التربية التكنولوجيَّة

ما التكنولوجيا؟ المفهوم الشائع لمصطلح التكنولوجيا هو استعمال الكمبيوتر والأجهزة الحديثة، وهذه النظرة محدودة الرؤية، فالكمبيوتر نتيجة من نتائج التكنولوجيا، بينما التكنولوجيا التي يقصدها هذا المُقرَّر هي طريقة للتفكير وحل المشكلات، وهى أسلوب التفكير الذى يوصل الفرد إلى النتائج المرجوة أي أنها وسيلة وليست نتيجة، و أنها طريقة التفكير في استخدام المعارف والمعلومات والمهارات بهدف الوصول إلى نتائج لإشباع حاجة الإنسان وزيادة قدراته، لذا يرى اللقاني والجمل أن التكنولوجيا تعني الاستخدام الأمثل للمعرفة العلميَّة وتطبيقاتها وتطويعها لخدمة الإنسان ورفاهيته.

 



ويعرِّفها محمد عطية خميس بأنها "العلم الذي يعنى بعملية التطبيق المنهجي للبحوث والنظريات وتوظيف عناصر بشريَّة وغير بشريَّة فى مجال معين، لمعالجة مشكلاته، وتصميم الحلول العلميَّة المناسبة لها، وتطويرها، واستخدامها وإدارتها وتقويمها لتحقيق أهداف مُحدَّدة".

ويرى آخرون أنها العلاقة بين الإنسان والمواد والأدوات كعناصر للتكنولوجيا وأن التطبيق التكنولوجي يبدأ من لحظة تفاعل هذه العناصر معاً، وتعرِّفها كوثر كوجك بأنها جهد وفكر إنساني، وتطبيق المعلومات والمهارات لحل مشكلات الإنسان، وتوفير احتياجاته وزيادة قدراته.  ويري عادل سلامة أن التكنولوجيا هي التطبيق المُنظَّم للمعرفة، والعلوم الأخرى المُنظَّمة، في مجال معين أو التطبيق العلمي الذي يتعلَّق بالعلوم الطبيعيَّة بهدف الحصول على نتائج علميَّة مُحدَّدة، بمعنى أنها الجانب التطبيقي للمعرفة والنظريات العلميَّة لتحقيق أهداف مُحدَّدة.

 

ويُلخِّص حسين كامل بهاء الدين رؤيته لمفهوم التكنولوجيا قائلا: "إن التكنولوجيا فكر وأداء وحلول للمشكلات قبل أن تكون مجرد اقتناء معدات"، ويعتقد كل من ماهر إسماعيل صبري وصلاح الدين محمد توفيق أن التكنولوجيا ليست مجرد علم أو تطبيق العلم أو صناعة أجهزة بل هي أعم وأشمل من ذلك بكثير فهي نشاط إنساني يشمل الجانب العلمي والجانب التطبيقي.

من خلال هذا العرض يمكننا تعريف التكنولوجيا بأنها: "جهد إنساني وطريقة للتفكير فى استخدام المعلومات والمهارات والخبرات والعناصر البشريَّة وغير البشريَّة المتاحة فى مجال معين وتطبيقها فى اكتشاف وسائل تكنولوجيَّة لحل مشكلات الإنسان وإشباع حاجاته والزيادة في قدراته".

 

خصائص التكنولوجيا

  1. التكنولوجيا علم مستقل له أصوله وأهدافه ونظرياته.
  2. التكنولوجيا علم تطبيقي يسعى إلى تطبيق المعرفة.
  3. التكنولوجيا عملية تمس حياة الناس.
  4. التكنولوجيا عملية تشتمل مدخلات وعمليات ومخرجات.
  5. التكنولوجيا عملية شاملة لجميع العمليات الخاصة بالتصميم والتطوير والإدارة.
  6. التكنولوجيا عملية ديناميكية أي أنها حالة من التفاعل النشط المستمر بين المُكوَّنات.
  7. التكنولوجيا عملية نظامية تعنى بالمنظومات ومخرجاتها نظم كاملة أي أنها نظام من نظام.
  8. التكنولوجيا هادفة تهدف إلى الوصول إلى حل المشكلات.
  9. التكنولوجيا مُتطوِّرة ذاتياً تستمر دائماً فى عمليات المراجعة والتعديل والتحسين.

