التخلف الدراسي وأسبابه

محمد حسن عمران حسن، كلية التربية، أسيوط، مصر:

يرجع التخلف الدراسي العام إلـى أسبابٍمُتعدِّدة منها: انخفاض مستوي ذكاء التلميذ، وسـوء حالته الصحية، واضطراب أو ضعف نموه الانفعالي والاجتماعي.

 



انخفاض مستوي ذكاء التلميذ:

يرتبط النجاح المدرسي بالعمر العقلي للتلميذ، وكثيراً ما يتعرَّض التلميذ للإخفاق في التحصيل إذا ما كان يطلب منه تحصيله من حقائق ومعلومات ومهارات أعلى من مستوي قدراته العقليَّة، ولكون العلاقة وثيقة بين الذكاء والتفوُّق الدراسي، وليس من شك في أن التفوُّق الدراسي يتوقف إلى حد كبير على نسبة ذكاء التلميذ، وكلما كانت هذه النسبة عالية أمكن التنبؤ بتفوُّق التلميذ دراسياً، كما أنّ هذه النسبة يؤدي بالضرورة إلى تخلفه في التحصيل الدراسي.

ولذلك وجب أن يقوم المُعلِّم بتقويم الجانب العقلي للتلميذ ليتعرَّف على نسبة ذكائه، ونسبة ما يملكه من القدرات العقليَّة الخاصة، وهي القدرات التي يُطلَق عليها (قدرات التحصيل العقليَّة الخاصة في قياس ذكاء التلميذ وقدراته العقليَّة)، وإذا تأكد المُعلِّممن أنّ مستوى ذكاء التلميذ أقل من المستوى الطبيعي، وكانت نسبة ذكائه تدخل في فئة الأغبياء وهي الفئة التي تتراوح نسبة ذكائهم بين (80 و90) وهي لا تدخل في نطاق فئة ضعاف العقول وفقا لتصنيف "ترمان" فإنه يستطيع أن يعالج مثل هذه الحالة باستخدام أساليب تربويَّة معينة منها:

  1. الإكثار مـن الأمثلة الشارحة التـي تفسـر الحقائق والمعلومات المُتعلِّقة بالمواد الدراسيَّة المختلفـة، واستخدام العديد مـن الوسائـل التعليميَّة التـي تساعد على تبسيط أو تجسيم أو تمثيل الحقائـق والمعلومات مما يسـاعد التلميذ علي تصورها وفهمها.
  2. تنويع أسلوب الأداء، واستخدام مختلف الطرائق والوسائل التي تثير اهتمام التلميذ وتجذب انتباهه.
  3. التدريب المكثف باستخدام العديد مـن التطبيقات والتمارين التـي تساعد التلميذ علـي استيعاب القاعدة العامـة أو الحقائق والمعلومات المُتعلِّقة بالموضوعات الدراسيَّة.
  4. ينبغي للمعلّم أن يتقبَّل مثل هؤلاء التلاميذ محدودي الذكاء، ولا يبدي تجاههمإعراضاً أو نفوراً، وألّا يصفهم بالغباء، بل يستعين بالصبر والحلم في معاملته إيّاهم، وأن يتأنى في عرض حقائق الموضوع الدراسي بل ينتقل من نقطة إلى أخرى في تؤدة، وأن يعيد الشرح لأكثر من مرة بطرائق مختلفة متنوعة وبذلك يساعد المُعلِّم التلاميذ علي تفهم كل ما يعرض عليهم من موضوعات.
  5. ينبغي للمعلّم أن يجربطرائق التدريس المختلفة ويختار منها ما يلائم مستوى هؤلاء التلاميذ، على أن يعدل من طريقته إذا اتضح أنها لا تحقق الهدف المطلوب.
  6. من الأفضل أن يتجمع هؤلاء التلاميذ في صف دراسي متجانس إلـى حد ما، حتى يستطيع المُعلِّم أن يتبع مـع المجموعة كلها أفضل الطرائق التـي تناسب مستواهم العقلي.

