التربية العربية وتحديات العولمة

أشرف البطران

"العولمة في مضمونها الرئيس ليست سوى الغرب الحديث منتشراً في العالم فيما يتعدى البوارج والصواريخ إلى دقائق الفطر وأنماط الحياة"
محمد جابر الأنصاري



"إنّ الحديث عن العولمة بات يطرح مفاهيم عدة، فتشابكت الرؤيا والمنطلقات، واختلفت المصطلحات بين السياسة، والإعلام، والأدب والاقتصاد، وأصبح هناك تداخل بين أمور عدة: العولمة و(النظام الدولي الجديد)، الاقتصاد والتنمية، الهوية الثقافيَّة وأبعادها الاقتصاديَّة".

ومن ثمَّ، ليس من السهل تحديد مفهوم دقيق للعولمة، إذْ ما زال المصطلح تنتابه عوامل الغموض وعدم الفهم الدقيق نتيجة السجالات الدائرة بين مناصري العولمة ومناهضيها، وكأنّها أصبحت مسألة فقهية تختلف حولها الآراء، إنّها في واقع الأمر مسألة صراع ومقاومه ودفاع عن السيادة والحدود، والتاريخ والجغرافيا، والثقافة والهوية، والاقتصاد والسياسة، للحيلولة دون اتخاذها مساراً للتبعيَّة للقوى الغربية على مختلف الصعد والميادين. من هنا ظهرت تعريفات عدة لمصطلح العولمة. يقول المُفكِّر محمد عابد الجابري "إنّ العولمة تعني جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من المحدود إلى اللامحدود، الذي ينأى عن كل مراقبة، والمحدود هو الدولة القوميَّة التي تتميز بحدود جغرافية وبمراقبة صارمة على مستوى الجمارك، أما اللامحدود فالمقصود به العالم أي الكرة الأرضية".

 

إنّ النظم الرأسماليَّة وصلت إلى أعلى مراحل تطورها التاريخي الذي تمثل في التراكم الهائل لرأس المال، وبخاصة بعد أن خرجت الولايات المتحدة وحليفاتها لتعلن انتصارها في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، ومن ثمَّ على العالم أن يعترف بالرأسماليَّة نموذجاً وحيداً ومثالياً لتطور البشريَّة، الأمر الذي دعاها إلى إعادة هيكلة العالم وصياغته من جديد، ليتناغم مع الطرح الأمريكي لفكرة  جعل العالم "قرية كونية صغيرة"، تنصهر فيها كل أشكال السيادة والتمايز الثقافي والحضاري، وتتمتع "باقتصاد كوني واحد"، تقوده الشركات العابرة للقارات والمُتعدِّدة الجنسية، التي تسيطر عليها أمريكا بشكل شبه كامل، سعياً وراء تضخيم رأس المال، الذي يتطلَّب توسعاً خارج حدود الدولة الوطنيَّة والقوميَّة. ونجاح سياسة التوسع هذه مرهونٌ بمدى قبول العالم واقتناعه بهذا الطرح، فسخرت إمكانياتها الهائلة، وماكيناتها الإعلاميَّة الضخمة للترويج لهذا المشروع الضخم وما يحمله من مبشرات تدعو إلى إلغاء الجمارك، وتحقيق الرفاه الاجتماعي، وزيادة دخل الفرد، وحريَّة تنقله من مكان إلى آخر دون قيود، إضافة إلى جعل المبتكرات التكنولوجيَّة والمعارف العلميَّة مشاعاً بين جميع شعوب الأرض، هذا تصور آخر لمفهوم العولمة من وجهة نظر رأسماليَّة بحتة.

إنّ ما نريد قوله هو أنّ العولمة تمتاز بحالة من عدم الاستقرار والثبات، وما زالت تبحر في فضاءٍ ملبدٍ بالغيوم، وثمة مخاوف وشكوك تتزايد يوماً بعد يوم حول مفهومها وتجلياتها أدت إلى ظهور اتجاهات مُتعدِّدة ورؤى متباينة، تراوحت بين قبول وتوجس ورفض. لكن ما هو واضح بالنسبة إلى العولمة أنّ العالم يسير بخطا متسارعة إلى (القرية الكونية الصغيرة)، في ظل التطوُّرات التكنولوجيَّة الهائلة في مجال المواصلات والاتصالات والفضائيات والحواسيب والإنترنت، الأمر الذي آل إلى سهولة نشر المعلومات والمبادئ والوصول إلى مجتمع المعرفة والمعلومات، ولكن ليس كل المعلومات، بل في حدود ما هو مسموحٌ به، والذي لا يتعارض مع مصالح الدول الرأسماليَّة.

