلترة يشترط أن تتوافر صفات خاصة في المُعلِّمة إضافة إلى تأهيلها العلمي والتربوي، أما في الولايات المتحدة الأميركية فإن شهادة الماجستير أو الدكتوراه في التربية شرط أساسي للعمل في رياض الأطفال.

 

وفي الوطن العربي يمثل أطفال الرياض نسبة هامة من المجتمع العربي، إلا أن عدد رياض الأطفال لا يتناسب مع عدد الأطفال في هذه المرحلة العمرية، ولا يحظى الريف بالقدر نفسه الذي تحظى به المدن من حيث عدد رياض الأطفال، كما يسهم القطاع الخاص إسهاماً مهماً في رياض الأطفال، ولا تلقى رياض الأطفال الأهمية نفسها من القطاع الحكومي التي يوليها لمراحل التعليم الأخرى. ومن الملاحظ عدم توافر مبان معدة خصيصاً لأن تكون رياض أطفال في بعض أقطار الوطن العربي، كما أن معظم خدمات رياض الأطفال تقدم بمقابل قد تعجز عنه الأسر المتوسطة والفقيرة، وقلما تقدم الحكومات الإمكانات لإنشاء رياض الأطفال. ومن الجدير بالذكر أن المستوى التدريبي والتعليمي لمُعلِّمات الرياض، يتباين من دولة إلى أخرى، وخلاصة القول إن حداثة رياض الأطفال في الدول العربيَّة هي أحد الأسباب التي أدت إلى وجود عقبات وصعوبات مختلفة في النواحي الفنيَّة والإداريَّة والماليَّة والوعي العام.

 

التربية ما قبل المدرسيَّة من خلال التلفاز والفيديو:

تعد برامج التلفاز والفيديو وسيلة سمعيَّة بصريَّة هامة جداً في حياة الأطفال، حيث يترَّقبون ما يقدم إليهم بشوق، ويمكن بث برامج هادفة عن طريق الصور المُتحرِّكة بوصفها وسيلة تربويَّة ثقافيَّة تعليميَّة، ولها تأثير كبير في نفوس الأطفال، إذ تجعلهم يعيشون التجربة، وينفعلون بالمواقف، ويتعلَّمون في أسرع وقت ممكن.

وعندما بدئ باستخدام التلفاز في مجال تربية الأطفال بدئ باستخدامه في نقل المحتوى المعرفي إلى الأطفال وبعض المهارات الحركيَّة وما زال هذا الاستعمال سائداً حتى اليوم، وتنتشر اليوم برامج تلفازية محلية وفضائية تحوي سلاسل من البرامج تشمل محتويات مُتنوِّعة من المعرفة يقدم إلى أطفال مرحلة ما قبل المدرسة، حيث ثبتت أهمية التلفاز في تنمية مهارات القراءة والحساب والمعلومات الحياتيَّة لديهم إضافة إلى تنميتها للاتجاهات والقيم البيئيَّة والاجتماعيَّة المرغوب بنشرها، وقد بدئ مؤخراً بإنتاج سلاسل من البرامج التلفزيونية الحديثة التي تعالج المحتوى الاجتماعي والعاطفي، ومن دواعي إنتاج مثل هذه البرامج اهتمام المربين الحديثين المتزايد بالتربية الاجتماعيَّة والعاطفيَّة، ومن أمثلة البرامج الموجهة إلى طفل ما قبل المدرسة برنامج افتح يا سمسم، المعرب عن البرنامج الأميركي (طريق السمسم)، بعد أن أعيدت صياغته وفق فلسفة التربية العربيَّة و أسسها، وقد وجد الأطفال في هذا البرنامج المتعة والفائدة، مما يساعدهم على التكيُّف مع المدرسة الابتدائيَّة فيما بعد، خاصة الأطفال الذين لم تهيأ لهم الظروف الدخول إلى مُؤسَّسات ما قبل المدرسة الابتدائيَّة. إذ يهدف هذا البرنامج إلى إغناء ثروة الطفل اللغويَّة والمعرفيَّة والعلميَّة، مع توعيته الصحيَّة وتنمية ذوقه الفني، وتعريفه بالعلاقات الاجتماعيَّة السائدة في مجتمعه، وأهمية العمل اليدوي وتبصيره بأنه فرد من أمة لها تاريخ رائع ولغة واحدة، وأن الوطن العربي هو وطنه الكبير وفيه الكثير من الثروات والخيرات، مع الحرص على تعويد الطفل المحاكمة والتفكير العلمي، وإثارة انتباهه للكون وما فيه من مخلوقات تدل على وجود الله ويعد هذا المسلسل أول مسلسل عربي موجه لأطفال ما قبل المدرسة تلته مسلسلات أخرى.

