الإشراف التربوي بين الأمس واليوم

مسعد محمد زياد

ابتدأت إدارات التعليم محاولاتها لضبط نوعيَّة المُعلِّمين بفحص أداء المُعلِّم بما سمي بالتفتيش المركزي، ويضم جهاز التفتيش عدداً من الموظفين، لهم خبرة واسعة في مواد دراسيَّة كاللغة العربية والإنجليزية أو العلوم والرياضيات والاجتماعيات يقومون بزيارة المدارس بشكلٍ مفاجئ، ويتولى كل واحد منهم حسب تخصصه فحص معلومات التلاميذ في مواد دراستهم، ويبني على ضوء هذا الفحص حُكمهُ على أداء المُعلِّم، فيوصي بترقيته أو تثبيته أو نقله. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين توصلت الدراسات التربويَّة إلى تجديد الأسماء على ضوء التعديلات على مضمون التفتيش، فغدا أقرب إلى "التوجيه الفني" منه إلى التفتيش، أي أنه أصبح جهداً يهدف إلى مساعدة المُعلِّم على النمو في المهنة والكفاءة في الأداء، وشيئاً فشيئاً تطوَّرت الأمور وغدا نمو التلميذ هو الهدف، وأضحى تطور العملية التربويَّة بجوانبها المُتعدِّدة هو الغاية، وأصبحنا أمام مصطلح "الإشراف التربوي" وما يقابله من مضامين جديدة.



تعريف الإشراف التربوي:
عملية تفاعل إنسانيَّة اجتماعيَّة تهدف إلى رفع مستوى المُعلِّم المهني إلى أعلى درجة ممكنة من أجل رفع كفايته التعليميَّة. وكان يتطلع إليه كعملية ديمقراطيَّة تعاونيَّة، طرفاها المشرف التربوي والمُعلِّم، وتهدف إلى اكتشاف وتفهم أهداف التعليم ومساعدة المُعلِّم ليتقبَّل هذه الأهداف ويعمل على تحقيقها.

إنَّ التعريف السابق يمثل نقلة نوعيَّة تبتعد كثيراً عن مفهوم التفتيش وممارسة القائمين عليه، إذاً يلغى نهائيا الاستعلاء على المُعلِّمين وتجريحهم وتصيد أخطائهم. كما يتجاوز التوجيه الفني الذي قد يقف عند حدود متابعة عمل المُعلِّمين في المدارس ومحاولة تصحيح ممارستهم على ضوء الخبرة والنصيحة الوافدتين من خارج المدرسة، لارتباط التوجيه الفني بتميز الموجه في مادة تعليميَّة بعينها.

أما الإشراف التربوي فقد أزال الحاجز النفسي بين المُعلِّم والمشرف التربوي عندما عَدَّهما طرفين في عملية واحدة يتعاونان على بلوغ أهدافهما. وهكذا تصبح غاية المشرف التربوي تطوير العملية التعليميَّة، وهو أمرٌ لا يوحي إلى المُعلِّم بأي معنى من معاني العجز والضعف أمام المشرف التربوي.

وقد عَرَّفَهُ بعض التربويين بأنه:
عملية قيادية تعاونيَّة مُنظَّمة تعنى بالموقف التعليمي في جميع عناصره من مناهج ووسائل وأساليب، وبيئة ومُعلِّم وتلميذ، وتهدف إلى دراسة العوامل المؤثرة في ذلك الموقف وتقويمها للعمل على تحسين التعلُّم وتنظيمه، من أجل التحقيق الأفضل لأهداف التعلُّم والتعليم

وهذا تعريف آخر:
"الإشراف التربوي هو جميع النشاطات التربويَّة المُنظَّمة التعاونيَّة المستمرة، التي يقوم بها المشرفون التربويون ومديرو المدارس والأقران والمُعلِّمون أنفسهم، بغية تحسين مهارات المُعلِّمين التعليميَّة وتطويرها، مما يؤدي إلى تحقيق أهداف العملية التعليميَّة، التعلميَّة".
تطور مفهوم الإشراف التربوي: هناك قوتان أساسيتان قد أثرتا في النمو السريع للإشراف التربوي.

أما الأولى، فتمثل حصيلة عوامل اجتماعيَّة ثقافيَّة، كالنمو السكاني، وتغير المجتمع المحيط بالمدرسة، والاهتمام بجودة التعليم. وأما الثانية، فتمثل النظريات والبحوث التي ظهرت في هذا المجال. إذ إن النظريات المطروحة والدراسات الميدانيَّة في العلوم السلوكيَّة فتحت آفاقاً جديدة في التفكير بطبيعة أهداف الإشراف التربوي وممارساته، ودور المشرف التربوي، ومركزه، وسلطته، وما إلى ذلك.