ومن جهة أخرى أحدثت العولمة فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء، وانتشاراً واسعاً للجريمة والمخدرات والإرهاب، وأسَّست لأزمات ماليَّة واقتصاديَّة جعلت العالم أكثر بعداً عن الاستقرار وأقرب إلى الفوضى والعبثية، إضافةً إلى الغزو الفكري والثقافي وتهديد أمن الدولة الوطنيَّة وسيادتها. لذلك علينا -شعوباً وأنظمة عربية وإسلاميَّة- ألّا نصدر أحكاماً سريعةً كعادتنا، بالقبول المطلق أو الرفض المطلق دون دراسةٍ فاحصةٍ وموضوعيةٍ تضع نصب عينيها أنّ العالم أضحى أكثر ميلاً لأن يصبح قرية كونية، ومن ثمَّ نكون في المكان الخطأ من حركة التاريخ.

من هنا علينا التعامل والعولمة كمعطي حقيقي ونتاج تاريخي لتطور الإنسان. لذلك فإنّ الأمة العربية والإسلاميَّة مدعوةٌ "إلى إعادة النظر في مسلماتها الثقافيَّة والتربويَّة والأخلاقيَّة، انطلاقاً من الحقائق الراهنة للعالم، لا بقصد التكيُّف معها فحسب، وإنّما أيضاً بقصد المشاركة في إنتاجها، حتى تكون أكثر تعبيراً عما نريد أن نكون عليه من ناحية، وحتى لا نتعرَّض من ناحيةٍ أُخرى لعملية سلب شاملة ناجمة عن انفراد الآخرين بصياغة العالم الراهن على قدر مصالحه وتصوُّراته التي ليس من الضروري أن تكون مطابقة لتصوُّراتنا ومصالحنا".

 

التربية بين الأصالة والحداثة وتحديات العولمة:

ثمّة تساؤلات كثيرة تدور في أذهان المتابعين والمهتمين بالشأن التربوي والتعليمي في كثير من بلدان العالم، لاسيما في الوطن العربي، فيما يتعلَّق بمدخلات النظم التربويَّة ومخرجاتها، ومدى مواكبتها للعصر الحديث، مع الوضع في الحسبان خصوصية البلدان العربية، لاسيما فلسطين التي عاشت ردحاً من الزمن، تحت نير الدول "الكولونيالة" التي أدّت دوراً كبيراً في صياغة نظم تربويَّة بدائية قائمة على مناهج ذات طابع ماضوي من جهة، ولخدمة أغراضها الاستعمارية من جهةٍ أخرى. وعلى الرغم من مضيّ خمسين عاماً أو يزيد على تحرر كثير من البلدان العربية واكتشاف الثروة النفطية الهائلة التي عادت عليها بالمردود المادي الضخم، فإنّ النّظم التربويَّة فيها لمّا تؤتِ أُكلها بعدُ، ولم تحقق نقلة نوعيَّة في مجتمعاتها على الأصعدة كافة، إضافة إلى تدني التعليم وتراجع مكانته وقيمته في سلم أولويات المواطن. فلو أخذنا كوريا الشماليَّة على سبيل المثال تلك الدولة النامية والفقيرة التي تعاني أوضاعاً اقتصاديَّة مأساوية، نرى أنّها استطاعت القضاء على الأمية الأبجدية والعلميَّة والتكنولوجيَّة، وتغلبت على كل مخرجات الحياة العصريَّة، وتفاعلت معها، وشاركت في إنتاجها. وفي المقابل لم تستطع الدول العربية القضاء على الأمية الأبجدية التي تجاوزت السبعين مليون أمي حسب آخر إحصائية لتقرير التنمية العربية، وبالاعتماد على تقديرات الباحثين "فإنّه من المتوقع ألا يستطيع العالم العربي القضاء على أمية الرجال قبل (2025)، أما بالنسبة إلى أُمية النساء فلن يكون ذلك قبل (2040)". إنّ هذه الكارثة القوميَّة تنبأ بها كثير من المُفكِّرين والتربويين العرب، ونتيجة السجالات الدائرة لوضع آلية معينة للخلاص من هذه الكارثة، ووضع تصور جديد لحل إشكالية الفكر التربوي العربي الحاضر الذي يمثل عصر انحطاط بالنسبة إلى ماضيه الزاهر والحافل بالنظريات والاتجاهات التربويَّة، انقسم التربويون إلى فريقين:

  • فريق دعاة الأصالة والعودة غير المشروطة إلى الموروث الفكري والتربوي الزاخر بالنظريات والاتجاهات التربويَّة الثمينة لأحيائه، وبعث مضامينه التي تحقق المكانة التربويَّة المطلوبة، إمّا على مستوى مضاهاة عرب الأمس وإما على مستوى التميُّز من الغرب.
  • فريق دعاة الحداثة والمعاصرة للغرب، "وذلك باستبدال اللغة والأساتذة والبرامج المحليَّة بالكفاءات والخبرات والأدوات الأجنبية. فالمطلوب هو تقليد الغرب ومحاكاته في تصوُّراته وممارسته التربويَّة، قصد حرق المراحل واللحاق بركب الحضارة العالميَّة وتربيتها الحديثة التي لا ترى في إحياء التراث التربوي أو إعادة اكتشاف فتراته الزاهرة الوسيلة المثلى للاستمرار في تألقها وازدهارها.

 

في الواقع إنّ كلتا الأطروحتين تسعى إلى تحقيق هدفٍ واحد، لكن بأساليب ووسائل مختلفة، والإشكالية بين كلا الفريقين تزداد حدةً يوماً بعد يوم، دون أن يلوح في الأفق أي بادرة أمل في الوصول إلى رؤيا موحدة لكلا الطرفين، وأمام هذا الجدل تبقى السياسة التربويَّة هشة ومترهلة وغير قادرة على مواجهة تحديات المستقبل واستيعاب مضامينه، الأمر الذي يجعلها دوماً عرضة لتغيرات عشوائيَّة ومبادرات تخبطية وإصلاحات ترقيعيّة.

وللخروج من أزمة الفكر التربوي والنهوض به لا بد من إيجاد فلسفة تربويَّة ليبرالية تزاوج بين الأصالة والحداثة، تتماشى مع النظريات التربويَّة الحديثة، قائمة على أساس ترسيخ روح النقد والجدل لدى الناشئة، وتوفر لهم كل شروط الاستقلال والتحرُّر. "إنّ التربية لتغدو ظلماً وطغياناً إذا لم تؤدِّ إلى الحريَّة" (Herbart). بهذا المدخل الليبرالي فقط، يمكن للآراء أن تتفتح وللشخصيات أن تنمو ويترسخ لديها الاحترام المتبادل وتزداد الفسحة أمامها للاقتناع الحر من أجل الوصول إلى مكانة علميَّة رفيعة ووظيفة تنمويَّة حقيقيَّة.

إنّ التربية والتعليم هما المخزون الاستراتيجي المتبقي للحاق بركب الحضارة الإنسانيَّة، وهما الأساس في بناء الفرد والمجتمع، وإلا لما كانت التربية قد حظيت بمكانة داخل كل دساتير الدول، والهدف المبتغى من كل عملية تربويَّة هو تكوين هوية ثقافيَّة سليمة الجذور والإعداد لبناء مجتمع متوازن له جذور حضاريَّة، يمتاز أفراده بقوة الشخصية والقدرة على التصدي لعوادي المستقبل، فثمّة معيقات كثيرة تدفع التربية العربية إلى الوراء، وتحول دون وصولها إلى مبتغاها وتحقيق هدفها المنشود، ومسايرة العلم والتكنولوجيا أهم هذه المعيقات.