 

يمكن تحديد المُكوَّنات الثلاثة الآتية للتكنولوجيا

المدخلات (Inputs): وتشمل جميع العناصر والمُكوَّنات اللازمة لتطوير المنتج، من: أفراد، ونظريات وبحوث، وأهداف، وآلات، ومواد وخامات، وأموال، وتنظيمات إداريَّة، وأساليب عمل، وتسهيلات.

العمليات (Processes): وهى الطريقة المنهجيَّة المُنظَّمة التي تعالج بها المدخلات لتشكيل المنتج.

المخرجات (Outputs): وهى المنتج النهائي فى شكل نظام كامل وجاهز للاستخدام كحلول للمشكلات.

 

التربية التكنولوجيَّة (Technology Education):

عرف اليونسكو التربية التكنولوجيَّة بأنها تلك الحاجات الإنسانيَّة المعرفيَّة والمهارية التي يعتمد عليها الفرد فى حياته، وهى ذاتها تعتمد بدورها على نظم التربية وأساليب التكنولوجيا، بينما عرفها جراي (Gray) بأنها خطة لتنفيذ حاجات المجتمع ومُتطلَّباته، بداية من التدريب على مهارات التفكير ومروراً بعمليات تطوير المهارات المطلوبة لقوة العمل، وانتهاءً بتحقيق أهداف تنمية الفرد والمجتمع، وهى مسؤوليَّة المُؤسَّسات التربويَّة، لأنها مجال من المجالات النوعيَّة فى الميدان التربوي، لذا يجب تطبيق مناهج التربية التكنولوجيَّة فى مدارسنا بعد اختيار ما يناسب مجتمعنا، كما أجمع الباحثون على ذلك، وعرفها كل من ماهر صبري وصلاح الدين توفيق بأنها: "عملية هادفة ومُنظَّمة يتم من خلالها تزويد الفرد بالقدر اللازم من الخبرات التكنولوجيَّة من معارف ومهارات واتجاهات وسلوك وأخلاقيات والتي تعمل علي تنوير هذا الفرد وتثقيفه تكنولوجيا، بينما يعرفها كل من أحمد اللقاني وعلي الجمل بأنها نوع من الفكر يركز علي كفايات الفرد من حيث تناول المواد الدراسيَّة وتبسيطها وتنويعها، وبالشكل الذي يتناسب مع كل مُتعلِّم ، ويهتم هذا الفكر بوسيلة نقل محتوى المادة العلميَّة والأجهزة والمعدات والمواقف التعليميَّة".

 

عناصر التربية التكنولوجيَّة: القدرة التكنولوجيَّة (Technological Capability) وهذا يعنى قدرة الاشتراك فى العمليات النشطة للتكنولوجيا بمعنى:

  • معرفة الاحتياجات والفرص للحلول التكنولوجيَّة.
  • التصميم والتنفيذ والتصنيع والبيع والتشغيل والصيانة واستخدام المنتجات التكنولوجيَّة.
  • الاكتساب والتطبيق للمعرفة والفهم والمهارات.
  • الاختبار والتقويم للمنتجات التكنولوجيَّة.

 

مصادر التكنولوجيا (Technological Resources) أي المعرفة والمهارات العقليَّة والجسميَّة المتاحة في أثناء تنفيذ الأنشطة التكنولوجيَّة بمعنى:

  • المهارات والطرائق العملية.
  • المعرفة العلميَّة والنظرية وفهم الموارد والعناصر والأدوات.
  • المهارات العقليَّة المتاحة لتعريف الاحتياجات وتحليل المشكلات وتطوير الحلول وتقويم المخرجات.
  • القدرة على الاتصال الفكري الشفهي والجغرافي مثل استخدام التكنولوجيا المعلوماتية.
  • الصفات الشخصيَّة للتضامن والتعاون والمرونة والإدراك المطلوب.

 

الوعي التكنولوجي: (Technological Awareness) بمعنى أن التكنولوجيا تتضمَّن المسؤوليَّة الإنسانيَّة تجاه القرارات والأحداث وضرورة معرفة:

  • وجود التكنولوجيا فى المنهج ليس هدفًا في ذاته، بل ليمارسها الطلاب بأنفسهم.
  • الطرائق التي تستخدم ملامح التكنولوجيا، والتي ظهرت فى العالم الاجتماعي لها أسبابها وتأثيراتها معًا
  • من المهم أن يفهم الطلاب أساليب العمل المُنظَّم فى عشر مجالات تصف الأنواع المختلفة من المعرفة والمهارات التكنولوجيَّة.