 

ملاحظة:

إذا اتضح للمُعلِّم أن نسبة ذكاء التلميذ المتخلف دراسيا أقل من (80) درجة فيجب حينئذ أن يقوم عن طريق الإدارة المدرسيَّة بتحويل التلميذ إلى الصحة المدرسيَّة لدراسة حالته وتقرير ما تشاء.. بشأنه، أما إذا كانت نسبة ذكاء التلميذ المتخلف دراسيا أكثر من (90) درجة فإنّه حينئذ قد يكون متوسط الذكاء أو فوق المتوسط ومن ثم فلا يعود تخلفه الدراسي إلى انخفاض مستوى ذكائه، ولكنه يرجع إلى أسباب أخرى مثل الحالة الصحية العامة، اضطراب النمو الانفعالي والاجتماعي.

 

الحالة الصحية العامة:

من الملاحظ أن التلميذ الذي لا يتمتع بنسبة عالية من الصحة واللياقة البدنيَّة لا يستطيع أن يركز انتباهه في دروسه لمدة زمنيَّة طويلة، لأنه يشعر بالجهد والتعب والإرهاق لأقل مجهود يبذله، ولذلك سرعان ما يتشتت انتباهه ويفقد القدرة علي متابعة المُعلِّم في شرحه للدرس ولا يفهم منه شيئا، ومن ثمَّ لا يستطيع أن ينجز الواجبات الدراسيَّة أو مراجعة الدروس السابقة، وبذلك يتخلف في تحصيله عن زملائه الذين يتمتعون بمستوى عال من الصحة العامة والذين لا يشكون من ضعف أو إرهاق، ومن ثم يجب أن يقوم المُعلِّم بتحويل مثل هذا التلميذ إلى الصحة المدرسيَّة حتى يعالج من أي ضعف أو مرض عضوي واضح يؤثر في نموه ومن ثمَّ يؤثر في مستوي تحصيله الدراسي.

ومن الملاحظ أن بعض التلاميذ الذين تعرضوا لاضطراب نفسي في أثناء مراحل التعليم أو قبلها بسبب مرض عضوي كأمراض الكلىأوالقلب أوالقصبة الهوائية أو الأمراض المتوطنة كـ "البلهارسيا" أو "الانكلستوما" يتخلفون في دراساتهم، وينخفض مستواهم التحصيلي، لمرضهم ولطول فترة الانقطاع عن المدرسة، ومثل هؤلاء التلاميذ يستطيعون تعويض ما فاتهم إذا أتيحت لهم الفرصة، ومن ثم وجب علىالمُعلِّم أن يساعد هؤلاء التلاميذ بإعادة شرح ما فاتهم من دروس حتى يتمكَّنوا من تعويض ما فاتهمواللحاق بزملائهم الأصحاء.

ويلاحظ أن التلاميذ المصابين بضعف البصر، أو الذين فقدوا حاسة السمع في إحدى الآذنين، أو أصيبوا بضعف في السمع، هؤلاء التلاميذ لا يستطيعون استيعاب الأفكار والمعلومات واكتساب المهارات بالسرعة نفسها التي يستطيع بها الأصحاء فعل ذلك، ولذلك فإنهم قد يتخلفون دراسياً إذا لم ينتبه إليهم المُدرِّس، ولم يكتشف حالاتهم ومثل هؤلاء التلاميذ إذا وضعوا في ظروف مناسبة لحالاتهم فإنّهم يحققون تقدماً يصل إلى المستوى نفسهالذي يصل إليه الأصحاء.

 

اضطراب النمو الانفعالي والاجتماعي:

إن التلاميذ الذين يعيشون في بيئات اجتماعيَّة غير سليمة غالبا ما يتعرَّضون لاضطراب في نموهم الانفعالي والاجتماعي، نتيجة للعلاقات الأسرية المفككة، أو لأسلوب التربية الخاطئ التي تمارسه الأسرة كالتدليل والرعاية الزائدة، أو النبذ والإهمال أو إشعار التلميذ بأنه غير مرغوب فيه، ويؤدي هذا الأسلوب الخاطئ في التربية إلى زيادة في التوتر الانفعالي لدى التلميذ وهو ما يعوق إحساسه بالأمن والاستقرار وينعكس على مستوى تحصيله واهتماماته.

