البيئة التعليميَّة الصحيَّة

البيئة التعليميَّة الصحيَّة، وهي:



  1. بيئةٌ المُتعلِّم التي يكون فيها مستعداً لأن يجازف من أجل أن يفهم (لا بأس أن يخطئ وهذا محظور في المدارس).
  2. بيئة يعمل فيها المُعلِّم مع الطلاب ولا يقوم بالأمور لهم أو بالنيابة عنهم (وهذا لا يحدث في المدارس بل المُعلِّم هو من يقوم بكل شيء).
  3. هي بيئة يقوم فيها التعلُّم على التفكير والفهم (وفي المدارس على الحفظ فقط).
  4. هي بيئة توظف ذكاءات الطلاب المُتعدِّدة لتعليمهم وتعبيرهم عن تعلُّمهم (في المدارس) لا نوظف إلا الذكاءين اللغوي والمنطقي رياضي من رياضيات وفي حدود.
  5. هي بيئة تقدم ما له معنى بالنسبة إلىالطلاب والمُعلِّمين (والمدارس تفضل ما لا معنى له).
  6. هي بيئة يكون فيها المُعلِّم مُعلِّما وميسراً وباحثاً ومُتعلِّماً (والمُعلِّم في مدراسنا مُعلِّم فقط وذو سلطة معرفيَّة).
  7. هي بيئة تهتم بالتمهن المعرفي والتفكير المرئي
    (والمُعلِّم عندنا لا يكشف طريقة تفكيره).
  8. بيئة لا تهتم فقط بالإجابة الصحيحة بل كيف وصل إليها المُتعلِّم وبيئة تعرف أنّ الإجابة الخاطئة يتعلَّم منها الجميع أكثر من الإجابة الصحيحة (وهذا لا يتم في مدارسنا).
  9. بيئة لا تقدم المعرفة كلها على أنّها صحيحة أو خاطئة أو أسئلة مغلقة بل تتيح الفرص للطلاب للاكتشاف والبحث والسؤال والتفكير (وهذا حرام في مدارسنا).
  10. التقويم فيها مستمر وهدفه معرفة المُتعلِّم لنفسه وكم وكيف تعلم.
  11. بيئةٌ لا تعتمد على المديح والثناء والوعد بالمكافأة بل التشجيع (فرق بين الثناء الشخصي والثناء الوصفي) (ويبدو أنّ الحضارات لا تقوم على أكتاف من يعمل بمحفزات خارجيَّة فقط).
  12. بيئةٌ تتيح للطالب تجاوز المُعلِّم والمُقرَّر وإنتاج معرفة يتعلَّم منها المُعلِّم.
  13. بيئةٌ تُحفِّز الطلاب إلى المعرفة حباً فيها ورغبةً في التزوُّد منها (لأنّ الإنسان محبٌ للمعرفة بفطرته).
  14. بيئةٌ تؤمن بتوزّع الذكاء وارتباطاته وامتداداته البشريَّة والماديَّة (فالذكاء ليس في الرأس فقط).
  15. بيئةٌ ليست معزولة عن الواقع الحياتي بل موصولة به بجسور من المعاني.
  16. بيئةٌ تهتمُّ بالإنجاز الأكاديمي وتهتم أكثر بالإنسان بوصفه منظومة متكاملة.
  17. بيئةٌ لا تعدُّ المُتعلِّم لسوق العمل أو لخدمة أجندة آخرين بل تعده بوصفه إنساناً يعرف نفسه ويكتشف قدراته الذاتيَّة وكفاءاته الاجتماعيَّة وتعينه على التعامل مع المُتغيِّرات.
  18. بيئةٌ تجعلهُ يشعر بالانتماء إلى هذا العالم الإنساني الكبير الذي يهتم بآماله وآلامه.
  19. بيئةٌ لا ترى التفوُّق في الحفظ بل في التفكير والإبداع وإنتاج المعرفة وتجاوز العتبات المعرفيَّة والسلطات المعرفيَّة والأضرحة المعرفيَّة.
  20. بيئةٌ تعلّم المُتعلِّم مناهج البحث وتتركه ليبحث ولا تخشى نتائج بحثه.
  21. بيئةٌ تعلّم المُتعلِّم أهمية العمل التعاوني والتلاقح المعرفي والسِلم الاجتماعي وفقه الاختلاف وإدارة التنازع.
  22. بيئةٌ لا يُعدُّ فيها ما يفعله المُتعلِّم مشكلة. بل ترى ما يفعله المُتعلِّم في مكانٍ ما ويعد مشكلة، لا يكون مشكلةً في مكانٍ آخر فقد يكون المُتعلِّم مشاغباً في صفّ إلّا أنّه في ملعبٍ كبيرٍ معدُّ للعبه وقفزه وحريته البدنيَّة وأنشطته المختلفة لا يُعد مشكلة.
  23. بيئةٌ تبرز المتفوقين والموهوبين الذين يعجز النظام التعليمي عن إبرازهم لقصوره لا لقصورهم.
  24. بيئةٌ تهتمُّ بمساعدة الطلاب أكثر من اهتمامها بتصنيف الطلاب.
  25. بيئةٌ تهتمُّ بتوفير أدوات للطلاب للتعرُّف على طرائق تفكيرهم (تعرفهم وتعرف زملائهم وتعرف مُعلِّميهم)، لا على طرائق تفكير المُعلِّم فقط.