 

المناهج التعليميَّة

"وراء كل أمّةٍ عظيمة منهج تربوي عظيم"

أعتقد بأنّه لا أحد يخالفني في الرأي في كون المناهج التربويَّة العربية مناهج كلاسيكية وتقليديَّة على الرغم من كل عمليات الإصلاح والتجديد الآني غير المعتمدة على رؤى مستقبليَّة استغرقت عقدين من الزمن على الأقل. من هنا تنحو مناهجنا التعليميَّة إلى النزعة الماضوية التي لا تتماشى مع احتياجات الفرد والمجتمع والتحديات الحالية وامتداداتها المستقبليَّة. وفي الحقيقة، أنّ المناهج التربويَّة العربية بشكل عام لا تعدو كونها مناهج حكوميَّة تمثل وجهة نظر السلطة الحاكمة المرتبطة بكثير من الاتفاقيات والبروتوكولات مع دول المركز، التي تسعى دوماً إلى نيل رضاها من أجل إضفاء الشرعية على نظامها الحاكم، وفي الوقت نفسه، ذهبت بعض الدول إلى تبني مناهج تربويَّة غريبة عن محيطها الاجتماعي كالمناهج الأمريكية مثلاً التي يعترف أصحابها بأنها مناهج رجعية ومتخلفة أمام المناهج اليابانية، هذا لا يعني تنكرنا لكل ما هو غير عربي، لأنه غير عربي، بل لأنّ تلك المناهج بتنظيمها وفلسفتها ومحتواها على درجة من الاغتراب والعزلة، إضافة إلى أنّها بنيت على أسس اجتماعيَّة وثقافيَّة ونفسيَّة غربية لا تتفق مع خصوصيات مجتمعاتنا العربية واحتياجات أفرادها، من هنا كان لا بد لنا -نحن التربويين، والحكومات، والمُؤسَّسات العربية- أن نبني مناهجنا التربويَّة من صلب ثقافتنا العربية، ووفق معايير خاصة تضع في الحسبان حركة الواقع وتطوره، وأهمها:

  • بناء مناهج تربويَّة اعتماداً على حاجات التلاميذ ورغباتهم، تراعي خصائص نموهم الجسمي والعاطفي والعقلي، وتتفق مع ميولهم واتجاهاتهم، ولا رغبات المستشارين والمختصين.
  • بناء مناهج تربويَّة يشارك فيها المُعلِّمون وأولياء الأمور ومُؤسَّسات المجتمع المدني من نقابات، وجمعيات، وهيئات علميَّة متخصصة.
  • مناهج تحاول ربط المواد النظرية بالتطبيقيَّة العملية في الحياة، جاعلةً من البيئة الماديَّة والاجتماعيَّة مصدراً للتعلُّم.
  • مناهج تراعي الفروق الفرديَّة، وتنطلق من حاجات المُتعلِّم وقدراته، وتنظر إليه بوصفه عقلاً وجسداً وروحاً هو في حاجة إلى الرعاية والتطوير.
  • مناهج توفر مساحة من الحريَّة للمُعلِّم لاستخدام الأساليب والوسائل التعليميَّة والأنشطة، وتبتعد عن التلقين، ليتمكَّن من تحقيق الأهداف التربويَّة المبتغاة.
  • مناهج تأخذ من الاشتراكية مبدأ في العمل، وتستوعب التغيُّرات الثقافيَّة داخل المجتمع في الوقت الذي أصبح الانفتاح على الآخرين أمراً حتمياً في ظل تطور وسائل المواصلات والاتصالات.
  • مناهج تربويَّة تبنى على سياسة تعزيز الوحدة الوطنيَّة والهوية الإسلاميَّة والانتماء الحقيقي لقضايا الأمة.
  • تقويم دوري للمناهج التعليميَّة لمعرفة مدى مواكبتها روح العصر.

 

البيئة المدرسيَّة

لا شكّ في أنّ البيئة المدرسيَّة الجيدة تفضي إلى تعليم جيد يمكن من خلاله تحقيق الأهداف التربويَّة المبتغاة، ولكن تبقى الأوضاع الاقتصاديَّة والإمكانات الماديَّة للدولة هي الكفيلة بتوفير بيئة مدرسيَّة متكاملة العناصر من حيث ساحات النشاط والمرافق وسعة الغرف الصفيَّة، إضافةً إلى المكتبات والمختبرات وأجهزة الكمبيوتر ووسائل الإيضاح والترفيه.