ولذلك وجب على المُعلِّم دراسة الظروف الاجتماعيَّة والسيكولوجية التي تعيش فيها الأسرة، والتعرُّف على أسلوب معاملة الأسرة للتلميذ، ونوع العلاقة بين أفراد الأسرة، ومدى قدرة الأسرة أو عجزها عن تقديم الاستجابات الانفعاليَّة المناسبة للتلميذ ليشعر بالأمن وألا يتعرَّض للقلق والاضطراب النفسي مما يؤدي بالضرورة إلى تخلفه الدراسي.

ويمكن للمُعلِّم الانتفاع من البيانات والمعلومات المدونة عن التلميذ في البطاقة التراكمية التي سبق الحديث عنها والتي تتضمَّن المعلومات عن أسرة التلميذ، مما يكشف للمُعلِّم عن الأسباب، والظروف والملابسات التي أدت إلى اضطراب نمو التلميذ انفعالياً، ومن ثمَّ إلى تخلفه الدراسي، ويمكن أن يستعين المُدرِّس بالأخصائي الاجتماعي في المدرسة في تقديم النصح للأبوين، وتبصيرهما بالأسباب التي أدت إلى تخلف ابنهما دراسياً، وأن يضع معهم أسلوب العلاج على أن يتابع نمو التلميذ التحصيلي كلما تحسَّنت حالته النفسيَّة وظروفه الاجتماعيَّة.

ويلاحظ أن التلاميذ الذين يعيشون في ظروف اقتصاديَّة غير ميسرة كالتلاميذ الذين يسكنون في منازل غير صحية لا توفر لهم النوم المريح آو التعرُّض الكافي لأشعة الشمس والهواء النقي، والتلاميذ الذين لا يتناولون القدر المناسب من الطعام، يتعرَّضون جميعا لبعض الاضطرابات النفسيَّة أو الاجتماعيَّة مما يؤثر في مستوى تحصيلهم الدراسي. ولذلك وجب أن توفر المدرسة مكانا متسعا كالفناء المدرسي مثلاًليزاول فيه التلاميذ بعض الأنشطة في الهواء الطلق، وأن تقدم لهـم وجبة غذائية مناسبة، كما ينبغي على المُعلِّم أن يدرس هذه الحالات مستعينا بالمعلومات والبيانات المدونة في بطاقة التلميذ، وأن يتصل بولي الأمر ويطلعه على مقترحاته في علاج تخلف ابنه الدراسي، ليتعاون معه على توفير كل ما يحقق لابنه الأمن والاستقرار، حتى يمـكن أن يصل إلى مستوى زملائه في أقل وقت ممكن.

 

أسباب التخلف الدراسي النوعي:

قد يقتصر التخلف العقلي على مادة معينة دون غيرها من المواد الدراسيَّة المُقرَّرة كالرياضيات أو العلوم أو التربية الفنيَّةمثلا، في حين يكون مستوى تحصيله في باقي المواد في مستوى زملائه وأقرانه، وأحيانا أعلى ويرجع التخلف الدراسي النوعي إلى أسباب كثيرة أهمها ما يأتي:

 

  1. طبيعة علاقة مُدرِّس المادة بالتلميذ:

يتوقف نمو التلميذ التحصيلي في مادة معينة على علاقته بمُدرِّس هذه المادة، فإذا عجز المُدرِّس عن تنويع الأعمال المدرسيَّة لنقص في مهارته التعليميَّة أو لقصور معرفته بديناميات السلوك الإنساني، أو لاستخدامه مختلف وسائل العقاب والتخويف لتلاميذه، فإنه يعجز حينئذ عـن تكوين علاقة سليمة أو موجبة بينـه وبين التلاميذ، مما يؤدي إلـى فقدان الثقـة بين التلميذ ومُدرِّسيـه، ومن ثمَّيؤدّي إلـى عدم استفادتهم وتخلفهم الدراسي، ولذلك ينبغي للمدرّس أن يعمل على تحقيق الثقة المتبادلة بينه وبين التلاميذ وأن ينوّعطرائق تدريسه، وأن يعمل على ربط دروسه كلما أمكن باهتمامات التلاميذ، وبأنواع خبراتهم السابقة، وألا يلجأ إلى العقاب والتخويف كوسيلة لتحقيق نمو التلاميذ التحصيلي ودفعهم إلى استظهار مادته.