 

إنّه جوُّ التعلُّم الذي يؤدي إلى تفتح هذه الورود وخروج الفراشات من شرانقها بشكلٍ طبيعيٍّ في بيئة تعينها على ذلك. إنّه الجو الذي لا يوجد فيه من يهددك ويتوعدك في الطابور والصف ووقت الصلاة والفسحة وفي أثناء الانصراف الخ.                       

والجوّ الذي لا تكثر فيه الرشاوى (الوعد بالمكافآت والعلامات الخ) والجو الذي لا يُعين فيه طلابٌ للتجسس على زملائهم وهو الجو الذي يستطيع المُتعلِّم فيه أن يناقش ويحاور بلا خوفٍ من سخرية المُعلِّم وغيره وأن يعبّر عن رأيه وهو الجو الذي كما قلت مراراً نقلاً عن "جاردنر"، لا تسيطر عليه الإجابة الصحيحة الواحدة ولا يملي فيها الكبارُ مشاعرهم على عالم الصغار وهو الجوُّ الذي يكون فيه المُتعلِّم مستعداً للمجازفة والمغامرة ليفهم، وهو الجوُّ الذي تُحترم فيه آدميّة الإنسان بغضّ النظر عن لونه ودينه وجنسه وأصله وفصله وقبيلته وأمه وأبيه وماله وهو الجوُّ الذي يُسمع فيه صوتُ المُتعلِّم لأنّه صاحب صوت، لأنّه إنسان، لا لأنّه يحمل إجابةً صحيحةً لسؤال سخيف طرحه المُعلِّم.

 

وهو الجوُّ الذي يُسمح فيه بالتفكير وعدم الإجابة السريعة والتأمل والاعتراض والغضب والسعادة والبكاء وهو الجو الذي لا يخشى فيه المُعلِّم من سؤال لا يعرف الإجابة عنه، سؤالٌ قد يفجّر المجهول ويغير الاتجاه ويقلب الموازين رأساً على عقِب وهو الجو الذي لا تُرسَمُ فيه نتائج التفكير سلفاً بل لا يدري المُعلِّم ولا الطلاب إلى أين يقودهم التفكير وهو الجو الذي يفكر فيه المُعلِّم ايضاً ويحكُّ رأسه ويقول: "لا أدري"، إذا كان لا يدري ويطلب من الطلاب رأيهم في هذا الذي لا يدريه وهو الجو الذي يُفعّلُ فيه نشاطُ الطلابِ الاجتماعي والعاطفي والبدني والذهني ويصلهم بواقعهم وهو الجو الذي لا يريد الصحيح فقط بل الجديد ولا يخاف المشكلات والمُتغيِّرات ولا يقدّم العالم ثابتاً منذ قرون والجو الذي يُعد الطلابَ للتعامل مع المُتغيِّرات وهو الجو الذي لا يختزل المُتعلِّم في ما يفعله في الصف أو في ورقة (لا قيمة لها في رأيي) تُسمى شهادة أو في رأي المُعلِّم فيه، بل لا يُختزّل المُتعلِّم في تصرُّفاته في المدرسة ولا يُعَنوَن ويصنّف بل يُحرص على اكتشاف الطلاب ومعرفتهم لا للسيطرة عليهم وإنّما للتعامل معهم وللنهوض بهم وهو الجو الذي لا يسيطر فيه المُعلِّم على العمليَّة التعليميَّة ولا يقوم بالأشياء بالنيابة عن الطلاب بل مع الطلاب فهو مُعلِّم وميسّرٌ كذلك وهو الجو الذي يسعى إلى الفهم لا الحفظ فقط ويسعى لتفجير المعرفة ورفع سقفها لا للجمها خوفاً من المارد المعرفي وهو الجوُّ الذي يمرّن العقل على المزيد من المعرفة بعيداً عن أعتاب المرجعيات وهو الجو الذي يقدم الأمور بنسبيَّة لأنّها كذلك وهو الجو الذي ينتج معرفة لا يستهلكها فقط بحجة أنّ الأول ما ترك للآخر شيئاً وأنّ "المحققين" قالوا كذا وكذا فعليك إذاً أن تسكت عقلك وأن تخرس لسانك. وهو الجوُّ الذي لا يسأل فيه المُعلِّم فقط بل الطلاب يسألون أسئلة مفتوحة.

 

خالد سيف الدين عاشور