 

مهمات الإشراف التربوي:

  • الانتقال بالعملية التربويَّة من التعليم إلى التعلُّم:
    إذا لا معنى للتعليم إن لم تتضح آثاره في التعلُّم، فلا يكون التعليم نقلا للمعارف بل يصبح وسطا لا كتساب المعارف وتحليلها ومعالجتها والتصرُّف فيها. وهذا يُؤكِّد صعوبة مهمة المشرف التربوي في متابعته لأعمال المُعلِّمين. إذ لا تكتفي زيارة المفتش للمُعلِّم في جولة خاطفة وتقويم ثمرات عمله كما تعكسها إجابات الطلبة عن الأسئلة الموجهة إليهم بخصوص مادة الدراسة، كما لا تكتفي مراقبة الموجه لحصة صفيَّة حتى يتعرَّف على كفاية المُدرِّس في التعليم وإدراكه أغراضه وممارسته لأساليبه العلميَّة لإثارة اهتمام التلاميذ بالتعلُّم ومراعاة قدراتهم وحاجتهم واستعداداتهم، بل يحتاج أن يكون اتصاله بالطلبة أوسع، وتفاعله مع المُعلِّم أوثق.

 

  • الانتقال من المعرفة إلى تنمية أنشطة التفكير:
    حيث يبرز هنا دور المشرف التربوي في تقويم وضع المناهج ومساهمته في إعداد المُعلِّمين.

 

  • الانتقال من تقويم معلومات المُدرِّس إلى بناء نظام قيمي لديه:
    وهذا يتطلَّب أن يقتحم المشرف التربوي هذا الميدان ليساعد المُدرِّسين على تجاوز المشكلات التي يتصدّون في عملهم حينما يركزون على مخاطبة عقول الطلاب ويتجاهلون جوانب حياتهم الوجدانية والاجتماعيَّة والحس-حركيَّة.

 

  • الانتقال من تقويم المُدرِّس إلى تقويم المدرسة وتفاعلها مع البيئة:
    فالمبادئ التربويَّة الأساسيَّة تنظر إلى التربية بكونها عملية متكاملة، ولذلك فإن الفصل بين مهمات المشرفين التربويين المتخصصين بموضوعات الدراسة المختلفة يُؤكِّد الابتعاد عن الالتفات إلى أحوال المدرسة والجوانب الإداريَّة فيها، وهي عوامل هامة في نجاح العمل التعليمي التعلُّمي أو في إخفاقه. 

 

  • الانتقال من دراسة المدرسة إلى النظام التعليمي وعلاقاته بغيره:
    فالمُعلِّم في المدرسة لا ينطلق في عمله من فراغ، وإنما من نظام تعليمي عام يتصل بأنظمة المجتمع الأخرى سياسة واقتصاديَّة ودينيَّة واجتماعيَّة عامة. ولا يمكن للمشرف التربوي أن يقدم مساندة للعمل التعليمي التعلُّمي وكأنه لا يتأثر بالنظام التعليمي بشكل خاص وأنظمة المجتمع الأخرى بشكل عام.

 

مهمات المشرف التربوي فيما يأتي:

  1. تهيئة المُعلِّمين الجدد لعملهم:
    يتم إعداد المُعلِّمين للمهمات التعليميَّة في كليات إعداد المُعلِّمين، ويتم تدريبهم على مطالب العمل ميدانيا في أثناء الدراسة. ولكنهم من ناحية عملية يتصدون لمشكلاتٍ حقيقية عندما يباشرون أعمالهم الفعليَّة في المدارس التي يعينون للعمل فيها.
    وتقع على جهاز الإشراف التربوي بالتعاون مع إدارة المدرسة مسؤوليَّة المُعلِّمين الجدد عن أدائهم لعملهم.
  1. عقد الدورات للمُعلِّمين في أثناء الخدمة:
    يتصل المشرف التربوي يوميا بالميدان في هذه المدرسة أو تلك، ويطلع على جوانب العمل وعلى المشكلات التي يتصدى لها المُعلِّمون، وعلى جوانب النقص في الخدمات التعليميَّة المُقدِّمة إلى التلاميذ. وعلى ضوء ذلك يستطيع المشرفون التربويون، وبجهد تعاوني اقتراح بعض الدورات التي تعالج جوانب الضعف التي يلاحظونها، ومن هذه الدورات ما يأتي:
  • دورة لاستخدام الحاسب في التعليم.
  • دورة لتعليم مُعلِّمي المرحلة الأساسيَّة استخدام أسلوب المجموعات في التعليم.
  • ورشة عمل في القياس والتقويم التربوي لتحسن أداء المُعلِّم في الاختبارات.
  • ورشة عمل لتدريب المُعلِّمين على استخدام المواد الأوليَّة المتوافرة في البيئة لصنع الوسائل التعليميَّة.
  • دورة لتدريب المُعلِّمين على إثارة اهتمام الطلبة بالأنشطة.
  • دورة للمُعلِّمين المشرفين على المكتبات المدرسيَّة لتعريفهم بالأساليب المناسبة لتفعيل دور واجتذاب الرواد إليها.
  • دورة لتدريب المُعلِّمين على استخدام طرائق جديدة في التدريس.