 

وقد بينت الدراسات أن البرامج التلفزيونية المقدمة إلى أطفال ما قبل المدرسة يمكن أن تزيد في قدرتهم على ضبط الذات، وتزيد في مهاراتهم في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، ولا تقف حدود التعليم من خلال التلفاز عند هذا الحد بل تمتد إلى تعلم الأطفال وتنقل إليهم أساليب التعامل مع الآخرين وأسس الأخلاق الحميدة السائدة، ومعلومات عن العالم المحيط بهم وخبرات من الصعب لهم أن يختبروها فتجعلهم يتخطون حدود الزمان، فتعرفهم بالماضي، كما تتخطى حدود المكان من خلال عرض صور لأشياء من الصعب اختبارها عند بعضهم كصور السفن في البحر والطائرات في المطار والوصول إلى نقطة على الكرة الأرضية.

إنّ تلك الفعاليَّة الكبيرة لأثر التلفاز في تعليم الأطفال تلقي على عاتق مصممي برامج الأطفال مسؤولية كبيرة جداً تتجلى في انتقاء البرامج التي تخدم طبيعة وأهداف المرحلة، وتتناسب مع مستوى نمو طفل ما قبل المدرسة، وتلائم القيم الثقافيَّة للمجتمع الحضاري المعاصر.

 

استخدام الحاسوب في التربية ما قبل المدرسيَّة

بدأ استخدام الأطفال للحاسوب في الألعاب الإلكترونيَّة التي قد تؤدي إلى إدمان الأطفال الجلوس إلى شاشة التلفاز والحاسوب، مما جعل بعضهم يعتقد بأن كميَّة المعلومات التي يتعلَّمها الطفل في هذه المرحلة من الطفولة أكبر بكثير من كميَّة المعلومات المتوافرة لدى المُفكِّرين الكبار في العصور القديمة، وصار الطفل أكثر خبرة في المعلومات والتكنولوجيا وهذا ما دعا بعض المربين إلى إدخال الحاسوب في برامج رياض الأطفال.

وفي الحاسوب الآلي يتم التخاطب بين الطفل والحاسوب بطريقة يتم فيها عرض الحاسوب للسؤال، والإجابة يصدرها الطفل، حيث يقوم الحاسوب بتصويب الإجابة، ومن ثم تقويمها ثم إظهار الخطوة القادمة للعبة، وهكذا يتم تكرار عرض المشاهد حتى نهاية اللعبة، ومن خلال اللعب بهذا الأسلوب يتعلَّم الطفل مهارات التخاطب مع الحاسوب وإظهار الأوامر وإظهار الاستجابة، ويتدرب على التفكير، وتجعله يطور اتجاها إيجابياً نحو نفسه، مع الاعتماد على نفسه للوصول إلى ما يريد من حل أحجيات ومشكلات، كما أن تفاعل الطفل مع الحاسوب في السنوات المُبكِّرة يسهم في امتصاص حالة الخوف من التعامل مع المواد والمخترعات التكنولوجيَّة، ومن ثم إعداد الطفل لمثل هذه المهمات في المستقبل، خاصة وأن هذا المستقبل مليء بالمخترعات وتفجر المعرفة وزيادة الاختراعات ووفرتها يتطلَّب من الطفل أن يكون مستعداً إلى حد بعيد للتفاعل مع ذلك. وسيصير الحاسوب أداة تعلم من الضروري توافرها في كل مدرسة وروضة، كما أنه سيصبح الأداة التي تعامل بها أطفال الروضة قبل دخولهم المدارس، لذلك ينبغي جعل الطفل في مرحلة ما قبل المدرسيَّة يعيش عصره، ويتعامل مع نظام المعلومات مبكراً حتى يستطيع التكيُّف مع عصر المعلومات الجديد.

 

المصدر: الموسوعة العربيَّة لتطوير الذات