 

من الجدير ذكره هنا أنّ المدرسة العربية بشكل عام، والفلسطينية بشكلٍ خاص، تفتقران إلى تلك المقومات الرئيسة للبيئة المدرسيَّة إذا ما قورنتا بمثيلاتهما في البيئات التعليميَّة الغربية، وذلك يعود إلى جملة من الأسباب أهمها:

  1. الزيادة المطّردة في أعداد الطلاب المنتسبين إلى المدارس بسبب النمو السكاني السريع موازنة بالأعداد المحدودة لتلك المدارس، الأمر الذي أدى إلى وجود حالة من الاكتظاظ داخل الصفوف، ليصل العدد إلى أكثر من (50) طالباً في الغرفة الصفيَّة الواحدة، وهو ما شكل حافزاً قوياً لبعض الطلبة إلى التسرب من المدارس والالتحاق بسوق العمل مُبكِّراً دون حصولهم على الحد الأدنى من حقوق العمال. إنّ تلك الأزمة دعت الجهات المعنية إلى استحداث دوام الفترتين الصباحية والمسائية، مع الإدراك التام لسيئات ذلك النظام، وبخاصة عامل الوقت المتاح لإعطاء الدروس وتطبيق الأنشطة المُتعلِّقة بها، إضافةً إلى حرمان الطلبة من الاستفادة من المرافق الحيويَّة في المدرسة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تفشت ظاهرة استئجار المدارس التي تفتقر إلى أبسط مقومات المدرسة، وكالملاعب، والتهوية الجيدة، والإضاءة المناسبة.
  2. تدني مستوى إنفاق الدولة من ناتجها القومي على التعليم والبحث العلمي، فقد أشار تقرير التنمية البشريَّة للعام (2002) إلى أنّ مستوى الإنفاق على البحث العلمي لا يتجاوز (0.02%) من الناتج القومي الإجمالي مقابل ما يزيد على (2%) بالنسبة إلى معظم الدول الصناعيَّة، وتتراوح النسبة بين (5.2 و5%) من الناتج القومي. (6) من هنا لا بد من إيجاد استراتيجيَّة تنمويَّة شاملة تحقق توازناً بين جميع القطاعات، والعمل على قيام مراكز حرفية ومعاهد صناعات قوميَّة تضمن للتعليم فاعليته وقدرته على دفع حركة التنمية العربية إلى الأمام.

 

نحو رؤيا جديدة للمُعلِّم في ظل العولمة:

لم يبالغ شوقي كثيراً حينما قال "كاد المُعلِّم أن يكون رسولاً" لإدراكه التام لحقيقة الرسالة الإنسانيَّة المقدسة الملقاة على عاتقه والمكانة الاجتماعيَّة التي حظي بها بوصفه مصلحاً ومرشداً ومؤتمناً على فلذات الأكباد. إنّ نجاحه في أداء هذه الرسالة مرهون بقدرته على غرس التربية الأخلاقيَّة والثقافيَّة والعلميَّة في نفوس الناشئة، وتنمية أطرهم المعرفيَّة والمهارية، الأمر الذي ينعكس أثره بشكلٍ مباشر على المجتمع وعلى مُكوَّناته المختلفة وصولاً إلى تطوره ولحاقه بركب الحضارة الإنسانيَّة التي تعيش اليوم حالة المعقول واللامعقول معاً، حالة الممكن وغير الممكن، المتمثلة في العولمة ونتاجاتها المعرفيَّة والتكنولوجيَّة، التي وضعت المُعلِّم على مفترق طرق، فإمّا أن يكون مُعلِّماً منطوياً على نفسه متحوصلاً في شرنقة الماضي الكلاسيكي التقليدي، معتقداً بأنّ وظيفته الأساسيَّة نقل المعلومات وحشوها في أذهان الطلاب من خلال أساليب تلقينيه قمعية وتسلطيّة، وبأنّه مصدر المعرفة الوحيد للطالب، وأنّ الطالب في وضعية المتلقي الخاضع لسلطته التنفيذية، نافياً بذلك دور الجدلية والحوار والندية في تنمية الشخصيَّة وتعزيز استقلالها، وإمّا أن يكون مُعلِّماً ثورياً متحرراً ومتجدداً ساعياً وراء تطوير ذاته، مستخدماً أساليب مُتعدِّدة وأسلحة غير تقليديَّة من أجل رفع قدرات المُتعلِّمين واستثارة دافعيتهم إلى القيادة في المجالات كافة، منطلقاً معهم إلى فضاء الحريَّة والبحث العلمي، مسايراً لعصر تنفجر فيه المعرفة العلميَّة والتكنولوجيَّة، وهذا ما تنشده التربية الحديثة، مُعلِّماً ذا بصيرة نافذة قادرة على التفاعل مع معطيات عصر العولمة والثورة المعلوماتية، خلافاً للتربية التقليديَّة التي ساهمت في إنتاج جيل ليس أفراده إلّا بنوك معلومات متنقلة.