 

  1. تنظيم اجتماعات بالمُدرِّسين:
    وقد تأتي هذه الاجتماعات في مطلع العام الدراسي الجديد، حيث يلتقي المشرف التربوي مُدرِّسي إحدى المواد ويناقشهم في المنهج الدراسي لهذه المادة والكتاب المُقرَّر وكفاية دليل المُعلِّم.
    ويكون من ثمرات هذا الاجتماع إثارة انتباه المُعلِّمين لبعض الجوانب الهامة في المنهج، والوقت المناسب من الفصل الدراسي لتناول هذا الجاذب. كما قد يأتي الاجتماع بمناسبة اقتراب موعد الامتحانات النهائية. كما قد يأتي الاجتماع بعد انتهاء الامتحانات، وقد يأخذ الاجتماع شكل ورشة عمل لتحليل الأسئلة التي أستخدمها المُعلِّمون.

 

  1. العمل على تطوير المنهج:
    إن عملية تطوير المنهج ليست مهمة الإدارة العامة للمناهج في وزارة التربية والتعليم، وإن كانت هذه الإدارة هي من ينظم عملية التطوير، وتطوير المنهج ليس عملاً إفرادياً يقوم به المختص التربوي. بل يأتي التطوير ثمرة لجهدٍ مشترك يساهم في تحقيقه المشرف بوصفه قائداً تربوياً بالتعاون مع المُعلِّمين الذين نفذوا توجيهات المنهج ميدانياً.
    كما يساهم في العمل على تطوير المنهج الطلبة الذين تعايشوا مع الخبرات التي يتيحها المنهج وتدارسوا المعلومات والمعارف التي ركز عليها.

 

  1. عرض نماذج للمحاكاة في إدارة الصفوف:
    إن نجاح عمل المُعلِّم في داخل غرفة الصف يتأثر بشكلٍ كبيرٍ بنجاحه في إدارة الصف، فلا يكفي أن يكون المُعلِّم متعمقاً في مادة تخصصه، وأن يكون المنهاج حديثاً ومُتطوِّراً، كما لا يكفي اعتماد طرائق مُتميِّزة في التدريس واستخدام وسائل نافعة إن لم يجد المُعلِّم سبيلاً إلى إدارة الصف بطريقه فعَّالة.
    ويستطيع المشرف التربوي، ومن خلال زيارته الميدانيَّة أن يتعرَّف على المُعلِّمين الذين يكونون قدوة في هذا الأمر، ويعقد بعد كل حصة حلقة لمناقشة الاستراتيجيات التي اتخذها المُعلِّم ويقدم تفسيرا لكل استراتيجيَّة بما يساعد على توليد القناعات بالأخذ بمثل هذه الاستراتيجيات في العمل.

 

  1. المشاركة في اختيار المُعلِّمين وتوزيعهم على المدارس:
    المشرف هو كحلقة وصل بين الإدارة في المركز والميدان يستطيع أن يساهم مساهمة فعَّالة في تقديم صورة عن احتياجات المدارس من المُعلِّمين في واحد أو أكثر من التخصصات، كما يساهم في التوصية باختيار المُعلِّمين الذين يناسبون حاجات هذه المدرسة أو تلك في تخصـص معين.

 

  1. تشجيع المُعلِّمين على تجاوز إطار الكتاب المدرسي المُقرَّر لتحقيق أهداف المنهج:
    كثيراً ما يميل المُعلِّمون إلى التزام النصوص الواردة في الكتب المدرسيَّة المُقرَّرة، التزاماً حرفيّاً لكونها مواد تعليمية منتقاة بحذر وعناية تبعدهم عن الوقوع في الأخطاء المحتملة وهذه النصوص هي نماذج تمثل مُتطلَّبات المنهج، ولكنها لا تعكس كل مقوماته.
    وإذا كان المُعلِّم يلتزم حرفيات الكتاب المُقرَّر ولا يجد من يثير اهتمامه بالمواد التعليميَّة المساعدة على استكمال تحقيق أهداف المنهج خارج إطار الكتاب المدرسي يكون قد أقفل أمام التلاميذ بابا واسعا من أبواب تحصيل المعرفة واكتساب الخبرة.
    ولذلك يلجأ جهاز الإشراف إلى إعداد مواد تعليميَّة متنوعة: يتصل بعضها بالاكتشافات والمخترعات الحديثة، ويتصل بعضها الآخر بالنماذج المتنوعة للإنتاج، ويتناول بعضها الثالث الأحداث ويُطرح بعضها الرابع للنقاش طبقاً لما يستحوذ على اهتمام الناس في المنطقة التي توجد فيها المدرسة.

 

  1. استثمار المشرف لموقعه كحلقة اتصال بين الإدارة والميدان في العمل على تكامل دوريهما:
    للمشرف التربوي أهمية باللغة في توفير التغذية الراجعة للعاملين في الأنشطة المختلفة في مجال التربية والتعليم، وعلى مستوى التخطيط والتنظيم والقيادة والتطوير والتقويم والعلاقات مع البيئة المحليَّة.