الأنشطة الصفيَّة وقنوات الاحتواء النفسي

إنّ عمليَّة التعليم تُعَدُّ في مضمونها العماد الأساسي لتطوير المجتمعات، وهي مفتاح التحضر الفكري والتقدُّم التكنولوجي والعلمي لذا فإنّ مسؤولية وضع الخطط التعليميَّة أمرٌ مهمٌ وجوهري ويحتاج واقعياً إلى جهودٍ جبارةٍ من أجل جعل تلك الخطط التعليميَّة قناةً مشبعةً ذهنياً ونفسياًوبدنياً للمستفيدين منها من الطلاب والمُتعلِّمات على اختلاف مستوياتهم التعليميَّة.

 



إنّ هناك ما يجب أن ينجز على مستوى العالم العربي حتى نتمكن من إطلاق جيلٍ بشريٍّ بنّاءٍ يتفاعل مع التقدُّم العالمي السريع وتكون له البديهة الإيجابيَّة في كيفيَّة الاستفادة من خبرات الآخرين تحت ظل الشريعة الإسلاميَّة التي حثّت بشدة على البحث عن مصادر تغذية الفكر وإشباع الفضول العلمي، ولكننا نلاحظ تأخراً ملموساً في بعض الميادين على مستوى العالم العربي بشكلٍ عام، وكذلك على مستوى مجتمعنا المحلي بشكلٍ خاص بل إنّ الأمر يشير إلى وجود ملاحظاتٍ كبيرةٍ على العمليَّة التعليميَّة خاصةً فيما يتعلَّق بأنظمة المدارس وقوانينها، تلك القوانين الصارمة التي لا تعطي المُتعلِّم أو المُتعلِّمة حيزاً جوهرياً في تفريغ طاقاته النفسيَّة بشكلٍ فعلي تطبيقي على أرض الواقع، ولعل النقطة المهمة التي يجب أن تثار تحت بند العمليَّة التعليميَّة هي الأنشطة اللاصفيَّة التي ربما تحدث عنها الكثيرون ولكن في هذا الموقع أرى أنّها لا بد من أن تطرح بصورة مختلفة تناسب العصر الذي نعيشه وتناسب الكم الهائل من المُتغيِّرات التي تحدث حولنا، فمثلاً لو نظرنا إلى النشاط الذي تقدمه بعض المدارس لطلابها وطالباتها فماذا نرى؟

 

أعتقد بأنّ الوضع الحقيقي لا يتجاوز مجموعة حصص من الرسم أو التدبير أو الخياطة وهي حصصٌ لا تنفّذ سوى مرة في الأسبوع بل وعلى الواقع نجد أنّها كثيراً ما تذهب تحت عنوان "الرّيادة" وهذا المصطلح العقيم لا يعدو أن يكون أكثر من إضاعة للوقت، بينما نحن في العصر الحالي نحتاج إلى أنشطةٍ لا صفيَّة تعطى للطلاب والمُتعلِّمات ويخصص لها يوم كامل للنشاط أي تلغى فيه أغلب الحصص كل أسبوعين أو وفق ما تراه إدارة المدرسة، وأعتقد كذلك أنّ الأمر غاية في الإلحاح لأنّ احتواء الطلاب والمُتعلِّمات لا بد من أن يكون بصورة أكبر من خلال النشاطات المُتنوِّعة والمختلفة داخل النشاط اللاصفي، فالطلاب والمُتعلِّمات لديهم طاقات كامنة وهائلة وهم في المقابل يبحثون عن قنوات تفريغٍ مستمرة لتلك الطاقات ولعل على رأسها قنوات الاحتواء النفسي العاطفي الذي لا بد وأن توفر بصورة إيجابيَّة توجيهية من خلال تفعيل الدور الحقيقي لمهنة الأخصّائي النّفسي في النشاط اللاصفي على مستوى الطلاب بل والعمل على استحداث النشاطات الحركيَّة للطالبات والمشاركة معهن في أنشطتهن كالرياضة والجري والمسابقات الحركيَّة التي يجب ألا توقفها بعض المدارس في سن الابتدائيَّة فقط.

 

والأمر المهم الذي يجب على الجميع إدراكه هو أنّ التطوُّر السريع الحاصل الذي دخل إلى مجتمعنا كغيره من المجتمعات يفرض علينا منطقياً أن نهرول من أجل أن نحقق التوازن بين ما يجب وبين ما لا يجب وأن نسعى سعياً حثيثاً إلى التعامل مع الواقع بطرائق احتوائية تختلف عن تلك التي كانت قبل سنوات طويلة من أجل أن نحقق الحماية والحصانة الحقيقيَّة لأبنائنا من الانحراف.

 

د. نجلاء أحمد السويل