ولكنّ السؤال الذي يبحث عن صدى جواب هو ما مدى تطبيق هذه المعلومات في الحياة اليومية والعملية وقدرتها على حل ما يعترض مسيرة حياته من مشكلات في ظل هذا العالم الديناميكي سريع التطوُّر.

 

من هنا تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في البنى المعرفيَّة والهياكل التربويَّة، لاسيّما المُعلِّم، لزيادة وعيه الثقافي واستعادة دوره الريادي في المجتمع، إضافةً إلى قدرته على توظيف تقنيات عصر العولمة في حياته اليومية والعملية، وإعداده لعالم لم يعد كما كان من أجل إنتاج جيل مبدع مبتكر للمعرفة العلميَّة يحقق نقلة حضاريَّة نوعيَّة وذلك من خلال:

  • الإعداد الجيد والمستمر للمُعلِّمين من أجل التفاعل مع التكنولوجيا وتقنياتها واستغلالهم لكَم المعلومات الهائل المتدفق إليهم عبر الانترنت والفضائيات لرفع مستوى العملية التربويَّة.
  • عقد (ورش) عمل مكثفة للمُعلِّمين تُمكِّنهم من استخدام الحاسوب وتوظيفه في العملية التربويَّة.
  • إدخال العولمة ومضامينها في المناهج التعليميَّة كيلا يعيش المُعلِّم والطالب في حالة انفصام عن الواقع.
  • استقطاب الفئات المميزة من المُعلِّمين للعمل في ميدان التعليم، وتشجيعهم على الإبداع والابتكار.
  • العمل على إيجاد قانون يحمي المُعلِّمين ويصون كرامتهم، ويفرض احترامه على الطلبة، ويستعيد من خلاله دوره الريادي في المجتمع.
  • مؤازرة المُعلِّمين ورفع مستواهم المعيشي.

 

أشرف البطران
منتدى مُعلِّمي إذنا

 

الهوامش

  • الزيدي، مفيد (2003). قضايا العولمة والمعلوماتية، عمان: دار أسامة.
    ص (144 – 145).
  • المصدر السابق.
  • سلامة، يوسف. "تعزيزاً للوعي بقيم الحداثة"، مجلة أفكار، العدد الثالث، ص (3) http://www.afkaronline.org.
  • nesasy.com/societalissues/2005/09/societalissues-110900501html.
  • الغالي، أحرشاو. الفكر التربوي المعاصر مقوماته وخصائصه وتفاعلاته من منظور عالمي. دراسة مُقدِّمة إلى المُنظَّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ص (4)، شبكة المعلومات الدوليَّة.
  • 6http://www.islammemo.cc/KASHAF/one_news.asp?IDnews=649.

 

المراجع

  • غليون، برهان (2003). العرب وتحولات العالم، ط1، بيروت: المركز الثقافي العربي.
  • منير مرسي، محمد (1989). تاريخ التربية في الشرق والغرب، القاهرة: عالم الكتب.
  • الرشدان، عبد الله، وجعنيني، نعيم (1997). المدخل إلى التربية والتعليم، ط1، عمان: دار الشروق.
  • مضية، سعيد (2000)، الثقافة العربية في فلسطين (الحرث والحرت)، ط1، الخليل: وزارة الثقافة الفلسطينية.