 

وهذه هي النقاط العشر التي تسهم فى تفعيل العمل بالتعليم التكنولوجي:

  • التركيب: الأجزاء الطبيعيَّة الضروريَّة من المنتج، والعملية أو النظام المتضمن والطريقة التي تنظم بها الأجزاء.
  • المواد الخام: المواد المستخدمة لصنع التركيب.
  • التصنيع: عملية تكوين المواد الخام أو التراكيب.
  • الميكانيكيَّة: الأجزاء من التراكيب التي تسمح لها بالعمل.
  • القوة والطاقة: المصادر التي تمكن من صنع العمل.
  • التحكُّم: الوسائل التي بوساطتها تصبح الميكانيكيَّة نشطة.
  • الأنظمة: دمج الأجزاء لتكوين نظام.
  • الوظائف: موضوعات المنتجات والعملية التي تجعلها مناسبة للنظام الإنساني
  • الفنيات: تنمية المنتجات والعمليات.
  • التقويم: المنتجات التي تمكن الناس من استخدامها.

 

لماذا مادة دراسيَّة للتكنولوجيا؟

ترى كوثر كوجك أن المتتبع للاتجاهات الحديثة فى تطوير المناهج يلحظ أنها قد تحولت من التركيز على الإجابة عن سؤال: ماذا نعلم تلميذ اليوم؟ إلى الاهتمام يكيف نعلمه؟ وكيف نكسبه اتجاهات التفكير العلمي، واتجاهات التفكير الإبداعي فى حل المشكلات، لأن المعلومات تتغيَّر، فلا جدوى من تخزينها فى عقول التلاميذ، وأن اكتساب التلاميذ لمهارات التفكير والبحث والاطلاع وتحديد وحل المشكلات، يكون أبقى أثرًا وأكثر رسوخًا، وقد دعا ذلك بعض النظم التعليميَّة إلى استحداث مادة دراسيَّة لتحقيق هذه الأهداف والتركيز على تنمية القدرات العقليَّة، وتنمية التفكير العلمي والإبداعي فى حل المشكلات، والتعلُّم الذاتي.

ويضيف حسين بهاء الدين أنه إذا كان العالم يشهد ثورة تكنولوجيَّة هائلة، ثورة جديدة يطلق عليها "الموجة الثالثة"، ثورة علميَّة تكنولوجيَّة معلوماتية، أصبح فيها من يملك العلم والتكنولوجيا والمعلومات له حق البقاء، مما يتطلَّب توجيه أهداف التعليم إلى قدرات التعامل مع بني البشر والموارد والأنظمة والتكنولوجيا والمعلومات، بهدف إعداد جيل يستطيع التعامل ولغة العصر، جيل يستطيع التآلف مع التكنولوجيا ويطوعها، لأنّ قوة التكنولوجيا فى إدارتها وتوظيفها وليس فى امتلاكها، وهذا يعني أن التكنولوجيا فكر وأداء وحلول للمشكلات قبل أن تكون مجرد امتلاك لمعدات.

 

كما أنّ البعض يُؤكِّد أنّ النظرة إلى التربية، أصبحت تهدف إلى التعلُّم مدى الحياة، والتعلُّم من أجل صنع القرار، والتعلُّم من أجل الحياة فى مجتمع متغير، وهذا يتطلَّب في رأي بعض أساتذة التربية تربية الأفراد وتنمية قدراتهم على المرونة، وسرعة التكيُّف والتأقلم مع التحوُّلات المتسارعة، وتقبل التجديدات والمستحدثات بعقل متفتح واعٍ، ناقد، يحسن الاختيار، ويجيد اتخاذ القرار، ولا يتأتى ذلك إلا إذا عملت المناهج على تسليح الأفراد بنوع من التفكير والمعرفة، لذا فالتحدي أمام المناهج الدراسيَّة اليوم هو إيجاد طرائق، وخطط، وبرامج تعليميَّة، تستطيع أن تحول المعلومات المدرسيَّة إلى كفاءات، ومهارات عملية، وتنمية قيمة العمل واحترامه، واكتساب الاستعداد للعمل، وامتلاك المعلومات والمهارات والاتجاهات اللازمة للتقدم فى سوق العمل، والقدرة على حل المشكلات، وتنمية التفكير الإبداعي الخلاق، هذا في الوقت الذى يرى فيه البعض أننا ما دمنا نعترف أننا نعيش عصر التكنولوجيا، فعلينا أن نعترف بأن مناهجنا التربويَّة ما لم تصطبغ بالتكنولوجيا لن تصبح مسايرة للعصر، ولا يكون للإبداع والابتكار والتفكير مكانًا فى هذه المناهج، لذلك طالب خبراء التربية المشاركون فى فعاليات المؤتمر القومي لتطوير التعليم الإعدادي بإضافة مادة التكنولوجيا وتنمية التفكير إلى مناهج التعليم الإعدادي.