 

  1. تعدد حالات غياب التلميذ في دروس مادة معينة:

قد يرجع التخلف الدراسي النوعي إلى غياب التلميذ في بعض دروس المادة التي تم فيها تدريس موضوع أساسي، يتوقف على فهمه متابعة التلميذ للدروس الآتية، مما يؤدي إلى عجز التلميذ علي فهم المعلومات والحقائق الآتية: فمثلا إذا تغيب التلميذ عن المدرسة في دروس تناول فيها المُدرِّس تعريف الفلزات واللافلزات وخصائص كل منهـا أو شرح المُدرِّس قاعدة تحويل الكسور الاعتيادية الي كسور عشرية، أو بعض القواعد في اللغة العربية أو اللغة الأجنبية، فإن التلميذ يتعذر عليه أن يتابع بعد ذلك الدروس الآتية مما يؤدي إلى تخلفه الدراسي وقد يدفعه ذلك إلى اليأس من الحالات، ولذلك يتوجب على المُدرِّس خاصة اذا كان غياب التلميذ لعذر مقبول، بأن يساعده علي فهم ما سبق تدريسه بإعادة شرحه، أو إعطائه فكرة مبسطة عن هذا الموضوع أو غير ذلك من الوسائل وفقا لطبيعة الموضوع وظروف التلميذ.

 

  1. انخفاض نسبـة ما يملكه التلميذ من القدرة العقليَّة الخاصة لإتقان مادة معينة:

قد يرجع التخلف النوعي في مادة دراسيَّة معينة إلى انخفاض نسبة القدرة العقليَّة الخاصة واللازمة لإتقان هذه المادة لدى التلميذ. فإذا كانت نسبة القدرة الفنيَّة أو القدرة الموسيقية أو القدرة الميكانيكيَّة أو غير ذلك من القدرات العقليَّة لدي التلميذ أقل من زملائه بنسبة كبيرة فان هذا التلميذ لن يستطيع بطبيعة الحـال أن يصل مستوي تحصيله في المادة المرتبطة بهذه القدرة، إلى مستوى زملائه الذين يتمتعون بنسبة عالية من هذه القدرة، وقد يعاني بعض التلاميذ من تخلف دراسي في بعد المواد التي تتطلَّب قدرة عالية من تذكر الرموز والأرقام أو الكلمات عديمة المعني كما يبدو ذلك عند التلميذ الذي يتعذر عليه حفظ وتذكر الضرب، أو رموز المعادلات الكيميائية أو بعض القوانين الفيزيائية.

ومن أمثلة هذه الحالات ينبغي علي المُعلِّم أن يدرك طبيعة الفروق الفرديَّة وأثرها في تفاوت مستوي التحصيل الدراسي، فلا يطالب التلميذ بأن يكون مستواه في كل مادة دراسيَّة في مستوي زملائه وأقرانه، فقد يكون في بعضها أقل منهم وفي بعضها أعلى منهم، كما ينبغي أن يلجا إلى الصبر واستخدام الكثير من الوسائل التعليميَّة وأساليب التدريس المنوعة ليساعد التلميذ علي حفظ هذه المعلومات. أو القواعد وأن يكثر من التدريبات والتطبيقات حتى يطرد نمو تحصيل التلميذ، وبذلك يتسنى له علاج التخلف الدراسي النوعي الناشئ عن تفاوت القدرات العقليَّة الخاصة بين التلاميذ.

 

التخلف الدراسي وأسبابه