 

ولأن العالم أصبح معتمداً اعتماداً تاماً على التكنولوجيا من نواح عديدة على الرغم من أن هذه التكنولوجيا فى الوقت ذاته تحمل خطر تدمير المجتمع والمعضلة هي أن نتجنب تدمير المجتمع مع الحفاظ على منافع الاعتماد على التكنولوجيا. أضف إلى ذلك أن التطوُّر السريع فى تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتطبيقاتها يقدم للعالم تحديات جديدة، والاتجاه نحو ما يسمى "الطريق السريع للمعلومات" والآثار الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتربويَّة المرتبطة به، مما دعا مؤتمر السياسات والتكنولوجيات الجديدة المنعقد فى موسكو (1996م) إلى تأكيد متابعة الأهداف الآتية:

  • تحليل الاتجاهات والخبرات الوطنيَّة والإقليميَّة والدوليَّة فى إدخال واستخدام المعلومات الجديدة وتكنولوجيات الاتصال فى النظم التعليميَّة.
  • مراجعة آخر التطوُّرات فى مجال المعلومات وتكنولوجيات الاتصال وفحص تطبيقاتها فى التعليم.

 

وقد حددت كوثر كوجك أهداف "التكنولوجيا وتنمية التفكير "بوصفه مادة دراسيَّة فى الأهداف الآتية:

  • تنمية التفكير الابتكاري فى دراسة وتحليل المشكلات.
  • إضفاء البهجة والمتعة على العملية التعليميَّة التعلميَّة لكل من التلميذ والمُعلِّم، حيث يتم العمل فى مجموعات عمل صغيرة.
  • ملاحقة ومتابعة التغيُّرات التكنولوجيَّة المتلاحقة، وأثرها في المجتمع سلبًا وإيجابًا، والجهود التي تبذل للتحكم بها.
  • التعامل والأجهزة والمعدات التكنولوجيَّة، لتنظيم أدائها مع صيانتها وتطويرها.
  • اكتساب بعض المهارات الأساسيَّة فى استخدام العدد والأدوات البسيطة، مع تطبيق قواعد الأمن والسلامة فى استخدامها.
  • زيادة الثقة بالنفس والقدرة عل المشاركة فى الإنتاج.
  • ترشيد استخدام الموارد المتاحة لحل المشكلات البيئية باستخدام باقي الخامات والفوارغ... الخ.
  • تطبيق حل المشكلات للوقاية من الأخطار الطارئة، وتجنب آثارها السلبيَّة.
  • تنمية الوعي باستشعار المشكلات قبل حدوثها، واتخاذ الاحتياطات الواقية لتجنب آثارها.
  • تعرف مصادر التعلُّم المختلفة معها، وعدم الاقتصار على الكتاب المدرسي أو المُعلِّم فقط.
  • زيادة المشاركة الإيجابيَّة والعمل التعاوني فى فريق، والتدريب على أسلوب طرح الآراء، ومناقشة الآخرين واحترام الرأي الآخر، وغرس مبادئ الديمقراطيَّة وممارستها.
  • تقدير قيمة العمل اليدوي واحترام العاملين فيه.
  • مسايرة نمو مفهوم محو الأمية من مجرد الإلمام بالقراءة والكتابة، إلى عدم القدرة على التعامل والوسائل العلميَّة الحديثة، إلى حل المشكلات التطبيقيَّة الأخرى.
  • تعرف خصائص النظام (مدخلاتها وتشغيلها ومخرجاتها)، وتقويم كل عنصر من عناصرها.